كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية في ليبيا ارتفعت فرص تأجيلها أو إلغائها رغم إصرار القوى الدولية على العكس، فهل يقضي رد فعل خليفة حفتر ونجل القذافي على استبعادهما على فرص إقامة الانتخابات؟
فبعد استبعاد سيف الإسلام القذافي من قائمة المرشحين، منعت ميليشيات خليفة حفتر محامي نجل القذافي من تقديم الطعن، ثم أصدرت المفوضية العليا للانتخابات قرار استبعاد حفتر هو الآخر، فكلاهما مطلوب للمحاكمة داخل وخارج ليبيا. وحذر وزير الداخلية الليبي من أن الانفلات الأمني يهدد الانتخابات.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول، وتليها مباشرة الانتخابات البرلمانية، وهذه المواعيد والإجراءات نتجت عن المسار السياسي الحالي المسمى ملتقى الحوار الليبي، والذي رعته الأمم المتحدة بعد فشل الجنرال خليفة حفتر (زعيم ميليشيات شرق ليبيا الذي يسمي نفسه القائد العام للجيش الليبي) في احتلال العاصمة طرابلس وفرض نفسه حاكماً عسكرياً على البلاد.
والمفترض أن تنتهي مرحلة تقديم الطعون على المرشحين للرئاسة والبت فيها السبت 4 ديسمبر/ كانون الأول، وعندها ستعلن المفوضية العليا للانتخابات القائمة النهائية للمرشحين، ليتبقى 20 يوماً لفترة الدعاية الانتخابية، هذا بالطبع في حال أقيمت الانتخابات الرئاسية بالفعل في موعدها المقرر.
تشكيك في جدوى الانتخابات من الأساس
لكن على الرغم من تبقي ثلاثة أسابيع فقط على يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية، لا توحي الأوضاع على الأرض بأن تلك الفترة كافية لإزالة عقبات أساسية تسمح بانتخابات حرة ونزيهة لاختيار أول رئيس لليبيا منذ سقوط عهد معمر القذافي.
وأمس الأربعاء 1 ديسمبر/كانون الأول، عبر رئيس مجلس الأمن الدولي الشهر الحالي، مندوب النيجر الدائم لدى الأمم المتحدة، عبده عباري، عن هذا الوضع بالفعل، معتبراً أن "الظروف ليست مواتية لإجراء انتخابات إيجابية" بليبيا في 24 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده "عباري" بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، بمناسبة تولي بلاده الرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن لشهر ديسمبر/كانوا الأول. وقال "عباري": "من يرون ضرورة إجراء انتخابات في ليبيا بغض النظر عن التكلفة، نقول لهم إن الظروف ليست مواتية لإجراء هكذا انتخابات إيجابية، بحيث تجلب الاستقرار بالبلاد في نهاية المطاف"، بحسب الأناضول.
فالانفلات الأمني ووجود ميليشيات تابعة لعدد من المرشحين، أبرزهم بالطبع حفتر زعيم ميليشيات شرق ليبيا، إضافة إلى الجدل المستمر بشأن القوانين المنظمة للانتخابات والتي أصدرها البرلمان برئاسة عقيلة صالح، وهو نفسه أحد المترشحين للرئاسة، جعلت حتى بعض القوى الكبرى تراجع موقفها السابق بشأن "حتمية" إقامة الانتخابات في موعدها.
وهذا ما أشار إليه رئيس مجلس الأمن متسائلاً: "هل ليبيا يمكن أن تظل (ليبيا) كدولة (؟).. هل يجرون الانتخابات من أجل إجرائها فقط؟ لقد عانت النيجر والدول المجاورة كثيراً من تدمير هذا البلد (ليبيا،) خاصة بعد أن وقعت ترسانة ليبيا في أيدي مجموعة من العصابات".
"الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلاً من حلها.. يحدث هذا غالباً في الدول الإفريقية.. ولذا يجب أن نكون واضحين بشأن إجرائها والنتائج التي نسعى إليها".
وخلال مؤتمر صحفي آخر الأربعاء، ورداً على سؤال صحفي بشأن توقعاته للانتخابات الليبية، أجاب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بقوله: "أنا لست نبياً ولا ساحراً.. ولا أعرف ما الذي سيحدث في هذه الانتخابات". وأضاف: "نحن أمام مشهد حيث يوجد قانون انتخابي ينظم إجراء انتخابات رئاسية، وبعدها على ما أعتقد بـ15 يوماً، تُجرى انتخابات برلمانية.. وهذا القانون تم التصديق عليه من قبل أعضاء البرلمان".
