أعلنت الحكومة التونسية في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن قانون المالية لعام 2022 بعد تأخير بقرابة الشهر عن آجاله الدستورية. وأثار هذا القانون العديد من الانتقادات الواسعة في الأوساط الاقتصادية، منذ بداية الإعلان عن التسريبات الأولية لأهم الإجراءات التي تضمّنها.
ويقدّر حجم الميزانية لعام 2022 بـ57.2 مليار دينار (19.8 مليار دولار) أي بزيادة 3.2% مقارنة بقانون المالية التعديلي لعام 2021. وتتوقع الحكومة تسجيل نمو بـ2.6% في كامل العام 2022، مقارنة بـ2.8% متوقعة في قانون المالية التعديلي لعام 2021.
"الميزانية التونسية مرتهنة لصندوق النقد الدولي"
تعتمد الموازنة على معدل سعر برميل النفط في حدود 75 دولاراً مقابل معدل 70 دولاراً في الميزانية التعديلية 2021.
يؤكد سليم بسباس وزير المالية التونسي الأسبق، أن "احتياجات التمويل وخاصة الخارجية منها مرتهنة بفرضية التعاقد مع صندوق النقد".
وانطلقت تونس في مفاوضات تقنية جديدة مع صندوق النقد منتصف مايو/أيار 2021، بهدف الحصول على قرض جديد بحوالي 4 مليارات دولار، لكن بسبب عدم الوضوح السياسي تمّ تجميدها واستئنافها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأوضح الوزير السابق للأناضول، أن "الاتفاق مع صندوق النقد مرتبط بالانطلاق في الإصلاحات بالمحاور الرئيسية التي يحرص الصندوق على إقرارها".
يشترط صندوق النقد الدولي، قبل الدخول في أية برامج إصلاحية، وجود توافق واستقرار سياسي يسهل على فريق العمل تحديد الاحتياجات والإصلاحات له".
إلا أن هذا الاستقرار لا يزال غير متوفر في البلاد، بعد إجراءات أحادية نفذها الرئيس التونسي قيس سعيد في يوليو/تموز الماضي، شملت عزل البرلمان، وإقالة الحكومة وإجراءات فردية أخرى.
ويُقدّر حجم الاقتراض الخارجي بـ12.6 مليار دينار (4.3 مليارات دولار) مقارنة بـ12.1 مليار دينار (4.12 مليارات دولار) في قانون المالية التكميلي لعام 2021.
وتتمثل هذه الإصلاحات في الضغط على كتلة الأجور والوصول بها إلى مستوى مقبول، حسب المعايير الدولية، حيث يجب ألا تتجاوز 12 أو 13% من الناتج المحلي الإجمالي. أيضاً، رفع الدعم الكلّي عن المحروقات وتوجيهه بكل شفافية إلى الفئات المستهدفة، إضافة إلى إصلاح المؤسسات العمومية، وفق الوزير الأسبق.
وبحسب بسباس، فإنه من "المهم أن يقبل الصندوق بالإصلاحات المقدمة من طرف الحكومة، وبالتالي الموافقة على برنامج جديد.. باعتبار حساسية هذه الإصلاحات وتداعياتها الاجتماعية وحتى السياسية، يحرص الصندوق على أن تكون هذه الإصلاحات في إطار مناخ من التوافق السياسي والاجتماعي".
تحدٍّ كبير أمام الحكومة التونسية
أكد بسباس أن "التحدّي بالنسبة إلى الحكومة للوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد، وإنجاز ميزانيتها، مرتبط بتنفيذ الإصلاحات ومدى مقبوليتها السياسية والاجتماعية".
"التململ الاجتماعي وخاصة عدم اتفاق الطبقة السياسية على برنامج الإصلاح السياسي الذي أعلنه رئيس الجمهورية، كلها مؤشرات على أن مناخ الوئام الاجتماعي والتوافق السياسي والاستقرار المؤسساتي هو تحدٍّ".
وحول الفرضيات التي بنيت عليها موازنة 2022، قال بسباس "إن فرضية سعر برميل النفط عند 75 دولاراً للبرميل، هي فرضية معقولة، رغم أن الوضع العالمي مرتبط بمدى قدرة الاقتصاديات على الانتصار على جائحة كورونا وعودة الطلب".
"الميزانية مرّت بظروف استثنائية"
من جهته، يعتبر محمد صالح العياري المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية، إن قانون المالية لعام 2022 تم إعداده في ظروف استثنائية. وقال العياري في تصريح للأناضول: "لا يمكن طلب المستحيل من الحكومة في إعداد قانون مالية في ظرف شهرين، مع الأخذ بالاعتبار كل الصعوبات السياسية والاقتصادية التي مرت بها بلادنا".
وأكد العياري أن "قانون المالية فيه عديد من الإجراءات لكن ليس فيه كل شيء.. كنا نتمنى أن يتضمن بعض الإجراءات الجريئة والإصلاحات الهامة، لكن نظراً للظروف الاستثنائية لم تتمكن وزارة المالية من إدخال العديد من الإجراءات".
"لكن هناك قانون مالية تعديلي، وننتظر من الحكومة أن تحضره في مايو/أيار المقبل، وفيه كل الإجراءات التي يمكنها دفع هام للاستثمار وخلق مواطن الشغل".
استعرض العياري، عدداً من الإجراءات التي يراها إيجابية ولها علاقة بدفع الاستثمار ولو بصفة محتشمة. ومن هذه الإجراءات، إحداث خط تمويل لفائدة أصحاب المشاريع والمهن الصغرى، وأيضاً إحداث خط تمويل لمؤسسات الاقتصاد والاجتماع التضامني.
وأضاف قائلاً: "صحيح أن هذا القانون ليس فيه ما كنا نطمح به، ولكن في ظرف استثنائي لا يمكن طلب أكثر من ذلك". ويعتبر العياري أن الفرضيات التي بُنيت عليها ميزانية عام 2021 كانت طموحة أكثر من اللازم؛ متوقعاً ألا تتجاوز نسبة النمو في كامل العام 2021، 2.2% أو 2.3%، من توقعات 2.6%.
وتعاني تونس من أزمة سياسية منذ 25 يوليو/تموز الماضي، حين بدأ الرئيس قيس سعيد إجراءات استثنائية، منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.