بطاقة حمراء من الصين وروسيا في وجه الدولار.. هل تنجحان في إنشاء نظام مالي مستقل؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/16 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/19 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
الرئيس الصيني شي جين بينغ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

كشفت القمة الافتراضية بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عن عدة مؤشرات تدل على أن الحرب الباردة بين الغرب والشرق بدأت تأخذ منعطفاً طالما أقلق الأمريكيين تحديداً.

إذ أجرى شي وبوتين اتصالاً مرئياً، الأربعاء 15 ديسمبر/كانون الأول، ناقش خلاله الزعيمان كيفية تكثيف التعاون بينهما وبذل مزيد من الجهود المشتركة للحفاظ على "المصالح الأمنية" للصين وروسيا في مواجهة "قوى عالمية محددة".

وجاءت تلك القمة في توقيت حساس بالنسبة للدولتين ولطبيعة الخصومة بين كل منهما من جهة والغرب وتحديداً الولايات المتحدة من جهة أخرى. فروسيا تعيش أجواء التصعيد العسكري في أوكرانيا وبسببها تتعرض لتهديدات خطيرة من الغرب ترتبط بشكل أساسي بفرض عقوبات اقتصادية.

وعلى الجانب الآخر، وصلت الحرب الباردة بين الصين والغرب إلى مرحلة متقدمة، انعكست على المقاطعة الدبلوماسية لأولمبياد بكين الشتوي من جانب الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وعلى الطريق باقي العواصم الغربية على الأرجح.

روسيا والصين تتجاهلان خلافاتهما بسبب الغرب

وسائل إعلام رسمية صينية قالت إن شي أبلغ بوتين أن "قوى عالمية محددة" تتدخل حالياً في الشؤون الداخلية للصين وروسيا بذريعة الديمقراطية، وتدهس "بوحشية" على القانون الدولي والأعراف الدولية المُسلّم بها.

والإشارة هنا إلى الاتهامات الغربية للصين بانتهاج حملة قمع وحشية تجاه أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ بشرق البلاد، إضافة إلى قمع المظاهرات في هونغ كونغ والتهديدات المتصاعدة من جانب بكين بالإقدام على ضم تايوان- ولو بالقوة العسكرية- في حالة إقدام رئيسة تايوان على اتخاذ خطوات تهدد إعادة توحيد الجزيرة مع بر الصين الرئيسي.

أما بالنسبة لروسيا، فإن الحشود العسكرية المتصاعدة على الحدود مع أوكرانيا قد أدت إلى أزمة عنيفة تهدد أوروبا بأجواء الحرب وتعيد إلى الأذهان أحداث عام 2014، التي سبقت الاجتياح الروسي لشبه جزيرة القرم وضمها رسمياً إلى روسيا، ولم تفلح قمة افتراضية عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن وبوتين بشأن أوكرانيا، في نزع فتيل الأزمة.

قوات روسية خلال تدريبات عسكرية بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، أرشيفية 2021 (رويترز)

وعلى الرغم من التاريخ المعقد بين الصين والاتحاد السوفييتي، والذي وصل إلى اشتباكات مسلحة في مناطق حدودية بينهما في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، والعداء التاريخي بين الحزب الشيوعي الصيني والحزب الشيوعي السوفييتي، فإن السنوات الماضية بدأت تشهد تقارباً تدريجياً في العلاقات بين موسكو وبكين.

ومع تولي شي قيادة الحزب الشيوعي الصيني، تطورت العلاقات مع موسكو بشكل لافت، وكانت "اتفاقية الجيرة الجيدة والصداقة والتعاون" التي وقعها البلدان في يونيو/حزيران 2001، بداية التغيير في علاقات العملاقين الشيوعيين، وظلت العلاقات بينهما تتطور وتنمو، دون أن تتحول إلى شراكة فعلية بحكم التاريخ.

لكن شي وبوتين، ومن خلال العلاقة القوية التي تجمعهما وفي القلب منها الرغبة في التخلص من الهيمنة الغربية، جعلا الشراكة بين البلدين لمواجهة الغرب أقرب من أي وقت مضى.

