كانت الصدفة البحتة وراء تحويل سلاح الجو الأمريكي الطائرة "إكس-15" العادية إلى مقاتلة تفوق الخيال وباتت فخراً لصناعة الطائرات المقاتلة الأمريكية.
ففي عام 1967، وحين دخل ويليام جيه نايت التاريخَ بعد تحليقه بالطائرة ذات المحرك الصاروخي "نورث أمريكان إكس-15" North American X-15A-2 بسرعةٍ بلغت نحو 8272 كيلومتراً في الساعة (7 أضعاف سرعة الصوت تقريباً)، عند ارتفاع 102 ألف قدم (31.08 كيلومتر).
ورغم أن هذه الرحلة بالذات كان الهدف منها تحطيم الأرقام القياسية، فإنها كانت إنجازاً تحقق بالصدفة. فعلى مدار تسع سنوات، تولى 12 طياراً قيادة الطائرة "إكس 15" في ما بلغ مجموعه 199 رحلة، استوفت 13 رحلة منها معايير التحليق في رحلة فضائية، وهو ما أكسب 8 طيارين ممن قادوا هذه الطائرة الشروطَ اللازمة للتحول إلى روِّاد فضاء، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ما مقومات هذه المقاتلة؟
بُنيت ثلاث طائرات من طراز "إكس 15"، ومع ما تمتعت به من سرعة هائلة تجاوزت بالفعل سرعة الصوت، فإنها ظلت شديدة البعد عن احتمالات الاستخدام ضمن الطائرات المقاتلة، لكن تم تحويلها بعد ذلك.
فلكي تبلغ الطائرة "إكس 15" هذه السرعات المذهلة، اعتمدت على محرك صاروخي يعمل بالوقود السائل الذي لا يستغرق احتراقه سوى 80 إلى 120 ثانية. ولكن قدر الطاقة المتولدة عن احتراق هذا الوقود في هذا الوقت القصير كان مذهلاً. فقد أنتج المحرك الصاروخي XLR99 في هذه الطائرة قدرةً بلغت 600 ألف حصان وقوة دفع بلغت 70,400 ألف رطل، قادرة على إرسال كبسولة تحمل 6 أشخاص إلى المدار الفضائي.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الاحتراق القصير، حُملت الطائرة "إكس 14" جواً تحت جناح قاذفة القنابل العملاقة "بي 52 ستراتوفورتريس" B-52 Stratofortress، وأُسقطت بسرعة بلغت نحو 804 كيلومترات في الساعة، قبل التحليق بالمقاتلة بسرعتها واحتراق الوقود في محركها الصاروخي.
أثناء التحليق في المجال الجوي، استخدمت الطائرة "إكس 15" التحكم الديناميكي الهوائي التقليدي، بالاعتماد على أسطح الدفة المتحركة على المثبِّت العمودي للتحكم في الانحراف (أو حركة أنف الطائرة من اليسار إلى اليمين) وزعانف الذيل الأفقية للتحكم في الميل (الحفاظ على توجيه أنف الطائرة إلى أعلى وأسفل). ومع ذلك، ما أن تغادر الطائرة "إكس 15" الغلاف الجوي، فإنها تنتقل إلى الاعتماد على الدفع الصاروخي بفوق أكسيد الهيدروجين على مقدمة الطائرة وأجنحتها لتوجيه الأنف (أقصى مقدمة الطائرة).
من المدنية إلى العسكرية!
ومع أن الولايات المتحدة أجرت بالفعل اختبارات لاستخدام طائرات مثل "بي 36" B-36 لحمل المقاتلة "إكس 15″، فإن سلاح الجو الأمريكي ووكالة ناسا لم يكن لديهما أوهام حول إمكانية الاستعانة عملياً بالمقاتلة "إكس 15" ضمن المقاتلات التشغيلية. فقد كان الغرض من هذه المقاتلة هو اختبار أقصى الإمكانات التكنولوجية في زمنها، وقد مثَّلت نجاحاً باهراً في هذا الصدد.
بلغ العدد الإجمالي للرحلات الناجحة لهذه الطائرة 199 رحلة، وقد كان لها أثرٌ هائل في رؤية الولايات المتحدة وتصوراتها عن الطيران فائق السرعة.
وفي هذا السياق، كتب روجر بيلشتاين، مؤرخ وكالة ناسا السابق، في كتابه Testing Aircraft, Exploring Space: "كان لهذه المقاتلة آثار بعيدة المدى في مجالات مهمة عديدة، فقد دفع نجاح الطائرة (إكس 15) إلى تعزيز الاستخدام المكثف لسبائك المعادن النادرة مثل التيتانيوم و(إنكونيل إكس)، ما أدى إلى اكتشاف العديد من تقنيات التصنيع والإنتاج التي أصبحت أساسية في صناعة الطيران".
وأشار بيلشتاين أيضاً إلى أن "احتمالات الخسارة العرضية بسبب الضغط المنخفض [على الارتفاعات العالية] دفعت إلى ابتكار أول بذلة كاملة الضغط لحماية الطيارين في الفضاء. وكانت الطائرة (إكس 15) أول طائرة تستخدم أنظمة التحكم الرد فعلي (آر سي إس) للتحكم في وضعية الطائرة [أو المركبة الفضائية بعد ذلك]، كما أسهمت تقنيات الدخول والخروج من المجال الجوي والتقنيات ذات الصلة في تعزيز برامج الفضاء، وزاد على ذلك أن بعض الرحلات التي خاضتها الطائرة (إكس 15) استُخدمت لإجراء تجارب خاصة بعلوم الأرض" ودراسة الخصائص الفيزيائية لكوكبنا.
في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1968، كان الموعد مع الرحلة الجوية الأخيرة لطائرات "إكس 15" التجريبية، بقيادة الطيار ويليام إتش دانا، من وكالة ناسا الفضائية، بعد أن هبط بالطائرة في قاع بحيرة جافة، وبسرعة 321 كيلومتراً في الساعة. وبهذا، استطاعت الطائرة "إكس 14" في غضون 9 سنوات فحسب أن تغير الطيران فائق السرعة تغيراً جذرياً، لكن ذلك لا يحولُ دون احتمالات جيدة قائمة بأن نستمر في الاستفادة بمزيدٍ من الدروس من برنامج الطائرة "إكس 15″، وهي دروس يمكن الاستعانة بها في تطبيقات جديدة، لا سيما في وقت ينصب فيه تركيز العالم حالياً على تقنيات الطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.