كان عام 2021 كفيلاً بأن يقلب الوضع في لبنان، رأساً على عقب وذلك بعد سنوات من تراكم الأزمات السياسية والاقتصادية. هذا البلد العربي بات يعاني اليوم أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه، انعكست على نمط الحياة اليومي للبنانيين بالكامل، إذ بات الشعب يعمل من أجل تأمين لقمة عيشه فقط، متخلياً عن الحاجات الثانوية والكماليات.
فمطلع يونيو/حزيران الماضي، وصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية في لبنان بأنها "الأكثر حدة وقساوة في العالم"، وصنفها ضمن أصعب ثلاث أزمات سُجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر. فما هي أبرز التغيرات الاجتماعية التي طبعت عام 2021؟
معدل الفقر يتجاوز 74% في لبنان
صحيح أنه كان من المتوقع أن ترتفع نسبة الفقر في لبنان خلال هذا العام، بفعل الأزمة الاقتصادية، لكن النسبة في الواقع كانت ضخمة جداً. فبحسب تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، أصبح الفقر يطال 74% تقريباً من مجموع السكان في لبنان، بعدما كان يسجل 55% في عام 2020، و28% في عام 2019.
وما سرع هذا الأمر، هو فقدان العملة الوطنية قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، ففقدت بالتالي رواتب اللبنانيين قيمتها وانخفضت قدرتهم الشرائية.
وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2019، وبدأت تتدهور تدريجياً حتى لامست 29 ألف ليرة للدولار الواحد في ديسمبر الجاري.
جرائم السرقة إلى ارتفاع وكذلك الانتحار
من المنطقي أن ينعكس عدم الاستقرار الاجتماعي على الوضع الأمني في البلاد، وهذا ما بدا واضحاً في دراسة نشرتها مؤسسة "الدولية للمعلومات" (خاصة)، فقد ارتفع معدل جرائم السرقة في عام 2021، بنسبة 137% عن عام 2020. وعزت المؤسسة أسباب هذا الارتفاع إلى الأزمة الاقتصادية والمعيشية وارتفاع نسبة البطالة.
ومؤسسة "الدولية للمعلومات" هي شركة استشارية بحثية، تأسست في 1995 ومقرها بيروت، وتُعنى بتوفير قاعدة بيانات وتحليلها، في العالم العربي، وفق موقعها الإلكتروني.
وفي لبنان، يُقدم شخص واحد على الأقل على الانتحار كل 48 ساعة، بحسب أرقام أعلنها مؤتمر "كسر الصمت حول الانتحار"، الذي نظمه البرنامج الوطني للصحة النفسية ومنظمة الصحة العالمية وجمعية "إمبرايس"، بدعم من الوكالة الفرنسية للتنمية والمعهد العالي للأعمال.
ووصل عدد الوفيات التي سجلتها قوى الأمن الداخلي انتحاراً، إلى 1366 حالة خلال 11 عاماً، وفي 66% من الحالات كان المنتحرون ذكوراً، وفق الباحثين في المؤتمر.
الهجرة الشرعية وغير الشرعية
المشهد نفسه بالنسبة إلى الهجرة، فقد ارتفعت أعداد المهاجرين والمسافرين اللبنانيين بحثاً عن فرصة عمل، أو عن خدمات حياتية معدومة في لبنان، كالكهرباء والمياه والصحة.
وذكرت "الدولية للمعلومات" أن عدد اللبنانيين المهاجرين والمسافرين، منذ بداية عام 2021 وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قد وصل إلى 77,777 فرداً، مقارنةً بـ 17,721 فرداً في عام 2020.
وتُعد كندا واحدة من أبرز وجهات الهجرة التي يقصدها اللبنانيون، ويقول الاستشاري في القانون الكندي أنيس أبي سعد لـ "الأناضول" إن "نسبة تقديم طلبات الهجرة إلى كندا ارتفعت من 20% إلى 40% خلال عام 2021، كرقم تقديري"، مشيراً إلى أن "أكثر من يقدمون طلبات الهجرة هم من الفئة الشابة وأصحاب الاختصاصات".
هذا في ما يتعلق بالهجرة النظامية، أما بالنسبة إلى الهجرة غير النظامية، فقد ارتفعت أيضاً، وبعدما كانت تنحصر بالنازحين السوريين خلال السنوات الماضية، بدأ لبنانيون يلجأون إليها على الرغم من مخاطرها الكبيرة والكثيرة.
ولا توجد إحصاءات رسمية شاملة لعدد الأشخاص الذين غادروا لبنان عن طريق الهجرة غير الشرعية، والتي تتمثل بمغادرة الأراضي اللبنانية عبر قوارب أو مراكب صغيرة، تنطلق من شواطئ لبنان إلى دول أوروبية.
في هذا الإطار، يرى مطلعون أن "النسبة الأكبر من المهاجرين هي من الفئة الشابة، ما يعني أن التركيبة الديمغرافية للبلد ستتغير، وسيفقد المجتمع اللبناني نسبةً كبيرةً من الفئة المنتِجة أو القادرة على الإنتاج.
هل يصل لبنان إلى حالة الانهيار الكامل؟
يشير الباحث السياسي والاجتماعي شادي نشابة إلى أن "السياسات المالية التي اتُّبعت في لبنان بعد اتفاق الطائف، بالإضافة إلى عدم تطبيق الإصلاحات من جانب السلطات اللبنانية والمحاصصة السياسية، كلها عوامل أدت إلى زيادة التدهور المالي والاقتصادي وانهيار العملة الوطنية، وبالتالي ارتفاع نسب الهجرة والبطالة والفقر والانتحار.. وغيرها".
ويقول نشابة، لوكالة الأناضول، إنه "بعد ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ولد لدى الناس أملٌ بالتغيير الجذري، لكن بعد عدم الوصول إلى هذا الهدف، استسلم جزء كبير من الشعب".
وعن احتمال وقوع الانفجار الاجتماعي، يرى أنه "يحتاج إلى قرار داخلي أو خارجي"، موضحاً أن "الآن، لا إرادة لحصول هذا الانفجار". ويضيف أن "هناك قراراً إقليمياً ودولياً بألا يصل لبنان إلى الانهيار الشامل والكامل". ويتابع أن "الأوكسجين الخارجي لا يزال يُعطى للبنان، من ناحية المساعدات الإنسانية، التي تؤدي إلى تخدير الناس وعدم حصول الانفجار الاجتماعي".
لكن حتى الساعة، لا شيء يبشر بأن الوضع سيتحسن في لبنان خلال الأشهر المقبلة، إلا أن نشابة يقدم عدة حلول يمكن أن تضبط الوضع، من دون الحؤول إلى مزيد من التغييرات السلبية في المجتمع.
ويشرح أن "لدينا استحقاقين مهمين، هما الانتخابات النيابية والرئاسية، فالنظام السياسي بحاجة إلى تطوير من خلال دخول مستقلين إلى مجلس النواب، أما المهمة الثانية فهي تطبيق الإصلاحات التي تتهرب منها السلطة".
ويطالب المجتمع الدولي السلطة في لبنان بإجراء إصلاحات شاملة، منها معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية فيه، بالإضافة إلى تحسين وضع الخدمات الأساسية في البلاد، على رأسها الكهرباء، وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2022، تمهيداً لحصول لبنان على المساعدات الدولية.