غزو روسيا لأوكرانيا أصبح احتمالاً متزايداً في ظل الحشود العسكرية الروسية الكبيرة التي وضعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحدود، ولكن بات السؤال الملح ما أهداف بوتين من غزو أوكرانيا المحتمل، وهل يضم مناطق جديدة أم يسقط النظام أم يدفع البلاد للانقسام؟
ولا أحد في الغرب يعلم هل يريد بوتين غزو أوكرانيا أم يساوم لتحقيق مكاسب منها الحصول على ضمانات لمنع انضمامها للناتو، أم يريد تحقيق مكاسب في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، مثل السماح بتشغيل خط السيل الشمالي الذي يصدر الغاز من روسيا لألمانيا، أم معاملة بالمثل من الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبر الابتزاز بالورقة الأوكرانية.
ورغم حدة التهديدات الغربية لبوتين من مغبة الإقدام على غزو أوكرنايا، فإنه لا أحد ينسى أن روسيا سبق أن غزت أوكرانيا، ولم تأبه بالعقوبات الغربية، كما أن موسكو تستطيع بالفعل أن تشن هجوماً على أوكرانيا، ثم تساوم الغرب لمنعه من فرض عقوبات موجعة، سواء بابتزازه بالتلويح بتوسيع عملية غزو أوكرانيا أو التهديد بغزو جمهوريات البلطيق الجبهة الأمامية الهشة للناتو.
أزمة 2014 تخبرنا ماذا يمكن أن تفعل روسيا في 2021؟
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، حافظت الدولتان السلافيتان أوكرانيا وروسيا على علاقات وثيقة للغاية، باعتبارهما أهم وريثين للاتحاد السوفييتي، وبالنظر إلى التقارب الثقافي بين البلدين، فإن أوكرانيا كانت مقسمة بين نزعتين، الأولى تنظر للغرب ويحدوها فكرة الانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي، وفي المقابل نزعة أخرى تتركز في الشرق والجنوب، تميل لروسيا بالنظر إلى أن أغلب سكان هذه المناطق خليط من الأوكرانيين ذوي الأصول الروسية والأوكرانيين المتحدثين بالروسية، كما أنها مناطق اقتصادياً وثقافيا مرتبطة بروسيا، وبها أغلبية أرثوذكسية كبيرة، بينما غرب أوكرانيا تقليدياً قريب لبولندا والإمبراطورية الرومانية المقدسة والإمبراطورية النمساوية المجرية التي ورثتها، وبه وجود كاثوليكي قوي أو توجهات علمانية غير دينية.
في الوقت نفسه، كانت هناك العديد من النقاط العالقة بين البلدين، أهمها الترسانة النووية الكبيرة التي ورثتها أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي، والتي وافقت كييف على التخلي عنها في مذكرة بودابست بشأن الضمانات الأمنية (ديسمبر/كانون الأول 1994)، بشرط أن تصدر روسيا (والموقعون الآخرون) ضماناً ضد التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة أراضي أوكرانيا أو استقلالها السياسي.
في عام 1999، كانت روسيا واحدة من الدول الموقعة على ميثاق الأمن الأوروبي، حيث "أعادت التأكيد على الحق الطبيعي لكل دولة مشاركة في أن تكون حرة في اختيار أو تغيير ترتيباتها الأمنية.
في المقابل يقول الروس إن الولايات المتحدة ودول الناتو تعهدت للاتحاد السوفييتي بعد توحيد ألمانيا بعدم توسع الناتو شرقاً، وهو ما لم يحدث.
قوات الأسطول الروسي سهّلت ضم القرم
بعد انتخاب فيكتور يانكوفيتش القريب من روسيا لرئاسة أوكرانيا عام 2010، جدد عقد إيجار المنشآت البحرية في شبه جزيرة القرم لموسكو، ووسع وجود القوات المسموح بها، وكذلك السماح للقوات بالتدريب في شبه الجزيرة، واعتبر الكثيرون في أوكرانيا التمديد غير دستوري، لأن الدستور الأوكراني ينص على عدم وجود قوات أجنبية دائمة في أوكرانيا بعد انتهاء معاهدة سيفاستوبول.
ثم بدأت الأزمة الأوكرانية، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، عندما علق رئيس البلاد آنذاك فيكتور يانوكوفيتش الاستعدادات لتنفيذ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. أثار القرار احتجاجات حاشدة من مؤيدي الاتفاقية الذين يتركزون في وسط وغرب البلاد.