وخلال الاحتفال بالذكرى العشرين لاتفاقية التعاون بينهما في يونيو/حزيران الماضي، عبّر وزير خارجية الصين وانغ يي عن استعداد بلاده لأخذ العلاقات مع موسكو إلى مستويات أكثر عمقاً وأكثر شمولاً في الفترة المقبلة، كما رد نظيره الروسي سيرغي لافروف بتأكيد أن "موسكو وبكين مساندتان دائماً لتشكيل نظام عالمي أكثر عدالة وديمقراطية، ومن ثم أكثر استقراراً وتعددية من النظام الحالي".

وتمثل العلاقة البراغماتية الخاصة التي تجمع بين بوتين وشي حجر الزاوية في القلق الأمريكي من حدوث مزيد من التقارب بين موسكو وبكين قد يتحول إلى تحالف استراتيجي على جميع الأصعدة.

وخلال تجهيز الأمريكيين لقمة بايدن مع بوتين منتصف يونيو/حزيران الماضي، كانت الصين الحاضرَ الغائب في تلك التحضيرات، إذ تم عرض تقارير على بايدن من جانب مستشاريه حول لقاء جمع بوتين وشي في موسكو قبل نحو عامين، وشهد وصف الرئيس الصيني لنظيره الروسي بأنه "أعز أصدقائي".

ومن ثم كان على فريق بايدن أن يرسم طريقاً محدداً استعداداً لقمة جنيف الملتهبة، وبمعنى آخر، كان على فريق بايدن أن يمشي على حبل مشدود خلال تلك القمة؛ حتى لا يؤدي الضغط غير المحسوب ببوتين إلى الارتماء أكثر في أحضان شي، وهو أمر لا تريده إدارة بايدن بالتأكيد، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية وقتها.

كيف جمعت الضغوط الغربية شي وبوتين معاً؟

لكن مسار الأحداث منذ يونيو/حزيران وحتى اليوم كشف أن ما كان يخشاه الأمريكيون قد اقترب بالفعل من أن يصبح أمراً واقعاً. إذ لم تقتصر قمة شي وبوتين الافتراضية على مناقشة الضغوط الغربية التي يتعرض لها كل منهما على حدة وحسب، بل يبدو أن ما اتفقا عليه يمثل ما يرقى إلى التحالف والشراكة، وهو بالتحديد ما كان يخشاه المسؤولون في إدارة بايدن.

وكشف تقرير لصحيفة Global Times الصينية أن اللقاء الافتراضي بين بوتين وشي بدأ مباشرة بالاتفاق بينهما على اللقاء وجهاً لوجه في فبراير/شباط المقبل، حيث سيحضر الرئيس الروسي حفل افتتاح أولمبياد بكين الشتوي، ليكون بوتين بذلك أول زعيم عالمي يؤكد حضوره للحدث الرياضي، الذي أعلنت واشنطن وحلفاؤها الغربيون مقاطعته دبلوماسياً.

وقال بوتين لـ"شي": "أود أن أشير إلى أننا دائماً ما دعمنا بعضنا البعض، خصوصاً في مجال التعاون الرياضي الدولي، وضمن ذلك موقفنا من محاولات تسييس الرياضة والحركة الأولمبية"، في إشارة مباشرة إلى المقاطعة الدبلوماسية الغربية لأولمبياد بكين الشتوي، وهو أيضاً ما حدث مع أولمبياد موسكو 2014.

كانت إدارة بايدن قد قررت مقاطعة أولمبياد بكين دبلوماسياً، وعلى خطاها سارت كندا وبريطانيا وأستراليا ومن المتوقع أن يتخذ الاتحاد الأوروبي القرار نفسه، في تذكير مخيف بأجواء الحرب الباردة والمقاطعات التي كانت تصاحب أضخم حدث رياضي عالمي على الإطلاق.

شعار أولمبياد بكين 2022 للألعاب الشتوية

وستقام الألعاب الأولمبية الشتوية القادمة ببكين في الفترة من 4 إلى 20 فبراير/شباط 2022، وتليها أيضاً الألعاب الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة في مارس/آذار المقبل. وستكون العاصمة الصينية بكين أول مدينة في العالم تستضيف الألعاب الأولمبية الصيفية والشتوية، بعد أولمبياد بكين 2008.

وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي أو بمعنى أدق، شعار الألعاب الأولمبية هو السلام والتقريب بين شعوب العالم، فإن الألعاب الأولمبية تحديداً استُخدمت في مناسبات عديدة كسلاح سياسي، عنوانه "المقاطعة". واستخدم سلاح مقاطعة الألعاب الأولمبية بصورة مكثفة خلال حقبة الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق من جهة والمعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا استضافت مدينة تنتمي لمعسكر منهما قاطعتها الدول التي تنتمي للمعسكر الآخر في بعض الأحيان.

ومع استعداد بكين للألعاب الأولمبية الشتوية، تصاعد الحديث بشأن مناقشات بين الزعماء الغربيين لاتخاذ قرار بمقاطعة تلك الدورة على خلفية انتهاكات الصين بحق مسلمي الإيغور، والتي تصنفها بعض المنظمات الحقوقية الغربية بأنها إبادة جماعية، وانتهاكات حقوق الإنسان بحق أقليات أخرى، إضافة إلى التهديدات الصينية بغزو تايوان.

ومع اقتراب موعد الألعاب وزيادة الضغوط من جانب المشرعين الأمريكيين وجماعات حقوق الإنسان وبعض الحلفاء أيضاً، اتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن قرار المقاطعة الدبلوماسية بشأن أولمبياد بكين.

هل اتخذ شي وبوتين قراراً بالخروج من النظام المالي الحالي؟

يمكن القول إن أبرز ما اتفق عليه شي وبوتين ليس عسكرياً هذه المرة، بل قرار اقتصادي طالما سعت بكين وموسكو للمضي قدماً فيه، وتحديداً تأسيس نظام مالي مستقل؛ حتى لا يتأثر البلدان بسلاح العقوبات الاقتصادية الذي تستخدمه الولايات المتحدة ضد الدول المنافسة أو تلك التي تتحدى هيمنتها، بحسب وجهة النظر الصينية والروسية.

إذ أعلن يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، أن بوتين وشي قد اتفقا، خلال محادثاتهما عبر الفيديو، على إنشاء بنية مالية مستقلة، من شأنها ألا تتأثر بالدول الأخرى.

وقال أوشاكوف للصحفيين الأربعاء: "لقد تم التركيز بين الزعيمين على ضرورة تكثيف الجهود لإنشاء بنية تحتية مالية مستقلة لخدمة العمليات التجارية بين روسيا والصين"، مشيراً إلى أن هذا الهيكل المالي لا يتأثر بالدول الأخرى. ولم يوضح المسؤول تفاصيل هذا الهيكل المالي ومتى سيكون جاهزاً للعمل.

هل رمز الهيمنة الأمريكية في مهب الريح؟

والجدير بالذكر هنا أن حجم التجارة بين الصين وروسيا في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، قد تجاوزت قيمته 100 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إجمالي حجم التجارة بينهما بنهاية العام إلى رقم قياسي لم يتحقق من قبل.

وإذا أضيف إلى ذلك قول بوتين خلال اللقاء مع شي إن عامي 2022 و2023 سيكونان عامي "التعاون الوثيق" بين موسكو وبكين، فإن خبراء الاقتصاد يتوقعون أن يتضاعف حجم التجارة البينية بين البلدين، واتفقا معاً على أن تكون عملة التبادل التجاري بينهما هي العملة المحلية وليس "أي عملات أجنبية أخرى".

كما اتفق الزعيمان على توسيع التعاون في المجالات الاقتصادية ليشمل النفط والغاز والقطاع المالي والطيران وصناعات الفضاء بهدف ربط الاتحاد الاقتصادي اليورو-آسيوي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، إضافة إلى توثيق التعاون لمكافحة الوباء، حيث ستقوم مصانع الأدوية في الصين بإنتاج لقاحات سبوتنيك الروسية.

والهدف الرئيسي بالطبع من كل هذه الاتفاقيات، خاصةً تأسيس نظام مالي مستقل، يكمن في رغبة موسكو وبكين في جعل العقوبات الأمريكية الاقتصادية على كل منهما ذات تأثير ضعيف أو حتى دون تأثير بالمرّة، لكن يظل مدى إمكانية تطبيق هذا النظام محل تساؤلات، خصوصاً أن الصين وروسيا تتناقشان بشأنه بالفعل منذ سبتمبر/أيلول 2014.

تحميل المزيد