تعتبر القنابل الفراغية الأكثر فتكاً وتدميراً على الإطلاق ولا تتفوق عليها سوى الأسلحة النووية، فما قصة ذلك السلاح الذي تمتلك روسيا ترسانة منه ويخشاه الجيش الأمريكي أكثر من غيره، رغم أنه يرجع للاتحاد السوفييتي؟
وبعد أن أصبحت روسيا واحدة من أفضل دول العالم التي تطوّر أسلحة خارقة تتجاوز سرعتها سرعة الصوت بعشرة أضعاف، ووسط التوتر المتزايد بين موسكو وواشنطن وبينهما أوكرانيا مؤخراً، باتت المجلات العسكرية ترصد بشكل متواتر نوعيات الأسلحة التي يتسابق الجميع لإضافتها إلى ترسانتها، وكأن الحرب باتت أمراً حتمياً، بحسب مراقبين.
ورغم التطور التكنولوجي المتسارع في مجال صناعة الأسلحة الحديثة، مثل أسلحة الليزر والصواريخ الفضائية- على غرار التجربة الصاروخية التي أجرتها روسيا مؤخراً وسببت ذعراً في الفضاء- إلا أن منظومات الأسلحة التي يرجع تاريخها إلى الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تمثل قلقاً خاصاً للأمريكيين.
وبعد أن كانت الأسلحة النووية تهيمن على أي قمة أمريكية- سوفييتية على مدى عقود طويلة، احتلت الهجمات الإلكترونية الصدارة في قمة جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف منتصف يونيو/حزيران الماضي..
إذ تصدرت الأسلحة السيبرانية أو الهجمات الإلكترونية للمرة الأولى جدول أعمال ومناقشات القمة بين بوتين وبايدن في جنيف الأربعاء 16 يونيو/حزيران الماضي، ورصد تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية هذا التحول من النووي إلى الإلكتروني، فتصدر الهجمات السيبرانية للمشهد لم يحدث فجأة؛ إذ لم يزل هذا التحول يختمر منذ أكثر من عقد من الزمان، لا سيما مع تحول كل من روسيا والولايات المتحدة، الخصمين الأكثر براعة في ميدان التنافس الإلكتروني، إلى ترسانة متنامية من التقنيات فيما أصبح نوعاً من المعارك اليومية متفاوتة المستوى.
لكن الأمر أصبح الآن أكثر من مجرد تنافس إلكتروني على ما يبدو، فقد كشفت وتيرة الهجمات الأخيرة على البنية التحتية الأمريكية وتعقيدها- من خطوط أنابيب النفط الممتدة على الساحل الشرقي، إلى مصانع اللحم البقري في أمريكا، إلى الهجمات على بيانات المستشفيات وشبكات الإنترنت نفسها- مجموعةً من نقاط الضعف التي لا يمكن لأي رئيس تجاهلها.
ماذا تعني القنابل الفراغية؟
لكن تقريراً لمجلة The National Interest الأمريكية ألقى الضوء على أحد أنواع الأسلحة الذي يرجع إلى الحقبة السوفييتية ويطلق عليه "أبو القنابل"، وأسباب مراقبة الجيش الأمريكي للتطوير الهائل الذي أدخلته روسيا على ذلك السلاح الذي "يخشاه الأمريكيون" كثيراً.
ويمتلك الجيش الروسي مجموعةً من أكبر ترسانات القنابل الفراغية (القنابل الحرارية الضغطية) وأكثرها تنوعاً في العالم. ولكن ما هو حجم الخطر الذي تُشكّله هذه الأسلحة، وكيف استخدمها الكرملين في الماضي؟
ولنبدأ مع الأساسيات أولاً. فالأسلحة الفراغية هي نوعٌ من أنواع المتفجرات التي تستخدم الأكسجين المحيط بها لتوليد انفجارٍ ذي حرارة عالية داخل مدى انفجار واسع. كما تكون موجة الانفجار التي تُنتجها تلك المتفجرات أطول أمداً وأكثر شدة من القنابل التقليدية.
ويُنظر للقنابل الفراغية على نطاق واسع باعتبارها من أكثر المتفجرات غير النووية تدميراً في العالم، وهو أمرٌ منطقي. وأشهر أنواع هذه الأسلحة هي قنابل الوقود المتفجر جوياً، وهي عبارة عن سلاح مزدوج الشحنة ينتشر ويُفجّر سحابةً كيميائية، مما يخلق موجةً قوية شديدة الفاعلية تحديداً في مواجهة التحصينات أو المواقع المغلقة الأخرى مثل المخابئ والخنادق.
أمريكا أيضاً لديها قنابل فراغية، ولكن!
وقد دخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي عالم القنابل الفراغية منذ الستينيات؛ إذ اشترى الجيش الأمريكي عدداً كبيراً من القنابل الفراغية من طرازي بي إل يو (وحدات القنابل العنقودية) وسي بي يو (وحدات القنابل الحية)، واستخدم بعضها خلال حرب فيتنام.
