تقارير متطابقة تتحدث عن محاولة- يرجَّح أنها روسية- لاختطاف طائرة مسيَّرة تركية الصنع بأذربيجان، في ظل حديث عن أن هذه المعركة الفريدة سيكون لها تأثير لافت على التوتر المتصاعد في إقليم الدونباس الانفصالي الأوكراني الموالي لروسيا.
وأفيد بأن طائرة بدون طيار من طراز "بيرقدار 2" تابعة لأذربيجان، دمرت نظام مراقبة وسيطرة روسي الصنع في أرمينيا بعد أن رصدت الطائرة محاولة السيطرة على أجهزتها، وأحبطت محاولة الاختطاف تلك بتدمير النظام الروسي.
ورد هذا الخبر في وسائل إعلام تركية وروسية شهيرة، مثل صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما أوردت النسخة الإنجليزية من موقع صحيفة "البرافدا" الروسية الشهيرة "English Pravda خبراً مماثلاً.
لماذا تحاول روسيا اختطاف طائرة مسيَّرة تركية إنطلاقاً من أرمينيا؟
ويبدو أن أرمينيا التي شهدت هزيمة مؤلمة للدفاع الجوي الروسي الصنع خلال عام 2020 في حرب القوقاز مع أذربيجان أمام الطائرات المسيرة التركية الصنع، قد تحولت إلى ساحة اختبار روسية لمحاولة إسقاط الطائرات المسيرة، وهي تجارب قد تنعكس نتائجها على جبهات أخرى.
واللافت غير تطابق الخبر تقريباً في وسائل الإعلام التركية والروسية، أن كلاً من وسائل إعلام البلدين ينسب الخبر إلى الآخر، والأغرب أن وسائل الإعلام الروسية لم تذكره بصيغة الإنكار أو حتى التقليل.
وبدأ الأمر عندما حاولت وحدة عسكرية مجهولة في أرمينيا السيطرة على الطائرة التركية بدون طيار Bayraktar TB2 المملوكة لأذربيجان، بمساعدة مجمع Avtobaza-M الفريد الروسي.
وعندما تم الكشف عن التداخل في عمل أنظمة الطائرة، تم تدمير المجمع الروسي، حسبما نقل موقع صحيفة "برافدا" الروسية عن موقع Avia.pro.
ما هو النظام الروسي الفريد الذي حاول اختطاف الطائرة؟
وحسب التقارير المتطابقة فإن الطائرة التي جرت محاولة اختطافها من جهة تعمل في أرمينيا، هي الطائرة التركية الشهيرة "بيرقدار تي بي 2″، وإن محاولة السيطرة جرت عبر النظام الروسي الشهير Kvant 1L222 Avtobaza، وهو نظام مصمم لاكتشاف الرادارات المحمولة جواً ذات المظهر الجانبي ورادارات التحكم في النيران جواً ورادارات التحكم في الطيران على ارتفاعات منخفضة، فضلاً عن توفير بيانات استخباراتية.
فهذا النظام الروسي الفريد بمثابة رادار صائد لإشارات الرادارات والمسيّرات في آن واحد.
وتقدم روسيا هذا النظام باعتباره واحداً من التقنيات القليلة لتحديد أنواع الرادارات، واكتشاف النبض والإشارات المستمرة للرادارات الجوية والبحرية وإشارات تحديد الصديق أو العدو؛ وكذلك تتبُّع مسار الأجسام المحمولة جواً وبحراً عن طريق توقيعها الإلكتروني، فضلاً عن دعم البيانات لمراكز القيادة والسيطرة العليا للدفاع الجوي.
كانت روسيا قد زعمت سابقاً أن نظام المراقبة اللاسلكية Avtobaza-M يحقق نجاحاً بنسبة 100%، في اختطاف الطائرات بدون طيار للعدو أو تدميرها أو إنزالها بنجاح، في منطقة محددة.
