أثارت التحركات الأخيرة التي تقوم بها الإمارات شمالاً وجنوباً والتي وصلت ذروتها عندما زار ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تركيا، التقى فيها الرئيس رجب طيب أردوغان ووقعا فيها عدة اتفاقيات اقتصادية، الكثير من التساؤل عن تحالفات الإمارات القادمة ومستقبل التحالفات السابقة التي بُني بعضها على التنافس الإقليمي مع أنقرة.
آخر التحركات التي تقوم بها أبوظبي هي صوب طهران مصدر القلق الحقيقي على الإمارات التي يقوم الشيخ طحنون بن زايد "رجل المهمات الصعبة" بزيارة إيران، في ظل الحديث عن قرب اتفاق نووي بين الجمهورية الإسلامية والقوى الغربية برعاية الولايات المتحدة.
تلك الزيارة أثارت حفيظة الحليف الجديد "إسرائيل" التي ترى في التقارب الإماراتي نحو إيران تهديداً حقيقياً لمستقبل "التطبيع" الذي تقوم به الإمارات وتدعو دولاً عربية أخرى لتحذو حذوها.
صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية اعتبرت أن زيارة الشيخ طحنون إلى طهران، التي أعلن عنها مسؤول إماراتي في الشهر الماضي، أحدث مصادر القلق في إسرائيل. ورغم أنَّ إسرائيل تراقب الأحداث عن كثب، فقد أعربت عن ثقتها بالعلاقات حديثة العهد التي أقامتها مع الإمارات.
ما علاقة الزيارة باتفاق إبراهام؟
وفي هذا السياق، قالت الدكتورة موران زاغا، الخبيرة في شؤون دول الخليج من جامعة حيفا ومعهد Mitvim الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية للصحيفة العبرية: "هذا مقلق للغاية بالنسبة لإسرائيل. التقارب سيكون له ثمن. كما أنَّ الاقتراب من إيران وإسرائيل في نفس الوقت لن يجدي نفعاً".
ووفقاً لزاغا، من المرجح الآن أن تبذل الإمارات جهداً أقل للحصول على دول إضافية للانضمام إلى اتفاقيات إبراهام، التي أنشأت بموجبها علاقات تطبيع مع إسرائيل. وفي حين أنَّ الوضع الراهن للاتفاقيات سيبقى كما هو، دون توسيعها.
وتابعت زاغا: "أصبحت حدود نجاح الاتفاقيات أوضح الآن. ستكون هناك قيود فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل".
من جانبها، قلَّلت إسرائيل من وطأة مخاوفها.
قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي لموقع The Media Line: "إسرائيل ليست معنية بهذا التطور، لكنها أيضاً غير راضية عنه. لقد أعربنا عن اهتمامنا به، وهم (الإماراتيون) يعرفون جيداً أننا لا نحب هذا، لكن لسنا بحاجة إلى تطمينات".
ويُعتقَد أنَّ العلاقات بين الإمارات وإسرائيل مستقرة بدرجة كافية، وأنَّ الاتفاقية ليست معرضة لأي خطر.
علَّق البروفيسور جوشوا تيتلبوم، من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان في تل أبيب: "كلمة السر هي البراغماتية، الإمارات ليست لديها أوهام حول إيران، وتطلعاتها النووية، ورغبتها في بسط نفوذها في المنطقة. وهي تريد الحفاظ على علاقة جيدة مع إيران لكن هذا لا يتعارض مع العلاقة الجيدة مع إسرائيل".
إسرائيل تنظر بعين الريبة إلى الاتفاق النووي مع إيران
وبحسب الصحيفة العبرية في الوقت نفسه، تتابع إسرائيل باهتمام كبير المفاوضات النووية الجارية في فيينا وتأثيرها المحتمل في تغيير التحالفات الإقليمية. وبينما يتفاوض المندوبون الإيرانيون على شروط صفقة جديدة محتملة، فإنَّ إسرائيل متوترة بالفعل. إذ سيكون لاستعراض القوة الأمريكية، أو غيابها، في غرفة المفاوضات، تأثير على التوازن السياسي في المنطقة.
وقال المصدر الدبلوماسي الإسرائيلي للصحيفة العبرية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "بالنسبة للإمارات، هناك شعور بأنَّ الولايات المتحدة يُنظَر إليها على أنها صارت أضعف بكثير في المنطقة [مقارنة بما كانت عليه في ظل الإدارة السابقة] وعليها أن تعتني بنفسها. وبذلك يصطفون إلى جانب الفاعل الأكثر تهديداً في المنطقة؛ من أجل تجنب المواجهة مع إيران".
ستكون نتائج المفاوضات النووية بعيدة المدى، حيث تلقي طهران بالفعل بظلالها الطويلة على المنطقة.
