3 أسابيع مضت على الاتفاق السياسي السوداني الموقّع بين رئيسي مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وما زالت الأزمة قائمة، والاحتجاجات التي تشهدها البلاد رفضاً للاتفاق ولإجراءات البرهان مستمرة.
عدم قدرة الاتفاق السياسي على إحداث اختراق سريع للأزمة وحلحلتها أرجعه محللون إلى وجود تحديات وعقبات عدة، لعل أبرزها غياب الحاضنة السياسية القوية التي تقف في ظهره وتدفعه للأمام، لا سيما أن قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقاً)، ترفض خطوة البرهان وحمدوك.
والاتفاق الموقع في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يتضمن 14 بنداً، أبرزها عودة حمدوك إلى رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية)، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتَعهُّد الطرفين بالعمل معاً لاستكمال المسار الديمقراطي.
وجاء الاتفاق على خلفية أزمة حادة يشهدها السودان، منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعدما أعلن البرهان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، ما أثار رفضاً من قوى سياسية واحتجاجات شعبية مستمرة، تعتبر ما حدث "انقلاباً عسكرياً".
وبحسب مراقبين، فإن أبرز العقبات التي تواجه الاتفاق هي تشكيل حاضنة سياسية داعمة للحكومة، بديلة لقوى الحرية والتغيير، إذ نص البند السادس منه على "إدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان وإطار سياسي بشراكة بين العسكر والمدنيين والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة والطرق الصوفية".
في المقابل، تشهد الساحة السياسية بالسودان تحولات لمواقف قوى وحركات مسلحة، كانت من ضمن المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير، داعمة لذلك الاتفاق.
ويضم ائتلاف قوى "إعلان الحرية والتغيير" تجمع المهنيين، وتحالف نداء السودان، وقوى "الإجماع الوطني"، و"التجمع الاتحادي"، إضافة إلى قوى المجتمع المدني.
خيار الانتخابات المبكرة
وفي هذا الصدد، قالت الكاتبة والمحللة السياسية السودانية سارة إبراهيم، للأناضول، إن حكومة حمدوك "تواجه عقبات بعد أن كان الرجل يحظى بدعم وتأييد من غالبية المكونات السياسية".
واستدركت: "لكن بعد قبوله العودة لمنصب رئيس الوزراء عقب قرارات المكون العسكري، وتعطيل كافة المواد المتعلقة بشراكة المدنيين في السلطة، جعل (حمدوك) يتأرجح بين قبول ورفض الشارع".
وأردفت: "لجان المقاومة (مكونة من ناشطين يقودون الاحتجاجات في الشارع) تصعد بثلاث لاءات (لا مساومة، لا شراكة، لا تفاوض)، بالإضافة إلى مليونيات أسبوعية ووقفات احتجاجية، إضافة إلى التلويح بالعصيان المدني".
وأكدت أنه "من الصعب إيجاد حاضنة سياسية في الوضع الحالي"، مبررة ذلك بأن "الهدف من قرارات 25 أكتوبر الماضي (تشرين الأول)، هو إبعاد وإلغاء الحواضن السياسية حتى لا يتم التحكم (من قبل المدنيين) في القرارات".
وأكملت: "من المحتمل أن يصمد الاتفاق السياسي حال تماهي حمدوك مع العسكر، لكن سيفقد شعبيته، أو يقدم استقالته ويبقى لا خيار سوى الانتخابات المبكرة".
حاضنة سياسية جديدة
أما المحللة السياسية والكاتبة الصحفية فتحية عبد الله، فرأت أن مَن وصفتها بـ"القوى السياسية الانتهازية" من الممكن أن تُشكل حاضنة للاتفاق من "أجل حماية مصالحها، هنالك تيار الميثاق الوطني بقوى إعلان الحرية والتغيير، بالإضافة إلى بعض القوى السياسية في المجلس المركزي (يشكل القوام الرئيسي) للحرية والتغيير، ومن ضمنهم حزب الأمة القومي".
وفي حديثها للأناضول، أضافت أنه "من المتوقع انضمام تيارات من الإسلاميين بشكل أو بآخر لهذه الحاضنة السياسية الجديدة للحكومة".
وفي الوقت نفسه، رأت أن "التحدي الذي يواجه اتفاق البرهان وحمدوك لن يصمد أمام الحراك الثوري في الشارع السوداني".
