كانت هدى الصراري تركز في عملها على قضايا العنف ضد المرأة، لكن مع تحوُّل الصراع في اليمن إلى حرب بالوكالة، بدأت الصحفية مشواراً آخر من العمل أدى إلى كشف سجون سرية تديرها الإمارات وأمريكا، لكنها دفعت ثمناً باهظاً.
وتركز تغطية الحرب في اليمن على التطورات العسكرية والمبادرات السياسية الهادفة إلى وضع نهاية للصراع، فمنذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض، جعلت إدارته إنهاءَ الصراع المستمر منذ نحو 7 سنوات هدفاً لها، واتخذت عدداً من القرارات، منها إنهاء الدعم لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات، وألغت تصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية"، لكن الأمور ازدادت اشتعالاً، وكثف الحوثيون هجماتهم التي تستهدف السعودية.
لكن موقع The Intercept الأمريكي نشر تقريراً حول جانب آخر من تلك الحرب، وركز على قصة هدى الصراري، الصحفية اليمنية التي ساعد عملها، على كشف السجون السرية التي تديرها الإمارات داخل اليمن، لكن الثمن الذي اضطرت هدى إلى دفعه كان باهظاً للغاية.
من الدفاع عن النساء إلى البحث عن أزواجهن
كانت هدى الصراري تُمثّل النساء في قضايا العنف المنزلي والعنف القائم على النوع لسنوات، حتى بدأت عام 2015 في نشر صرخة استغاثة مختلفة. فمع تحوُّل الصراع داخل اليمن إلى حربٍ بالوكالة بين القوى الإقليمية، بدأت النساء في الاتصال بهدى بمنتصف الليل؛ لإخبارها بتعرض منازلهن للمداهمة والقبض على أزواجهن وأشقائهن وأبنائهن بالقوة. بينما اتصلت بها أخريات بعد قضاء أيامٍ في البحث عن الأحباب المفقودين داخل السجون وأقسام الشرطة، والتوسل إلى المسؤولين، الذين قالوا إنه لا علاقة لهم باحتجاز الرجال ولا يعرفون مكانهم.
وأوضحت هدى في مقابلةٍ مع موقع The Intercept الأمريكي: "كانت تلك العائلات تقول: (ساعدينا، لقد اختطفوا أبناءنا). ولم أستطع أن أسمع بتلك الانتهاكات والجرائم دون أن أفعل شيئاً".
كانت حالات الإخفاء قد بدأت بعد وقتٍ قصير من إطلاق السعودية تحالف دعم الشرعية في اليمن، بدعمٍ من الولايات المتحدة وبمشاركةٍ من قوى إقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة. ومع زيادة أعداد المخفيين قسرياً بالمئات داخل مدينة عدن وما حولها، بدأت التقارير تتوارد حول تعرض الرجال للاعتقال والضرب والتعذيب على يد قوات أمن يمنية غير رسمية بتدريب وتسليح إماراتي.
لذا بدأت هدى، مع مجموعةٍ من المحامين والنشطاء، التحقيق في تلك التقارير بهدوء. وقد تمخّضت جهودهم التوثيقية الدقيقة عن قاعدة بيانات تضمنت في وقتٍ من الأوقات أسماء أكثر من 10 آلاف رجل وصبي، غالبيتهم تم اعتقالهم خارج نطاق النظام القضائي للدولة. وساعدت بذلك في كشف شبكة من السجون السرية التي تُديرها الإمارات، وذلك بعلم القوات الأمريكية، وتورُّطها في بعض الأحيان.
وأسهمت جهود التوثيق في الإفراج عن أكثر من 260 محتجزاً خلال الأشهر التي أعقبت نشر تقارير حولها عبر وكالة Associated Press الأمريكية، كما وفّرت أدلةً أساسية بالتزامن مع تزايد دعوات الأطراف الدوليين إلى المساءلة حول الانتهاكات واسعة النطاق التي ارتكبتها أطراف الصراع اليمني كافة. ومايزال هناك أكثر من ألف شخص محتجزين حتى يومنا هذا بحسب هدى، إلى جانب 40 على الأقل لم يُستدل على مكانهم ولم يُعرف مصيرهم بعد.