وهناك تقارير غير مؤكدة عن استخدام النظام في الاستيلاء على طائرة بدون طيار أمريكية من طراز RQ-170 من قِبل قوات الدفاع الجوي الإيرانية في 4 ديسمبر/كانون الأول 2011. وكذلك عن استخدامه من قِبل القوات الروسية خلال أزمة القرم في مارس/آذار 2014، لتجاوز سيطرة طائرة أمريكية بدون طيار.
تجدر الإشارة إلى أنه خلال حرب القوقاز، وما بعدها، أفادت تقارير بأن أنظمة الحرب الإلكترونية الروسية الأخرى مثل R-330P Pyramid وRepellent وBorisoglebsk-2 والمجمعات التابعة لعائلة Groza قد تم تدميرها أيضاً في الحرب التي استمرت 44 يوماً وانتهت باستعادة أذربيجان أجزاء كبيرة من أراضيها المحتلة، وضمنها أجزاء من إقليم ناغورنو كاراباخ.
لماذا تحتاج موسكو إلى تطوير تقنيات جديدة لإسقاط الطائرات المسيَّرة؟
يعقتد أن الصواريخ فشلت أن تكون سلاحاً فعالأ ضد الطائرات المسيرة، إذ يبدو أن الرادارات التقليدية لأنظمة الدفاع الجوي لا يمكنها اكتشاف الطائرات بدون طيار بسهولة.
على سبيل المثال، تخصصت إسرائيل في ملاحقة الصواريخ الصغيرة جداً التي تطلقها حماس في غزة، ونجحت في إسقاطها بواسطة نظام القبة الحديدية الإسرائيلي عبر تتبع محركاتها.
عكس ذلك، لا تحتوي الطائرات بدون طيار على محركات صاروخية ساخنة وحارقة، فهي تعمل عادةً بواسطة محركات احتراق داخلي صغيرة تعمل بقدرة البطارية ولذا بصمتها الحرارية تكون محدودة.
والعديد من الطائرات بدون طيار مصنوعة من البلاستيك أو المواد المركبة، وبعضها مصنوع منزلياً من الخشب، وبالتالي فإن الأجزاء المعدنية الوحيدة هي المحركات، والتي تكون عادةً صغيرة جداً أو غير مرئية على الإطلاق بالنسبة للرادارات.
خير مثال على طبيعة بناء الطائرات المسيرة التي تجعل من الصعب رصدها، الطائرة التركية Bayraktar TB2 وهي طائرة كبيرة الحجم ولكن يصعب رصدها، لأنها مصنوعة من المركبات والكيفلار، وليس المعدن.
الأسوأ ما حدث للروس في هجوم نُفذ على قاعدة أحميم بسوريا يعتقد أن وراءه جبهة النصرة، استُخدمت فيه طائرات بدائية بدون طيارٍ عام 2018، اخترقت النظام الدفاعية الروسية رغم إسقاط بعضها.
تقوم روسيا بتطوير أنظمة ليزر مصممة لمواجهة الطائرات بدون طيار في روسيا، حسبما قال نائب وزير الدفاع الروسي، أليكسي كريفوروتشكو.
كما يعمل معهد أبحاث روسي على تسجيل براءة اختراع "شبكة" جديدة طائرة لصيد أو إسقاط الطائرات المسيرة، تم تطوير هذه الطائرة المسيرة التي تضم الشبكة، من قبل شركة Vega التابعة لشركة Rostec المملوكة للدولة.
وتتكون الطائرة المسيرة الاعتراضية الجديدة من إطار هيكل بمحركين على الأقل، بزوايا دوران متغيرة موضوعة على طول محيطها، وتكمن ميزة هذه الطائرة في "الهيكل الديناميكي الهوائي الذي يتكون من شبكة التقاط مدمجة ومنصوبة في الفضاء".
كيف ستؤثر معركة أرمينيا الجوية الصغيرة على أزمة أوكرانيا؟
يبدو أن روسيا تستغل جبهة أرمينيا لاختبار قدراتها أمام الطائرات المسيرة التركية التي اشترتها أوكرانيا مؤخراً.