وأدت الاحتجاجات إلى اندلاع ثورة أطاحت بيانوكوفيتش، في فبراير/شباط 2014.
في 21 فبراير/شباط 2014، تم توقيق اتفاقية تسوية بين يانوكوفيتش وزعماء المعارضة البرلمانية التي دعت إلى انتخابات مبكرة. في اليوم التالي، فر يانوكوفيتش من العاصمة قبل تصويت على قرار بعزله وتجريده من صلاحياته كرئيس.
وفي 27 فبراير/شباط، تم تشكيل حكومة مؤقتة، وتقرر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في اليوم التالي، عاد يانوكوفيتش إلى الظهور في روسيا، في مؤتمر صحفي أعلن أنه سيظل رئيساً لأوكرانيا بالإنابة، بالتزامن مع إطلاق حملتها العسكرية العلنية في شبه جزيرة القرم.
كما أثار عزل يانوكوفيتش الاضطرابات في جنوب وشرق أوكرانيا، المتحدث باللغة الروسية، حيث حصل يانوكوفيتش على معظم دعمه.
وأعلن قادة المناطق الشرقية الناطقة بالروسية في أوكرانيا استمرار ولائهم ليانوكوفيتش.
في 23 فبراير/شباط، تبنّى البرلمان مشروع قانون لإلغاء قانون 2012، الذي أعطى اللغة الروسية صفة رسمية، لم يتم سن مشروع القانون، ومع ذلك، أثار الاقتراح ردود فعل سلبية في المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، وركزت وسائل الإعلام الروسية على هذا المقترح، قائلة إن السكان من أصل روسي في خطر داهم.
في صباح يوم 27 فبراير/شباط، استولت وحدات الشرطة الخاصة في بيركوت من شبه جزيرة القرم ومناطق أخرى في أوكرانيا، والتي سبق حلها، على نقاط تفتيش في برزخ بيريكوب وشبه جزيرة تشونهار.
اتهمت كييف والغرب روسيا بالتحريض على الاضطرابات في جنوب وشرق أوكرانيا، وفي الوقت ذاته أفادت تقارير بـ"سيطرة جنود روس" بدون شارات تدل على هويتهم على المواقع الاستراتيجية والبنية التحتية داخل إقليم القرم الأوكراني، وهو إقليم غالبية سكانه من ذوي الأصول الروسية أو المتحدثين بالروسية، بينما يمثل المتحدثون بالأوكرانية وتتار القرم "السكان الأصليون" أقلية.
ثم ضمّت روسيا شبه الجزيرة بعد استفتاء محلي انتُقد على نطاق واسع في الغرب، نظمته روسيا بعد الاستيلاء على برلمان القرم، حيث صوت سكان جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي للانضمام إلى الاتحاد الروسي.
في أبريل/نيسان 2014، تصاعدت مظاهرات الجماعات الموالية لروسيا في منطقة دونباس بأقصى شرق أوكرانيا، وتطورت إلى حرب بين الحكومة الأوكرانية والقوات الانفصالية المدعومة من روسيا، التابعة لجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك المعلنتين من جانب واحد.
في أغسطس/آب 2014، عبرت المركبات العسكرية الروسية الحدود في عدة مواقع في إقليم دونيتسك، واعتبر توغل الجيش الروسي مسؤولاً عن هزيمة القوات الأوكرانية.
ومنذ ذلك الوقت، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وحولتها لقلعة عسكرية، وقالت إن من حقها نشر أسلحة نووية فيها، فيما لم تعترف بانفصال إقليم الدونباس، ولكنها تدعمه عسكرياً واقتصادياً، ويسود الإقليم الانفصالي منذ ذلك الوقت حالة من اللاسلم واللاحرب، وعاد التوتر مؤخراً عندما استخدمت كييف طائرات بيرقدار التركية لضرب أهداف للانفصاليين.
وقبل الأزمة الجديدة، هناك مؤشرات على أن روسيا تريد تعزيز انفصال إقليم الدونباس وتبعيته لها أو إعادته لأوكرانيا، بشرط احتفاظ المناطق الروسية بحق الفيتو على القرارات المصيرية، بما في ذلك الانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي والقرارات المتعلقة باللغة الروسية.
