باتت عبارة "خلف الأبواب المغلقة" تُتداول كثيراً في تعليقات كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين على المحادثات الجارية بين الطرفين هذه الأيام؛ فهذا هو المكان الذي يريد كلا الجانبين تسوية الخلافات فيه.
وحتى الآن، نجحت هذه الاستراتيجية في إصلاح هيكل العلاقة الدبلوماسية بين الديمقراطيين الأمريكيين والحكومة الإسرائيلية، التي أفسدتها سنوات من الخلافات العلنية والتوترات المحتدمة في بعض الأحيان، كما تقول صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
اشتدت الخلافات العلنية بين باراك أوباما وبنيامين نتنياهو على وجه الخصوص، أما الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، فقد بدت العلاقة بينهما "ودية". وفي هذا السياق، قال ديفيد ماكوفسكي، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن "كلاً من بينيت ولابيد لا يريدان العودة إلى سنوات نتنياهو". ومع ذلك، فقد بدأت تبرز مجموعة من القضايا الخلافية خلال الأشهر القليلة الماضية، وهي تهدد بتكدير الهدوء الحالي وإيصال العلاقة نحو أسوأ مراحلها.
أسباب توتر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية
من أبرز هذه القضايا موافقة بينيت على بناء الآلاف من منازل المستوطنين غير الشرعية الجديدة، وضغط بايدن من أجل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس بدلاً من السفارة. وهناك أيضاً العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الشهر الماضي على شركتي تجسس إسرائيليتين.
ثم هناك الخلاف المستمر حول مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، وهي نقطة خلاف يقول مراقبون للعلاقات الأمريكية-الإسرائيلية إنها قد تفتح أبواب الخلاف على مصراعيها في النهاية. وقال ماكوفسكي: "القضية الإيرانية هي أبرز القضايا التي لا يتحكم أي من الطرفين في تطوراتها. وهذا ما يقلق إسرائيل على وجه التحديد". وفيما يلي بعض القضايا التي قد تذكي نيران التوتر بين الطرفين:
1- الملف الإيراني
تُستأنف محادثات العودة إلى الاتفاق النووي في فيينا بعد فشل جولات عدة، وتتناول الشروط التي تريد الولايات المتحدة أن ترى تلبيةً من إيران لها قبل العودة إلى الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن ذلك لا يجب حكومة نفتالي بينيت التي تضغط لإفشال العودة للاتفاق بأي شكل، فيما تواصل تهديداتها بضرب أهداف ومنشآت إيرانية تزعم أنها تُستخدم في تطوير سلاح نووي.
منذ خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الصفقة، قاد جو بايدن حملةً تدعو إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران، معتبراً أنه أفضل وسيلة لمنع طهران من حيازة سلاح نووي. أما بينيت ولابيد فيشككان في ذلك، لكنهما قالا إنهما على استعداد للانتظار وتبيُّن ما إذا كان بايدن سينجح في التفاوض مع إيران على شروط أفضل أم لا.
ويزعم مسؤولون إسرائيليون أن إيران توشك على امتلاك أسلحة نووية، فقد بدأت في تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء بلغت 60%، وهي نسبة تقترب اقتراباً خطيراً من نسبة 90% اللازمة لإنتاج أسلحة نووية. وذكر موقع Axios الإخباري الأمريكي أن إسرائيل حذرت الولايات المتحدة من أن إيران على وشك تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021.
وقال ماكوفسكي إن سلوك إيران في المفاوضات قد يفتح الباب أمام العديد من التوقعات والحسابات من الولايات المتحدة وإسرائيل على نحو قد يؤول إلى خلاف صريح بين الحلفاء. وأضاف ماكوفسكي: "أعتقد أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل عرضةٌ للاختبار من جهة الكيفية التي سيتعامل بها كل طرف مع الغموض" المتعلق بنتائج المفاوضات.
