نتائج مذهلة يحققها استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب، ولكن بدول منطقة الشرق الأوسط- لاسيما الدول العربية- يثير الأمر قلقاً خاصاً يتعلق بالخصوصية واحتمال استخدام الحكومات البيانات لأغراض أمنية.
وتشهد العديد من دول منطقة الشرق الأوسط طفرة في استخدام الذكاء الاصطناعي بالطب.
ومؤخراً، عقدت المنظمة العربية للتنمية الإدارية، التابعة لجامعة الدول العربية، بالتعاون مع وزارة الصحة المصرية، والأمانة العامة للجامعة العربية، ومنظمة الصحة العالمية، وإمبريال كوليدج لندن، مؤتمراً بالقاهرة بعنوان "النظم الصحية العربية في ظل الثورة الصناعية الرابعة وتداعيات جائحة كورونا".
وناقش المؤتمر خلال جلساته آليات تحقيق نقلة نوعية في إدارة المنظومة الصحية العربية وكيفية توظيف التقنيات الرقمية وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في تعزيز النظم الصحية ودعم قدراتها في ضوء الدروس المستفادة من جائحة كورونا.
وتسمح تحليلات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لمقدمي خدمات الرعاية الصحية في الشرق الأوسط بإجراء عمليات تشخيص أسرع وأقل تكلفة، وذلك وفقاً لآراء قطاعٍ عريض من خبراء الرعاية الصحية.
لكن زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة تأتي مصحوبةً بزيادةٍ في المخاوف الأمنية حيال خصوصية البيانات، حسبما ورد في تقرير لمجلة CIO الأمريكية.
استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب يتوسع بالشرق الأوسط
ويشهد خبراء الرعاية الصحية في الشرق الأوسط بمدى فاعلية الذكاء الاصطناعي، وزيادة استخدامه، وفقاً للمجلة الأمريكية.
إذ يقول أحمد يحيى، الرئيس التنفيذي للعمليات في المستشفى الأمريكي بدبي: "بدأنا رحلة التحول الرقمي العام الماضي، مع التركيز على جعل التكنولوجيا جوهر أساسات المستشفى الأمريكي. وقد تحالفنا مع شركات كبرى مثل Oracle وMicrosoft لبناء مستوى جديد من الذكاء فيما يتعلّق بالنماذج".
وابتكر فريق تكنولوجيا المعلومات بالمستشفى تطبيقاً جديداً لتشخيص حالات كوفيد، وهو قائمٌ على قواعد البيانات والنمذجة السريرية الخاصة التي تُوفّرها شركة Cerner للمستشفى.
وقد تم تخصيص التطبيق وفحصه من قِبل الطاقم الطبي في وحدة العناية المركزة بالمستشفى، حيث ساعد على تحديد عوامل الخطر للمصابين، وتحديد حاجتهم إلى دخول العناية المركزة من عدمها.
وفي ظل توافر ثروة من سجلات التاريخ الطبي القابلة للتحليل؛ يقول خبراء الرعاية الصحية إن استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب صار بإمكانه المساعدة في التشخيص واختيار العلاج المناسب، ليُزوّد الأطباء بـ"رأيٍ ثالث".
وتستطيع تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحليل كافة المعلومات الطبية المتاحة عن مرضٍ بعينه، ثم العثور على العلاجات والعقاقير التي كانت أكثر فاعلية في تاريخ الممارسات الطبية بالكامل.
دقة البيانات الطبية وكثرتها تساعدان تطبيقات الذكاء الاصطناعي
يُعتبر الطب مجالاً غنياً بالبيانات، بينما تُعتبر الدقة من أهم عناصره. وكلما توافرت بيانات أكثر تستطيع الخوارزميات معالجتها؛ زادت قدرة تلك الخوارزميات على الوصول إلى استنتاجات أكثر صحة ودقة بناءً عليها.