ولكن الآن بات من الواضح أن طموحات بوتين توسعت، ولم تعد تقتصر على الدونباس والقرم، فما السيناريوهات المتوقعة من روسيا في حالة قيامها بغزو أوكرانيا مجدداً، وهل من بين أهداف بوتين ضم أوكرانيا بالكامل لروسيا، أم السيطرة عليها وإسقاط النظام الموالي للغرب في أوكرانيا، أم ضم مناطق جديدة.
سيناريو غزو أوكرانيا بالكامل وضمها لروسيا بشكل أو بآخر
يدّعي بعض المحلّلين في السياسات الخارجية الغربية أنَّ روسيا تستعد لغزو أوكرانيا، حتى إنَّ البعض يجادل بأنَّ بوتين يعتبر الغزو الكامل لأوكرانيا وسيلةً لترسيخ إرثه.
لكن عالم السياسة الروسي سوسلوف يستبعد شن روسيا غزواً واسع النطاق، قائلاً إنه سيكون "غير مرغوب فيه ومكلف للغاية بالنسبة لروسيا". وتاريخياً، ابتعدت روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي عن مثل هذه المساعي العسكرية واسعة النطاق، ولجأت بدلاً من ذلك إلى تكتيكات المنطقة الرمادية الأقل تكلفة، مثل استخدام الوكلاء والمرتزقة وحرب المعلومات وغيرها من الأساليب غير التقليدية.
وبصفة عامة فإن بوتين لديه أداتان عسكريتان للهجوم على أوكرانيا، الأولى هجوم عسكري مباشر من الجيش الروسي النظامي، والثانية عملية عسكرية رمادية من الميليشيات الموالية لموسكو، والأداة المرجحة في حال غزو أوكرانيا من قبل روسيا هي خليط من الاثنين.
وتعتبر أوكرانيا هدفاً سهلاً لأي غزو عسكري روسي، مع فارق القوة العسكرية الهائل بين البلدين، ولكنها تظل بعدد سكانها البالغ نحو 41 مليون نسمة لقمة كبيرة على موسكو لابتلاعها وضمها رسمياً أو فعلياً، حيث يعادل سكانها أكثر من ربع عدد سكان روسيا، أغلبهم ساخطون على بوتين.
ولذا فإن احتمال أن يؤدي غزو أوكرانيا لابتلاع روسي لها بالكامل مستبعد إلى حد كبير.
إسقاط النظام
في المقابل فإن غزو أوكرانيا عبر خليط من الحرب النظامية والحروب الرمادية بهدف إسقاط النظام أو تفتيت البلاد، أو خلق حالة مواتية لموسكو محتمل أكثر من الضم الكامل رغم أنه يظل سيناريو بعيداً.
يمكن لموسكو تدمير الجيش الأوكراني بالكامل، ما قد يمهد لإسقاط النظام أو دخول قوات روسية أو موالية لها للقيام بذلك، وقد يتبع ذلك محاولة تشجيع المناطق التي يوجد بها نسب مرتفعة من الروس والمتحدثين بالروسية على الانفصال أو شكل من أشكال الحكم الذاتي.
هذا السيناريو المتطرف، رغم أنه لا يمكن استبعاده، فإنه غير مرجح بالنظر للتكلفة العسكرية الكبيرة والشكوك أن سكان المناطق ذات الوجود الروسي الكثيف ستدعمه.
دفع مناطق جديدة من أوكرانيا للانفصال
هناك ما يقرب من ثمانية ملايين من أصل روسي يعيشون في أوكرانيا، وفقاً لتعداد عام 2001، معظمهم في الجنوب والشرق، حيث تشير تقديرات إلى أن الروس يمثلون نحو 17% من سكان البلاد قبل أزمة 2014، وتزعم موسكو أن من واجبها حماية هؤلاء الأشخاص كذريعة لأفعالها في أوكرانيا.
ولكن اللغة الروسية أكثر انتشاراً في أوكرانيا من الروس، إذ يُعتقد أنه في عام 2001 كان نحو 30% من السكان يتكلمون الروسية كلغة أولى، كما كانت اللغة الروسية هي اللغة المهيمنة فعلياً خلال العهد السوفييتي رغم أن الأوكرانية هي اللغة الرسمية، علماً بأنه يُعتقد أن اللغة الأوكرانية في صعود، خاصة بعد أزمة 2014 بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية، خاصة في ضوء القرارات ضد اللغة الروسية التي اتخذتها كييف والتي قوبلت بانتقادات حادة من موسكو.
