العلاقة بين الصين والجيوش في دول العالم لا سيما العالم الثالث لا تبدو أنها مقلقة للغرب فقط، بل قد تكون لها انعكاسات على الديمقراطية في العديد من دول العالم.
على سبيل المثال، تتَّجه الصين على نحوٍ متزايد إلى تلقين مبادئها السياسية للنخب الحاكمة في دول الكومنولث البريطاني، مع تزايد الانتقادات لاستخدامها القسري للاستثمار الأجنبي ودبلوماسية الديون، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
العلاقة بين الصين والجيوش في الكومنولث البريطاني تتوطد
وينضمُّ الضباط العسكريون من دول الكومنولث، الذين ربما حصلوا من قبل على شهاداتهم في الكليات العسكرية البريطانية مثل كلية ساندهيرست، إلى برامج التدريب الأجنبية الصينية بأعدادٍ قياسية.
وفتحت عدة دول إفريقية، بما في ذلك غانا وأوغندا وتنزانيا، "مدارس سياسية عسكرية" برعاية الصين.
قال مركز Civitas البحثي إن التدريب العسكري "يجب أن يُفهَم في سياق جهود بكين المتنامية لتدريب النخب الأجنبية بشكلٍ عام"، بغرض كسب النفوذ على الدول النامية.
والأحزاب السياسية تقتدي بالحزب الشيوعي الصيني
وتستضيف الصين الآلاف من أعضاء الأحزاب السياسية الأجنبية كلَّ عامٍ للتدريب "الأيديولوجي" على الحكم، وتسعى إلى تقديم حكم الحزب الشيوعي كبديلٍ أفضل عن الديمقراطية الغربية. وتضمُّ دول الكومنولث الديمقراطية المُشارِكة كينيا وتنزانيا وناميبيا وجنوب إفريقيا. وقد طلب الحزب الوطني الجديد الحاكم في غانا المساعدة في "تعميق مهاراته الأيديولوجية".
وينضمُّ ضباطٌ من باربادوس، التي أصبحت جمهوريةً هذا الأسبوع بعد إزاحة الملكة من منصبها كرئيسةٍ للدولة، إلى دوراتٍ تدريبية عسكرية في الصين، إلى جانب عسكريين من جويانا وسريلانكا وفيجي. وتُعَدُّ باربادوس واحدة من دول الكومنولث التي استفادت جيوشها من المِنَح الصينية بملايين الدولارات.
وزادت خطة العمل الصينية الإفريقية من أماكن تدريب الضباط الأفارقة من 2.000 إلى 5.000 خلال السنوات الثلاث الماضية. بينما، من ناحيةٍ أخرى، تدرِّب كلية ساندهيرست 1.500 ضابط أجنبي كلَّ عام.
تحاكي النموذج البريطاني وتستغل مبادرة الحزام والطريق
قال تشارلز بارتون، الدبلوماسي البريطاني السابق والخبير في الشؤون الصينية، إن بكين تحاكي وتوسِّع نموذج التدريب العسكري الذي استخدمته بريطانيا بشكلٍ ناجحٍ لسنواتٍ عديدة. وتساءل قائلاً: "لماذا لا يفعل الصينيون ذلك؟". وأضاف: "الروابط العسكرية هي جزءٌ من أيِّ تواصلٍ جيِّد مع الدول الأخرى، ولكن بالنسبة للصين، مع القوة المحلية التي تحظى بها وأهمية الجيش الصيني، يُعَدُّ هذا جزءاً مهماً من العلاقات، لا سيما في البلدان التي يكون فيها الجيش هو نفسه مهماً".
واستهدَفَت الصين بالفعل بصورةٍ منهجية البلدان المُشارِكة في التدريب العسكري بأموال الاستثمارات في البنية التحتية من خلال مبادرة الحزام والطريق، بغرض كسب النفوذ والدعم الدبلوماسي في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وضد اعترافٍ أوسع بتايوان. واشتركت كلُّ دول الكومنولث تقريباً، والعديد من الدول الأخرى خارجها، في مبادرة الحزام والطريق، وهي مشروع السياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يقلق الغرب.
عشرات الدول سقطت في حبائل برامج اقتصادية مرتبطة بالصين
وقال توبياس إلوود، رئيس لجنة الدفاع بمجلس العموم البريطاني: "أوقعت الصين عشرات الدول، التي تعادل الآن ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في برامج اقتصادية طويلة الأجل لا تستطيع تحمُّلها بينما تعيد تشكيل المشهد الدولي على نحوٍ تدريجي. ليس من المستغرب أن نعرف أن نفوذ الصين المتنامي يمتدُّ الآن إلى أكاديميات التدريب العسكري، حيث استُبدِلَت ساندرهيرست وشريفينهام (أكاديمية الدفاع البريطانية) وحلَّت محلَّها معاهد عسكرية نخبوية في الصين".
