"إما صفقة اعتراف ببعض جرائمه أو الهرب لأمريكا"، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو أمام أحد هذين المصيرين، ويجب أن يختار أحدهما قبل نهاية هذا الشهر.
فبعد أسبوعين ستنتهي ولاية المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي مندلبليت، والإسرائيليون من كل الأطياف يراقبون المواجهة بين الرجلين، خاصة بعد الكشف عن وجود مفاوضات سرية هذا الأسبوع تهدف إلى إنهاء محاكمة نتنياهو في اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة من خلال صفقة اعتراف، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
والإسرائيليون من جديد ممزقون ما بين أولئك المتحمِّسين للتخلُّص من نتنياهو بأي ثمن، وأولئك الذين يريدون إدانته بحكم محكمة، وأولئك الذين يعتقدون أنَّ النظام القضائي يضطهد زعيمهم المبجل.
والآن، الكرة في ملعب نتنياهو، أو بالتحديد في أيدي أفراد الأسرة: نتنياهو، وزوجته سارة نتنياهو، وابنهما يائير.
ونهاية المهلة قريبة: 31 يناير/كانون الثاني 2022، حين تنتهي ولاية مندلبليت. ولن يكون خليفته، الذي لم يُختَر بعد، مُلزَماً بأي تفاهمات سابقة. ولن يسارع هو أو هي لإنهاء القضايا المعلقة. ولن تعتمد سمعتهم على نتيجة هذه المعركة القضائية الطويلة. ويعلم نتنياهو أنَّه إمَّا الآن وإمَّأ أبداً، حسب وصف التقرير.
ويدرك أنَّه بدون صفقة اعتراف ستكون الاحتمالات الأرجح هي أن يُبدِّل بدلاته المُحَاكة له خصوصاً بأخرى برتقالية، (في إشارة إلى احتمال تعرضه للسجن).
وهو يبدو أنَّه الآن في حيرة.
ما الاتهامات التي يواجهها نتنياهو؟
يواجه نتنياهو ثلاث قضايا تحمل الأولى الرقم 4000: في هذه القضية يواجه الرجل الذي جلس على مقعد رئيس الوزراء في إسرائيل أطول من أي شخص آخر الاتهام بأنه قدم مجاملات عبر قنوات تنظيمية في حدود 1.8 مليار شيكل (حوالي 500 مليون دولار) لشركة بيزك الإسرائيلية للاتصالات.
ويقول المدعون في هذه القضية إنه طلب في مقابل تلك الخدمات تغطية إيجابية لنفسه وزوجته سارة على موقع إلكتروني إخباري يسيطر عليه شاؤول إلوفيتش الرئيس السابق للشركة، بحسب تقرير لرويترز.
ويواجه نتنياهو في هذه القضية تهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، بينما يواجه إلوفيتش وزوجته إيريس تهمتي الرشوة وعرقلة العدالة. وينفي المتهمون الثلاثة التهم الموجهة إليهم.
والقضية الثانية تحمل الرقم 1000 ويواجه فيها نتنياهو تهمتي الاحتيال وخيانة الأمانة، على أساس أنه حصل هو وزوجته سارة دون وجه حق على هدايا قيمتها نحو 700 ألف شيكل من المنتج السينمائي أرنون ميلشان الإسرائيلي الجنسية والذي يعمل في هوليوود ومن رجل الأعمال الأسترالي الملياردير جيمس باكر.
وبحسب المدعين في هذه القضية، تضمنت الهدايا زجاجات شمبانيا وعلب سيجار مقابل تقديم نتنياهو مساعدات لميلشان في أعماله، ولم توجه لباكر أو ميلشان أي اتهامات.
والقضية الثالثة تحمل الرقم 2000 وفيها نتنياهو متهم بالتفاوض على صفقة مع أرنون موزيس صاحب جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية من أجل تحسين تغطيته إخبارياً. وتقول عريضة الاتهام إن رئيس الوزراء طرح في المقابل تشريعاً لإبطاء انتشار جريدة منافسة. ووُجهت لنتنياهو تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة ولموزيس تهمة الرشوة. ونفى موزيس التهمة.
