يشهد عام 2022 انتخابات كبرى في الولايات المتحدة تمثل فصلاً جديداً من كتاب الصراع بين جو بايدن ودونالد ترامب، ويبدو أن الرئيس السابق متقدما في استطلاعات الرأي، فما خطة الرئيس الحالي للحاق بالمقدمة؟
كانت الانتخابات الرئاسية السابقة، التي فاز بها الديمقراطي بايدن على الجمهوري ترامب، قد شهدت استقطاباً حاداً في الدولة العظمى التي تعتبر نفسها حامية الديمقراطية حول العالم، وصلت ذروته يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 عندما اقتحم أنصار ترامب مبنى الكونغرس لمنع التصديق على فوز بايدن.
وحدَّد بايدن لنفسه هدفاً رئيسياً يتمثل في القضاء على "الترامبية"، نسبة إلى الرئيس السابق، والقضاء على الاستقطاب وإعادة توحيد البلاد مرة أخرى. والمقصود بالترامبية هي تصدير الخطاب الشعبوي القومي الذي يخاطب مشاعر الجماهير ويؤجج مشاعر التفوق لدى اليمين المتطرف حول العالم.
عام صعب على بايدن
ومع انتهاء العام الأول من رئاسة بايدن ودخوله العام الثاني، لم يحقق الرئيس الأمريكي هدفيه الرئيسيين، وهما إنهاء "الترامبية" وتوحيد بلد ما زال يشهد حالة استقطاب حادة، بحسب تحليل لوكالة رويترز.
وعلى الرغم من تبنى بايدن خلال عامه الأول كثيراً من السياسات التي أظهرت استطلاعات رأي بين الديمقراطيين رضا معظم الناخبين عنها، ومنها التعامل بحزم مع كوفيد-19 وحزم التحفيز والإنفاق على الطرق والجسور والانسحاب العسكري من أفغانستان وخفض أسعار الأدوية.
غير أن تقديم مقترحات إصلاحية لقضايا تهم المواطن العادي وتتجنب الموضوعات المثيرة للانقسام مثل الإجهاض وإصلاح الشرطة، وتبني اعتقاد قديم بأن التفسيرات البسيطة والتي تحظى بشعبية يمكن أن تجذب الغالبية الوسطيّة من الأمريكيين، دفع البلاد بعيداً عن هدف رئيسي تقدم به بايدن عندما ترشح للرئاسة.
واعترف بايدن في ميزوري الشهر الماضي بأن توحيد الولايات المتحدة "هو أحد أصعب الأمور" التي حاول القيام بها منذ أن صار رئيساً. وكان ترامب قد حقق الفوز على بايدن بسهولة في تلك الولاية (ميزوري) خلال انتخابات 2020.
استقبل موكب بايدن هناك شخصاً يحمل لافتة كتب عليها "ليس رئيسنا"، وهو تذكير آخر بأن استطلاعات الرأي تظهر أن معظم الناخبين الجمهوريين ما زالوا يعتقدون بصدق رواية ترامب الكاذبة حول سرقة الانتخابات. وعشية عيد الميلاد، عندما تحدث بايدن مع أطفال عن سانتا كلوز (بابا نويل)، فوجئ بأحد الآباء يطلق صيحة شعبية معروفة بين مؤيدي ترامب.
ولم يدعم التركيز على التيار الوسطي شعبية الرئيس؛ إذ أيد حوالي 48% من الأمريكيين أداء بايدن في ديسمبر/كانون الأول، نزولاً من نسبة تأييد بلغت 55% قرب موعد تنصيبه في أوائل عام 2021، وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس.
وخلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شهدت الولايات المتحدة أكبر انتخابات خلال عام بايدن الأول وجاءت نتيجتها صادمة لبايدن والديمقراطيين؛ إذ وصف تحليل لشبكة CNN المعروف عنها الميل للديمقراطيين، سباق حاكم ولاية فيرجينيا بأنه استفتاء على رئاسة بايدن، بعد عام من الانتخابات التي فاز بها في فيرجينيا بفارق أكثر من 10% عن ترامب.