ماذا يعني كشف هوية الصحفية اليمنية؟
ولا تُعرف هويات كثير من الأشخاص الذين يُوثقون الانتهاكات؛ نظراً إلى خوفهم من الانتقام في اليمن. لكن هدى ظهرت في مقابلات إعلامية واشتهرت بدورها بين العامة. وكانت هذه الشهرة سبباً في استهدافها. إذ واجهت حملةً ضارية لتشويه سمعتها، ومحاولات تهديد وترهيب، كما طالبها أفراد عائلتها بعدم الحديث علناً، قبل أن يُقتل ابنها برصاصة في أحد الاحتجاجات.
بعد الحملة التي قادتها السعودية عام 2015، ثبَّتت القوات الإماراتية أقدامها في الجنوب. وهناك، شنّت الإمارات حملةً لمكافحة الإرهاب -ظاهرياً- طالت أعداداً لا تُحصى من الناس ممن ليست لهم علاقة مثبتة بالجماعات الإرهابية.
وعقب اعتبار عدن عاصمةً مؤقتة للحكومة اليمنية المخلوعة، شرعت الإمارات في تأسيس جهازٍ أمني ضخم ليكون قائماً بالتوازي مع النظام الأمني الرسمي. وبدلاً من إعادة بناء المؤسسات اليمنية، قام الإماراتيون بتدريب وتسليح منظومة من القوات الخاصة اليمنية التابعة رسمياً للرئيس المنفيّ، لكنها كانت تابعةً في الواقع لتسلسل قيادة إماراتي.
وسرعان ما اتُّهمت تلك القوات بارتكاب انتهاكات واسعة، ومنها قوات الحزام الأمني في عدن وقوات النخبة الحضرمية في حضرموت. ورغم انسحاب القوات الإماراتية من اليمن عام 2020، فإن الإمارات ماتزال تتمتع بنفوذٍ كبير في الجنوب. بينما قالت هدى: "لم تكن أقسام الشرطة فعالة، وبالتالي كانت قوات الحزام الأمني التي كوّنتها الإمارات هي التي توّلت مسؤولية العمل الأمني داخل محافظة عدن. وهذه هي القوات التي نفذت لاحقاً الغارات، والمداهمات، والاعتقالات".
وبعد أن صارت هدى معروفةً بتحقيقها في حالات الاختفاء، بدأت تتلقى ما يتراوح بين 10 و20 شكوى يومياً عن المداهمات وحالات الخطف. وفي البداية، كانت تتوجه إلى أنظمة الشرطة والقضاء الرسمية، لكنها اكتشفت سريعاً أنّ "هناك قوات أخرى بخلاف قوات الأمن الرسمية هي التي تُنفذ تلك الاعتقالات".
لذا بدأت هي وزملاؤها في كتابة شهادات عائلات المخفيين قسرياً، وجمعوا تفاصيل مثل الأسلحة التي كانت تحملها القوات الأمنية والعبارات المكتوبة على زيهم الرسمي. وقد علموا أنّ المداهمات كانت ممنهجة وتحدث خارج عدن، في سلسلة من الأحياء التي شهدت انسحاب الحوثيين. في حين كثُرت التقارير بدرجةٍ حوّلتها إلى جداول بيانات ضخمة.
أن يكون الثمن باهظاً
وقد اتُّهم الرجال المخفيون، وبينهم العديد ممن قاوموا الحوثيين والتحالف على حدٍّ سواء، بأنَّ لهم علاقات بمختلف الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية باليمن. وسُجنوا لشهور داخل عشرات من مراكز الاحتجاز غير الرسمية.
وتمكنت هدى من تحديد مواقع العديد من تلك المراكز، والتقت رجالاً كانوا محتجزين هناك، وتعرضوا لانتهاكات. وفي إحدى المرات، تحدثت إلى رجل تم إطلاق سراحه بعد اعتقاله مع شقيقه. وداخل منزله، طلب الرجل من والدته وشقيقته مغادرة الغرفة، ليخبر هدى بأن قوات الأمن وضعت رأس شقيقه تحت الماء، وأنّه لا يعتقد أن شقيقه مايزال على قيد الحياة.
