"انقطاع للتيار الكهربائي في أجزاء شاسعة من أراضي أوكرانيا، ولا أحد يعرف ماذا يحدث"، يبدو هذا السيناريو الذي حدث عام 2015، مرشحاً للتكرار بشكل أوسع، ففرص حدوث هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا تبدو أكبر من أي وقت مضى، والسؤال هو: هل يكون بديلاً للغزو العسكري أم تمهيداً له؟
في الأيام الأخيرة من عام 2015، انقطع التيار الكهربائي في أجزاء شاسعة من الأراضي الأوكرانية، بالتزامن مع سيطرة المخترقين الروس على مركز التحكم في مرافق الكهرباء بالبلاد عن بُعد، ليُغلقوا محطة الكهرباء تلو الأخرى، بينما يقف مشغلو الشركة وهم يُحدقون في شاشاتهم مكتوفي الأيدي.
وفي العام التالي، حدث الأمر نفسه مجدداً ولكن في محيط كييف العاصمة هذه المرة.
والآن، أرسلت الولايات المتحدة وبريطانيا خبراء الحرب السيبرانية في هدوء إلى أوكرانيا، أملاً في تجهيز البلاد بشكلٍ أفضل لمواجهة ما يعتقدون أنّها ستكون الخطوة المقبلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إبان تهديده من جديد للجمهورية السوفييتية السابقة:
وهذه الخطوة ليست الغزو باستخدام 175 ألف جندي المحتشدين على الحدود، بل شن هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا قد يطيح بشبكة الكهرباء والنظام المصرفي، وغيرها من مكونات الاقتصاد والحكومة الأوكرانية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.
ويتمثّل هدف روسيا بحسب التقديرات الاستخباراتية الأمريكية، في إظهار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بمظهر العاجز الذي لا حول له ولا قوة؛ مما قد يمنحها ذريعةً لغزو البلاد.
روسيا لم توقف حملتها السيبرانية على أوكرانيا
لم تتوقف الحملة السيبرانية الروسية ضد أوكرانيا مطلقاً، وفقاً للمسؤولين الأمريكيين، رغم أنّها استمرت مؤخراً بمعدلٍ منخفض. ومع ذلك، يقول المسؤولون والخبراء الأمريكيون إنّ حركة الحملة السيبرانية شهدت تصاعداً في الشهر الماضي، وسط تركيز الرأي العام على احتشاد القوات الروسية على حدود أوكرانيا.
بينما قال ديمتري ألبيروفيتش، المحقق البارز في النشاط السيبراني الروسي ورئيس مجموعة Silverado Policy Accelerator البحثية: "إنّها حملةٌ واسعة النطاق تستهدف العديد من الوكالات الحكومية الأوكرانية- مثل وزارة الشؤون الداخلية، والشرطة الوطنية، وشركة الكهرباء".
وأردف ألبيروفيتش، الذي هاجر من روسيا إلى الولايات المتحدة في طفولته، أنّ الزعيم الروسي يرى في الهجمات السيبرانية "تجهيزاً لساحة المعركة".
أمريكا قلقة بشدة من احتمال هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا
في حين يقول المسؤولون الأمريكيون إنّ الغزو العسكري ليس مؤكداً على الإطلاق. حيث أوضح جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن: "تُشير التقديرات الحالية للحكومة الأمريكية إلى أنّه (بوتين) لم يتّخذ القرار بعد".
ولم يتطرّق سوليفان إلى مسألة الأنشطة السيبرانية الروسية، لكنها شغلت بشدة تفكير البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأمريكية، وهي القيادة التي تنشر "قوات المهمات السيبرانية" من أجل رصد مواطن الضعف حول العالم، حسب الصحيفة الأمريكية.
وقد ناقش عشرات المسؤولين الأمريكيين مسألة الأنشطة السيبرانية الروسية واحتمالات شن هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا، لكنهم طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم؛ لأن تصريحاتهم مستقاةٌ من معلومات استخباراتية سرية ومداولات حساسة حول كيفية تخفيف التهديد الروسي. وركزت تلك المحادثات حول ما إذا كان بوتين يعتبر شلّ البنية التحتية الأوكرانية بمثابة أفضل الوسائل لتحقيق هدفه الرئيسي: وهو الإطاحة بالحكومة الأوكرانية واستبدالها بحاكمٍ صوري (دمية).
لأنه أقل سيناريوهات تكلفة بالنسبة لبوتين
وأشارت الحسابات بحسب مسؤولٍ استخباراتي بارز، إلى أنّ تنفيذ هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا لن يتطلب منه احتلال البلاد- أو التعرض للقدر نفسه من العقوبات التي عادةً ما تعقب الغزو البري.
