مرَّ أسبوع على الموعد المفترض فيه إعلان القائمة النهائية للمرشحين لرئاسة ليبيا، ولم يتبقَّ سوى 11 يوماً فقط على موعد التصويت، فماذا يعني ذلك للعملية الانتخابية برمتها؟
من المقرر، طبقاً للمسار السياسي الناتج عن مخرجات ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، أن تنعقد الانتخابات الرئاسية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتليها مباشرة الانتخابات البرلمانية، لكن القوانين التي أصدرها مجلس النواب لتنظيم العملية الانتخابية أثارت جدلاً قانونياً وسياسياً كبيراً، خصوصاً ما يتعلق بشروط الترشح للرئاسة.
وكان من المفترض أن تنتهي مرحلة تقديم الطعون على المرشحين للرئاسة والبتّ فيها بشكل نهائي يوم السبت 4 ديسمبر/كانون الأول، وفي اليوم التالي تعلن المفوضية العليا للانتخابات القائمة النهائية للمرشحين، ليتبقى نحو 20 يوماً لفترة الدعاية الانتخابية، لكن حتى اليوم الإثنين 13 ديسمبر/كانون الأول، أي قبل 11 يوماً فقط على موعد التصويت، لم تعلن المفوضية بعد تلك القائمة، فماذا يعني ذلك؟
80 مرشحاً اجتازوا مرحلة الطعون
كان 98 مرشحاً قد تقدموا بأوراقهم للمفوضية العليا للانتخابات، أسقطت المفوضية منهم 25 اسماً، بينهم سيف الإسلام القذافي وعلي زيدان، رئيس الحكومة المؤقتة سابقاً. وفي مرحلة الطعون لدى المحاكم الابتدائية أُسقطت أسماء أخرى، أبرزها عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة، وخليفة حفتر قائد ميليشيات شرق ليبيا.
وشهدت تلك المرحلة أيضاً أحكاماً صدرت عن محاكم ابتدائية إعادة سيف الإسلام القذافي ونوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام سابقاً إلى السباق الرئاسي. وفي مرحلة الطعون النهائية لدى محاكم الاستئناف، أعادت كل من الدبيبة وحفتر إلى السباق الرئاسي، وثبّتت بقاء القذافي الابن ضمن المنافسة، رغم تقديم مفوضية الانتخابات طعناً ضده.
كما عاد إلى السباق الرئاسي بعد الطعون الابتدائية أو الاستئناف كل من: محمد الغويل، وسلامة الغويل، وعثمان البصير، وفتحي بن شتوان، وضو أبو ضاوية، وخالد شكشك (رئيس ديوان المحاسبة)، بحسب الأناضول.
وبذلك تكون قائمة المرشحين اكتملت، إلا أن مفوضية الانتخابات تأخرت في الإعلان عنها، بعد تحذير نواب موالين لحفتر المفوضية من إعلانها القائمة قبل انتهاء جلسة مساءلة لرئيسها، كما تم اقتحام مقرها في طرابلس، وإقامة خيام لمعتصمين.
على أية حال، وفي انتظار ما ستشهده الأيام القليلة المتبقية حتى موعد الانتخابات الرئاسية، وبناء على نتائج طعون محاكم الاستئناف غير القابلة للاستئناف فإن عدد المرشحين النهائيين بلغ نحو 80 مرشحاً.
عبد الحميد الدبيبة
رئيس حكومة الوحدة ورجل أعمال يمتلك شعبية واسعة، ويعتبر مرشحاً قوياً للفوز بالرئاسة، وهذا ما يفسر محاولات رئاسة مجلس النواب إبعاده من المنافسة الانتخابية، عبر المادة 12 من قانون انتخابات الرئيس التي تفرض على المترشح الاستقالة من وظيفته قبل 3 أشهر من الانتخابات.
وحتى بعد صدور حكم قضائي نهائي بمشاركة الدبيبة في الانتخابات، تسعى مجموعة من النواب الموالين لحفتر، للضغط على مفوضية الانتخابات ومجلس القضاء لاستبعاده مجدداً. وقال مستشار رئاسة مجلس النواب فتحي المريمي، إن البرلمان "يسعى إلى إخراج المخالفين من بينهم الدبيبة، من السباق الانتخابي".
حفتر وسيف الإسلام القذافي وباشاغا
خليفة حفتر
لواء متقاعد يقود ميليشيات تسيطر على المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، لديه نفوذ واسع بمجلس النواب، وعبره صدرت عدة قوانين وعُرقلت أخرى بما يتوافق مع أهدافه لحكم ليبيا عبر صناديق الاقتراع، بحسب الأناضول.