وتتضمن الأدلة في القضايا الثلاث تسجيلات سرية وشهادات موثقة لمساعدين سابقين لنتنياهو انقلبوا عليه وشهادات لآخرين قدموا تفاصيل بشأن تلك الاتهامات.
نتنياهو ينفي نيته الاعتراف رغم أنه من شبه المؤكد أن يُدان بالرشوة
نتنياهو ينفي ارتكاب أي مخالفات ويزعم أن خصومه السياسيين يقفون وراء تلك القضايا ويصف محاكمته بأنها محاكمة سياسية، ويصف نفسه بأنه ضحية اضطهاد سياسي منظم من جانب اليسار ووسائل الإعلام للإطاحة به من منصبه مبرراً: "قبول الهدايا من الأصدقاء" بأنه ليس مخالفاً للقانون.
نفى نتنياهو مراراً اعتزامه السعي للحصول على صفقة اعتراف بالذنب مع الادعاء العام، وأعاد ترديد كلامه المُكرَّر بأنَّ الاتهمات الموجهة له بلا أساس، وأنَّها لن تفضي إلى شيء. وكان في البداية مقتنعاً بأنَّ الادعاء العام سيرفض الاتهامات، وكان متأكداً لاحقاً من أنَّ المدعي العام لن يجرؤ على المضي قدماً بالمحاكمة. ثُمَّ أصرَّ على أنَّ الاتهامات ستسقط في جلسات استماع ما قبل المحاكمة.
لم يتحقق أيٌّ من هذه السيناريوهات. فبدأت المحاكمة في مايو/أيار 2020، وحتى الآن أدلى الشهود الرئيسيون بشهاداتهم. وتنقسم الآراء بشأن احتمالات إدانة نتنياهو بالرشوة، لكنَّ صدور حكم إدانة في الاتهامات بتلقّي هدايا بصورة غير قانونية من رجال أعمال أثرياء هو أمر شبه أكيد، وربما ترافقه فترة سجن وحكم "إخلال بالشرف" يمنعه من المشاركة في الحياة العامة لسبع سنوات.
نفى نتنياهو طوال الوقت اعتزامه السعي لطريق مختصر مع الادعاء العام، وهو ما يعتبره أسوأ حتى من الشيطان، وأعلن نيته القتال وتنظيف اسمه.
وهذا قد يعني سجنه وحرمانه من الترشح لأي منصب سياسي
تُعَد الكلمتان اللتان تعوقان قرار آل نتنياهو هما "الإخلال بالشرف"، وهو تصنيف ينطبق بموجب القانون الإسرائيلي على جرائم مختلفة وتحول دون الترشُّح لأي منصب سياسي لمدة سبع سنوات.
ويبدأ احتساب الوقت بمجرد قضاء عقوبة السجن. وقد اضطر أرييه درعي، رئيس حزب شاس، الذي قضى عقوبة السجن بتهمة الرشوة في التسعينيات، إلى الانتظار سبع سنوات على مقعد البدلاء السياسي حتى يتمكَّن من الترشح مجدداً للكنيست والعودة إلى الحكومة.
يبلغ نتنياهو من العمر 72 عاماً. وفي حال إدانته بالاتهامات الموجهة له، فإنَّه على الأرجح سيطعن بها. وما لم يُلغَ حكمه بعد الطعن، قد يجد نفسه خلف القضبان بعمر 75 أو 76 عاماً. وفترة السجن إلى جانب السنوات السبع على مقعد البدلاء ستجعلانه في عمر الثمانينيات. صحيح أنَّ والده، الأستاذ بنزايون نتنياهو، عاش حتى عمر 103 أعوام، لكنَّ نتنياهو لن يراهن على ذلك.
يريد نتنياهو إغلاق القضية. وبحسب التقارير، قد يكون مستعداً للاعتراف بخيانة الأمانة في بعض الاتهامات مقابل إسقاط ادعاء تهمة الرشوة ورفض الاتهامات النابعة من صفقة مزعومة حاول إبرامها مع ناشر كبير. أي فعل كل شيء لتجنُّب السجن وإبعاد بند "الإخلال بالشرف".