وفي الوقت ذاته، وجد الاتحاد السوفييتي والاتحاد الروسي، الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد الأول، عدداً كبيراً من الاستخدامات لأنظمة القنابل الفراغية. وتُعَدُّ راجمة الصواريخ المتعددة توس-1 من أشهر موارد روسيا على قائمة القنابل الحرارية الضغطية، إلى جانب مشتقاتها المُطوّرة مثل توس-1أ وتوس-2.
ومع 30 أنبوباً لإطلاق الصواريخ دفعةً واحدة في نحو 15 ثانية، تستطيع بطاريات توس-1 التسبب في قدرٍ مذهل من الدمار خلال وقتٍ قصير للغاية. وقد استُخدمت تلك الأسلحة للمرة الأولى خلال السنوات الأخيرة للحرب السوفيتية-الأفغانية، لكن المدى الكامل لقدراتها التدميرية تجلى خلال حرب الشيشان الثانية، التي قادها الرئيس الحالي فلاديمير بوتين.
فانطلاقاً من عزمها على عدم تكرار الخسائر التي تكبدتها في حرب الشيشان الأولى، دكّت المدفعية الثقيلة وبطاريات الصواريخ الروسية (المكونة من وحدات توس-1 وقاذفات الصواريخ برو-أ ذات الرؤوس الحربية الحرارية) مساحات واسعة من العاصمة الشيشانية غروزني لإجبار الثوار على الخضوع.
ومؤخراً، زعمت المنظمات الدولية أنّ راجمات صواريخ توس-1م (التي يُفترض أن الكرملين هو مصدرها) قد استُخدمت بواسطة الانفصاليين الذين تدعمهم روسيا في منطقة دونباس شرق أوكرانيا.
وقد طوّرت الصناعة الدفاعية الروسية رؤوساً حربية حرارية للعديد من قاذفات الصواريخ وأنظمة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، مثل: خريزانتيما 9 إم 123، وآر بي جي-26، وكورنت 9 إم 133.
واستُخدِمَت هذه الأسلحة في صراعات مختلفة حول العالم، وخاصةً خلال التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية. كما أنّ أحد أحدث أنظمة الصواريخ الباليستية الروسية قصيرة المدى، إسكندر-إم، يتوافق مع الرؤوس الحربية الحرارية.
ويأتي العديد من مشتقات قنابل كي إيه بي الموجهة الشهيرة مع رؤوس حربية حرارية ضغطية، كما هو الحال مع صواريخ إس-8 وغيرها من الذخائر الروسية التي يتم إطلاقها جواً.
"أبو القنابل" الروسية
وحتى الآن لا يزال أكثر تلك الأسلحة الحرارية الضغطية شهرةً هو سلاح القنبلة الفراغية الجوية الروسية ذات القوة المتزايدة، أو السلاح المعروف بـ"أبو القنابل". وإذا ثبتت صحة المواصفات التي نقلتها روسيا، فإنّ أبو القنابل سيكون بذلك أقوى قنبلة غير نووية في العالم بقدرة تدمير تقترب من قدرات الأسلحة النووية التكتيكية.
إذ يمتلك سلاح "أبو القنابل" حمولةً تُعادل 40 طناً من مادة تي إن تي ومدى انفجار يصل إلى نحو 300 متر. وتم اختبار "أبو القنابل" في سوريا عام 2017. بينما شكك بعض المراقبين العسكريين في قدرات القنبلة وطبيعتها التقنية، التي لا تزال غير مؤكدة حتى هذه اللحظة.
ومنذ تدخلت روسيا لنجدة رئيس النظام السوري بشار الأسد عام 2015، أصبحت الأراضي السورية مسرحاً عملياً لتجربة جميع الأسلحة الروسية وأكثرها فتكاً وتدميراً، وأثار ذلك انتقادات كبيرة لبوتين دون أن يؤدي ذلك إلى توقف نشر تلك الأسلحة واستخدامها ضد السوريين.
وترقد سوريا حالياً في حالة خراب جرّاء عقدٍ من الحرب الأهلية التي أسفرت عن مقتل نصف مليون شخص، وتشريد نصف السكان، والقضاء على الاقتصاد، وفقدت الحكومة السيطرة على مناطق بأكملها، لكن بشار الأسد، يحتفظ بقبضة لا تتزعزع على ما تبقّى منها، والفضل للسلاح الروسي بشتى أنواعه الفتاكة.
يُذكر أنّ الجيش الروسي قد استثمر بدأب في الأسلحة الحرارية الضغطية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وليست هناك مؤشرات على أنّ هذا الاتجاه القديم سوف يتغيّر قريباً. وعلاوةً على الوجود الكبير لتلك الأسلحة في مختلف الترسانات البرية والجوية، فقد حقق العديد من تلك الأنظمة نجاحاً كبيراً في التصدير خلال السنوات الأخيرة.