تحوَّل الجدل حول وفاة سفير إيران لدى الحوثيين حسن إيرلو وعملية نقله إلى طهران، إلى نموذج للعلاقة المركبة الجديدة التي تتشكل بين السعودية وإيران، علاقة تنحو إلى أن يكون فيها خليط من التنافس وبعض التنسيق الذي يتزامن مع تصعيد غير مسبوق منذ سنوات في حرب اليمن.
وحسن إيرلو تصفه إيران بأنه سفيرها لدى اليمن، وهو منصب غير معترف به من أي جهة إقليمية أو دولية سوى طهران باعتبار أن العالم يعترف فقط بالحكومة اليمنية الشرعية التي يؤيدها التحالف السعودي والتي يقودها رئيس البلاد عبد ربه منصور هادي.
ملابسات وفاة سفير إيران لدى الحوثيين غامضة.. كورونا أم بالقصف؟
وقد توفي سفير إيران لدى الحوثيين حسن إيرلو، بشكل غامض، مؤخراً على الرغم من إعلان السلطات الإيرانية رسمياً أن وفاته ناجمة عن تأثره بإصابته بفيروس كورونا.
وقال طبيب عام في صنعاء لموقع "المصدر أونلاين"، إن الحديث عن وفاة سفير إيران لدى الحوثيين متأثراً بفيروس كورونا بحد ذاته ينسف الرواية الإيرانية، ويضيف شريطة عدم كشف هويته: "إن الإصابة بالفيروس لا تستدعي العلاج في الخارج أصلاً؛ لكون بروتوكولات العلاج السريرية والأدوية متاحة في اليمن، والأجهزة الطبية المستخدمة للحالات الحرجة متوافرة في معظم مستشفيات أمانة العاصمة".
وتشير تكهنات عدة إلى أنّه قُتل متأثراً بإصابته في غارة جوية استهدفت موقعاً عسكرياً بصنعاء في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خاصةً أنه يوصف بأنه قيادي في الحرس الثوري الإيراني.
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ونائب قائد الحرس الثوري، وقيادات أخرى، وصفت إيرلو بـ"الشهيد"، وعادةً ما يتم وصف جنرالات الحرس الثوري الذين يقتلون في اليمن أو سوريا أو العراق بـ"الشهداء"، وهذا الوصف زاد من الشكوك والتساؤلات حول حقيقة مهمته في اليمن، وملابسات مقتله.
كيف تم نقله عبر الأجواء السعودية، ولماذا غضبت إيران؟
وظل إيرلو يتلقى العلاج في أحد مستشفيات صنعاء لمدة 22 يوماً، ومعه قيادات حوثية وخبراء إيرانيون، حتى ساءت حالته الصحية، وطلبت طهران من وسطاء عراقيين التوسط لدى السعودية وسلطنة عُمان لنقله إلى بلاده، بحسب ما قالته مصادر عسكرية يمنية لموقع صحيفة "العربي الجديد".
وبالفعل تم نقل سفير إيران لدى الحوثيين بطائرة إجلاء طبي تابعة للقوات الجوية العراقية، بعد وساطة سلطنة عمان التي تحتفظ باتصالات مع الحوثيين.
ولكن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي يوصف بأنه من المتشددين، قال إن "السعودية تأخرت في السماح لإيران بنقل سفيرها لدى حكومة الحوثيين حسن إيرلو، وماطلت بهذا الشأن".
وأضاف عبد اللهيان خلال مراسم تشييع السفير الإيراني: "حاولنا نقل إيرلو إلى إيران بأسرع وقت، لكن الطرف الذي يقصف الشعب اليمني المظلوم على مدى ست سنوات، قصّر بهذا الخصوص وظلمنا"، حسب تعبيره.
وعلق التحالف العربي بقيادة السعودية، على تصريحات الخارجية الإيرانية حول موقف التحالف المتعلق بإجلاء السفير الإيراني لدى حكومة الحوثيين، ووصفها بـ"المسيئة".
