حين عبَّرت الوزيرة الفرنسية السابقة والسياسيّة اليمينية فاليري بيكريس الريف الفرنسي هذا الصيف، لزيارة المزارع والقرى هرباً مما وصفته "صورة البورجوازية الشقراء"، تعهدت بتحطيم العوائق المفتعلة في الجمهورية الفرنسية. وقالت في أحد الاجتماعات مخاطبة الجماهير: "سأكون أول رئيسة لفرنسا".
تريد فاليري (54 عاماً) أن تحول دون انتخاب إيمانويل ماكرون لولاية جديدة الربيع المقبل. وباعتبارها أول سيدة تترشح لمنصب الرئيس عن الحزب اليميني التقليدي الذي كان يهيمن عليه بالعادة الرجال كشارل ديغول وجاك شيراك ونيكولاس ساركوزي، فهي تمثل أملاً جديداً بعد مسيرة استمرت أكثر من 20 عاماً في الجبهة السياسية الأمامية، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية. وهي تتنافس مع مرشحات أخريات من اليسار واليمين المتطرف، لكن فاليري هي المرشحة الأولى عن حزب الجمهوريين الفرنسي. فمن هي هذه المرأة التي تسمى "البلدوزر"؟ وهل تشكل خطراً بالفعل على مستقبل ماكرون السياسي؟
من هي فاليري بيكريس التي تسعى لمنافسة ماكرون على الرئاسة؟
اختيرت فاليري بيكريس للترشح لمنصب الرئيس بعد قتالها على بطاقة يمينية قوية لـ"استعادة الفخر الفرنسي وحماية الفرنسيين". وهي تتطلع إلى "ردّ السلطة إلى الشعب" كما تقول. وتعهدت بيكريس بتشديد قبضة العدالة وضبط الأمن، وقمع الهجرة وتقليص القطاع العام. وقالت في خطاب فوزها: "أشعر بغضب من يشعرون بالعجز في مواجهة العنف وصعود النزعة الانفصالية الإسلاموية، من يشعرون أن قيمهم وأسلوب حياتهم مهددان من الهجرة غير المنضبطة".
ومن ضمن مقترحاتها خفض عدد تصاريح الإقامة للمهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي إلى النصف، وإجراء استفتاء لتعديل القانون الدستوري وتخصيص حصص للهجرة. وتعهدت بإنهاء نظام العمل 35 ساعة في الأسبوع، ورفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، وإلغاء 200 ألف وظيفة في القطاع العام، وبناء المزيد من المفاعلات النووية.
يمينية تتطلع إلى أن تقود فرنسا "مثل أنجيلا ميركل"
تقول الغارديان إن فاليري اعتبرت عادة على الجانب المعتدل من يمين الوسط، ولكن في منطقة "إيل دو فرانس باريس" التي تديرها، والتي تضم ضواحي البنايات الشاهقة حول العاصمة، كثيراً ما تعهدت بتشديد قبضة "القانون والنظام". وحظرت ارتداء "البوركيني" في مناطق الترفيه المفتوحة، وقبل أن توافق فرنسا على زواج المثليين عام 2013، خلال فترة سياسية متوترة شهدت احتجاجات المحافظين، قالت إنها تفضل شكلاً من أشكال الاقتران المدني عوضاً عن حقوق الزواج الكاملة. وغيرت موقفها فيما بعد وقالت إنها لن تتراجع عن الزواج المثلي.
وتشبّه فاليري نفسها بمارغريت تاتشر في "شجاعتها وحزمها"، لكنها تتطلع إلى أن تقود البلاد مثل أنجيلا ميركل، التي قالت إن الكل أجمع على كفاءتها وإنها تركت ألمانيا وهي "أغنى وأقوى وأكثر وحدة".
