إذا سُئِل المواطنون الأوروبيون عن الدولة التي تتولى حالياً رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي فمن المحتمل ألا يتمكن الكثير منهم من تسمية الدولة العضو الصحيحة، وهي سلوفينيا، لكن عندما يحين دور فرنسا لتولي الرئاسة الدورية في الأول من يناير/كانون الثاني، يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التأكد من أنَّ الأوروبيين يعرفون من هو المسؤول، أو ربما من يود أن يكون كذلك، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.
ماكرون وطموحات "زعامة" أوروبا
كشف ماكرون عن طموحات جريئة للرئاسة، يوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول، في مؤتمر صحفي استمر ساعتين، وتطرّق إلى جميع القضايا الأساسية تقريباً لمستقبل التكتل، الذي يضم 27 دولة، وسكانه البالغ عددهم 440 مليون نسمة. وقال إنَّ هدفه هو تحويل الاتحاد إلى "أوروبا قوية في العالم، وذات سيادة كاملة، وحرة في خياراتها وسيدة مصيرها".
في بعض الأحيان كانت تصريحاته شبيهة بمحاولة موجهة للناخبين الفرنسيين لإعادة انتخابه، ولم تكن لتخفى على أي شخص يعلم أنَّ فترة الرئاسة الفرنسية للاتحاد، التي تستمر لستة أشهر، تتداخل مع الانتخابات الرئاسية الفرنسية في أبريل/نيسان.
لم يعلن ماكرون رسمياً عن سعيه لإعادة انتخابه -ورفض الإفصاح عن أي شيء بخصوص ذلك يوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول- لكن يتوقع الكثيرون أنه يخطط للترشح. ويمكن لرئاسة الاتحاد الأوروبي أن تعطيه طريقة لتقديم نفسه على أنه الزعيم الفعلي لأوروبا في فترة الحملة الأخيرة. ومن الممكن أيضاً أن يخرج من المنصب بحلول الوقت الذي تنتهي فيه الرئاسة الدورية لدولته على الاتحاد الأوروبي.
واقترح ماكرون تغييرات عديدة على عدة مواضيع، يوم الخميس؛ منها أمن الحدود، والنموذج الاجتماعي في أوروبا، والعمل المناخي، والنمو الاقتصادي. لكن ما زال من غير الواضح إلى أي مدى سيصل في تنفيذ هذه الجهود.
إذ لا تجلب الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي معها الكثير من القوة. وهي تتوقف فقط عند حد لفت الانتباه لدولة ما؛ وهو ما قد يكون مهماً لأماكن مثل لوكسمبورغ الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها 630000 نسمة، أكثر من فرنسا، التي يبلغ عدد سكانها 67 مليون نسمة وتتمتع بنفوذ اقتصادي أكبر بكثير.
وبينما تُمكِّن رئاسة الاتحاد من إعداد بعض الأجندات، لكن هذه الخطط سرعان ما تغرق بسبب المصالح القومية المتنافسة وعمليات الاتحاد الأوروبي المعقدة، كما تقول الصحيفة الفرنسية.
أجندة ماكرون الخاصة برئاسة الاتحاد الأوروبي
ستتولى فرنسا الرئاسة في الوقت الذي يواجه فيه الاتحاد الأوروبي العديد من التحديات. فقد تسبب وباء فيروس كورونا المستجد في تقليص ميزانيات الدول الأعضاء ولا يزال يتسبب في خسائر فادحة، لا سيما في البلدان الأوروبية ذات أقل معدلات تطعيم، حيث ارتفعت نسب الوفيات مرة أخرى. وفي غضون ذلك، قد تجبر التوترات مع روسيا والصين الاتحاد الأوروبي على تشديد سياسته الخارجية، التي غالباً ما كانت بمثابة توازن دقيق بين المصالح الاقتصادية والاهتمامات المتعلقة بحقوق الإنسان.
اقترح ماكرون قوة رد فعل من شأنها مساعدة دول الاتحاد الأوروبي في حالات طوارئ الهجرة – وهو أمر اكتسب بعض الزخم منذ فتحت بيلاروسيا طرقاً للمهاجرين للوصول إلى الاتحاد الأوروبي رداً على العقوبات الأوروبية. ويريد ماكرون أيضاً إعادة النظر في نظام تأشيرات شنغن، الذي يمكّن الأوروبيين من عبور الحدود دون ضوابط.
وربما كانت هذه المقترحات تستهدف الدول المتشككة في الهجرة، في شرق الاتحاد الأوروبي، وكذلك الجمهور المحلي.
ويمثل المرشحان للرئاسة الفرنسية في المركز الثاني والثالث خلف ماكرون – مارين لوبان وإريك زمور – أقصى اليمين في فرنسا ويخوضان الانتخابات ببرامج مناهضة للهجرة. ويرى الكثير من تيار اليمين أنَّ ماكرون كان متساهلاً للغاية مع الهجرة، على الرغم من أنَّ منتقديه اليساريين يقولون إنَّ حملات حكومته القمعية ضد المهاجرين قد تخطت الحدود.
هل يقود ماكرون أوروبا بعد رحيل ميركل؟
ركز ماكرون على مجموعة من القضايا الأخرى التي لفتت انتباه الجمهور الفرنسي في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الخلافات العديدة بين البلاد وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
قال ماكرون: "أنا أحب بريطانيا العظمى، وأتوق حقًا إلى حكومة تريد فقط العمل معنا بحسن نية". كما أشار إلى اهتمامه بتوسيع إجراءات التحفيز الاقتصادي المرتبطة بالوباء. لكن أعربت عددٌ من الدول، بما في ذلك ألمانيا المجاورة، عن تشككها في مثل هذه الإجراءات.
والتقى ماكرون، يوم الجمعة 10 ديسمبر/كانون الأول، في باريس بالمستشار الألماني الجديد أولاف شولتز، خليفة أنجيلا ميركل.
وهيمنت ميركل على السياسة الأوروبية لفترة طويلة. وقد ترتفع آمال ماكرون في قيادة الاتحاد الأوروبي نحو فصل جديد، أو تنخفض اعتماداً على طموحات خليفها شولتز ونفوذه.
وأتاحت الانتخابات الألمانية فرصةً للرئيس الفرنسي لتعزيز مكانته في الاتحاد الأوروبي كـ"قائد بارز" مع تنحي المستشارة الألمانية ميركل، بعد 16 عاماً في السلطة. وحيال ذلك تقول صحيفة Politico الأمريكية إن الرئيس الفرنسي سوف يكون "أكثر خبرةً كقائدٍ وطني من أيِّ شخصٍ يصبح مستشاراً لألمانيا"، ومن هذه الزاوية، سيصبح ماكرون الشريك الأول في العلاقة الفرنسية الألمانية التي تقود الاتحاد الأوروبي، حتى مع حفاظ برلين على الثقل الاقتصادي.