في أثناء بناء هدى قاعدةَ بيانات الاعتقالات خارج نطاق القانون بين عامي 2015 و2016، بدأ الإحباط يُصيبها، لأنّ توثيق الانتهاكات لم يتسبب في إيقافها.
لكن أخيراً وفي عام 2017، تم توثيق وجود السجون، بفضل تحقيقات منفصلة لوكالة Associated Press ومنظمة هيومن رايتس ووتش، حيث اعتمدت تلك التحقيقات بشكلٍ مكثف، على عمل هدى وغيرها من النشطاء المحليين، كما أكدها لاحقاً محققو الأمم المتحدة، فريق الخبراء البارزون الدوليون والإقليميون بشأن اليمن، في عام 2018.
وتضمنت التقارير شهادات من معتقلين سابقين أدانوا العنف والتعذيب على يد القوات الخاصة اليمنية المدعومة من الإمارات، إذ تحدث شهود العيان عن تعرضهم للضرب، والاعتداء الجنسي، والاحتجاز داخل حاويات شحنة مزدحمة، والبقاء بعصابات الأعين لشهور متواصلة.
كما قالوا إنّهم تعرضوا للضرب بالعصي، والأسلاك، والصواعق الكهربائية، حيث كانت مواقع الاعتقال السرية تقع داخل المطارات، والقواعد العسكرية، والمنازل الخاصة، والملاهي الليلية، بينما ذكر بعض المعتقلين أنّهم تعرضوا للاستجواب على متن سفن. وتضمنت عملية التعذيب أسلوباً يُدعى "الشواية"، وفيه يتم ربط الشخص بسيخ شواء وتقليبه داخل دائرةٍ من النار بحسب الوكالة الأمريكية.
في حين أورد تقرير هيومن رايتس ووتش أن رجلاً كان معتقلاً في أحد تلك المراكز، قد وصفها بأنها "سجون اللاعودة". في حين قال آخر، زار طفلاً معتقلاً في زنزانة مزدحمة بأحد المراكز، إن الصبي كان "يبدو عليه الجنون".
وسرعان ما انتشرت التقارير على نطاقٍ واسع، لتصير هدى هي الوجه الإعلامي للخبر بعد أن ذكرت إحدى مقالات الوكالة الأمريكية اسمها. وفي أعقاب مقابلةٍ أجرتها مع قناة الجزيرة، شنّ أنصار التحالف الذي تقوده السعودية حملة مضايقة وتشهير شعواء ضدها. إذ وصفوها على الشبكات الاجتماعية بالجاسوسة، والمتعاطفة مع الإرهابيين، والمرتزقة، و"العاهرة". وقد تصاعدت المضايقات الرقمية لتتحول إلى تهديدات من حسابات مجهولة الهوية. وفي إحدى المناسبات، اقتحم شخصٌ ما منزلها وسرق هاتفها. بينما هشّم آخَرُ زجاجَ نوافذ سيارتها، بحسب ما قالته للموقع الأمريكي.
وقد عارض بعض أقاربها ما تفعله بشدة، واتهموها بتعريض حياة أطفالها الأربعة للخطر. وأوضحت: "كانوا يقولون: التزمي بوظيفتك العادية، ولا تراقبي الانتهاكات، ولا تتحدثي عنها". ولهذا قررت الابتعاد عن الأنظار لفترة، لكنها عادت لتستأنف زياراتها لمنازل المخفيين قسرياً، حيث كانت تتظاهر بالخروج مع أصدقائها ثم تتخفى مرتديةً برقعاً؛ لحماية هويتها.
بينما قالت كريستين بيكرلي، الباحثة اليمنية السابقة في هيومن رايتس ووتش: "أي شخص كان يتحدث عن تلك الأشياء كان يُواجه مخاطر كبيرة. وقد دفعت هدى بحقٍّ ثمن العمل الذي قدمته". وأردفت أن تقرير المنظمة في عام 2017 قد اعتمد بشكلٍ مكثف، على جهود هدى وأشخاصٍ آخرين.