ويبدو أن الملف الإيراني عمّق الأزمة بين بينيت وبايدن لدرجة أن الأخير لم يرد على اتصالات الأول منذ أسابيع، بحسب ما نشرت القناة "13" الإسرائيلية، يوم الثلاثاء 21 ديسمبر/كانون الأول 2021. القناة الإسرائيلية أضافت أن "رئيس الوزراء يريد إجراء المحادثة وإثارة موضوع المحادثات النووية (بين إيران ودول غربية منها الولايات المتحدة الأمريكية) التي تُجرى خلال هذه الفترة في فيينا"، مضيفة أن التجاهل الأمريكي لطلب بينيت يأتي على خلفية "محادثة هاتفية صعبة" جرت في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري بين بينيت ووزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن.
2- بناء إسرائيل للمستوطنات غير الشرعية بالضفة الغربية
كانت المكالمة التي تلقاها وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في 26 أكتوبر/تشرين الأول هي الأولى من نوعها منذ ما يقرب من 5 سنوات؛ فعلى الهاتف كان وزير الخارجية الأمريكي غاضباً من إعلان الحكومة الإسرائيلية عن منح الضوء الأخضر لبناء أكثر من 3 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية.
ويقع جزء من هذه الوحدات الاستيطانية في المنطقة "A1″، وهو الممر الذي يفصل مستوطنة معاليه أدوميم عن القدس، وتقول السلطة الفلسطينية "إنه لا غنى عنه لوجود دولة فلسطينية قابلة للحياة"، وهو الحل الذي تحبّذه إدارة بايدن للصراع المستمر منذ عقود.
نقل موقع Axios عن سكرتير إسرائيلي وصفَه المكالمة بالقول: "لقد أعطتنا الولايات المتحدة بطاقة إنذار صفراء". لكن بعبارة أخرى، كان توبيخ بلينكن محض تحذير، وليس إشارة إلى وضع راهن جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي السادس من ديسمبر/كانون الأول، قال موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي إن ضغوطاً أمريكية أوقفت مصادقة لجنة حكومية إسرائيلية على خطة بناء مستوطنة على أرض مطار قلنديا الدولي. وتعتبر إدارة بايدن أن الاستيطان يقوّض إمكانية تنفيذ مقترح "حل الدولتين" (فلسطينية وإسرائيلية).
3- المنظمات الحقوقية الفلسطينية غير الحكومية
في شهر نوفمبر/كانون الأول، أعلن وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس تصنيفَ ست منظمات فلسطينية رائدة في مجال حقوق الإنسان تعمل في الضفة الغربية منظماتٍ إرهابية. ويُتيح هذا التصنيف للحكومة الإسرائيلية إغلاق المقرات التابعة لهذه المنظمات.
قال غانتس إن المنظمات غير الحكومية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تصنِّفها وزارة الخارجية الأمريكية منظمة إرهابية، إلا أنه سرعان ما انهالت الإدانات الدولية لهذه الخطوة.
وقالت إدارة بايدن إنها فوجئت أيضاً بهذا التصنيف، غير أن مسؤولين إسرائيليين ردوا بأن الولايات المتحدة قد أُطلعت مسبقاً وأن إسرائيل تبادلت معلومات استخباراتية معها حول تلك المنظمات. ومع ذلك، قال مسؤولون أوروبيون إن المعلومات الاستخباراتية التي اطلعوا عليها غير مقنعة.
وأشارت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إلى أن إدارة بايدن لا تزال غير مقتنعة بأي معلومات استخباراتية قدمتها إسرائيل مستنداً لقرارها. ومن ثم حرصت غرينفيلد على إبداء دعمها للمنظمات غير الحكومية الفلسطينية.
وفي تغريدة نشرتها غرينفيلد على موقع تويتر في 20 نوفمبر/تشرين الثاني في أعقاب زيارة إلى إسرائيل والضفة الغربية، قالت: "هذا الأسبوع، أُتيحت لي الفرصة للقاء قادة المجتمع المدني في رام الله. وقد تأثرت بعملهم في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وتوفير الفرص الاقتصادية للشعب الفلسطيني. نحن ندعم دور المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في رصد انتهاكات حقوق الإنسان أينما حدثت".