وقال بارتون إن التكلفة المتصاعدة للاستثمار في البنية التحتية قد تكون أحد أسباب التحوُّل، إذ لا تستطيع الصين ببساطة تحمُّل مواصلة إصدار قروض ضخمة بوتيرتها الحالية، خاصةً مع ارتفاع معدَّل التخلُّف عن السداد. وتحوُّل شي جين بينغ من الدولة نحو القطاع الخاص لتمويل المشاريع الدولية يؤكِّد المحصِّلة النهائية المحفوفة بالمخاطر للصين على نحوٍ متزايد.
في المقابل، السخط المحلي على بكين يتصاعد
لكن البلاد تواجه أيضاً استياءً متزايداً وردود فعلٍ عنيفة في بعض الدول الأصغر التي سعت للتأثير عليها بوعودٍ اقتصادية باهظة لا تستطيع الوفاء بها.
هذا الأسبوع، أرسلت أستراليا ونيوزيلندا قواتٍ لقمع أعمال الشغب المُناهِضة للصين في جزر سليمان. واندلع الغضب في جزر كيريباس بسبب نكث الصين وعودها بالمساعدة وسياسة الباب المفتوح تجاه المواطنين الصينيين الذين يدخلون العاصمة، في حين أن سكَّان كيريباس محبوسون في بلدهم بموجب قوانين كوفيد.
وهذا يعكس الاستياء الذي ظهر في دول جزر الكومنولث الأخرى، مثل باربادوس، إذ تمطر السماء بسخاءٍ صيني فقط للعمال الصينيين لكي يتدفَّقوا إلى البلاد ويأخذوا كلَّ وظائف البناء. وقد أثارت هذه التطوُّرات تساؤلاتٍ حول ما إذا كانت باربادوس قد تخلَّت ببساطة عن سيدٍ استعماري، وهو التاج البريطاني، لكي يتولَّى زمام أمورها تاجٌ جديد.
تمثِّل الدول الجزرية الصغيرة الفقيرة فريسةً سهلة للصين، خاصةً عندما تسعى للحصول على الدعم في ساحاتٍ مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أُقنِعَت كلٌّ من جزر سليمان وجزر كيريباس بقطع العلاقات مع تايوان والاصطفاف مع الصين بعد وعودٍ مُكلِّفة بالمساعدة.
وقالت زعيمة المعارضة في كيريباس، تيسا لامبورن، لصحيفة The Times البريطانية إن حزبها يعتزم قطع العلاقات مع بكين إذا عاد إلى السلطة. وأضافت: "بصراحة، لا أثق في حكومتنا عندما يتعلَّق الأمر بالتعامل مع الحكومة الصينية، التي لا أثق فيها هي أيضاً".
هذه العلاقة بين الصين والجيوش تهدد الديمقراطية
ويخشى المُحلِّلون من أن مغازلة بكين للنخب العسكرية في البلاد النامية قد تعوق نمو الديمقراطيات الشابة وتمنع الناخبين من أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في النفوذ الخارجي.
وكان روبرت موغابي أحد أكثر خريجي الصين ثباتاً، إذ حَكَمَ زيمبابوي طيلة ثلاثة عقود قبل أن يطيح به انقلابٌ حزبي يُشتَبَه في أنه يحظى بدعمٍ صيني. ومنذ ذلك الحين، خفَّفَ خليفته، الرئيس منانجاجوا، من النداءات بعودة الاستثمارات الغربية، وتحدَّثَ عن "اقتصادٍ هجين" على غرار الصين. وتسعى زيمبابوي، التي عُلِّقَت عضويتها في دول الكومنولث في عام 2002 قبل انسحابها الاحتجاجي، لإعادة قبولها في الاتحاد المُكوَّن من 54 عضواً.
أما أولئك الذين سافروا إلى الصين للتدريب، فقد أظهروا لاحقاً الولاء المطلوب للحزب الشيوعي الصيني. وبعد معارضة مشاركته، قال رافائيل توجو، الأمين العام لحزب الاتحاد الوطني الكبير الحاكم في كينيا، إنه لا يرى أيَّ خطأٍ في "التعلُّم من أكثر الأحزاب نجاحاً وأفضلها" في العالم.
وقال إلوود: "بريطانيا تُخرَج ببطء ولكن بثبات من وضع (الدولة المُفضَّلة لدى دول الكومنولث). وإلى أن نستيقظ ونواجه استراتيجية الصين العالمية الكبرى الناشئة، سيستمر الغرب في الانكماش، في وقتٍ تتطلَّع فيه المزيد من الدول إلى الشرق".