وكان العنصر الذي ركَّز عليه المحللون والمراقبون لتلك الانتخابات، والذي يرونه حاسماً في الانتصارات التي حققها المرشحون الجمهوريون في فيرجينيا ونيوجيرسي وغيرهما من الولايات والمقاطعات، هو دونالد ترامب نفسه، الذي يبدو أن شعبيته قد ازدادت بشكل لافت خلال العام الأول من مغادرته للبيت الأبيض مهزوماً أمام بايدن.
خطة الرئيس لقلب الطاولة على ترامب
خلال الأسابيع الماضية، قال مقربون من الرئيس الديمقراطي في عدة مقابلات داخل البيت الأبيض وخارجه إن بايدن سيركز على مهاجمة قيم الجمهوريين المتحالفين مع ترامب باعتبارها تهديداً للديمقراطية، وفي الوقت نفسه سيحاول التودد إلى معارضي الرئيس السابق داخل أروقة الجمهوريين.
وحدد بايدن نهجه الجديد خلال خطابه يوم الخميس 6 يناير/كانون الثاني 2022، في الذكرى السنوية الأولى للهجوم الدامي على مبنى الكونجرس؛ حيث هاجم ترامب الذي حرَّض أنصاره على التوجه في مسيرة إلى مقر الكونجرس قبل عام بعد مزاعم غير مثبتة بتزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020. كما انتقد بايدن أعضاء آخرين في الحزب الجمهوري ممن لا يزالون يواصلون دعم سلفه.
وقال بايدن، في كلمة من داخل مقر الكونجرس: "الكذبة الكبرى، التي يرويها الرئيس السابق والعديد من الجمهوريين الذين يخشون غضبه، هي أن التمرد في هذا البلد وقع بالفعل في يوم الانتخابات". وأضاف: "هل يمكنكم التفكير في طريقة أكثر انحرافاً من ذلك إزاء هذا البلد… أمريكا؟ لا يمكنني ذلك".
وقال المقربون من بايدن لرويترز إنه، قبل انتخابات الكونجرس المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أصبح لديه ولدى حلفائه حسابات جديدة تتعلق بدولة صارت عند مفترق طرق.
وجد المقربون جمهوراً منقسماً يواجه سيلاً من المعلومات المضللة، ليس فقط حول انتخابات 2020 ولكن أيضاً مجموعة من القضايا الأخرى، منها ما إذا كانت لقاحات كوفيد-19 فعالة. وصارت لديهم قناعة بأن البيت الأبيض يواجه حزباً جمهورياً عازماً على إفشال بايدن، حتى لو أضر بالولايات المتحدة بشكل عام.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي الأربعاء 5 يناير/كانون الثاني إن بايدن يشعر بالاستياء الشديد من "صمت وتهاون" الجمهوريين في الكونجرس الذي خدم فيه لعقود.
وانتقدهم بايدن مرة أخرى في خطاب ألقاه يوم الجمعة حول الاقتصاد الأمريكي الذي يتفوَّق على اقتصادات الدول المتقدمة الأخرى. وقال بايدن: "الجمهوريون يريدون الحديث عن (بطء) التعافي لأنهم صوتوا ضد التشريع الذي أدى إلى حدوث ذلك… لن أسمح لهم بالوقوف في طريق هذا التعافي".
ترامب لا يزال رمز الحزب الجمهوري
الجمهوريون، من جانبهم، يتهمون بايدن بأنه يميل بشدة نحو اليسار منذ فوزه بالرئاسة بدعم من تيار يسار الوسط إلى حد كبير، وبأنه دفع بمبادرات الإنفاق والمقترحات الضريبية التي قالوا إنها ستضر بالاقتصاد وتعزز التضخم.
لكن البيت الأبيض ما زال يعتقد أن بذل جهد جديد لدفع القيم الديمقراطية الأساسية، من خلال خطب تتناول مخاوف الناخبين ودعم قوانين الانتخابات في الوقت المناسب للتصويت في عام 2022، يمكن أن يحظى بتأييد واسع بين الأمريكيين، بغض النظر عن الطريقة التي صوَّتوا بها في السابق.
ويعتقد مساعدو بايدن وحلفاؤه بأن التحول في التركيز محفوف بالمخاطر لأن الناخبين المتأرجحين لا يفضلون ذلك. وفي خطابه يوم الخميس، تعهد بايدن بالعمل مع الجمهوريين "الذين يدعمون حكم القانون وليس حكم رجل واحد".
ويقول الحلفاء إن الرئيس يعتزم اللجوء لتسخين المناخ السياسي بانتقاد ترامب. قال ريتشارد هاربوتليان، المحامي في ساوث كارولاينا والسيناتور الديمقراطي المؤيد لبايدن منذ فترة طويلة، والذي التقى بالرئيس الشهر الماضي إن بايدن ليس متسرعاً بطبعه وهو "ليس قلقاً من استطلاعات الرأي الأسبوعية والاستطلاعات اليومية. هو يعتقد أن ما يفعله سيؤتي ثماره على المدى البعيد". واستدرك قائلاً: "لكن ربما يكون لذلك بعض التداعيات التي لا يحبها في 2022".
لكن قد يكون العنصر الأكثر تأثيراً في خطة بايدن هو ترامب نفسه ومدى قدرة الرئيس السابق على كبح أي معارضة مؤثرة له داخل الحزب الجمهوري. ورأى تحليل لموقع The Atlantic أن ترامب، كي يضمن انفراده التام بالقرار داخل الحزب قد جعل انتخابات التجديد النصفي المقبلة تدور حول شخصه دون أي شيء آخر.
والمقصود أن ترامب هو من يختار المرشحين الجمهوريين المؤهلين للفوز بدعمه خلال الانتخابات المقبلة، وحتى الآن يبدو أن الرئيس السابق يسيطر بالفعل على التيار الرئيسي داخل الحزب الجمهوري، وحتى معارضيه يخشون الحديث علناً عن ذلك، في إشارة لما يتمتع به ترامب من سطوة ونفوذ بين الجمهوريين.
وفي حالة نجاح الجمهوريين في الفوز بالأغلبية في الكونجرس في الانتخابات المقبلة، أو حتى الفوز بالأغلبية في إحدى الغرفتين سوار النواب أو الشيوخ، سيُحتسب هذا الفوز لصالح ترامب ويجعل طريقه للترشح للرئاسة عام 2024 مفروشاً بالورود، بحسب محللين تحدثوا لموقع ذي أتلانتيك.
وحالياً يسيطر الديمقراطيون على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، وإن كانت أغلبية ضئيلة للغاية لكنها تظل أغلبية، فما بالنا إذا فقدوا الأغلبية في المجلسين أو في أحدهما على الأقل؟ سيضع ذلك مزيداً من الضغوط على بايدن فيما تبقى من رئاسته الأولى، وسيضع أجندته برمَّتها في غرفة الإنعاش، وسيفتح باب الصراع داخل الحزب حول المرشح لانتخابات 2024. باختصار سيفتح ذلك السيناريو أبواب الجحيم على مصاريعها في وجه بايدن والحزب الديمقراطي.
وكمؤشر آخر على صعوبة الموقف الذي يواجهه بايدن، أظهرت استطلاعات رأي آخر العام وبداية العام الجاري تفوق ترامب على بايدن بنحو 5 نقاط كاملة بشأن فرص كل منهما للفوز في انتخابات 2024 إذا ما أجريت الآن، بحسب تقرير لمجلة Newsweek.
الخلاصة هنا أن خطة بايدن القائمة على مهاجمة ترامب شخصياَ وما يمثله من قيم يراها الرئيس الديمقراطي ضارة بمصالح الولايات المتحدة تعتبر سلاحاً ذا حدين، كما يرى أغلب المحللين، ولا يمكن الحكم على نتائجها إلا بعد ظهور نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.