يبدو أن تعايش العالم مع الوباء أمر سهل قولاً صعب فعلاً، وكشفت أزمة ديوكوفيتش في أستراليا وانتخابات فرنسا وتهديدات جو بايدن بفرض اللقاح على الجميع وإجراءات الصين لتأمين أولمبياد بكين عن حاجة العالم لإعادة ضبط سياسات التعامل مع أخطر أزمة صحية خلال قرن كامل.
فمع دخول البشرية العام الثالث لجائحة كورونا، والعام الثاني منذ التوصل للقاحات، كان المفترض أن تكون الحرب ضد الوباء قد اتخذت إطاراً عاماً تطبقه جميع الدول على جميع المواطنين ويقوده خبراء الأوبئة، لكن حقيقة الأمر ترسم صورة مختلفة للغاية.
فها هو نوفاك يوكوفيتش أسطورة التنس الصربي يسافر إلى أستراليا للمشاركة في بطولتها المفتوحة، بعد أن حصل على تأشيرة الدخول وشهادة تعفيه من التطعيم ضد كورونا، ليتحول الأمر إلى أزمة كبرى تفجر الجدل بشأن "اللقاح الإجباري" مرة أخرى.
هل يحظى المشاهير بمعاملة خاصة بشأن اللقاح؟
أسباب الضجة التي أثارها احتجاز ديوكوفيتش وإلغاء تأشيرته في أستراليا، رغم أن النجم الصربي حصل على قرار محكمة بإلغاء قرار الحكومة الأسترالية، تراوحت بين المعاملة -التي وصفت بالسيئة- للرياضي الشهير وبين الغضب من السماح له بالسفر من الأساس رغم عدم تلقيه لقاح كورونا.
وديوكوفيتش واحد من قائمة تضم مشاهير في الرياضة والفن أعلنوا رفضهم تلقي لقاحات كورونا لأسباب متنوعة، أبرزها خوفهم من "الأعراض الجانبية"، على الرغم من أن خبراء الأوبئة واللقاحات حول العالم يجمعون على سلامة اللقاحات وأن نسبة من يعانون من أعراض جانبية ضئيلة للغاية ولا تتعلق باللقاحات بقدر ما تتعلق بالحالة الصحية لمن عانوا من تلك الأعراض.
آرون رودجرز لاعب كرة القدم الأمريكية الشهير وجوشوا كيميتش لاعب بايرن ميونيخ والمنتخب الألماني لكرة القدم وبرايسون ديكامبو نجم الجولف الأمريكي وكيري إيرفنغ نجم كرة السلة الأمريكي ودينيس ساندغيرن نجم التنس الأمريكي، والقائمة تضم أسماء أخرى شهيرة أعلنوا رفضهم للقاح لأسباب مختلفة، بحسب تقرير لموقع فرانس 24. كما تشمل قائمة المشاهير الرافضين للقاح ممثلين وممثلات ونجوم مجتمع.
رفض اللقاح بشكل عام يمثل أحد أبرز المعوقات في الحرب على الوباء، بحسب خبراء الصحة حول العالم، إذ يجمعون على أن الوسيلة الوحيدة لانتصار البشرية على فيروس كورونا هي تلقيح جميع السكان. لكن بعض الناس يرفضون اللقاحات لأسباب متنوعة، وعندما يكون هناك نجم أو شخص مشهور من ذلك البعض يكون تأثيره كبيراً بالطبع في نشر "المعلومات المضللة" كما يصفها خبراء اللقاحات والأوبئة.
وفي ظل فرض قيود صارمة وإغلاقات متكررة وحظر الحركة داخلياً وخارجياً على من لم يتلقوا جرعات التطعيم بالكامل، أثار حصول ديوكوفيتش على تأشيرة لدخول أستراليا والمشاركة في بطولتها المفتوحة عاصفة من الغضب سببها تساؤلات بشأن إذا ما كان النجم المشهور قد حظي بمعاملة تمييزية لا تتوفر لغيره من المواطنين العاديين.
وزاد الطين بلةً ما قدمه فريق الدفاع عن ديوكوفيتش من أوراق تثبت أن نتيجة فحص كورونا الخاصة به يوم 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي جاءت إيجابية وأن ذلك ما جعله يحظى بشهادة إعفاء من اللقاح من جانب مسؤولي الصحة في أستراليا وفي اتحاد التنس، فالنجم الصربي حضر فعاليات تكريم في نفس اليوم المذكور دون ارتداء كمامة أو تباعد اجتماعي، كما كشفت صوره المنشورة من تلك الفعاليات.