وفي مارس/آذار عام 2019، بينما كانت هدى تناقش الاحتجاجات الواسعة ضد قوات الأمن الخاصة اليمنية على التلفزيون، أُصيب ابنها محسن (18 عاماً)، بالرصاص في أثناء مشاركته في أحد الاحتجاجات. وقد أصابه الشلل على الفور وظل في العناية المركزة لمدة شهر، قبل أن يُفارق الحياة متأثراً بجراحه.
وطلبت هدى من السلطات المحلية التحقيق في مقتل ابنها، لكنهم لم يفعلوا ذلك. لذا بدأت التحقيق في الأمر بنفسها، وعلمت من شاهد عيان أن النيران لم تُصبه بشكلٍ عشوائي كما كانت تعتقد، حيث تعرض لإطلاق نار من مسافة قصيرة على يد شقيق عضوٍ بارز في قوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات. لكن موقع The Intercept لم يتمكن من التحقق من هذه الرواية بشكلٍ مستقل.
وغادرت هدى اليمن بعدها بعدة أشهر، حين اشتدت حملة التشهير ضدها عقب الاعتراف العالمي بجهودها. وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لها حين وصل إليها تعليق من مجهول على الإنترنت، يُهدد ابنها الذي مايزال حياً. وكان التعليق يقول: "يجب أن يتخلصوا من ابنٍ آخر من أبنائك حتى ترحلي عن البلاد".
الدور الأمريكي في التعذيب باليمن
لا تشعر هدى بالندم على تضحياتها، لكنها تشعر بخيبة أملٍ شديدة، لأن عملها لم يتمخّض عن تحركٍ أقوى من المجتمع الدولي -والولايات المتحدة تحديداً- لوقف الانتهاكات الإماراتية في جنوبي اليمن، حيث قالت "يجب على الولايات المتحدة أن تُحاسب الإمارات".
كما أردفت في إشارةٍ إلى المسؤولين الأمريكيين: "لم يأتوا بأي خطوة تُحقق العدالة للضحايا، خاصةً بالنظر إلى وجود عناصر أمريكية بجوار الإماراتيين داخل معسكر التحالف. ولم يضغطوا على التحالف مطلقاً لوقف ارتكاب تلك الجرائم".
وفي الواقع، ساعدت التقارير التي كشفتها هدى، على توريط الولايات المتحدة في تلك الجرائم، بعد أن قال معتقلون سابقون ومسؤولون يمنيون إنّهم رأوا أمريكيين داخل مواقع الاعتقال أو تعرضوا للاستجواب على أيديهم.
نقل تقرير وكالة Associated Press عام 2017 عن مسؤولين أمريكيين -لم يذكر اسمهم- قولهم إن الأمريكيين شاركوا في التحقيق مع المعتقلين داخل تلك المواقع، وقدموا أسئلة الاستجواب للقوات الأخرى، وحصلوا على نسخة من محاضر الاستجوابات. وأردف المسؤولون أن الأمريكيين كانوا على علمٍ بمزاعم الانتهاكات، لكنهم يعتقدون أن تلك الانتهاكات لم تكن تحدث في وجود القوات الأمريكية، حيث قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية آنذاك: "لم نكن لنغض الطرف إذا رأينا انتهاكات، لأننا ملزمون بالإبلاغ عن أي انتهاكات لحقوق الإنسان".
في حين أبلغ الرجال الذين أُفرج عنهم من السجون، عن تقسيم المعتقلين إلى مجموعتين: الأولى للمتهمين بأن لهم صلة بجماعات إرهابية، والثانية لمنتقدي التحالف وغيرهم من النشطاء السياسيين بحسب براء شيبان، منسق برنامج اليمن في منظمة Reprieve، والذي عمِل عن قرب مع هدى وأجرى مقابلات شخصية مع عدد من المعتقلين السابقين.