المدعي العام يريد إبعاده عن السياسة
قال مصدر رفيع في النظام القضائي الإسرائيلي تحدث لموقع Al-Monitor الأمريكي: "الأمر التالي الذي تعرفونه هو أنَّه سيطلب من المدعي العام مقابلاً. هو في الواقع يريد الاعتراف بجرائم بسيطة نسبياً والعودة إلى الحياة السياسية على الفور، أو على الفور تقريباً. ولا نعتقد أنَّ المدعي العام سيمضي في صفقة كهذه". وبند "الإخلال بالشرف" ليس هو المشكلة الوحيدة في المفاوضات. وتتمثل المشكلة الأخرى في أنَّه لا يوجد أحد تقريباً يصدق كلمة مما يقوله نتنياهو.
ويبدو مندلبليت عازماً على إبعاد نتنياهو عن السياسة للأبد. فإذا ما تجنّب نتنياهو بطريقة ما بند "الإخلال بالشرف"، فهل يمكن إيجاد ترتيب ما آخر لإبقائه بعيداً عن المناصب السياسية؟ إنَّ صدور تعهُّد علني من نتنياهو بالابتعاد عن السياسة أمر بلا قيمة.
ومع أنَّ بند الإخلال بالشرف يمكن أن يحول دون الترشح للمنصب، فإنَّ بإمكان نتنياهو إقناع رئيس لجنة الانتخابات، وهو في العادة أحد قضاة المحكمة العليا، بإصدار استثناء لحالته. ونتنياهو ساحر في إقناع الناس بأي ادعاء وكل ادعاء.
إنَّ معضلة نتنياهو وجودية من كل الجوانب، سياسياً وشخصياً وجماهيرياً. فقد تضاءل سحره على مدار العامين السابقين بعد إغراقه إسرائيل في أربع دورات انتخابية متتالية. وقد فشلت مكائده.
فقد وجد نفسه معزولاً في رئاسة الوزراء يرتكب الخطأ تلو الخطأ. ففي الدورة الانتخابية الأولى، في سبتمبر/أيلول 2019، عزَّز "القائمة العربية المشتركة" لكسب ود ناخبيها، وفي الانتخابات الرابعة، في مارس/آذار 2021، ناور بانقسام القائمة، ما أدَّى إلى ترشح مستقل من جانب حزب "راعم" الإسلامي، الأمر الذي أدى إلى سقوطه في نهاية المطاف في يونيو/حزيران 2021. وقد خان حلفاءه، جدعون ساعر ونفتالي بينيت وبيني غانتس وكل مَن ظنَّ أنَّه قد يقف في طريقه. وهم الآن في الحكومة، بينما هو خارجها.
من ناحية، يبدو أنَّ نتنياهو سئم القصة كلها، وسئمتها عائلته أيضاً. فالخزانة العامة السخية لم تعُد تتحمل فواتير أيٍ من خدمات العائلة. فسارة نتنياهو لم تعد تملك سائقاً أو سيارة على حساب دافعي الضرائب، ولا مساعدين لتنفيذ أوامرها، ولا لقباً. وأي شخص يعرف الأسرة يدرك الفزع الناجم عن خسارة كل هذه الأصول.
ويمكن للحكومة الحالية، بقيادة بينيت ووزير الخارجية يائير لبيد، أن تستمر في العرج لسنتين أو ثلاث أخرى على الرغم من ضعفها الجوهري.
هل يقبل العرض المقدم له بالانتقال لأمريكا؟
ألن يكون من الأفضل لنتنياهو أن يستسلم ويحد من الضرر ويقبل بعرض مربح من جانب الملياردير الأمريكي لاري إليسون؟ إذا ما حدث ذلك، يُرجَّح أن تنتقل الأسرة إلى الولايات المتحدة أو مكان آخر مريح، وسيواصل الأب من هناك طرح آرائه وإيقاد المراجل السياسية الإسرائيلية. ليس هذا مثالياً، لكنَّه أفضل من سجن "معسياهو".
أمامه أسبوعان ليقرر
يقول كاتب تقرير موقع Al-Monitor "من واقع معرفتنا بنتنياهو، فإنَّه سينتظر حتى اللحظة الأخيرة ثم يحاول تأجيل الأمر أكثر. لكن هذه المرة، سيكون فشله محتوماً".