ورغم أنه صادر بحقه حكم غيابي بالإعدام من محكمة مصراتة العسكرية، لإدانته بارتكاب جرائم حرب، وعدم تنازله عن جنسيته الأمريكية، وإصدار محكمة الزاوية الابتدائية حكماً باستبعاده من السباق الرئاسي، إلا أنه تمكن في النهاية من الحصول على حكم نهائي بدخول الانتخابات بفضل حكم محكمة الاستئناف بطرابلس.
وتضغط عدة قوى سياسية ومسلحة بالمنطقة الغربية لاستبعاد حفتر من الانتخابات الرئاسية، بالنظر إلى المآسي التي خلفتها ميليشياته عند الهجوم على طرابلس وعدة مدن ليبية أخرى. إلا أن استبعاد حفتر من السباق الرئاسي قد يدفعه لعرقلة الانتخابات في مناطق سيطرته.
سيف الإسلام القذافي
تصنِّفه بعض التقارير الإعلامية على أنه من بين أبرز المترشحين للفوز بالرئاسة، استناداً إلى الإرث السياسي والقبلي الذي تركه له والده خلال 42 عاماً من حكم ليبيا.
ويعتبر سيف الإسلام امتداداً لنظام معمر القذافي، ويحظى بدعم القبائل الممتدة من سرت شمالاً إلى غات في الجنوب الغربي، مروراً ببني وليد والشويرف وبراك الشاطئ وسبها، وهي مدن وبلدات تقطنها قبائل القذاذفة والورفلة والمقارحة والطوارق، الأكثر ولاءً للنظام السابق.
كما يوجد أتباع لسيف الإسلام بدرجة أقل في الجبل الغربي وطرابلس، وأيضاً في المنطقة الشرقية، التي تضم عدداً كبيراً من مسلحي الكتائب الأمنية للقذافي التي انضمت لميليشيات حفتر.
فتحي باشاغا
وزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق (2018-2021)، يعد من رموز كتائب مدينة مصراتة (غرب) التي أطاحت بنظام القذافي في 2011، وأحد أعمدة عملية فجر ليبيا، التي طردت ميليشيات حفتر من طرابلس في 2014، حيث انتخب في نفس العام نائباً في البرلمان عن مصراتة.
لعب دوراً فاعلاً في التوصل إلى اتفاق سياسي بين مجلس نواب طبرق والمؤتمر الوطني العام في ديسمبر/كانون الأول 2015، كما كان من بين القيادات التي تصدت لمحاولة ميليشيات حفتر اقتحام طرابلس (2019-2020).
باشاغا كان ينظر له كأحد رموز المنطقة الغربية في مواجهة حفتر بالمنطقة الشرقية، لكن محاولته الجريئة للانفتاح على المنطقة الشرقية وربط علاقات مع الدول الداعمة لحفتر، قلَّصت من شعبيته، خاصة مع صعود نجم الدبيبة، ومع ذلك يوصف بأنه الرقم الصعب في معادلة الحرب والسلام في ليبيا.
مرشحون قد يخلطون الأوراق
عقيلة صالح
يدخل عقيلة الانتخابات الرئاسية، رغم أنه لم يعلن رسمياً استقالته من رئاسة البرلمان قبل 3 أشهر من الانتخابات الرئاسية، كما نص القانون الذي وضعه بنفسه. وزار عقيلة الجزائر في هذه الفترة بصفته رئيساً لمجلس النواب، ما يعكس وجود غموض في مدى قانونية ترشحه، دون أن يتم الطعن فيه من أي جهة.
ونقطة ضعف عقيلة أنه لا يحظى سوى بدعم قبيلة العبيدات وبعض القبائل المتحالفة معها في أقصى الشرق. كما أن هيمنة حفتر على المنطقة الشرقية تجعل حظوظه للفوز بالرئاسة ضئيلة، خاصة مع تأكد مشاركة حفتر، والدبيبة والقذافي، في هذه الانتخابات، ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة.
أحمد معيتيق
نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق (2016-2021)، كان أول ظهور له في 2014، عندما انتُخب على مستوى المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) رئيساً للحكومة المؤقتة بعد استقالة عبد الله الثني، قبل أن يتم إلغاء هذا القرار لأسباب إجرائية.
معيتيق رجل أعمال ينحدر من مصراتة، من عائلة معروفة بنشاطها السياسي، فخاله عبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة السابق. ومع ذلك لا يُعرف عن معيتيق أن له شعبية كبيرة في المنطقة الغربية، رغم أنه كان من الشخصيات الفاعلة في المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بل يمكن اعتباره الرجل الثاني في حكومة الوفاق بعد فائز السراج، رئيس المجلس.
ولكن من شأن ترشح معيتيق أن يقسِّم أصوات المنطقة الغربية، خاصة في مصراتة، التي خرج منها 5 مرشحين على الأقل، كما يمكن أن يلعب دوراً في تحالفات الدور الثاني من الرئاسيات.