وفي الوقت ذاته سنجد أنّ مختلف أشكال التقنية التي نستخدمها اليوم تقوم بإنتاج كميات متزايدة من البيانات الصحية وفقاً لماسيمو كانيزو، الرئيس التنفيذي لشركة Gellify للاستثمار المخاطر التي أطلقت صندوقاً بقيمة 50 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول، بالتعاون مع Azimut؛ للاستثمار في الشركات التي تقدم الرعاية الصحية والتقنيات الناشئة بالشرق الأوسط.
وهناك على سبيل المثال العديد من الأجهزة القابلة للارتداء التي بدأت تكتسب شعبيةً كبيرة وتُنتج معلومات صحية، مثل الأجهزة المحمولة لقياس معدل ضربات القلب وضغط الدم.
ومع تراجع تكلفة تلك الأجهزة وزيادة شعبية أساور تتبُّع اللياقة البدنية، ستحصل أنظمة التشخيص القائمة على الذكاء الاصطناعي على مزيد من البيانات حول صحة كل مريض، حتى تمنح الأطباء الفرصة لوضع خطة علاج أكثر دقة وكفاءة.
ويتجلّى صعود الرعاية الصحية المعززة في نمو إحصائيات سوق الأجهزة القابلة للارتداء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث من المتوقع أن يستخدم 25% من البالغين أجهزةً قابلة للارتداء بحلول عام 2022، وفقاً لكانيزو.
يمكنه اكتشاف أعراض قد لا ينتبه لها الأطباء، فهل يأخذ مكان البشر؟
تتحسّن الخوارزميات ونماذج الذكاء الاصطناعي باستمرار -وهي برامج أو مجموعات من الخوارزميات التي تستخدم البيانات للتعرف على الأنماط وتأدية المهام- وقد بدأ هذا التقدم يتجلّى في تطبيقات بعينها داخل المجال الطبي.
إذ قال كنتارو سوزوكي، المدير العام لشركة Canon Medical المتخصصة في صناعة المعدات الطبية، إن الذكاء الاصطناعي سيساعد في التقييم السريري للحالات، كما سيسهّل العمليات وسير العمل، حيث بإمكان الذكاء الاصطناعي، بحسب سوزوكي، أن يقلل وقت إجراء أشعة الرنين المغناطيسي مثلاً.
ويمكن أن تحلل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصور الطبية وترصد المؤشرات المبكرة على الإصابة بالأمراض، وهي مؤشرات قد لا يلحظها الطبيب لأول وهلة.
لا يعني ذلك أن الروبوتات سوف تحل محل الأطباء البشريين.
وفي هذا الإطار، يقول سوزوكي: "لن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر، ولن يقوم بتشخيص المرضى مباشرةً".
لكن "الرأي الثالث" الذي يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي، سيكون مفيداً على نحوٍ خاص في مجال أمراض الأورام، حيث يمكن أن يحسّن بدء العلاج مبكراً مآلات (سير) المرض، من أجل سرعة الشفاء.
يساعد في علاج الأمراض الجينية النادرة
الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يُغيّر نظرتنا إلى علم الجينوم، ويفتح الآفاق أمام أبحاث الجينوم. إذ أظهر بحثٌ حديث أن الشبكة العصبية الاصطناعية قادرةٌ على تحديد ورصد الأنماط الموجودة في كميات ضخمة من البيانات الجينية، لتكشف بالتالي عن المجموعات والتسلسلات الجينية المرتبطة بأمراض معينة.
ولأن الأمراض تكون "مشفرةً" داخل التسلسل الجيني للشخص؛ فإن القدرة على تفسير المعلومات الجينية بكل دقة ستكون ضروريةً من أجل تحديد كيفية علاجها.
وقد كان من الصعب إحراز تقدُّم في مجال علم الجينوم في السابق؛ نظراً إلى تعقيد البيانات الجينية. لكن الأطباء يتوقعون حالياً حدوث طفرات في علم دراسة الجينوم بفضل قدرة الذكاء الاصطناعي على تصنيف وتحليل مجموعات متنوعة من البيانات في وقتٍ قصير.