إذ قال شيبان لموقع The Intercept: "حين بدأ بعض المعتقلين في الخروج، كان بعضهم يقول: (لقد تعرضنا في الواقع للاستجواب على يد محققين أمريكيين). كما أخبرنا عددٌ من السجناء بأنهم كانوا يقسمونهم قائلين: هذه المجموعة تضم الأشخاص المهمين للمحققين الأمريكيين، أما هؤلاء فهم مهمون بالنسبة للإمارات".
وبالتالي فإنّ تصريحات المسؤولين الأمريكيين، الذين قالوا إنهم لم يعلموا بأمر الانتهاكات قبل نشر التقارير الشهيرة، "كلامٌ فارغ"، من وجهة نظر كريستين، حيث أردفت: "لو نظروا حولهم فقط لعثروا على تلك الانتهاكات، لكنهم لم يريدوا العثور عليها".
في حين قال مسؤولٌ بارز سابق بوزارة الدفاع للموقع الأمريكي، إنّ المسؤولين الأمريكيين ضغطوا من أجل السماح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة مراكز الاعتقال بعد انتشار مزاعم التعذيب، والتقوا ممثلي اللجنة لتنسيق تلك الزيارة.
وقد طلب المسؤول السابق عدم الكشف عن اسمه، لأنه يناقش مسائل حساسة، قائلاً إن الوزارة أوصت أفرادها بعدم زيارة السجون خارج البلاد؛ لتجنب تحميلهم "مسؤولية فعل شيء إزاء أوضاعها". وأردف أن منظمة الصليب الأحمر تتمتع بقدرةٍ أكبر على الإبلاغ عن أوضاع السجون، ولها "مصداقيةٌ أكبر" بين النقاد.
بينما قالت إيمان الطرابلسي، المتحدثة باسم الصليب الأحمر، إنّ المنظمة زارت نحو 40 موقع اعتقال في كافة أنحاء اليمن، لتصل إلى نحو 20 ألفاً من المعتقلين الذين كان غالبيتهم من المدنيين.
ويقول النقاد إنّ المواقع التي تُديرها الإمارات داخل اليمن تذكّرنا بـ"المواقع السوداء" لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، التي شهدت قيام القوات الأمريكية بتعذيب عشرات المشتبه في كونهم إرهابيين عقب أحداث الـ11 من سبتمبر/أيلول. ويُذكر أنّه لم تتم محاسبة أي مسؤول أو قوات أمريكية، رغم توثيق الانتهاكات الأمريكية داخل تلك المواقع بإسهاب، وهو إخفاق يُحذّر أنصار حقوق الإنسان من أنّه مكّن دولاً أخرى من اتباع تكتيكات مشابهة تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
لكن الشيء الوحيد الذي اختلف حالياً عن الأيام الأولى لبرنامج التعذيب الأمريكي بحسب جينيفر غيبسون -محامية منظمة Reprieve- هو أن الولايات المتحدة قد نأت بنفسها عن الانتهاكات، التي أصبحت ترتكبها قوات أخرى تتعاون عن كثب مع القوات الأمريكية. وبهذا تبني الولايات المتحدة "طبقةً منطقيةً تمكنها من إنكار تورطها في المنظومة".
وأردفت جينيفر: "كان يُعتقد أن التعذيب الأمريكي أصبح جزءاً من الماضي، لكن أعمال هدى كشفت لنا أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً مختلفاً بين الجزأين الأول والثاني من حربها على الإرهاب، باستثناء أنّها أدركت التالي: (حسناً، من الأفضل أن نستعين بمصادر خارجية للتعذيب، ونتعهّد به لشركائنا، وحينها لن نكون مسؤولين عن الأمر، لأننا لم نترك بصماتنا عليه). وحين لا تُحاسب نفسك على تصرفاتك، وحين لا تحمّل حكومتك مسؤولية التعذيب الذي ارتكبته؛ فسوف تواصل الحكومة فعل الشيء نفسه بطريقةٍ أو بأخرى. ومن أمِنَ العقوبة، أساء الأدب".