وبصفة عامة تنتشر الروسية في جنوبي وشرقي البلاد وبصورة أقل في الشمال، إلى جانب الأوكرانية، فيما تسود الأوكرانية بوسط وغربي البلاد، ويترجم هذا في رغبة الأقاليم الوسطى والغربية بأوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بينما تميل الأقاليم الشرقية والجنوبية أكثر إلى روسيا، علماً أن هذه الإقاليم ذات الهوى أو التأثير الروسي لا تشمل فقط إقليم الدونباس والقرم؛ بل مناطق أخرى مازالت ضمن سيطرة كييف.
ولكن سكان هذه المناطق رغم أنهم يميلون لموسكو بدرجات مختلفة، فإنهم ليسوا بالضرورة موالين لروسيا أو رافضين لهوية أوكرانية وطنية، فالأوكرانيون المتحدثون بالروسية بالأخص يؤمنون بالهوية الأوكرانية ولكنها هوية ليست معادية لروسيا، عكس سكان غربي أوكرانيا، المنطقة التي كانت تقليدياً معقل الهوية الأوكرانية المعادية لروسيا.
يجعل هذا الوضع من الصعب ضم كل الإقاليم التي يوجد بها عدد كبير من الناطقين بالروسية في أوكرانيا، خاصةً أن الشعور القومى الأوكراني والمعادي لموسكو بعد أزمة 2014 يُعتقد أنه قد تصاعد في العديد من المناطق التي كانت تنتشر فيها اللغة الروسية.
ضم إقليم الدونباس رسمياً
يطلق اسم إقليم الدونباس على مقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، اللتين يتحدث أغلب سكانهما بالروسية، وهما خارجتان عن سيطرة أوكرانيا منذ عام 2014، ويحكمهما زعماء موالون لروسيا، ويعتمدون عليها اقتصادياً وعسكرياً.
وفقاً لتعداد عام 2001، يشكل الأوكرانيون 58% من سكان مقاطعة لوهانسك و56.9% ومقاطعة دونيتسك، بينما يشكل الروس العرقيون أكبر أقلية، حيث يمثلون 39% و38.2% من المنطقتين على التوالي، علماً بأن هناك امتزاجاً بين العرقيتين المتقاربتين في الأصل عبر ما يُعرف بالعرق السلافي الشمالي الذي يجمع الروس والبيلاروس والأوكرانيين.
ولكن اللغة السائدة في إقليم الدونباس هي الروسية، فوفقاً لتعداد عام 2001، فإن اللغة الروسية هي اللغة الرئيسية لـ74.9% من سكان دونيتسك، و68.8% في لوهانسك، أي إن نسبة المتحدثين الأصليين بالروسية أعلى من الروس، لأن بعض الأوكرانيين والإثنيات الأخرى يستخدمون اللغة الروسية باعتبارها لغتهم الأم.
ويبدو سيناريو ضم روسيا رسمياً إقليمَ الدونباس ذا الأغلبية الناطقة بالروسية رسمياً، خياراً أكثر احتمالاً من الخيارات السابقة.
وسبق أن طلب زعيم الحزب الشيوعي الروسي، غينادي زوغانوف، من بوتين، أن يعترف بتبعية منطقة دونباس لروسيا أي ضمها إلى روسيا رسمياً، علماً أن الإقليم الذي يشكَّل من جمهوريتين انفصاليتين غير معترف بهما حتى من روسيا، يعتمد على موسكو تماماً من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية.
ومنحت موسكو سكان الإقليم حق الحصول على جوازات سفر روسية، وبرر المتحدث باسم الرئاسة الروسية "الكرملين" ديمتري بيسكوف، هذا القرار بأنه يأتي لمنحهم حرية التنقل في أماكن أخرى بخلاف روسيا.
ولتشجيع هذا التوجه قررت روسيا اشتراط الحصول على جوازات سفر روسية لمن يرغب من سكان الإقليم في الانضمام إلى القوى المسلحة بالإقليم الانفصالي، وهو مصدر نادر للوظائف في الإقليم المحاصر دولياً، وهو ما اعتبرته أوكرانيا تشجيعاً لزيادة عدد حاملي الجنسية الروسية في الإقليم.
كما وقَّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على مرسوم يقضي بتسهيل قوانين الحصول على الجنسية الروسية لسكان بعض المناطق في جنوب شرقي أوكرانيا.