ويوم الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت ليندا توماس غرينفيلد أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن هجمات المستوطنين الإسرائيليين خلقت "وضعاً أمنياً خطيرا" للفلسطينيين، وأشارت إلى أنها أثارت الأمر مع مسؤولين إسرائيليين. ونقلت صحيفة The National قولها إنها سمعت عن "مستوطنين إسرائيليين يهاجمون الفلسطينيين وينهبون المنازل ويدمرون الممتلكات في الضفة الغربية. وقد ناقشت هذا الموضوع باستفاضة مع نظرائي الإسرائيليين".
4- قنصلية القدس
قاد بايدن حملة لإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، والتي لطالما كانت مركزاً للعلاقات الأمريكية-الفلسطينية حتى أغلقها ترامب في عام 2019. ومع ذلك، فإن كلا رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجيتها قالا إن ذلك لا يمكن أن يحدث.
تقول إدارة بايدن إنها عازمة على الوفاء بهذا العهد، الذي ينظر إليه الرئيس الأمريكي على أنه مفتاح لإحياء محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية نحو حل الدولتين.
سعى وزير الخارجية الإسرائيلي إلى إقناع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، بأن فرض هذه القضية تحت وطأة الضغوط قد يعرض حكومة بينيت-لابيد للخطر، لأنه لا توجد وسيلة لإعادة فتح القنصلية دون موافقة إسرائيلية صريحة، ومنح هذه الموافقة يضع حكومة بينيت في موقف الاعتراف بالمطالب الفلسطينية في المدينة.
من جهة أخرى، يقول مسؤولون إسرائيليون إنهم يبحثون عن مخرج يحفظ ماء الوجه للطرفين، ربما من خلال فتح قنصلية في إحدى مناطق الضفة الغربية بعيداً عن القدس.
5- برامج التجسّس الإسرائيلية
فرضت إدارة بايدن مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول، عقوبات على شركتي تجسس إسرائيليتين، شركة NSO وشركة Candira، بسبب أن الحكومات القمعية تستخدم الأدوات التي تنتجها هذه الشركات "لتهديد القواعد التي يقوم عليها النظام الدولي".
من الجدير بالذكر أن الشركات الإسرائيلية لا تستطيع تصدير هذه التكنولوجيا دون موافقة من وزارة الجيش الإسرائيلية، وقد أوضح مسؤولون في إدارة بايدن أنهم يريدون إجابات. ومع ذلك، تقول الإدارة الأمريكية إنه "لا توجد إجراءات وشيكة ضد حكومة إسرائيل أو شيء من هذا القبيل".
وقال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "نتطلع إلى مزيد من المناقشات مع حكومة إسرائيل لضمان عدم استخدام منتجات هذه الشركات لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وغيرهم من الأشخاص الذين لا ينبغي استهدافهم".
6- علاقة إسرائيل مع الصين
إحدى القضايا التي زادت إلحاحاً منذ عهد ترامب إلى إدارة بايدن هي تجارة إسرائيل المتزايدة مع الصين. أوضحت كل من إدارتي بايدن وترامب لإسرائيل أن ما تتوقعه الولايات المتحدة من حليفها الإسرائيلي هو كبح جماح علاقاتها مع الصين، لا سيما في مجالات البنية التحتية التي تخاطر بكشف التكنولوجيا الأمريكية.
ومع ذلك، لم تتراجع إسرائيل عن المضي قدماً في مسارها بعد. ففي أكتوبر/تشرين الأول، رفضت التوقيع على بيان للأمم المتحدة يدين معاملة الصين للأويغور. وربما كانت قضية العلاقات الإسرائيلية الصينية هي القضية الأكثر حساسية في الاجتماع الذي جرى بين لابيد وبلينكن في أكتوبر/تشرين الأول.
وقال مسؤول مقرب من وزير الخارجية الإسرائيلية، يائير لابيد، في ذلك الوقت: "أهمية الصين للاقتصاد الإسرائيلي كبيرة للغاية، وعلينا أن نجد طريقة لمناقشة هذا الموضوع بطريقة لا تضر بمصالح إسرائيل".