جاءت استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرادحي وما أعقبها من اتصال ثلاثي ضم كلاً من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ليفتح الباب لاحتمالات تحسن العلاقات السعودية اللبنانية، ويزيد الأمل في إمكانية مشاركة الرياض في مهمة إنقاذ لبنان.
وأعلن جورج قرداحي في مؤتمر صحفي عقده في مكتبه في الوزارة استقالته من منصبه كوزير للإعلام في لبنان. وحسب الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية قال قرداحي: "قرّرتُ أن أتخلّى عن منصبي الوزاري لأنّ لبنان أهمّ منّي".
وجاءت استقالة قرداحي بعدما تسبب نشر تصريح أدلى بها قبل توليه الوزارة في أزمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، حيث ظهر يدافع فيه عن الحوثيين، قائلاً إنهم يدافعون عن أنفسهم في حرب اليمن التي وصفها بالعبثية، مما تسبب في أزمة مع السعودية ودول الخليج، فاقمت التوتر الموجود أصلاً بين الجانبين.
وبعد نشر هذه التصريحات تم استدعاء سفراء لبنان في عدة دول خليجية للتعبير عن الاحتجاج. وتجاوزت السعودية والبحرين والكويت خطوة الاحتجاج إلى استدعاء سفرائهم في بيروت والطلب من السفير اللبناني والقائم بالأعمال المغادرة، وكذلك أوقفت السعودية كل الواردات اللبنانية إليها.
وسُجلت الحلقة مع قرداحي بصفته إعلامياً لبنانياً، في برنامج يذاع على الإنترنت يسمى برلمان الشعب، في 5 أغسطس/آب 2021، أي قبل تسميته في منصبه الوزاري بنحو شهر. إلا أن الحلقة بثت في تاريخ 25 من أكتوبر/تشرين الأول، أي بعد تولي قرداحي منصبه الوزاري.
لماذا جاءت الاستقالة الآن؟
وقال قرداحي إنه تعرض لحملة تضمنت الكثير من التحامل والتجني والتطاول" عليه وعلى أسرته.
وتسببت تصريحات قرداحي في انقسام لبناني داخلي بين من رأى أنه يجب على الوزير الاستقالة تغليباً لمصلحة لبنان ومن رأى أن استقالة قرداحي ستعتبر تعدياً صارخاً على سيادة لبنان واستقلاله.
وأوضح قرداحي أنه رفض الاستقالة في بداية الأزمة ليقول إن "لبنان أولاً لا يستحق هذه المعاملة" وثانياً إنه "ولو كان لبنان يمر بصعوبات كبيرة في هذه الأيام ولو كان يبدو لأشقائه أنه دولة ضعيفة، إلا أن في لبنان شعباً له كرامته وعزة نفسه واستقلاله وحريته وسيادته".
وبخصوص توقيت الاستقالة، أوضح قرداحي أنه فهم من رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، أن الفرنسيين يريدون استقالة له تسبق زيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض وتساعد ربما على فتح حوار مع المسؤولين السعوديين حول لبنان ومستقبل العلاقات، حسبما ورد في تقرير في موقع هيئة الإذاعة البريطانية بالعربي "بي بي سي".
واشار قرداحي إلى أنه لا يقبل أن يستخدم كسبب لأذية لبنان واللبنانيين في السعودية ودول الخليج.
اتصال ثلاثي يثلج صدر ميقاتي
واعتبر رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن الاتصال الذي شارك فيه مع ماكرون وولي العهد السعودي، "خطوة مهمة" نحو إحياء العلاقات اللبنانية السعودية.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، فقد أبدى ميقاتي "تقدير لبنان لما تقوم به المملكة العربية السعودية وفرنسا من جهود كبيرة للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني".
كما أكد "التزام الحكومة اللبنانية باتخاذ كل ما من شأنه تعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون، ورفض كل ما من شأنه الإساءة إلى أمنها واستقرارها".
وتم الاتفاق بين الدول الثلاث على "العمل المشترك لدعم الإصلاحات الشاملة الضرورية في لبنان". كما تم التأكيد على حرص السعودية وفرنسا على أمن لبنان واستقراره.
وأعلن ماكرون عن جهود لمعالجة الأزمة بين البلدين، بعد استقالة جورج قرداحي، من منصب وزير الإعلام اللبناني.
وقام ماكرون بزيارة إلى السعودية مؤخراً حيث استقبله الأمير محمد بن سلمان، وبحثا عدداً من الملفات. وقد صدر خلال الزيارة بيان سعودي-فرنسي مشترك أكد "ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لاسيما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود".
