تسبب وباء كورونا في خسائر ضخمة في الأرواح والأرزاق، لكن صناعة الأسلحة لم تتأثر بل ارتفعت المبيعات بصورة لافتة إلى 513 مليار دولار في عام واحد، أكثر من نصفها حصلت عليها شركات دولة واحدة.
ومنذ تفشي الفيروس القاتل في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019 وتحوله إلى جائحة عالمية في مارس/آذار 2020، أصيب الاقتصاد العالمي بأزمة ركود حادة لا تزال تلقي بظلالها حتى اليوم على شتى الأنشطة الاقتصادية.
وكادت قطاعات كالسياحة والسفر أن تنهار بشكل كامل بسبب الإجراءات الاحترازية والإغلاق وفرض القيود على السفر والتجمعات، ولم تنجح حملات التطعيم المستمرة منذ أواخر العام الماضي في هزيمة الوباء حتى الآن، في ظل ظهور سلالات ومتحورات للفيروس كان آخرها أوميكرون.
لكن صناعة واحدة يبدو أنها لم تنجُ فقط من التداعيات الكارثية للوباء، بل حققت نمواً وأرباحاً أكثر مما كانت تحققه قبل الأزمة الصحية الأخطر، وهي صناعة الأسلحة.
ارتفاع مستمر في مبيعات الأسلحة
ووفقاً لبيانات أصدرها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، ارتفع إجمالي حجم مبيعات 100 شركة رائدة في تصنيع الأسلحة حول العالم خلال عام 2020 لتصل إلى 513 مليار دولار، بارتفاع قدره 1.3% عن مبيعاتها من الأسلحة عام 2019، بحسب تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وأظهر التقرير الصادر عن سيبري، أكثر المراكز البحثية موثوقية في متابعة ورصد صناعة الأسلحة بشكل عام، ارتفاعاً قدره 17% في مبيعات السلاح حول العالم مقارنة بعام 2015. ففي عام 2015، ظهرت شركات السلاح الصينية للمرة الأولى في تقرير سيبري لأكبر 100 شركة سلاح حول العالم، وخلال 6 أعوام متتالية واصلت صناعة السلاح نموها دون تراجع.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد العالمي ككل شهد انكماشاً بنسبة 3.1% خلال العام الأول من الوباء (2020)، إلا أن الشركات العملاقة في مجال تصنيع الأسلحة وجدت حماية لأعمالها بسبب استمرار طلب الحكومات لشحنات السلاح والخدمات المرتبطة به كالصيانة والتدريب على استخدامه دون أن يتأثر ذلك بالوباء، بحسب أليكساندرا ماركشتاينر الباحثة في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج السلاح بمعهد سيبري.
وأضافت ماركشتاينر في إيجاز نشره موقع سيبري: "في أغلب مناطق العالم، استمر الإنفاق العسكري في النمو، بل إن بعض الحكومات قامت بتسريع مدفوعاتها لشركات صناعة الأسلحة كنوع من المساهمة من تلك الحكومات لشركات السلاح كي لا تتأثر الشركات بأزمة وباء كورونا".
ما الدولة الأكثر بيعاً للسلاح؟
تقرير معهد سيبري لمبيعات الأسلحة عام 2020 أظهر أن الشركات الأمريكية حازت على نصيب الأسد، إذ جاءت المراكز الخمسة الأولى عالمياً- في قائمة أعلى 100 شركة سلاح- أمريكية، فتصدرت شركة لوكهيد مارتن تليها شركة رايثيون للتكنولوجيا ثم بوينغ ورابعا جاءت شركة نورثروب غرونمان وخامساً جاءت شركة جينيرال دايناميكس.
وحققت الشركات الخمس مبيعات أسلحة تخطت قيمتها 180 مليار دولار عام 2020، أي نحو ثلث مبيعات الأسلحة حول العالم في عام الوباء الأول، بينما بلغ النصيب الإجمالي للشركات الأمريكية من مبيعات السلاح 285 مليار دولار بنسبة 54% من إجمالي المبيعات، حققتها 36 شركة أمريكية ضمن قائمة أكبر 100 شركة سلاح.
أما المركز الثاني فقد كان من نصيب الشركات الأوروبية مجتمعة، وعلى رأسها الشركات البريطانية، إذ باعت 26 شركة سلاح أوروبية ما قيمته 109 مليارات دولار من الأسلحة عام 2020، منها 37.5 نصيب الشركات البريطانية فقط، إذ جاءت شركة BAE Systems البريطانية في المركز السادس عالمياً (خلف الشركات الأمريكية الكبرى) وباعت وحدها أسلحة بقيمة 24 مليار دولار.