يقول مؤيدوها إن موطن قوتها في مواجهة ماكرون هو خبرتها من عملها وزيرة للميزانية ومتدربة في الشؤون المالية. إذ قال رئيسها السابق ساركوزي إنها "مهووسة" بتفاصيل ملفاتها، ولديها معرفة سابقة بأرضية اليمين الوسط التي يقف عليها الرئيس الحالي. فرغم مساعي ماكرون لزيادة المساواة بين الجنسين، لا يزال معظم مستشاريه من الذكور، ويعين رجالاً في أعلى المناصب الحكومية. وفريق فاليري يريد منها أن تظهره بمظهر قديم الطراز.
ما فرص فوزها برئاسة فرنسا أمام ماكرون؟
تعتبر مهمة فاليري بيكريس أمام ماكرون شاقة. فعادة ما يكون حزبها الجناح اليميني في الحكومة، لكنه خسر الرئاسة عام 2012. وهو يواجه منافسة من معارضة يمينية متطرفة متنامية، لا مارين لوبان وحدها وإنما أيضاً المحلل التلفزيوني إريك زمور. والعديد من الناخبين والساسة من وسط الحزب اتجهوا إلى ماكرون.
على أن فاليري كانت موظفة حكومية كبيرة في السابق، وبدأت مسيرتها السياسية بالعمل مستشارة لجاك شيراك في الإليزيه وتشترك معه في اللقب الذي يشتهر به "البلدوزر". وهي معروفة بمعاركها الانتخابية الصعبة والملحمية.
وفي أول انتخابات برلمانية لها في إيفلين، خارج باريس، وكانت شابة غريبة غير معروفة، تغلبت على جنرال عسكري شهير. وعام 2015، قادت اليمين للفوز في إيل دو فرانس التي يهيمن عليها اليسار عادة، والتي تضم باريس والمنطقة المحيطة بها، وهي المنطقة الأغنى والأكثر اكتظاظاً بالسكان في فرنسا.
وفي عهد ساركوزي، شغلت فاليري مناصب وزارية صعبة، منها وزيرة التعليم العالي وواجهت احتجاجات شعبية عنيفة على خلفية إصلاح النظام الجامعي، حين حبس الطلاب أنفسهم داخل قاعات المحاضرات. وقالت: "صمدتُ تسعة أشهر في وجه الشارع. وأقدمت على أخطر إصلاح في عهد ساركوزي، الذي لم يرغب أحد في الاضطلاع به". وعيّنها ساركوزي لاحقاً وزيرة للميزانية، وكان عليها أن تتعامل مع تداعيات أزمة الديون السيادية.
بيركيس نشأت على "الديغولية الاشتراكية"
وُلدت فاليري بيركيس في بلدة نوي سور سين غرب باريس، لعائلة من المثقفين الديغوليين. وكان والدها أستاذاً في الاقتصاد، وكان جدها لأمها طبيباً نفسياً بارزاً عالج ابنة شيراك من مرض فقدان الشهية. وكان جدّاها من جانب والدتها نشطين في المقاومة الفرنسية وكانا يساعدان المظليين خلال الحرب العالمية الثانية.
وقالت فاليري إنها نشأت على "الديغولية الاشتراكية والجدارة الجمهورية". وعلمها والدها أن النساء بإمكانهن تحقيق ما يحققه الرجال. وكانت قد تخطت درجتين في المدرسة الخاصة، ولذلك حصلت على شهادة البكالوريا في سن 16 عاماً، والتحقت بأرقى كليات إدارة الأعمال في فرنسا، ثم أصبحت فيما بعد من بين الطلاب الأوائل في مدرسة التدريب الفرنسية لكبار موظفي الخدمة المدنية.
وأصبحت مستشارة في الإليزيه عام 1998، واتجهت إلى السياسة جزئياً لأنها أرادت التصدي لصعود اليميني المتطرف جان ماري لوبان. وتزوجت من جيروم بيكريس، المهندس الذي أصبح رجل أعمال، ولديها منه ثلاثة أبناء تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، وتحرص على إبعادهم عن عدسات الكاميرات.