العارف النايض: سفير ليبيا السابق لدى الإمارات، وأكاديمي له وزنه بين أنصار التيار الصوفي، لكنه يعتبر من مرشحي الصف الثاني. فالنايض، ليس مرشحاً للفوز بكرسي الرئاسة، لكن بإمكانه خلط بعض الأوراق، ودعم أحد المرشحين الذين من المحتمل أن يصعدا للدور الثاني. فالرجل من الشخصيات المحسوبة على حفتر، والمنطقة الشرقية، وتحالفاته ستكون ضمن هذا النطاق.
هل بات انهيار العملية الانتخابية أمراً واقعاً؟
الآن وفي ظل ضيق الوقت، بات مصير الانتخابات برمتها مهدداً بالانهيار، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية عنوانه "خطة إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول تقترب من الانهيار"، والسؤال الآن كيف يمكن إنقاذ العملية السياسية برمتها من الانهيار تفادياً لعودة شبح الحرب من جديد؟
فمن الناحية الواقعية البحتة، وحتى لو أعلنت المفوضية العليا للانتخابات القائمة النهائية للمرشحين للرئاسة اليوم أو غداً، لن يكون هناك وقت كاف للدعاية الانتخابية، والذي كان مقدراً بنحو ثلاثة أسابيع في الخطة الزمنية الأصلية.
كما أن الجانب اللوجستي، من إعداد بطاقات الاقتراع وتوصيلها إلى مراكز التصويت في جميع مناطق ليبيا، بات تحدياً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً من الناحية العملية على الأرض، في ظل وجود انقسام فعلي في مناطق السيطرة بين الشرق والغرب.
هذه التحديات وغيرها تضع القوى الدولية، التي جعلت موعد 24 ديسمبر/كانون الأول هدفاً وحيداً أمامها، في مأزق حقيقي، في ظل عدم وجود سيناريوهات بديلة في حالة الوصول إلى هذا الموعد دون إجراء الانتخابات.
إذ يمثل هذا الموعد نهاية التفويض الممنوح لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة والمجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، وبالتالي تثار أسئلة تتعلق بالفراغ السياسي في البلاد، فهل سيكون الحل هو تمديد عمل السلطة الموحدة التي نتجت عن ملتقى الحوار الليبي أم سيتم البدء من جديد في مسار سياسي آخر؟ وهل سيصمد وقف إطلاق النار الساري منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد فشل مغامرة حفتر العسكرية؟
التصريحات الصادرة عن الأمم المتحدة والقوى الدولية الساعية لإجراء الانتخابات في ليبيا توحي بغياب أي سيناريو بديل، على الرغم من أن لحظة الحقيقة أصبحت بالفعل على بعد 11 يوماً فقط.
فقد أصدرت البعثة الأممية الخاصة بليبيا بياناً "حثت فيه جمع الأطراف على عدم تجاهل المكاسب التي حققها المسار السياسي"، مؤكدة أن تسجيل نحو 3 ملايين ليبي في قوائم الناخبين والنجاح في توزيع بطاقات التصويت وتقدم عدد كبير من المرشحين للرئاسة وللبرلمان، مؤشرات على التأييد الشعبي العميق للعملية الانتخابية.
والأمر نفسه أكد عليه ريتشارد نورلاند السفير الأمريكي لدى ليبيا بقوله إن "رفض التوجه إلى الانتخابات والترويج لعرقلتها سوف يضع مستقبل البلاد تحت رحمة بعض الأطراف الليبية وداعميها الخارجيين، الذين يفضلون قوة الرصاص على قوة البطاقات الانتخابية".
خلاصة الموقف إذاً هي إصرار جميع الأطراف على المضي قدماً نحو الانتخابات، على أساس أنها السبيل الوحيد لإبعاد شبح الحرب عن ليبيا، لكن لا أحد يقدم إجابات لليبيين عن كيفية تحقيق هذا الهدف، في ظل اقتراب الموعد الذي يفترض أن يدلوا فيه بأصواتهم للمرشحين للرئاسة، دون أن يعرفوا من هم هؤلاء المرشحون من الأساس؟
والسؤال الأخطر هنا هو: ماذا لو أعلنت المفوضية العليا للانتخابات قائمة المرشحين النهائية واستبعدت منها مرشحين كالدبيبة أو نجل القذافي أو حفتر أو عقيلة صالح؟ أو ماذا لو أعلنت المفوضية، وهو أمر بات متوقعاً بالمناسبة، عن تأجيل موعد 24 ديسمبر/كانون الأول، لإفساح المجال للدعاية الانتخابية؟ متى سيكون الموعد الجديد؟ وما وضع السلطة التنفيذية وقتها من الناحية القانونية؟ أسئلة كثيرة حائرة تجعل من الموعد المقرر لانتخابات الرئاسة قنبلة موقوتة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ.