كانت الأضواء معلقة، وقائمة المدعوين مُعدَّة، وقبعات بابا نويل جاهزة، في أول كريسماس بالسعودية أو على الأقل أول حفل كريسماس علني في السعودية.
كانت المشكلة الوحيدة في أول كريسماس بالسعودية هي الشجرة، التي كان على أمنية الظاهري شراؤها عبر التهامس مع صاحب محل الهدايا، الذي أخرَجَ واحدةً بهدوءٍ من غرفةٍ مظلمة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
المحظور والمباح في أول كريسماس بالسعودية
وحسمت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية، السبت، الجدل المثار حول استيراد الرموز والعلامات الدينية المتعلقة بأي ديانة غير الإسلام، ومنها شجرة الكريسماس، حيث نشرت الهيئة على حسابها الرسمي على "تويتر"، تغريدة جديدة أكدت من خلالها على حساب "اسأل الزكاة والضريبة والجمارك، أنه يمنع استيراد شجرة "الكريسماس" وأي شعارات تحمل علامات ديانات غير الإسلام.
وقالت أمنية، 35 سنة، متذكِّرةً كيف اعتادت والدتها على تهريب الهدايا إلى فراشها يوم 25 ديسمبر/كانون الأول من كلِّ عام: "لا يوجد ثلجٌ هنا، لكنني لا أعتقد بصراحة أن عيد الميلاد له مكانٌ معين دون الآخر".
وباتت المطاعم تقدم كعكات عيد الميلاد، وخاصة كعكة "البانيتون" الإيطالية التي عادة ما يتم إعدادها في رأس السنة الميلادية، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.
كما احتوت متاجر الأثاث على عروض لأكاليل الزهور والشموع الحمراء، فيما صممت بعض الفنادق ديكورات بباحاتها الداخلية تتناسب مع الاحتفالات بأعياد الميلاد، وتضمن جزء كبير منها شجرة الكريسماس.
احتفالات عيد الميلاد كانت تتسرب سراً
ولطالما لعب السعوديون وحكومتهم لعبة الغميضة على سلوكياتٍ معينة كانت محظورةً رسمياً، لكنها منتشرةً على نطاقٍ خاص. لكن في هذه الأيام، بدأ عيد الميلاد، الذي يحتفل به- سراً على مدار فتراتٍ طويلة- العمال الأجانب وعددٌ من السعوديين المرتبطين بالغرب، خارج هذه اللعبة، حسب صحيفة New York Times.
على مدار العام الماضي أو نحو ذلك، بدأت واجهات المتاجر في الرياض في عرض علب الهدايا ذات التقاويم الحمراء والخضراء، بينما توزع المقاهي الكعك ويعلن بائعو الزهور عن "أشجار العطلات".
كل هذا ممكن بسبب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي شنَّ حرباً كارثية على اليمن واتُّهم بإصدار أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي، لكنه استحوذ على تأييد ملايين الشباب السعودي، من خلال تخفيف بعض القواعد الدينية الأكثر صرامة، لتأسيس ما يأمل أن يُنظَر له على أنها دولةٌ سعودية متسامحة ومعتدلة لجذب الاستثمار الأجنبي، حسب New York Times.
في السنوات الأخيرة، منحت الحكومة النساء السعوديات مزيداً من الحريات (مع استمرار حبس المدافعات عن حقوق المرأة)، وقدمت وسائل ترفيه كانت محظورةً في السابق مثل الحفلات الموسيقية الإلكترونية (مع إسكات المعارضين المحافظين) وتكميم أفواه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي استُخدِمَت أحياناً لشنِّ مداهماتٍ على التجمُّعات الدينية غير الإسلامية. ويتوقَّع العديد من السعوديين أنه حتى الكحول، الذي كان من بين الخطوط الحمراء الأكثر حظراً، سيصبح قريباً قانونياً.
لكن إذا جاءت معظم التغييرات على يد وليّ العهد، فقد سارت بسلاسةٍ جزئياً لأن العديد من السعوديين كانوا يتسلَّلون لممارسة التغييرات منذ فترةٍ طويلة قبل التصديق عليها.
بسبب حرمانهم من دور السينما في بلادهم، كان السعوديون يقودون سياراتهم إلى البحرين أو يسافرون إلى دبي لمشاهدة الأفلام. وفي الأوساط الليبرالية، اختلط العديد من الرجال والنساء بحرية في السر حتى مع استمرار عزلهم في الأماكن العامة، بينما كانت النساء يخرجن دون حجاب. وبعض السعوديين الذين عاشوا أو سافروا إلى الغرب أو تعلموا عن التقاليد الغربية من الأصدقاء أو الثقافة الشعبية، كانوا يرتدون ملابس عيد الهالوين، ويقيمون حفلات أعياد ميلاد أطفالهم ويتبادلون الهدايا في يوم عيد الميلاد. كلُّ شيءٍ كان يجري بهدوءٍ شديد.
في إحدى الأمسيات الأخيرة، كانت مها الجيشي، 36 عاماً، وابنتها البالغة من العمر 13 عاماً تتجولان في شارع الرياض، وهو مجمع ضخم جديد للتسوق وتناول الطعام والترفيه يجتذب حشوداً من السعوديين حتى الساعات الأولى من الصباح، عندما عثرا على كعكٍ وقطيعٍ من الظباء المتلالئة، كانت تلك هي الزينة التي كانت مها وعائلتها يخشون أن يعلِّقوها في المنزل.
تزيِّن مها، التي درست في الولايات المتحدة، شجرة عيد الميلاد الصغيرة كلَّ عام، وهي شجرةٌ كانت تخفيها عندما يأتي الضيوف على العشاء.
تساءلت مها بصوتٍ عالٍ في الشارع: "هل أنا في المملكة العربية السعودية؟ هل هذا حلم؟". فسألتها ابنتها ما الذي تعنيه بذلك.
تتذكَّر مها الموقف: "قلت لها إنه قبل بضع سنواتٍ فقط كان هذا كله حراماً".
كريسماس بدون كلمة عيد الميلاد
بالطبع، لا يزال عيد الميلاد رسمياً حراماً في المملكة السعودية، أو ربما، بشكل أكثر دقة، مثل العديد من المستجدات الاجتماعية لم تقرها السلطات بشكل رسمي، لكن السعوديين يتشجَّعون بشكلٍ متزايد على المحاولة، لم يعد ذلك حراماً بالكامل.
قد يفسر ذلك سبب عدم ظهور كلمة "عيد الميلاد" مطلقاً في المحلات التجارية والمقاهي في أول كريسماس بالسعودية.
لم يكن يُسمَح في المملكة السعودية في الماضي بالعطلات مثل هذه جميعها تقريباً، إذ تُنبَذ باعتبارها وثنية، حسب المجلة الأمريكية.
وفي البلدان العربية الأخرى في أنحاء المنطقة، ومعظمها بها أقليات مسيحية، يُعتبر عيد الميلاد موسماً احتفالياً حتى بالنسبة لبعض المسلمين.
حتى المولد النبوي كان محظوراً
لكن بالنسبة لرجال الدين السعوديين، كان عيد الهالوين مستورداً غريباً، وكان عيد الميلاد من المحرمات تماماً ورأس السنة الجديدة- لأنه لا يتوافق مع التقويم الإسلامي- ببساطة لا يعنيهم في شيء. حتى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف محظورٌ بالنسبة للكثيرين وحتى الاحتفال بعيد مولدك أنت نفسك قد يكون مرفوضاً.
تقول الصحيفة الأمريكية عن الوضع في السعودية في السابق: "أدَّت المداهمات على التجمعات الدينية لغير المسلمين، والكتب المدرسية التي أساءت إلى المسيحيين واليهود، ومصادرة سلطات الجمارك للديكور الخاص بالأعياد، إلى تعزيز أجواء التعصُّب".
وعلى الرغم من جهود السلطات الدينية هذه، فإن روح الكريسماس كانت تتسرَّب إلى المنازل السعودية عن طريق هوليوود ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولكن الجدل الذي أثير على وسائل التواصل الاجتماعي حول أول كريسماس بالسعودية يطرح تساؤلات عن مدى تقبل السعوديين للتغيرات التي قادها ولي العهد محمد بن سلمان، وثمة من يرى أن التباين في ردود الفعل بشأن زينة أعياد الميلاد يعكس الانقسامات داخل المجتمع السعودي حول التغيرات الاجتماعية.