وجاءت شركات السلاح الصينية في المرتبة الثالثة للمبيعات في عام 2020، إذ بلغت مبيعات الشركات الخمسة في القائمة 66.8 مليار دولار بنسبة 13% من الإجمالي، وبنسبة نمو بلغت 1.5% مقارنة بمبيعاتها عام 2019.
وعلق الدكتور نان تيان الباحث الأول بمعهد سيبري على مبيعات الأسلحة الصينية بقوله: خلال السنوات الأخيرة، استفادت الشركات الصينية من برامج تحديث الصين لقواتها العسكرية والتركيز على الانصهار بين الشق المدني والشق العسكري في صناعة الأسلحة. وهكذا أصبحت الشركات الصينية ضمن أكثر الشركات العالمية تطوراً في مجال تصنيع الأسلحة وتطويرها.
تراجع لافت لمبيعات السلاح الروسي
شهدت الشركات الفرنسية انخفاضاً في مبيعاتها من السلاح بنسبة 7.7% مقارنة بعام 2019، إذ بلغت مبيعات الشركات الفرنسية الأربع في قائمة أكبر 100 شركة سلاح نحو 9 مليارات دولار، أي 1.7% من إجمالي مبيعات السلاح حول العالم.
وأرجعت شركة Thales الفرنسية لصناعة السلاح انخفاض مبيعاتها من الأسلحة عام 2020 إلى تداعيات الوباء وإجراءات الإغلاق التي شهدتها فرنسا في ربيع العام الماضي، كما بررت شركات فرنسية أخرى تراجع مبيعاتها من السلاح إلى أزمات سلاسل التوريد؛ مما تسبب في تأخير وصول شحنات السلاح إلى العملاء.
لكن شركات السلاح الروسية شهدت أيضاً انخفاضاً في مبيعاتها عام 2020 مقارنة بعام 2019. توجد 9 شركات أسلحة روسية في قائمة معهد سيبري لأكبر 100 شركة سلاح في العالم، حققت تلك الشركات مجتمعة مبيعات قيمتها 26.4 مليار دولار، مقارنة بـ28.2 مليار دولار عام 2019، وبانخفاض قدره 6.5%. وبشكل عام بلغت نسبة مبيعات السلاح الروسي نحو 5% فقط من مبيعات السلاح حول العالم.
ويرى إيليا كرامنيك الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن هناك عدة أسباب لركود صادرات السلاح الروسي، أبرزها العقوبات الأمريكية المفروضة منذ عام 2014 بسبب ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية بالقوة.
"القيود الأمريكية تعقّد التعاون مع روسيا بالنسبة لعدد من الدول التي تخشى أن تتعرض لضربة مالية من واشنطن"، بحسب ما قاله كرامنيك في تقرير لموقع روسيا اليوم، مضيفاً أن السبب الثاني للركود هو نقص تمثيل روسيا أو غيابه التام في القطاعات التي تحظى بشعبية في السوق.
"أولاً وقبل كل شيء، سوق طائرات الدوريات البحرية يتطور بنشاط في جنوب شرق آسيا، ونحن لا نبيع الطائرات المضادة للغواصات ولا نبنيها حتى لأنفسنا. ومن المعروف أيضاً أن تمثيل روسيا يعاني نقصاً كبيراً في قطاع الطيران المسير. هنا، قد يتحسن الوضع حيث بات لدينا العديد من النماذج الجديدة مع آفاق تصدير معينة. كما أن حضورنا ضعيف في سوق المروحيات، نبيع طرازاً واحداً فقط هو – Mi-8 بمختلف أشكاله".
وأشار كرامنيك أيضاً إلى أن الأسلحة الروسية، التي تحظى بشعبية كبيرة في الخارج، قد استحوذت بالفعل على الأسواق، فقال: "على سبيل المثال، قمنا ببيع الجيل الرابع من مقاتلات Su-30 لكل من يريدها ويمكنه شراؤها. هذه آلة تخدم عمراً طويلاً، ومن المستبعد أن تحتاج إلى استبدال في زمن قريب. كما أن العقوبات الأمريكية نفسها تعرقل التوسع الجغرافي لروسيا في التصدير".
وظهرت في تقرير مبيعات الأسلحة لعام 2020 ثلاث شركات إسرائيلية باعت أسلحة بقيمة 10.4 مليار دولار، أي نحو 2% من الإجمالي العالمي، تلتها 5 شركات يابانية باعت أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 9.9 مليار دولار، و4 شركات كورية جنوبية باعت مجتمعة أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة 6.5 مليار دولار.