هل احتكار مصر لإعادة إعمار غزة حل مناسب لإسرائيل؟ هآرتس تقول نعم وترصد الأسباب

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/11/28 الساعة 07:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/29 الساعة 05:17 بتوقيت غرينتش
تخفيض وارادات مواد البناء إلى غزة بقرار سيادي مصري - رويترز

بعد أكثر من 6 أشهر من انتصار المقاومة الفلسطينية في حرب غزة الأخيرة التي شنتها إسرائيل على القطاع المحاصر، إلى أين يتجه قطار إعادة الإعمار ومدى ارتباطه بصفقة تبادل الأسرى والدور المصري فيما يحدث؟

وقبل الدخول إلى تفاصيل وكواليس الموقف الحالي، التي رصدها تحليل إسرائيلي نشرته صحيفة Haaretz الإسرائيلية، من المهم التذكير بأن الحرب التي استمرت 11 يوماً بدأها من الأصل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، من خلال خطط تهجير فلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة وإعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين المتطرفين لتكثيف اعتداءاتهم على المسجد الأقصى، مما أجبر فصائل المقاومة الفلسطينية –وعلى رأسها حماس– على التدخل في وقت بدا فيه أن إجراءات حكومة نتنياهو اليمينية بحق الفلسطينيين التي تنتهك القانون الدولي ليلَ نهار قد أصبحت أمراً لا يأبه له أحد.

وبعد أن أجبرت صلابة فصائل المقاومة وقدرتها على توجيه ضربات موجعة للعمق الإسرائيلي جميع الأطراف على السعي لوقف إطلاق النار ونجحت الوساطة المصرية بالفعل في تحقيق ذلك، لكن حتى الآن تستمر مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار وتحويله إلى اتفاق يشمل قضايا متعددة.

تفاصيل إعادة مصر إعمار قطاع غزة

تقول هآرتس إن اللوحات الإعلانية الضخمة التي تحمل صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تنتشر على الطريق الساحلي على طول قطاع غزة. فبعد وقف إطلاق النار والمحادثات بين حماس وإسرائيل ومصر، دخلت عشرات الجرَّافات المصرية برفقة حوالي 70 مهندساً وعامل بناء. والهدف هو إعادة بناء القطاع.

في البداية، أزالوا أنقاض المباني المُهدَّمة التي بقيت بعد الغارات الجوية الإسرائيلية. شاحناتٌ مملوءة بالحصى والقطران أعادت رصف شارعين رئيسيَّين. وفي وقتٍ لاحق، من المُفتَرَض أن يساعد المصريون في رصف المزيد من الطرق كجزءٍ من تبرُّعٍ بقيمة 500 مليون دولار لإعادة بناء غزة.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إن المستفيد الرئيسي من خطة إعادة الإعمار هي شركة أبناء سيناء، لمالكها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، الذي يترأس أيضاً قبيلة الترابين البدوية في سيناء، واتحاد القبائل في شمال سيناء، ويتعاون هذا الاتحاد مع الاستخبارات المصرية في حربها ضد الجماعات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء. يتلقَّى العرجاني، الذي يمتلك بعضاً من أكبر شركات المقاولات في مصر، الأوامر من الاستخبارات المصرية -بما في ذلك جزء كبير من مساعدات مصر لغزة، ومن حركة البضائع من مصر إلى غزة، ومعظمها تمرُّ عبر معبر صلاح الدين في رفح.

صورة لوفد حركة
صورة لوفد حركة "حماس" في قطاع غزة أثناء توجههم إلى العاصمة المصرية القاهرة/ الأناضول

تحتكر مصر أكثر من مجرد جهود إعادة البناء الأوَّلية. ووافقت قطر، بموافقةٍ من إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات، على ترتيبٍ جديدٍ لنقل مساعداتها، إذ ستدفع قطر لمصر مقابل النفط والبنزين الذي ستمنحه لحماس، فيما ستبيع حماس البنزين لمحطات الوقود في غزة.

ستذهب العائدات إلى العائلات المحتاجة، وسوف تُسخَّر في دفع رواتب موظَّفي الحكومة في غزة. وجاء هذا الترتيب المُعقَّد لأن إسرائيل لم تكن تريد أن تسلِّم قطر حقائب مملوءة بالنقود إلى حماس، ومن ثمَّ توزِّع حماس هذه النقود على ما يقرب من 100 ألف عائلة محتاجة. لم تكن إسرائيل تريد هذا لأنها تزعم أن حماس تستخدم جزءاً من الأموال لأغراضٍ عسكرية.