سياسات متناقضة تثير التساؤلات بشأن محاربة الوباء
قصة ديوكوفيتش أشعلت الجدل مرة أخرى بشأن السياسات الحكومية المتبعة للتعامل مع الوباء منذ تفشيه أواخر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية، إذ على الرغم من دخول العام الثالث للجائحة لا تزال سياسات التعامل معها تختلف بشكل كبير بين دول العالم، بل وأحياناً داخل الدولة الواحدة. والأمر نفسه ينطبق على اللقاحات، على الرغم من دخول العام الثاني لإنتاج اللقاحات وبدء التطعيم بها.
ورصد تقرير لشبكة CNN الأمريكية عدداً من الأحداث الرئيسية التي شهدها العالم مع مطلع العام الجاري، من أستراليا لفرنسا إلى الولايات المتحدة والصين، تجعل من الحاجة لإعادة ضبط سياسة التعامل مع اللقاحات والوباء بشكل عام ضرورةً مُلحة.
ففي الوقت الذي وصل فيه ديوكوفيتش، أحد الرافضين لتلقي لقاح كورونا، إلى أستراليا، كان إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الساعي للفوز بفترة ثانية في الانتخابات الرئاسية أبريل/نيسان المقبل، يثير عاصفة من الجدل بتصريحاته التي توعد فيها رافضي اللقاح "بتنغيص حياتهم وإزعاجهم تماماً".
كان ماكرون قد دافع عن فرض إجراءات احترازية صارمة في فرنسا وإعادة فرض الإغلاق الجزئي لمواجهة متحور أوميكرون الذي تسبب في موجة رابعة من الوباء، وقال في تصريحات لصحيفة لو باريزيان: "أنا لست هنا لإزعاج الفرنسيين بل أدفع بالإدارة وأنتقدها لتسهيل الأمور على للمواطنين".
لكن الرئيس الفرنسي استدرك: "حسناً، ولكن ثمة غير الملقحين ولي رغبة حقاً في التنغيص عليهم وإزعاجهم. سيكلفهم اليوم كثيراً وستصبح الأمور أصعب بالنسبة لهم.. أولئك الذين يصممون على عدم تلقي اللقاحات". وأكد ماكرون أن غير الملقحين من الفرنسيين لا يمكنهم دخول المطاعم، والمقاهي والسينما، كما شدد على أنه سيتم تطبيق قانون شهادة اللقاح بصرامة في البلاد.
ويرى منتقدو ماكرون أن الرئيس، الذي يواجه موسماً انتخابياً، اختار التوقيت المناسب كي يشدد من لهجته ضد الرافضين لتلقي اللقاح وتحميلهم مسؤولية عودة الإصابات في فرنسا للارتفاع مرة أخرى، إذ تم تلقيح أكثر من 74% من الفرنسيين بالكامل. وبالتالي ففي حالة فوزه بفترة رئاسية ثانية، سيكون ماكرون من الزعماء الغربيين القلائل الذين استفادوا من توظيف معركة الوباء سياسياً.
هل تلغي المحكمة لقاح بايدن الإلزامي؟
وتشهد واشنطن خلال الأسبوع الجاري نظر المحكمة العليا دعوى قضائية رفعها حكام ولايات جمهورية لوقف قرارات الرئيس جو بايدن إجبار الشركات الكبرى على تلقيح موظفيها. ومن المتوقع أن يصدر قرار المحكمة في أي وقت، ويخشى البيت الأبيض أن يلغي قرارها إجراءات الرئيس، نظراً لكون أغلبية قضاة المحكمة من المحافظين.
كان بايدن فقد تبنى، في بداية توليه المسؤولية، لغة هادئة فيما يتعلق بلقاحات كورونا، مُركزاً على ضرورة إقناع الرافضين للقاح ومعتنقي نظريات المؤامرة، في حرص واضح على عدم تعميق الانقسام في بلد بات فيه الانقسام الحزبي السمةَ الرئيسية.