وقال المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي، العميد الركن تركي المالكي: "إن قيادة القوات المشتركة للتحالف تابعت ما تناقلته بعض الوكالات الإعلامية من تصريحات مسيئة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، لموقف التحالف الإنساني والمتعلق بإجلاء المدعو حسن إيرلو أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني من اليمن"، لافتاً إلى أن "قيادة القوات المشتركة للتحالف وتنفيذاً للتوجيه من قيادة البلاد، باشرت تسهيل نقل المذكور لاعتبارات إنسانية؛ تقديراً لوساطة دبلوماسية من الأشقاء في سلطنة عمان وجمهورية العراق بعد أقل من 48 ساعة من الإبلاغ عن حالته الصحية".
واعتبر العميد المالكي أن "هذه التصريحات المسيئة للمملكة تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية، ولا تثمن موقف التحالف الإنساني والنبيل في إجلاء المذكور من صنعاء إلى البصرة، وأنها تصريحات غير مستغربة من المسؤولين الإيرانيين، وتأتي في سياق سلوك الدبلوماسية الإيرانية بدخول المذكور لليمن بطريقة غير شرعية وقيامه بدعم الفوضى والقتال باليمن".
وحسب المتحدث السعودي، "فلقد قدمت قيادة التحالف كافة التسهيلات والتصاريح الخاصة بالعبور، وكذلك الدعم اللوجيستي لطائرة الإجلاء الطبي التابعة للقوات الجوية العراقية من نوع (سي -130)، وهي المرة الثانية لإجلاء مواطن إيراني مرتبط بالعمليات القتالية باليمن، بعد إجلاء أحد أفراد السفينة الإيرانية العسكرية (سافيز) بالبحر الأحمر في عام 2019، من قبل القوات الجوية الملكية السعودية، من على متن السفينة ونقله للعلاج بأحد المستشفيات في المملكة لفترة طويلة جراء وضعه الصحي المتدهور، ومن ثم نقله عبر طائرة إجلاء طبي سعودية إلى مسقط بعد وساطة من الأشقاء في سلطنة عمان؛ لإعادته وتسليمه لدولته إيران".
واختتم العميد المالكي تصريحه بتأكيد "استمرار نهج المملكة والتحالف الثابت في تطبيق القيم والمبادئ الإنسانية الراسخة رغم ما تنتهجه إيران من سلوك غير حضاري وغير إنساني"، حسب تعبيره.
سيرة ذاتية عسكرية ودينية وخصومه يصفونه بحاكم اليمن العسكري
واعتبرت الحكومة اليمنية مصرع القيادي في الحرس الثوري الإيراني وسفيره الافتراضي لدى ميليشيات الحوثي، حسن إيرلو، "ضربة لإيران ومشروعها في اليمن".
جاء ذلك في تعليق لوزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، قائلاً في تغريدة على صفحته بموقع تويتر أوردتها قناة "الإخبارية" اليمنية: "دفع النظام الإيراني بالضابط في فيلق القدس حسن إيرلو حاكماً عسكرياً بصلاحيات مطلقة في العاصمة المختطفة صنعاء، إيذاناً بمرحلة جديدة من التدخل".
وحسن إيرلو الذي يصفه البعض بـ"قاسم سليماني اليمن"، حظي بصلاحيات كبيرة، بحسب مصادر يمنية، تحدثت لموقع "سكاي نيوز عربية"، وكان من الكوادر المؤثرة ميدانياً لدى الحرس الثوري الإيراني، وبالتالي تسبب غيابه المباغت في فجوة كبيرة سياسياً وعسكرياً.
وقالت مصادر عسكرية يمنية، لموقع صحيفة "العربي الجديد"، إنّ غياب "إيرلو" عن المشهد العسكري أربك الحوثيين، وإن أحد أسباب التصعيد السعودي الأخير للمعارك في اليمن هو محاولة الرياض لاستغلال هذا الفراغ الذي خلقته وفاة إيرلو.
وقال المحلل السياسي اليمني أبو سياف الحميد، إن إيرلو كان بمثابة الحاكم العسكري الإيراني في مناطق سيطرة الحوثيين، مستدلاً على ذلك بأنه خاض مواجهات مسلحة، بمساعدة ضباط من حزب الله اللبناني، مع الأطراف المعارضة للحوثي المتمثلة في حزب الإصلاح.