يُعتقد أن مجمعات Avtobaza-M تم نصبها في إقليم دونباس الانفصالي الأوكراني الموالي لروسيا، لمواجهة الطائرات بدون طيارٍ الهجومية التركية Bayraktar، وهو ما سيمثل مشكلة، في حال ثبوت صحة التقارير عن تدمير الطائرة المسيَّرة التركية له في أذربيجان، حسب موقع Avia Pro الروسي.
واشترت كييف عدة طائرات تركية بدون طيار، وأعلنت عن اتفاق لبناء المزيد في أوكرانيا، وهو احتمال قال المحلل أوزغور أونلو هيسارجيكلي، من صندوق جورج مارشال، إنه يثير قلق موسكو بعد أن لعبت الطائرات بدون طيارٍ التركية الصنع دوراً رئيسياً في انتصار أذربيجان على الجيش الأرمني الذي كان يعتمد على السلاح الروسي، وقبل ذلك هزمت البيرقدار السلاح الروسي في إدلب وليبيا، وفي الحالات الثلاث دمرت الطائرة المسيَّرة التركية أنظمة دفاع جوية روسية شهيرة منها "بانتسير"، ويُعتقد أيضاً أن هجمات البيرقدار تمت بنجاح، في وجود نظام "إس 300" المتطور بالقوقاز وسوريا.
وقالت المحللة الدفاعية المستقلة أردا مولود أوغلو، إن كييف ترى أن الطائرات بدون طيارٍ التركية ستغير قواعد اللعبة في حربها ضد الانفصاليين، الذين تقاتلهم منذ عام 2014.
وأضافت: "إن طائرة بدون طيار مسلحة واحدة مزودة بقنبلتين، قد تدمر بطارية دفاعية كاملة، أو نظام حرب إلكترونياً باهظ الثمن، أو تقضي على بعض المركبات المسلحة. لذا، فإنَّ عدم التناسق في التكاليف والخسائر هذا يوفر قدرات للجيوش التي تواجه تهديدات كبيرة وتعاني من ضعف الإمكانات مثل أوكرانيا".
وسبق أن قالت صحيفة Wall street journal الأمريكية: "إن الطائرات بدون طيارٍ المسلحة المنخفضة التكلفة ، التي تصنّعها تركيا ، تعيد تشكيل ساحات القتال والجغرافيا السياسية".
ويُعتقد أن أحد أسباب غضب الكرملين والذي دفع بوتين إلى حشد قوات هائلة حول أوكرانيا حالياً، هو قلقه من تأثير الطائرات التركية المسيَّرة التي اشترتها أوكرانيا، على توازن القوى بين الميليشيات الموالية لروسيا في الدونباس والجيش الأوكراني.
الطائرات المسيَّرة تُغير موازين القوى في إثيوبيا أيضاً
وفي إثيوبيا، أيضاً، أفادت تقارير بأن الطائرات المسيرة تغير دفة المعارك لصالح القوات الحكومية بعدما تعرضت لهزيمة مدوية على يد المتمردين التيغراي قبل بضعة أسابيع.
وتفيد تقارير بشراء إثيوبيا طائرات مسيرة من إيران والصين، وكذلك مشاركة طائرات مسيرة صينية الصنع مملوكة للإمارات في الهجمات على التيغراي، كما أن هناك حديثاً عن أن إثيوبيا تتفاوض مع تركيا لشراء طائرات بيرقدار، ولكن لم يُعرف هل تمت هذه الصفقة أم لا.
ويُعتقد أنَّ تقدُّم قوات التيغراي نحو إقليم العفار الذي يربط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بميناء جيبوتي، سهَّل مهمة الطائرات المسيرة المملوكة للجيش الإثيوبي؛ نظراً إلى طبيعة منطقة عفار الصحراوية والأقل جبلية من إقليمي التيغراي وأمهرة.