وأوضح ماكرون في مؤتمر صحفي من جدة أن "السعودية ولبنان تريدان التواصل بشكل كامل" بهدف "إعادة العلاقة" بين البلدين بعد أزمة دبلوماسية كبيرة.
واتفق الطرفان على "العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير". وأكدا على "ضرورة حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات"، في إشارة لسلاح حزب الله والدور الذي يتهم به في تسهيل تجارة المخدرات.
كما شددا على "أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، واتفقا على استمرار التشاور بين البلدين في كافة القضايا، كما اتفقا على إنشاء آلية سعودية-فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما على إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني". كما أكدا على "أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن".
هل تؤدي الاستقالة إلى أزمة داخلية لبنانية؟
يعتمد تشكيل الحكومة اللبنانية على الكثير من التوازنات السياسية والطائفية، ويُخشى أن تتسبب استقالة قرداحي في أزمة جديدة تضاف إلى سلسلة الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة التي يعيشها لبنان، حسب تقرير "بي بي سي".
ومما يصب في هذه الاتجاه ما أعلنه زعيم تيار المردة، سليمان فرنجية، من أنه لن يسمي وزيراً جديداً بعد استقالة الوزير قرداحي.
وكان تيار المرده الحليف لسوريا وحزب الله هو من سمَّى قرداحي لمنصب وزير الإعلام.
كما أنه حتى قبل أزمة قرداحي، لم تتوقف الأزمات التي عرقلت تشكيل الحكومات اللبنانية المتعاقبة، في وقت يريد فيه رعاة لبنان وعلى رأسهم فرنسا والمؤسسات الدولية تخفيف طابع المحاصصة الطائفية الحاد الذي يميز السياسة اللبنانية والذي يتهم بالمسؤولية عما حدث، بينما تسعى القوى الطائفية اللبنانية في مقدمتها الرئيس ميشال عون وحزب الله وحركة أمل الشيعيتين.
كما أن حزب الله يقاوم أي ضغوط لتخفيف توغله في مؤسسات الدولة، وهو المسعى الذي يقوده الفرنسيون لمحاولة إرضاء السعوديين والأمريكيين تحديداً، لجلب الأموال لمساعدة لبنان.
واعتبر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أبرز خصوم حزب وأقرب القوى اللبنانية للسعودية حالياً، أنّ "استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي ضربة كبيرة لـ"#حزب الله"، غير أنها لن تحلّ الأزمة، بل ستكون مقدمة لدخول حوار صريح وواضح ومباشر لإجراء تغيير في السياسات اللبنانية".
ما موقف حزب الله من الاستقالة؟
وكان حزب الله منذ بداية الأزمة قد أثنى على تصريحات قرداحي المدافعة عن الحوثيين ، وبدا رافضاً أيّ ضغط لاستقالته أو إقالته.
ولكن الحزب غير نبرته قبل إعلان قرداحي الاستقالة حيث قال نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في حديث تلفزيوني، قبل ساعات قليلة من "حسم" أمر استقالة الوزير قرداحي، إنّه سيدعمه في أيّ قرار يتّخذه، سواء كانت الاستقالة أم عدمها.
شكّل هذا التصريح "مؤشّراً"، بالنسبة لكثيرين، إلى أن "الاستقالة" سلكت طريقها، وأنّ الحزب يؤمّن "المَخرَج اللائق" لوزير الإعلام، بحيث تظهر هذه الاستقالة أمام الرأي العام وكأنّها "قرار ذاتيّ" من الوزير، من دون "جميلة أحد"، حسبما ورد في تقرير لموقع "لبنان 24".
وهو ما لم يتأخّر قرداحي نفسه في تكريسه، حين وضع قراره في خانة "تبرئة الذمة"، معتبراً أنّ "الوقت حان" للخروج، لعلّ ذلك يفتح أفقاً للحلحلة مع دول الخليج.
ويقول الموقع المحسوب على رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن قرداحي التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل أيام، وكرّر ميقاتي له طلبه بالاستقالة لتشكّل "ورقة قوة" يستند إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مسعاه المتجدّد مع السعودية، وأن قرداحي استشار حلفاءه، وعلى رأسهم "حزب الله"، قبل اتخاذ موقفه، وقد سمع منهم الموقف "الداعم" نفسه لأيّ قرار يتّخذه، لكنّه قرأ خلف طيّات ذلك "تشجيعاً" على الاستقالة، بالحدّ الأدنى تفادياً لتحميله مسؤولية "تضييع فرصة" الحل على لبنان.
ويثور جدل في أوساط حزب الله باعتبار أن هذه الاستقالة هزيمة للحزب، ولكن ثمّة رأياً آخر في أوساط الحزب يقول: "استقالة قرداحي جاءت بعد شهر من الأزمة، لا "تحت الضغط"، ما يعني أنّ "الكرامة محفوظة"، فضلاً عن كونها جاءت أولاً وأخيراً، بقرار من الوزير نفسه، الذي لم يحصل على "الضمانات" التي أرادها سابقاً، لكنّه على الأقلّ اطمأنّ إلى أنّ استقالته ستضع الملف اللبناني على طاولة المفاوضات".
ويقول الموقع المقرب من ميقاتي: "هناك خشية لدى كثيرين أن تذهب الاستقالة "سُدى"، وأن يرفض السعوديّون النقاش مع ماكرون حول لبنان، رغم كلّ شيء، لأن الأزمة تتخطّى قرداحي وتصريحاته!".
هل تؤدي استقالة قرداحي لحل مشكلات لبنان؟
من جانبه، قال رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، إن "استقالة الوزير كانت ضرورية بعد الأزمة التي نشأت مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول مجلس التعاون الخليجي، ومن شأنها أن تفتح باباً لمعالجة إشكالية العلاقة مع الأشقاء في المملكة ودول الخليج، بعد تراكمات وتباينات حصلت في السنوات الماضية".
كما توجه ميقاتي بالشكر إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على جهوده لحل الأزمة بين لبنان والسعودية.
ورأى ماكرون أن استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، ستساهم في استئناف الحوار بين لبنان والدول العربية عامة والسعودية بشكل خاص.
وأعرب عن أمله أن تساعد محادثاته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في حل الخلافات التي أثارتها تصريحات قرداحي، وأن يكون قادراً على إعادة إشراك جميع دول الخليج مع لبنان؛ لمساعدته على الخروج من أزماته.
ويأمل ماكرون أن تسهم السعودية ودول الخليج في تقديم دعم مادي للبنان الذي سقط في هوس الإفلاس، في أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها الأسوأ منذ 150 عاماً، وتقليدياً تقوم باريس بدور عراب مؤتمرات إنقاذ لبنان، عبر جلب المساعدات من دول الخليج والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة دون أن تدفع فرنسا غالباً الكثير من الأموال.
هل تعود العلاقات السعودية اللبنانية إلى سابق عهدها؟
تاريخياً كانت السعودية ومعها دول الخليج أكبر داعم للبنان، خاصة بعد "اتفاق الطائف" تحديداً الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية وأُبرِمَ بواسطة سعودية والذي كرَّس ما يمكن تسميته بتقاسم للنفوذ بين سوريا والسعودية فيما عُرف بمعادلة "س س" أي سوريا والسعودية، والتي هيمن فيها نظام الأسد على الجوانب الأمنية والسياسية في لبنان بشكل كامل، بينما تمتعت السعودية بنفوذ سياسي كبير، إضافة إلى توفيرها الدعم المالي والاستثمارات، وتحوّلت البلاد إلى وجهة خليجية مفضلة للسياحة وشراء العقارات والأرصد المالية والاستثمارات.
ولكن تدريجياً بدأ هذا التوازن يختل؛ مع صعود حزب الله والتوتر في العلاقة بين سوريا والسعودية، وفي العلاقة بين الأسد ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، الذي كان رجلَ الرياض الأول في لبنان.
وبعد اغتيال الحريري واصلت السعودية ودول الخليج دعمها للبنان رغم تزايد نفوذ حزب الله، وهو ما ظهر في تولي دول الخليج الجزء الأكبر من تمويل عملية الإعمار بعد حرب 2006 التي أشعلها حزب الله.
كما استمر الدعم السعودي الخليجي للبنان، رغم تراجع قوة تيار المستقبل حليف السعودية، وتزايد نفوذ حزب الله الذي لعب دوراً رئيسياً في هزيمة الثورة السورية، إلى أن تولى الملك سلمان السلطة في الرياض وأصبح الأمير محمد بن سلمان الرجلَ القويَّ في المملكة، وبدأ يغير سياسات الرياض تجاه لبنان، خاصة في ظل غضب السعودية مما تعتبره دعماً من قِبل حزب الله للحوثيين.