وباعتراف موقع "روسيا اليوم" بالعربي، فإن هذا يعني أن سكان إقليم الدونباس سوف يشعرون بثقة أكبر بامتلاكهم جواز سفر روسياً، وسيعني هذا أنه إذا حدث شيء ما، فلن تسمح روسيا بالإساءة إليهم، وسيحصلون على معاشات تقاعدية روسية، وإمكانية العمل في روسيا، وسوف يصبحون في الواقع جزءاً من العالم الروسي، وأن روسيا كلها بقدراتها ستحمي ظهرهم. وهكذا، فلا يعود مُهماً لـ"دونباس" أن تستمر المفاوضات مع أوكرانيا أم لا وما إذا كانت ستجري من حيث المبدأ، حسب الموقع.
هل يريد سكان إقليم الدونباس الانضمام لروسيا؟
في استفتاء عام 1991 على استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي، أيد 83.9% من الناخبين في دونيتسك و83.6% في لوهانسك الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي.
ولكن في أكتوبر/تشرين الأول 1991، انعقد مؤتمر لنواب الجنوب الشرقي من جميع مستويات الحكومة في دونيتسك، حيث طالب المندوبون بالفيدرالية.
وكان اقتصاد إقليم الدونباس مرتبطاً بروسيا ومشابهاً لاقتصادها، ومن الواضح أنَّ تدهور اقتصاد المنطقة الذي يشكو منه السكان بعد استقلال أوكرانيا، جاء نتيجة عوامل عدة، منها الفساد على المستويين المحلي والوطني على السواء، إضافة إلى الإهمال من قِبل الحكومة المركزية في كييف، والابتعاد عن روسيا، ولكن من أهم الأسباب تراجع الصناعات السوفييتية الطابع، لاسيما استخراج الفحم.
ولكن أيضاً استفز السكانَ السياساتُ القومية الأوكرانية المتشددة ضد روسيا واللغة الروسية والتقارب مع الغرب من قِبل المناطق الوسطى والغربية، وتجاهل أصواتهم في هذه الأمور، وبطبيعة الحال كان الدور الروسي جاهزاً لتحريضهم، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير في أزمة إزاحة الرئيس السابق فيكتور يانكوفيتش عام 2014.
وسبق أن أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن روسيا ليست لديها خطط لضم دونباس، وأن موسكو تركز فقط على حماية الروس والسكان الناطقين بالروسية في المنطقة.
كما أشار إلى أن إقليم الدونباس "كان يتحدث بالروسية دائماً"، وأن موسكو تنوي الدفاع عن سكانه.
اللافت أن هناك عديداً من المناطق الأوكرانية الأخرى في شرقي وجنوبي البلاد تتحدث بالروسية أيضاً، لكن الكرملين لم يدافع قط عن سكانها بنشاط كما هو الحال في دونباس. بالنظر إلى أن الطاقة تلعب دوراً حاسماً في السياسة الروسية، فليس من المستغرب أن تكون موسكو مهتمة بالحفاظ على سيطرتها الفعلية على حوض دونباس الغني بالفحم.
تلمّح روسيا إلى أن سكان إقليم الدونباس الذي يسيطر عليه حالياً الانفصاليون، الذين تدعمهم، ولاؤهم الأساسي لروسيا وأنهم لا يريدون الانضمام لأوكرانيا بالصيغة الحالية على الأقل.
لكن استقصاءَين أُجريا في دونباس عامي 2016 و2019، كشفا أن غالبية الذين تجاوبوا مع الاستطلاع بالمناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية، يفضلون أن يكونوا جزءاً من الدولة الأوكرانية، حسب تقرير لموقع The Conversation الذي يتخذ من أستراليا مقراً له.
ففي المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في دونباس، أعرب نحو 55% من المستطلعة آراؤهم عن تفضيلهم أن يستمروا جزءاً من الدولة الأوكرانية.
كما قال نحو 65% من المستطلعة آراؤهم في المناطق الخاضعة للحكومة الأوكرانية بمقاطعتي دونيتسك ولوهانسك، إنهم يريدون أن يكون إقليمهم جزءاً من أوكرانيا دون أي نوع من الوضع الخاص، حسب الموقع.