"هناك أيضاً لجنة انتخابات (المفوضية) قبلت بعض الأعضاء المرشحين طبقاً للقانون.. وما يمكن قوله في هذا الموضوع هو أننا نريد لهذه الانتخابات أن تكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة"، مؤكداً أن "الأمم المتحدة ستبذل كل ما في وسعها لتسهيل الحوار.. وبحيث تُجرى هذه الانتخابات بشكل يسهم في حل المشكلة الليبية".
من جانبه، قال خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي، الأربعاء، إن "العملية الانتخابية الحالية تفتقد لأي أسس للنجاح، سواء كانت تتعلق بالناحية القانونية أو النواحي الإجرائية".
جاء ذلك خلال مباحثات أجراها المشري في العاصمة طرابلس مع رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يان كوبيش، حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة، بحسب بيان للمكتب الإعلامي للمجلس.
وأفاد المشري بأن "المجلس الأعلى يعتقد أن هذه الانتخابات لن تصل إلى محطتها الأخيرة، وهي التسليم والقبول". وأضاف أن "هذه الانتخابات ستمر بالعديد من المحطات والعقبات، والمجلس عاكفٌ على إيجاد حلول لهذه العقبات لإجراء انتخابات سليمة ومقبولة تؤدي إلى الاستقرار"، بحسب تقرير للأناضول.
الانفلات الأمني في ليبيا
بينما طالبت الولايات المتحدة بعدم السماح للمجموعات المسلحة بتهديد الانتخابات، وأصدر ريتشارد نورلاند السفير الأمريكي لدى طرابلس الأربعاء بياناً مقتضباً نشرته سفارة بلاده عبر صفحتها على "تويتر"، قال فيه: "تشارك الولايات المتحدة الليبيين والمجتمع الدولي مخاوفهم".
وطالب السفير الأمريكي بأن "لا يُسمح للجهات المسلحة وخطر العنف بتهديد الانتخابات المرتقبة التي ستبدأ في 24 ديسمبر/كانون الأول، وتطلعات ملايين الليبيين للإدلاء بأصواتهم". ودعا نورلاند "جميع الأطراف إلى التهدئة وتخفيف التوترات واحترام العمليات الانتخابية القانونية والإدارية الجارية التي يقودها الليبيون".
وكانت كتيبة تابعة لمليشيا خليفة حفتر قد حاصرت الإثنين مقر محكمة سبها، ما حال دون عقد جلسة للبت في الطعن الانتخابي المقدم من محامي سيف الإسلام القذافي، قبل أن تنسحب الثلاثاء.
ولم يتضح بعد سبب انسحاب قوات حفتر، إلا أن البعثة الأممية في ليبيا أعربت الإثنين، عن انزعاجها من إغلاق المحكمة، وتوعدت بفرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي بحق "المعرقلين لنظام العدالة والانتخابات".
مصدر قريب من حفتر اعترف لموقع Middle East Eye البريطاني بأن "قوات تابعة للمشير تم نشرها بالفعل في سبها"، لكنه نفى أن يكون الهدف من إرسال تلك الميليشيات تعطيل نظر استئناف سيف الإسلام القذافي على قرار مفوضية الانتخابات استبعاده من الترشيح. وقال المصدر للموقع البريطاني إن "ترشيح نجل القذافي لا يمثل تهديداً لخليفة حفتر"، مضيفاً أن الهدف من وجود القوات هو تأمين قاعة المحكمة بسبب وجود متظاهرين.
لكن كثيراً من المراقبين يختلفون مع هذا الطرح شكلاً ومضموناً، ويرون أن حفتر يشعر بتهديد حقيقي من منافسة سيف الإسلام القذافي له، في ظل حنين بعض الليبيين إلى الماضي رغم قسوته، ففي ظل ديكتاتورية معمر القذافي كانت البلاد أكثر استقراراً، عكس العقد الماضي منذ الإطاحة به.
والثلاثاء حذّر وزير الداخلية الليبي، خالد مازن، من أن الانفلات الأمني يهدد سير العملية الانتخابية، بعد اعتذار اللجنة المشكلة في محكمة مدينة سبها (جنوب) عن عدم نظر طعن من محامي سيف الإسلام القذافي على استبعاده من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية.
وقال مازن، في مؤتمر صحفي مع وزيرة العدل حليمة إبراهيم: "لم يعد الوضع مقبولاً في سير العملية الانتخابية بشكل طبيعي، بعد أن اعتذرت اليوم اللجنة المشكلة في محكمة سبها عن عدم النظر في الطعون، في ظل انفلات الوضع الأمني؛ بسبب عوامل طارئة هددت الخطة الأمنية الموضوعة". وأضاف أن "استمرار عرقلة الخطة الأمنية واتساع رقعة الانتهاكات والاعتداءات سيؤدي إلى الإضرار بكل جهود الخطة الأمنية".