لكن لغة بايدن تغيرت بشكل درامي منذ سبتمبر/أيلول الماضي، ووصل الأمر إلى دعوته الشركات الخاصة والنقابات العمالية في البلاد إلى اتخاذ "إجراءات عقابية" بحق من يرفضون اللقاح، في ظل الارتفاع الواضح في أعداد المصابين رغم الاقتراب من تطعيم الغالبية من البالغين في الولايات المتحدة، وبالتزامن مع تراجع شعبية الرئيس بسبب الانسحاب الكارثي من أفغانستان.
وتناول تقرير لمجلة Politico الأمريكية هذا التحول في تقرير بعنوان "حان الوقت أخيراً: بايدن يشدد الخناق على من لم يتلقوا اللقاح"، رصد تصريحات لبايدن انتقد فيها بشدةٍ رافضي اللقاحات، وقال إن "الإجراءات العقابية ستكون نتيجة طبيعية لمن يرفضون احترام القواعد الصحية"، مضيفاً أن "هؤلاء يتلاعبون بلقاحات تحمي من الوفاة ويعرّضون حياة أُسرهم وزملائهم في العمل للخطر".
وهكذا أعلن بايدن مجموعة من "الأمور الإلزامية تم تطبيقها على جميع العاملين في الحكومة الفيدرالية وحتى الشركات الخاصة التي لديها أكثر من 100 موظف"، ومن لم يلتزم "ستوقَّع عليهم غرامات".
اللافت هنا أن الرئيس السابق، دونالد ترامب، كان من أكثر زعماء العالم نشراً للمعلومات المضللة بشأن وباء كورونا منذ اللحظة الأولى، ويبدو أن الرافضين لتلقي اللقاح، بحسب ما تظهره استطلاعات الرأي، في أغلبهم، من أنصار ترامب من اليمين المتطرف، وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت بايدن يبتعد عن اللغة الحادة في تشجيعه الأمريكيين على تلقي اللقاحات، بحسب مراقبين.
الصين تستعد للأولمبياد بطريقتها الخاصة
لكن إذا كان رفض اللقاحات من جانب البعض سمة خاصة بالدول الغربية، في إطار الحرية الشخصية التي تكفلها الدساتير في تلك الدول، فإن القصة مختلفة تماماً في الصين، حيث تطبق الحكومة مؤخراً إجراءات صارمة بصورة غير مسبوقة استعداداً لأولمبياد بكين الشتوية التي تنطلق الشهر المقبل.
فقد شهدت مدينة تيانجين إغلاقاً شاملاً مؤخراً وتستعد الحكومة الصينية لإجراء فحص كورونا على 14 مليون مواطن هناك، بعد اكتشاف عدد صغير من الإصابة بعدوى المتحور الجديد أوميكرون.
والسبب وراء هذا الإغلاق، الذي أعاد للأذهان إغلاق مقاطعة هوبي وعاصمتها ووهان مطلع عام 2020، هو سعي القيادة الصينية للقضاء على "الكابوس" في مهده، إذ إن تيانجين لا يفصلها عن بكين سوى نحو 80 ميلاً فقط، وبالتالي فإن تفشي أوميكرون سريع الانتشار في العاصمة قد يحول الأولمبياد إلى كارثة وإحراج دولي بالنسبة للصين الساعية إلى استغلال الحدث للظهور كقوة عظمى على المسرح الدولي.
وعلى الرغم من أن الزعيم الصيني شي جين بينغ لا يواجه مشكلة الرافضين للقاح أو المعترضين على أي من إجراءات الإغلاق كما يحدث في الدول الغربية، إلا أن سياسة "صفر كورونا" التي ينتهجها الزعيم تضعه تحت ضغوط من نوع مختلف، فالفيروس وتحوراته من دلتا لأوميكرون أثبت حتى الآن أن التعايش معه قد يكون الحل المتاح حالياً وليس القضاء عليه نهائياً.
الخلاصة هنا هي أن العالم بحاجة لإعادة ضبط سياسة اللقاحات حتى يضيق الخناق على المشككين في جدواها أو الرافضين لها، خصوصاً من المشاهير سواء في الرياضة أو الفن أو من الزعماء الشعبويين الذين يوظفون الوباء لأغراض سياسية ضيقة، وإلا فالبديل هو إطالة زمن الأزمة الصحية الأسوأ منذ أكثر من قرن.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.