تريد إسرائيل أن تثبت أنها لا تساعد حماس -طالما أن حركة المقاومة الفلسطينية ترفض إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين وجثث الجنود التي تحتجزها. وكان هذا وعداً من وزير الدفاع بيني غانتس، الذي قرَّر أن إعادة إعمار غزة ستعتمد على إطلاق سراح الإسرائيليين لدى حماس.

حماس ترفض شروط إسرائيل

لكن غانتس أدرك أيضاً أن هذا الشرط غير واقعي، خاصةً بعد المحادثات التي أوضح خلالها المسؤولون المصريون والأمريكيون لغانتس أن منع المساعدات من الوصول إلى غزة قد يدفع إلى جولةٍ أخرى من القتال ويهدِّد قدرة مصر على العمل كوسيط.

واقترحت مصر أن تكون الناقل غير المباشر لأموال المساعدات القطرية، والتي سُتحدَّد بحوالي 30 مليون دولار شهرياً. لكن في الماضي، كان هذا المبلغ مقسوماً على ثلاثة مسارات، جزء مباشر يدفع للعائلات الفقيرة، والآخر لشراء وقود الديزل لمحطات توليد الكهرباء في غزة، والثالث لمشاريع خلق فرص العمل وخفض البطالة التي تجاوزت الآن 60%، بحسب هآرتس.

وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس/رويترز

ووعدت مصر وقطر إسرائيل بأن الأموال لن تُستخدَم في تسليح حماس، لكن تقول الصحيفة الإسرائيلية إنه لا توجد آليةٌ لرقابةٍ فعَّالة لمنع حماس من أخذ حصتها من عائدات بيع النفط والبنزين في غزة.

وحاولت إسرائيل جعل الإمارات هي الراعي بدلاً من قطر، لكن المحاولة قوبِلَت بالرفض. أوضحت الإمارات أنها سوف تساعد في إعادة بناء غزة فقط إذا كانت مصر مسؤولةً عن ذلك -وهو موقفٌ وافقت عليه الإمارات والأردن والسعودية في مايو/أيَّار حين قابَلَ حاكم الإمارات، محمد بن زايد، ملك الأردن، الملك عبد الله، لبضع ساعاتٍ في مطار عمان.

ماذا يعني هذا للسلطة الفلسطينية؟

إلى جانب أعمال إعادة الإعمار، تُعَدُّ مصر مُورِّداً لمواد البناء والسلع الاستهلاكية التي تدخل غزة عبر معبر صلاح الدين، حيث تمرُّ 17% من البضائع التي تدخل غزة، وتبلغ قيمة التجارة عبر هذا المعبر 55 مليون دولار شهرياً، تأخذ منها حماس نحو 14 مليون دولار من الرسوم والجمارك.

وتقول الصحيفة الإسرائيلية إنه كلَّما زادت الواردات التي تمرُّ عبر مصر، زادت خسارة السلطة الفلسطينية في الإيرادات، لأن للسلطة الفلسطينية الحقَّ في الرسوم الجمركية المدفوعة على البضائع التي تدخل غزة عبر إسرائيل.

وهكذا على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وغانتس يحاولان إقناع الدول المانحة بمساعدة السلطة الفلسطينية، التي هي على وشك الانهيار الاقتصادي، فإنهم يستهلكون عائداتها.

تخصم إسرائيل أموال الجمارك التي تجمعها للفلسطينيين. وتستقطع هذا تطبيقاً لجزءٍ من القانون لوقف مدفوعات السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى. وتفعل إسرائيل ذلك مرةً أخرى عن طريق استبدال التجارة بين إسرائيل وغزة وإحلال بدلاً منها التجارة عبر مصر.

محمود عباس السلطة الفلسطينية إسرائيل
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس/ رويترز

زادت مصر أيضاً من عدد الحرَّاس على طول حدودها مع غزة، وتضغط بشدة على حماس لإبرام صفقةٍ مع إسرائيل لتبادل الأسرى والجثث. وفي أكتوبر/تشرين الأول، دُعِيَ قادة حماس إلى مصر لمناقشة التبادل، وبدا أنه تم التوصُّل إلى تفاهماتٍ لبدء العملية.

وقالت مصادر فلسطينية إن إسرائيل لم تتأثَّر بتنازلات حماس. وقال مسؤولون إسرائيليون لصحيفة Haaretz إن هذه لم تكن في الحقيقة تنازلات، بل إعادة صياغة لشروطٍ لا تزال "غير مقبولة" لتل أبيب. واتَّضَح أنه على الرغم من الشروط الإسرائيلية التي تربط تبادل الأسرى بإعادة بناء غزة، فإن الأموال القطرية ستستمر في دخول غزة وأن مصر ستستمر في أعمال إعادة الإعمار.