قائمة المرشحين للرئاسة انعكاس لعدم الاستقرار
أما بالنسبة لقائمة المرشحين للرئاسة في ليبيا، فيمكن القول إنها باتت أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية وكل ساعة تقريباً تخرج أخبار أو تقارير عن مصادر متعددة، تتعلق باستبعاد مرشح أو عودة آخر إلى القائمة، ويبدو أن ذلك سيظل مستمراً حتى اللحظة الأخيرة.
فأمس الأربعاء، قضت محكمة استئناف طرابلس برفض طعن مقدم ضد ترشح عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية لانتخابات الرئاسة، ونقلت منصة فواصل (خاصة) خبراً مفاده أن "لجنة الطعون بمحكمة استئناف طرابلس قبلت الاستئناف المقدم من المترشح عبد الحميد الدبيبة ضد طعن المترشح فتحي باشاغا".
وأوضحت أنه بهذا "يكون عبد الحميد الدبيبة ضمن قائمة المترشحين للرئاسة". فيما أكدت قناة "ليبيا الأحرار" (خاصة) أن المحكمة قضت "نهائياً بعودته (الدبيبة) للسباق الرئاسي".
وكان المترشح للرئاسة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا قد تقدم الأحد بطعون ضد منافسه الدبيبة، منها ما يتعلق بامتلاكه جنسية. والدبيبة، هو رئيس الحكومة الحالية، ولد في مدينة مصراتة (غرب) عام 1958، ويحظى بدعم قبائل في غربي البلاد، ولديه قاعدة شعبية كبيرة وفق مراقبين.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات، "قائمة أولية" تضم 73 مرشحاً للانتخابات الرئاسية، بينهم خليفة حفتر، إضافة إلى أخرى شملت 25 مستبعداً، منهم سيف الإسلام القذافي.
لكن الثلاثاء، قضت محكمة مدينة الزاوية الابتدائية (غرب) باستبعاد حفتر من قائمة المرشحين، بحسب إعلام محلي. فهل تقدم حفتر بطعن على استبعاده؟ وهل سيتم قبول الطعن ويعود حفتر إلى السباق رغم إصدار المدعي العسكري الليبي قرار ضبط وإحضار بحقه؟ وهل يقبل حفتر قرار استبعاده ويسمح بإقامة الانتخابات بدونه؟ لا أحد يعرف وإن كان أغلب المحللين يستبعدون أن ينسحب حفتر من المشهد من الأساس.
وحتى موقف سيف الإسلام القذافي لا يزال معلقا، فهل يعيده قرار من محكمة سبها، بعد أن رفعت ميليشيات حفتر حصارها عن المحكمة، إلى السباق؟ لا أحد يمكنه الجزم أيضاً، لكن الواضح أن نجل القذافي يحظى بدعم قوى خارجية كروسيا والصين، بحسب تقارير إعلامية.
تشير هذه المعطيات إلى أن العملية الانتخابية برمّتها تسير في "حقل ألغام" لا يمكن فيه التنبؤ بمصير العملية السياسية التي بدأت قبل عام تقريباً والتي يعول عليها أغلب الليبيين في أن تطوي صفحة الحرب والدمار أخيراً.
كما تحوم الشكوك حول قدرة السلطات على حماية مراكز الاقتراع، فعلى الرغم من التقدم السياسي المسجل منذ توقيع وقف إطلاق النار بين المعسكرين المتناحرين (سلطات الشرق وسلطات الغرب) في تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، لا يزال الأمن غير مستقر، في ظل استمرار وجود جماعات مسلحة ومرتزقة أجانب.
وقال جلال حرشاوي، المتخصص في الشؤون الليبية لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا يتوهم أحد أن الأمن سيكون مضموناً في جميع مراكز الاقتراع في هذا البلد، بحجم يصل إلى ثلاثة أضعاف فرنسا". مضيفاً أن فرص إجراء الانتخابات في الموعد المحدد "قليلة جداً".
كما أن العملية الانتخابية "هشّة للغاية وغير مكتملة وفيها خلل، ومؤسسات طرابلس تعاني من الانقسامات السياسية"، معتبراً أن "العنف والاستقطاب سيستأنفان قبل 24 كانون الأول/ديسمبر".
واتفقت الخبيرة في الشؤون الليبية في "مجموعة الأزمات الدولية" كلوديا غازيني مع حرشاوي في أن تأجيل الانتخابات "متوقع"، مضيفة لوكالة الأنباء الفرنسية أن ذلك "ليس بسبب التظاهرات، بل بسبب الوضع المعقد حول الترشيحات للرئاسة"، معتبرة أن "في أصل هذه المشاكل قانوناً انتخابياً غير واضح وتشوبه تناقضات كثيرة".