كما يعمل بوتين بالفعل على بناء قاعدة دعم محلياً، وإفريقياً، وفي جنوب ووسط أمريكا. إذ ركزت الحملات الإعلامية الروسية على تشويه سمعة الحكومة الأوكرانية واتهام رئيسها بالتسبب في أزمةٍ إنسانية شرق البلاد، حيث تخوض قوات الحكومة الأوكرانية معاركها ضد الانفصاليين الذين تقودهم روسيا منذ سنوات بحسب مسؤولين أمريكيين وحلفاء.
بينما رفض المسؤولون الأمريكيون الحديث عن فرق الأمن السيبراني التي تم زرعها في أوكرانيا. وفي تصريحٍ لها، قالت إدارة بايدن: "إننا لطالما دعمنا الجهود الأوكرانية لتعزيز دفاعاتها السيبرانية وزيادة مرونتها".
في حين قالت المتحدثة باسم الحكومة البريطانية إنّ المساعدات التي تُقدمها بريطانيا والحلفاء لها طبيعةٌ دفاعية.
ولم تُفصح أي من الحكومتين عن التفاصيل، لكن المسؤولين قالوا إنّ الولايات المتحدة تدرس نشر قواتٍ أكبر بموارد من القيادة السيبرانية الأمريكية. ومع ذلك لم يتضح بعد ما يُمكن أن يقدمه فريقٌ أكبر بخلاف إظهار الدعم.
لماذا تبدو كييف هدفاً سهل المنال لأي هجوم روسي إلكتروني؟
وأوضح مسؤولٌ أمريكي: "هناك الكثير من النقاط التي تحتاج لتصحيح".
إذ بُنيت شبكة الكهرباء الأوكرانية في أيام الاتحاد السوفييتي، وكانت مربوطة بالشبكة الروسية. كما تمت ترقيتها باستخدام قطع روسية. برامج تشغيلها مألوفةٌ للغاية لدى المهاجمين والمشغلين الروس على حدٍّ سواء. وربما تعهّدت أوكرانيا مراراً بإصلاح أنظمتها، لكن مخترقي بوتين- أو الفرق الموالية له على الأقل- تعرف جيداً كيف تشل حركات بعض أجزاء البلاد.
وفي مقابلةٍ أجراها شون بلانكي، الخبير السيبراني السابق في وزارة الطاقة، إنّ المخترقين الروس يعرفون كل كبيرة وصغيرة تخص التصميم. كما رجّح أن يكون لديهم أشخاصٌ يُساعدونهم من الداخل.
وقد أدرك الأوكرانيون أنّ الهجوم السيبراني على البنية التحتية الحيوية سيصعب ردعه. ففي العالم السيبراني، ليس هناك إجماعٌ حقيقي حول ما يُمثّل إعلان الحرب، وليس هناك اتفاق حول ما يُمكن لبوتين فعله للإضرار بأوكرانيا دون إثارة رد فعلٍ غربي. إذ لم تُسفر هجماته على أوكرانيا في الماضي عن أي رد فعل تقريباً.
ويُمكن القول إنّنا قد تعلمنا الكثير من هجوم عام 2015 على أوكرانيا تحديداً، الذي بدأ أواخر ديسمبر/كانون الأول. إذ استهدف أحد أكبر شركات الكهرباء الأوكرانية، وأظهرت مقاطع الفيديو التي انتشرت أثناء الهجوم مجموعةً صغيرة من المشغلين وهم يكافحون من أجل فهم ما يحدث، بينما يُسيطر المخترقون على أجهزتهم عن بُعد. وكان المهاجمون يدركون أنّ موسم العطلات سيكون مثالياً لاستغلال كل نقاط الضعف. لذا استولوا على المحطات الفرعية وبدأوا في قطع الأنوار عن حيٍ تلو الآخر.
هل يكون بداية للغزو العسكري؟
ومع اقتراب موسم العطلات من جديد، يقول المسؤولون الأمريكيون إنّهم على أهبة الاستعداد. ولكن في حال قرر بوتين شنّ هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا، سواءً بشكلٍ منفرد أو ضمن هجومٍ بري، فسوف يفعل ذلك على الأرجح بعد عيد الميلاد الأرثوذكسي. أي في نهاية الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني بحسب أشخاص مطلعين على المعلومات الاستخباراتية.
بينما قال السيناتور أنغوس كينغ، عضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، في مقابلةٍ إنّ أي هجوم إلكتروني روسي على أوكرانيا سيكون أول مؤشر على تنفيذ الغزو الأرضي.
وأردف: "ليس لدي أدنى شك في أنّ الغزو أو غيره من أشكال التوغل داخل أوكرانيا، سيبدأ أولاً في الفضاء السيبراني".