وتفيد تقارير بأن حسن إيرلو قبل انتقاله لليمن كان مرشداً دينياً ومسؤولاً في الحرس الثوري عن التدريبات على الأسلحة المضادة للطائرات، وعن تدريب عدد من المسلحين والعناصر التابعة لحزب الله اللبناني في معسكر (يهونار) الواقع بمدينة خرج شمال طهران، حسبما ذكرت الحكومة اليمنية عند تعيين طهران له بمنصبه في أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وفي ذلك الوقت دخل إيرلو بطريقة غير معروفة لليمن، المحاصر من قبل قوات التحالف، وقال نشطاء يمنيون إن الولايات المتحدة سهلت وصول إيرلو إلى صنعاء عبر العاصمة العمانية مسقط بموجب صفقة، قالوا إن واشنطن سمحت خلالها بوصول إيرلو بمعية نحو 283 حوثياً كانوا يتلقون العلاج خارج اليمن، مقابل إفراج الحوثيين عن رهينتين أمريكيتين ورفات ثالث.
ولكن لدى الإعلان عن وصوله وتعيينه في منصب سفير إيران لدى الحوثيين، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس: "قام النظام الإيراني بتهريب حسن إيرلو، عضو (الحرس الثوري) الإيراني المرتبط بـ(حزب الله) اللبناني، إلى اليمن تحت غطاء (السفير) لدى ميليشيا الحوثي"، وهو ما فهم على أنه نفي ضمني من قبل واشنطن للاتهامات التي وجهها ناشطون يمنيون.
وقد تكون خبرة إيلو المزعومة في الأسلحة المضادة للطائرات وعلاقته بحزب الله قد لعبتا دوراً في انتصارات الحوثيين الأخيرة وتجرؤهم على السعودية (إضافة للمشكلات الداخلية للتحالف السعودي وحلفائه اليمنيين).
ولكن موافقة السعودية على نقله لإيران تسلط الضوء على التغييرات في العلاقة بين الرياض وطهران، والتي بات فيها نوع من التنسيق والتفاهمات الجزئية رغم التصعيد الكبير مؤخراً في حرب اليمن، واستمرار التنافس والتراشق الإعلامي.
وتأتي هذه التفاهمات الجزئية على ما يبدو ضمن عملية حوار بين الجانبين بدأ سرياً في بغداد بوساطة عراقية ثم أصبح علنياً.
ووصفت السعودية، التي قطعت علاقاتها مع طهران في 2016، المحادثات بأنها ودية لكنها مازالت استكشافية، بينما قال مسؤول إيراني في أكتوبر/تشرين الأول، إن المحادثات قطعت "مسافة جيدة، غير أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، قال إن إجراء مزيد من المحادثات مع السعودية يعتمد على "جدية" الرياض.
ومن الواضح أن التصعيد في اليمن يأتي ضمن تقوية كل طرف لأوراقه التفاوضية، وحاجة السعودية تحديداً لوقف انتصارات الحوثيين الأخيرة، التي بدأت بعد تخلي قوات يمنية موالية للإمارات عن ميناء الحديدة بشكل مفاجئ وتركه لقمة سائغة للحوثيين.
وإضافة إلى صفقة نقل سفير إيران لدى الحوثيين، فلقد شهدت العلاقات السعودية الإيرانية تطوراً لافتاً مؤخراً، وهو منح الرياض تأشيرات دخول لثلاثة مسؤولين إيرانيين للعمل بمنظمة التعاون الإسلامي، في بادرة نادرة على تحسن العلاقات بين الخصمين الإقليميين.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية السعودية، الجمعة الماضي، إن الدبلوماسيين الإيرانيين سيتولون مناصبهم بالمقر الرئيسي لمنظمة التعاون الإسلامي في جدة، معتبراً أن هذه التأشيرات "إجراء روتيني لممثلي دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي".
وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولون في المملكة العربية السعودية الموافقة على تأشيرات دخول للدبلوماسيين.