يظل سيناريو ضم روسيا إقليم الدونباس ذا احتمال متوسط، علماً بأن روسيا لا تحتاج إلى حرب لضم الإقليم، لأنها تقوم بخطوات فعلية لتحقيق ذلك، ويُعتقد أن روسيا تراهن على خيارين متناقضين: إما إعادة الدونباس شكلاً لأوكرانيا مع ترتيبات تضمن للإقليم والأقاليم التي يوجد بها تأثير روسي كثيف شكلاً من أشكال الفيتو على القرارات المهمة في أوكرانيا مثل الانضمام للناتو أو الاتحاد الأوروبي، وإذا لم ينجح هذا الخيار فقد تمضي قدماً في خطواتها صوب ضم الدونباس، وقد تساعد الفوضى التي يسببها هجوم روسي على أوكرانيا في تحقيق ذلك، حيث ستنشغل كييف بالدفاع عن نفسها.
المغنم الكبير الذي يتطلع إليه بوتين وقد يمكن تنفيذه
أحد السيناريوهات التي يخشاها المراقبون هو ضم روسيا المناطق التي تفصل بين إقليم الدونباس المتاخم لها وشبه جزيرة القرم التي لا يوجد بينها وبين الأراضي الروسية رابط من الأرض الخاضعة لموسكو، خاصة في ظل حديث عن مشكلات يواجهها سكان القرم في توفير المياه، وقد يعني هذا الضم تمكين بوتين من حل هذه المشكلات التي يشكو منها سكان الإقليم الاستراتيجي لروسيا.
ويفصل مضيق كيرش الذي يطلق عليه بوسفور القرم بين شبه جزيرة القرم وبين الأراضي الروسية، ويتراوح عرضه بين 3 إلى 13 كيلومتراً، ولقد أقامت روسيا جسراً ضخماً عليه بعد ضمها القرم
ومن المهم معرفة ظروف هذه الإقاليم البينية السكانية واللغوية؛ لمعرفة احتمالات حدوث هذا السيناريو.
إلى أي مدى يمكن لروسيا إقامة جسر بري بين القرم والدونباس؟
تبدو مقاطعة Zaporizhzhia المحاذية لإقليم الدونباس، المرشحةَ لمثل هذا الغزو، وهي مقاطعة مهمة صناعياً وزراعياً ويبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة، يعتبر نحو 70.8% منهم أنفسهم أوكرانيين، بينما 24.7% يصنفون أنفسهم كروس، والباقون من جنسيات متنوعة، من ضمنها البلغار (1.4%)، والبيلاروسية (0.7%).
ولكن عند فحص التركيبة اللغوية يزداد احتمال حدوث هذا السيناريو.
فأقل بقليل من نصف السكان (48.2%) يعتبرون اللغة الروسية لغتهم الأم، في حين اعتبرت أغلبية ضئيلة (50.2%) اللغة الأوكرانية هي لغتهم الأم، وذلك وفقاً للإحصاءات الأوكرانية التي تعود لعام 2001.
الإقليم الثاني الذي يعُد ضرورياً لهذا السيناريو هو مقاطعة خيرسون "Kherson"، لأنها تصل بين مقاطعة Zaporizhzhia وشبه جزيرة القرم.
وتبلغ مساحة المنطقة 28461 كيلومتراً مربعاً. وعدد السكان نحو مليون (تقديرات عام 2021)، وتعتبر هذه المقاطعة بمثابة "سلة الفاكهة" لأوكرانيا.
ويمثل الأوكرانيون نحو 82.0% من سكان المقاطعة، مقابل 14.1% من الروس، وذوي الأصول الإثنية البيلاروسية 0.7%، والأتراك المسختيان 0.5%، وتتار القرم 0.5%.
ولكن الإحصاءات الأوكرانية في عام 2001، تشير إلى أن نحو 24% من سكان المقاطعة يتحدثون بالروسية كلغة أم.
من المرجح أن أعداد المتحدثين بالروسية قد تراجعت في المقاطعتين المشار إليهما، بالنظر إلى السياسات الأوكرانية المعادية للغة الروسية منذ حرب 2014، ولكنَّ صغر عدد سكانهما، واحتمال حدوث هجرة من المقاطعتين من قِبل الناطقين الأوكرانيين في حال غزو روسيا لهما- قد يسهّلان مهمة ضمهما.
يظل احتمال حدوث هجوم عسكري واسع النطاق على أوكرانيا ليس مرتفعاً رغم التحذيرات الغربية والأوكرانية، ولكن السيناريوهين الأخيرين، وهما: ضم إقليم الدونباس وإلحاق الإقليميين الفاصلين بين الدونباس والقرم بروسيا، هما الاحتمال الأرجح إذا قرر بوتين أنه آن الأوان للاستيلاء على غنيمة حرب أوكرانية جديدة.