وغير بعيد من سابقتيه، رأى المحلل السياسي، رئيس تحرير موقع "سكاي سودان" الإخباري، جاد الرب عبيد، أن "الاتفاق بوضعه الراهن لن يصمد إلا بإحداث اختراق في موقف قوى الثورة السودانية المتصلب تجاه الاتفاق السياسي".
وأكمل في حديثه للأناضول: "لذلك يحتاج الاتفاق إلى فتح حوار مع تلك القوى، وإشراكها في مفاصل السلطة، لجهة أن القوى الحالية التي تدعم الاتفاق السياسي لم تخلق توازناً، خاصة في الشارع السوداني، الذي يقود المشهد منذ سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير (1989ـ 2019)".
وأضاف: "المجتمع الدولي، لا سيما الدول الغربية، غير متحمس لدعم الاتفاق السياسي، فهو يخشى عودة الإسلاميين إلى سدة الحكم مرة أخرى عبر المكون العسكري".
تطورات داخل الحرية والتغيير
وانقسمت وجهات النظر داخل المجلس المركزي بالحرية والتغيير، في التعامل مع المكون العسكري، بين شريك له وآخر مناهض، باعتبار أن ما جرى "انقلاب عسكري".
لكن اللافت في مكونات المجلس المركزي للائتلاف الحاكم السابق هو دعم بعض مكوناته لاتفاق البرهان وحمدوك، بل ومشاركته في السلطة عقب توقيع الاتفاق السياسي بين الرجلين.
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن رئيس حزب "الأمة القومي" (أحد أكبر مكونات المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير)، اللواء فضل الله برمة ناصر، دعمه الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك.
كما أكد الحزب، في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أنه سيعلن خريطة طريق للتداول بشأنها، بهدف إخراج البلاد من أزمتها الحالية.
في المقابل، قال عمر الدقير، رئيس "حزب المؤتمر السوداني" المنضوي تحت ائتلاف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن الائتلاف سيقاوم الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك.
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عانت قوى الحرية والتغيير انقساماً سياسياً هو الأول من نوعه منذ تأسيسها مطلع 2019، على خلفية اتهامات متبادلة بين مكوناته بالتهميش والإقصاء.
بوادر الانقسام ظهرت في 8 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن وقعت قوى سياسية سودانية وحركات مسلحة، منضوية في قوى إعلان الحرية والتغيير، إعلاناً سياسياً في العاصمة الخرطوم، تحت عنوان "الإعلان السياسي لوحدة قوى الحرية والتغيير وقضايا الانتقال وبناء دولة المواطنة المدينة الديمقراطية"، حيث أثارت تلك الخطوة حفيظة مكونات أخرى في الائتلاف الحاكم.
ومن أبرز الموقّعين على الإعلان السياسي أحزاب "الأمة القومي" و"المؤتمر السوداني" و"البعث العربي الاشتراكي" و"التجمع الاتحادي" و"الحركة الاتحادية" و"تجمع المهنيين" وحركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي، بقيادة الهادي إدريس، والحركة الشعبية، وقطاع الشمال بقيادة مالك عقار، وتجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر.
وفي أقل من شهر، ردت المكونات الأخرى داخل قوى الحرية والتغيير بإعلان "الميثاق الوطني لوحدة قوى إعلان الحرية والتغيير"، في احتفال بالخرطوم، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في خطوة وصفها المراقبون بأنها انقسام سياسي كبير داخل الائتلاف الحاكم السابق.
ومن أبرز القوى السياسية والحركات المسلحة الموقعة على الميثاق "حركة تحرير السودان"، بقيادة مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، و"حركة العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، وزير المالية، و"الحزب الاتحادي- الجبهة الثورية" بقيادة التوم هجو، و"حزب البعث السوداني" بقيادة يحيى الحسين، فضلاً عن "التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية" بقيادة علي عسكوري، و"الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة" بقيادة الأمين داؤود، و"الحركة الشعبية بقيادة خميس جلاب.
واللافت في الأمر أن الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار وتجمع قوى تحرير السودان، وحركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي، ضمن مكونات السلطة بعد اتفاق البرهان وحمدوك بحصة اتفاق السلام، ما يعني عملياً بعدهما عن الموقف السياسي للمجلس المركزي للحرية والتغيير الرافض للاتفاق، وفق مراقبين.