واستهلَّ الملك سلمان عهده بإلغاء منحة سعودية لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية بقيمة ثلاثة مليارات دولارات، كانت قد أطلقت في عهد سلفه الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وأفادت تقارير إعلامية بأن حجم المساعدات التي قدمتها المملكة العربية السعودية للبنان، خلال فترة ما بين عامي 1990 و2015، يناهز 70 مليار دولار، فيما لا تتعدى المساعدات الإيرانية للحكومة اللبنانية مبلغ 100 مليون دولار، بموازاة تقديم 200 مليون دولار سنوياً لحزب الله، في المتوسط.
ويبدو واضحاً أنه حتى قبل أزمة قرداحي فإن الأمير محمد بن سلمان يرى أن الاستثمار السعودي في لبنان لم يكن مُجدياً، لأنه بعد كل المليارات التي ضخَّتها السعودية ودول الخليج، خضع لبنان فعلياً وبالكامل للنفوذ الإيراني عبر حزب الله الذي يسيطر على البلاد سواء عبر تحالفات سياسية أوصلت حليفه ميشال عون للرئاسة أو قوته العسكرية أو اختراقاته للأجهزة الأمنية والعسكرية، بينما السعودية هي التي تموّل هذا البلد الخاضع لنفوذ إيران.
وبدا واضحاً كذلك بالنسبة للسعودية أن هناك ملفات أهم من الملف اللبناني مثل الوضع في اليمن، ومحاولة تقوية دور السعودية بالعراق في مواجهة إيران، وحتى أزمات القرن الإفريقي مثل السودان، وإثيوبيا، وهي المنطقة التي بدت السعودية تلتفت إليها مؤخراً، سواء بسبب اعتبارها سلة غذاء لمنطقة الخليج أو لتأثيرها على الصراع في اليمن عبر عملية توريد المرتزقة من السودان، إلى جانب تأثير المنطقة على أمن البحر الأحمر ومصر.
لذلك فحتى قبل أزمة قرداحي، وحتى قبل الأزمة المالية اللبنانية، تراجعت أهمية لبنان بشكل كبير بالنسبة للسعودية.
فلعقود طويلة كان لبنان ساحة لصراعات المنطقة بسبب دوره الثقافي وانفتاحه وتعدد طوائفه وضعف نظامه السياسي، مقابل سيطرة أنظمة استبدادية على معظم دول المنطقة.
ولكن بعد الغزو الأمريكي للعراق، وتعدد الأزمات التي حدثت في المنطقة، فإن هناك العديد من الدول التي أصبحت ساحة للصراعات، وحتى تميز لبنان كبلد منفتح اقتصادياً واجتماعياً وموطن للفن والسياحة تنافسه الآن مناطق كدبي، بل إن السعودية نفسها تسعى لتبني سياسات ليبرالية اجتماعية.
قد تؤدي استقالة قرداحي لإرضاء الرياض ووقف مزيد من التدهور في العلاقات السعودية اللبنانية، وخاصة استهداف دول الخليج للمغتربين اللبنانيين لديها وهم الذين باتوا يمثلون أحد مصادر الدخل القليلة المتبقية للبنان، وقد يقنع ماكرون الأمير محمد بن سلمان ودول الخليج بتوجيه بضعة مليارات لدعم لبنان خلال مؤتمر لإنقاذ هذا البلد المفلس تستضيفه باريس.
لكن السخاء السعودي السابق تجاه لبنان لن يعود على الأرجح، أو على الأقل بنفس القدر، فقد تؤدي استقالة قرداحي إلى إعادة العلاقات السعودية اللبنانية إلى مرحلة أفضل قليلاً من المرحلة التي سبقت أزمة قرداحي، ولكن من الصعب تصور أنها يمكن أن تعيد العلاقات السعودية-اللبنانية إلى مرحلة ما قبل الأمير محمد، حيث كانت السعودية الراعي الأول لبيروت.
فدولارات النفط التي أظهرت أزمات السنوات الفائتة أنها ثمينة، تبدو السعودية في حاجة لها، في الداخل، كما أنه من الأجدى بالنسبة للقيادة السعودية أن تنفقها في الأزمات المحيطة بها الأكثر إلحاحاً والتي لديها فرصة فيها لتحقيق بعض النجاحات مثل اليمن أو العراق أو منطقة الخليج نفسها.
في المقابل، فإن السعوديين يعلمون أنهم مهما دفعوا من مليارات فإن سيطرة حزب الله على لبنان لن تتزحزح.
قد يقنع ماكرون الرياض وبعض دول الخليج باستئناف مساعداتها للبنان، ولكن حدود هذا الدعم ستكون أقل مقارنة بحجم الأزمة وبحجم الالتزام التاريخي للسعودية ودول الخليج تجاه لبنان، فأحياناً التاريخ لا يكرر نفسه.