قال الدكتور يوئيل غوزانسكي، الزميل البارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: "إذا توصلت الأطراف لاتفاق، فستصير إيران أجرأ وسيتوفر لها الكثير من الأموال من رفع العقوبات، وستكون قادرة في الوقت نفسه على الاحتفاظ بالبرنامج النووي. سيكون واضحاً من الذي سيتخذ القرار في الخليج".
قبل أيام من استئناف المحادثات في فيينا بعد توقف دام ستة أشهر، زار كبير المفاوضين الإيرانيين ونائب وزير الخارجية، علي باقري كاني، الإمارات العربية المتحدة.
وكتب على حسابه على تويتر بعد الزيارة: "اتفقنا على فتح فصل جديد في العلاقات".
ونقلت وسائل الإعلام عن أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات ووزير الدولة السابق للشؤون الخارجية، قوله إنَّ الدولتين تتخذان خطوات لتهدئة التوترات بينهما.
طحنون بن زايد في طهران
وأفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية، يوم الأحد 5 ديسمبر/كانون الأول، بأنَّ مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان سيزور إيران يوم الإثنين لمناقشة توسيع العلاقات الثنائية، والتي زارها بالفعل.
يأتي ذلك عقب سنوات من توتر العلاقات بين الإمارات وطهران، على خلفية تصاعد القلق بشأن الأنشطة الإقليمية الإيرانية. وفي عام 2019، بدأ الجانبان حواراً بعد الهجمات الإيرانية على السفن الإماراتية في الخليج. وفي الوقت نفسه، أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن، حيث كانت منخرطة بقوة في القتال ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وكانت نتيجة الحوار الإيراني ـ الإماراتي مذكرة تفاهم بشأن أمن الحدود ضمنت الاستقرار البحري للإمارات.
كان للتحول السياسي في الولايات المتحدة والتصور في جميع أنحاء الشرق الأوسط بأنَّ إدارة بايدن أقل انخراطاً في المنطقة تأثيرٌ مباشر على التحركات الإماراتية الأخيرة.
بادين تسبب في زيادة الحوار
في هذا الصدد، تقول الدكتور موران زاغا: "انخرطت إيران والإمارات بالفعل في حوار سياسي، لكن التغيير في الإدارة الأمريكية دفع الإمارات إلى اتخاذ خطوة إضافية في علاقاتها مع إيران. إنهم يفهمون أنَّ التحالف الدفاعي [الجديد] مع إسرائيل لا يُقَارَن بمظلة دفاع أمريكية وأنَّ [الرئيس جو] بايدن لا يُظهِر أية مؤشرات على استعداد لبذل جهد إضافي من أجلهم".
وتضيف زاغا: "التغيير في الولايات المتحدة له تأثير حاسم في تغييرات السياسة الخارجية التي نشهدها في جميع أنحاء المنطقة. هناك تفهُم بأنَّ شيئاً ما يحتاج إلى التغيير. في هذه المرحلة، المظلة التي تقدمها الولايات المتحدة محدودة وغامضة".
وارتبطت الإمارات وإيران بعلاقة مهمة قبل وقت طويل من النظر في التطبيع مع إسرائيل. والتجارة بين أبوظبي وطهران كبيرة، وظلت كذلك حتى في أوقات التوترات المتصاعدة، والإمارات هي ثاني أكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين. هذه العلاقة لن تزول وإسرائيل تفهم ذلك.
بدوره، قال البروفيسور جوشوا تيتلبوم: "إسرائيل تتفهم هذا"، مشيراً إلى أنَّ الخطوات التي تتخذها الإمارات هي إلى حد كبير إشارة لواشنطن. وأضاف: "عندما يرون أنَّ الولايات المتحدة تبدو وكأنها تنسحب وأنَّ إيران قد تتفوق على الولايات المتحدة في المحادثات النووية، فإنهم سيرغبون في تحسين العلاقات مع إيران".
وتتشارك إسرائيل والإمارات القلق بشأن إيران، لكن كلتاهما تنظران إلى التهديد نظرة مختلفة. إذ تركت ردود الفعل الأمريكية الضعيفة على الهجمات الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط انطباعاً طويل الأمد لدى دول الخليج.
قال الدكتور يوئيل: "الإماراتيون أكثر اعتماداً على الولايات المتحدة وأقرب بكثير من إيران. على إسرائيل أن تفهم أنَّ الإمارات لا يمكنها أن تنحاز إليها ضد إيران. يمكن أن يكون هناك تعاون في التحركات التكتيكية ولكن أي شيء أكثر من ذلك ضد مصلحتهم".
من الواضح أنَّ المنطقة تمر بفترة تغيرات جيوسياسية كبيرة. يبدو أنَّ كل من الإمارات وإسرائيل تتحليان بالبراغماتية بشأن العلاقات الخارجية، وتتطلع كلتاهما لمعرفة كيف تعمل الولايات المتحدة على إعادة تموضع نفسها.