إذ إن الذكاء الاصطناعي يمكنه إحراز تقدُّمٍ كبير في المساعدة على علاج الأمراض النادرة، فـ80% من الأمراض النادرة المزعومة أمراضٌ جينية، و50% منها تُصيب الأطفال، بحسب ما أوضحه جوشوا سيمونز، مدير استراتيجية البيانات في شركة Genomics England.
وأردف سيمونز: "نريد إدماج هذا المزيج من الذكاء الاصطناعي وعلم الجينوم في الرعاية الطبية الروتينية؛ من أجل المصادقة على النتائج والعلاجات للمرضى، إلى جانب العثور على عقاقير جديدة وتحسين حياة الناس على المستوى الوطني".
ولكن المشكلة هي زيادة المخاوف الأمنية بشأن الذكاء الاصطناعي
تزداد المخاوف على أمن وخصوصية المريض بالتزامن مع تطبيق أعداد متزايدة من الشركات لتقنيات ناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، في الرعاية الصحية، حسب تقرير مجلة CIO الأمريكية
وهناك مثلاً أكثر من 400 شركة في مجمع دبي للعلوم، ويعمل بها أكثر من 4000 شخص على تطوير قطاع الرعاية الصحية باستمرار، وفقاً للمدير الإداري للمجمع مروان جناحي. إذ أوضح جناحي أن دور الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية يزداد أهمية، لكن يجب على خبراء الرعاية الصحية في الوقت ذاته أن يكونوا حذرين للغاية في تعاملهم مع المعلومات المتعلقة بالمرضى وطريقة حماية خصوصيتهم.
ويجب أن تكون البيانات ملكاً للمريض بحسب جناحي، لكن تظل هناك حاجة إلى المرونة في الوقت ذاته، لأننا نحتاج أحياناً لمشاركة المعلومات مع أجزاء أخرى من العالم؛ من أجل تعزيز المعرفة في مجال الرعاية الصحية والحصول على آراءٍ ثانية.
وفي منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من نقص الحريات، وعدم احترام الحكومات خصوصيات مواطنيها والأخطر الخلط بين معلوماتهم الشخصية وأهدافها الأمنية الواسعة، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب يثير دواعي قلق أكثر من معظم مناطق العالم الأخرى.
استخدام الذكاء الاصطناعي يحتاج مزيداً من التدريب
مع تطوّر الرعاية الصحية لتصير واحدةً من أعظم قصص نجاح البشرية، بفضل التقدم في مجالات الطب والتكنولوجيا، سنجد أنها تواجه في الوقت ذاته بعض الأزمات نتيجة التحديات المحيطة بها، على حد تعبير مدير حلول التسويق للرعاية الصحية الرقمية بشركة Etisalat Digital خالد غلوة أدين.
وبعد أن صار متوسط العمر المتوقع اليوم أعلى من أي وقتٍ مضى، أصبحنا نواجه نقصاً كبيراً في خبراء الرعاية الصحية اللازمين لتلبية الطلب على الخدمات. كما أن هناك مخاوف إزاء طريقة إدارة التكاليف والتحكم فيها. ولهذا السبب يبحث خبراء الرعاية الصحية عن تقنيات جديدة يمكنها تحسين التكاليف ودعم مقدمي الرعاية البشريين.
إذ نحتاج المزيد من علماء البيانات، ومهندسي حوكمة البيانات، وغيرها من الوظائف من أجل الاستعداد للتحديات المقبلة. وتساءل أدين: "لماذا لا يكون لدينا رئيسٌ تنفيذي للذكاء الاصطناعي مثلاً؟ على مدار الـ20 عاماً الماضية، كنا نُنتج بيانات تحتاج إلى أعداد ضخمة من البشر لمعالجتها. وإذا لم يكن لدينا العدد الكافي من البشر أصحاب المهارات المناسبة لتفسير ونمذجة تلك المعلومات؛ فلن نتمكن من التغلب على تلك التحديات".