الضغوط الدولية تلعب دور

ليست مسألة إعادة إعمار غزة منفصلةً عن سياسات إدارة بايدن، التي اعترفت بأن عملية السلام الشاملة ليس لها "جدوى سياسية" في الوقت الحالي، لكن الإدارة لا تزال تعتقد أن الاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن يتحسَّن.

وفقاً لدبلوماسيين أجانب، ستكون الولايات المتحدة على استعدادٍ للمساهمة بسخاءٍ في إعادة إعمار غزة مقابل وقف إطلاق نار طويل الأمد مصحوباً بضماناتٍ بعدم اتِّخاذ أيِّ طرف أيّ إجراءٍ من شأنه إعاقة إعادة الإعمار.

لترجمة هذا الموقف المبدئي إلى واقعٍ ملموس، تحاول مصر الوصول إلى تفاهماتٍ مع حماس حول القضايا الأساسية -أهمها استكمال المصالحة بين حماس وفتح. وعرضت مصر على حماس مسودة اتفاقٍ بناءً على محادثاتٍ بين الاستخبارات المصرية وقادة حماس، بحسب طاهر النونو، المستشار الإعلامي لزعيم حماس، إسماعيل هنية.

ولا يزال من السابق لأوانه تقدير فرص نجاح مصر في تعزيز المصالحة، خاصةً أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يسعى إلى عملية سلامٍ مع إسرائيل. وهذا الأسبوع، طَلَبَ عباس من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدعوة لاجتماع اللجنة الرباعية -التي تشارك روسيا في عضويتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة- لإحياء عملية السلام.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ – الأناضول

يأتي هذا بعد إنذار عباس لإسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول. وقال عباس إن إسرائيل أمامها عامٌ لاستكمال المحادثات والانسحاب من المناطق، أو أن السلطة الفلسطينية ستطلب من محكمة العدل الدولية إجبار إسرائيل على الانسحاب. أما في الوقت الحالي، فلا يبدو أن إسرائيل تأخذ التهديد على محمل الجد، خاصةً في ظلِّ موقف واشنطن وعدم اكتراث بوتين الواضح بالصراح الإسرائيلي الفلسطيني.

وإلى أن تتصالح حماس وفتح، ستحاول مصر إقناع حماس بالسماح بوجود ممثِّلين للسلطة الفلسطينية في غزة -حتى ولو بشكلٍ رمزي. وهذا يدلُّ على أن جهود إعادة الإعمار لا تجري مع حماس فقط، وأن مصر تتصرَّف وفقاً للاتفاقيات السابقة التي تتطلَّب وجود مسؤولي جمارك في السلطة الفلسطينية على المعابر مع مصر.

علاوة على ذلك، تحرص مصر على أن تجري جميع أعمال إعادة الإعمار في غزة من خلال شركة العرجاني -وليس من خلال الجيش المصري- حتى لو كان الجيش يشرف على العمل. وتسمح مصر للشركة بتوقيع اتفاقيات مع مقاولي بناء من غزة دون أن "تتورط" القاهرة في التعاون الاقتصادي المباشر مع حماس.

وبهذه الطريقة، يمكن لمصر أيضاً الاستفادة من التمويل المُقدَّم من المملكة السعودية والإمارات، اللتين لا تريدان حالياً أيَّ اتصالٍ مباشرٍ مع حماس، على الرغم من استعدادهما لمساعدة مصر في الحفاظ على احتكارها للسيطرة على غزة.

ويتوافق توسيع سيطرة مصر في غزة أيضاً بشكلٍ جيِّدٍ مع السياسة الإسرائيلية، التي تعتبر القطاع كياناً منفصلاً. وبحسب هذا الرأي، طالما لا يوجد تمثيلٌ فلسطيني مُوحَّد، لا يوجد لإسرائيل شريكٌ فلسطيني، لذا لا يمكن لومها على عدم إيجاد سبب للتفاوض.

لكن هذا الموقف الإسرائيلي يبدو متناقضاً مع النهج المصري الذي يروِّج للمصالحة بين حماس وفتح، والتي من المُفتَرَض أن تكون نتيجتها انتخابات عامة في جميع الأراضي الفلسطينية، وهي انتخاباتٌ يمكن أن تفوز بها حماس.

تحميل المزيد