أصبح إنتاج الكوبالت في الكونغو محل اهتمام عالمي كبير، ليس فقط لأن هناك حديثاً عن انتهاكات إنسانية واسعة في عملية إنتاجه، منها استغلال الأطفال، ولكن لأن الصين سلبت من أمريكا الجزء الأكبر من مناجم هذا المعدن الذي قد يحدد مستقبل البشرية.
ويمكن أن يكون للسباق بين الصين والولايات المتحدة على إنتاج الكوبالت وتأمين إمداداته، تداعيات بعيدة المدى على النزاع بين البلدين وكذلك الهدف المشترك المتمثل في حماية الكوكب من التغييرات البيئية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
لماذا يتسابق العالم على الكوبالت؟
ويحتل الكوبالت مكانة مركزية في جهود العالم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية كبديل للسيارات المعتمدة على الوقود الأحفوري.
و"الكوبالت"، هو المعدن النادر الضروري لإنتاج بطاريات أيون-الليثيوم القابلة لإعادة الشحن والمستخدمة في المركبات الكهربائية، كما يُستخدم هذا المعدن في صناعة العديد من أنواع الإلكترونيات.
وتتخذ أماكن مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تنتج ثلثي إمدادات العالم من الكوبالت، على سبيل المثال، المكانة التي كانت للمملكة العربية السعودية والدول الأخرى الغنية بالنفط.
ويبدو أن أمريكا قد خسرت أولى جولات هذا الصراع على هذا المعدن الذي تزداد أهميته عندما تنازلت ببساطة عن سيطرتها على إنتاج الكوبالت في الكونغو.
في عام 2020، استُخدِم ما يقرب من 19 ألف طن من الكوبالت في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، بزيادةٍ قدرها 29% مقارنة بعام 2019.
وأنتج العالم نحو 140 ألف طن من الكوبالت خلال عام 2019، وساهمت جمهورية الكونغو الديمقراطية بأكثر من 70% من الكوبالت المُنتج، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، حيث يوجد في مقاطعة كاتانغا بعض أكبر مناجم الكوبالت في العالم، من ضمنها منجم "موتاندا"، و"كاموتو"، و"إيتوال"، بينما تأتي روسيا ثانية من حيث الإنتاج، بنسبة 4% فقط.
وتواجه صناعة السيارات الكهربائية تحديات كبرى؛ بسبب ارتفاع أسعار الكوبالت المعدن الرئيسي في البطاريات.
إنتاج الكوبالت في الكونغو يثير مخاوف إنسانية وسط اتهامات لبكين
وأعرب نشطاء في مجال حقوق الإنسان عن مخاوف، بسبب ظروف تعدين وإنتاج الكوبالت في الصين، لاسيما ما يتعلق بعمالة الأطفال، والضرر الذي يلحق بصحة العمال؛ فمثل المعادن الثقيلة الأخرى، يغدو الكوبالت عنصراً سامّاً إذا لم يتم التعامل معه بالطريقة الملائمة.
وذكر تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي أن العديد من شركات المصب تحجم عن شراء الكوبالت المحفور يدوياً؛ بسبب مخاوف بشأن عمالة الأطفال.
وأشار التقرير إلى أن بعض الشركات الصينية التي تبيع الكوبالت المعالَج لأوروبا تخلط تدفقات معتمدة من المعدن مع موادَّ مصدرها مناجم غير منظمة.
يذهب للصين أولاً قبل التصدير.. قصة التنازل الأمريكي عن كنز المستقبل
ويتم نقل أغلب الكوبالت براً من الكونغو إلى جنوب إفريقيا، ليُشحن من ميناء ديربان إلى الصين، حيث تجرى معالجته، ونقله لصانعي البطاريات، لا يعني ذلك فقط أن سلسلة توريد الكوبالت معقدة، وبها نقاط اختناق محتملة كثيرة، ولكن يعني أيضاً، أن الصين تتحكم فيها عبر عدة نقاط، فالشركات التي تستخرج الكوبالت من الكونغو أغلبها صينية بعدما كانت أمريكية، وعملية معالجته تتم في الصين.
وفي هذا السياق، أجرت صحيفة The New York Times تحقيقاً، اعتمد على مقابلات مع أكثر من 100 شخص في ثلاث قارات وآلاف الصفحات من الوثائق المالية والدبلوماسية وغيرها، وتوصلت لبعض النتائج التالية بشأن الصراع على إنتاج الكوبالت في الكونغو.
وفشلت الإدارة الأمريكية في تأمين عقود من الاستثمارات الدبلوماسية والمالية التي ضختها في الكونغو، حتى في الوقت الذي كانت تسعى فيه الصين للسيطرة على عصر السيارات الكهربائية الجديد.
شركات أمريكية عملاقة باعت احتياطاتها لبكين
مثّل بيع شركة تعدين أمريكية عملاقة اثنين من احتياطيات الكوبالت الكبرى في الكونغو إلى تكتل صيني، بدءاً من عام 2016، بداية النهاية لأي وجود أمريكي كبير في مجال تعدين الكوبالت بالدولة الإفريقية.
وأبرمت شركات تصنيع البطاريات الصينية اتفاقيات مع شركات التعدين لتأمين إمدادات ثابتة من المعدن.
حتى العام الماضي، صار 15 من أصل 19 منجماً لإنتاج الكوبالت في الكونغو مملوكة أو ممولة من الشركات الصينية، وفقاً لتحليل البيانات. وتلقت الشركات ما لا يقل عن 12 مليار دولار في شكل قروض وتمويلات أخرى من مؤسسات مدعومة من الدولة الصينية، ومن المرجح أن تكون قد استقطبت مليارات أخرى.
أكبر خمس شركات تعدين صينية في الكونغو، تركز على تعدين الكوبالت والنحاس، تمتلك أيضاً خطوط ائتمان من البنوك الصينية المدعومة من الدولة بإجمالي قيمة 124 مليار دولار.
وصفت إحدى الشركات المدعومة من الحكومة الصينية، وهي شركة China Molybdenum، التي اشترت الاحتياطيين المملوكين للولايات المتحدة، نفسها لصحيفة The New York Times، بأنها "كيان تجاري خالص" تُتَداوَل أسهمه في بورصتين للأوراق المالية. وتُظهِر السجلات أنَّ 25% من الشركة مملوكة لحكومة محلية في الصين.
الكونغو تتهم شركات التعدين الصينية بالغش في الإيرادات والنكث بالوعود
يراجع المسؤولون الكونغوليون عقود التعدين السابقة بمساعدة مالية من الإدارة الأمريكية، في إطار جهد أوسع لمكافحة الفساد. ويفحصون أيضاً ما إذا كانت الصين قد أوفت بتعهدات بناء الطرق والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية الأخرى.
وفي تحقيق منفصل، تواجه شركة China Molybdenum اتهاماً بوقف المدفوعات للحكومة الكونغولية في منجم Tenke Fungurume للكوبالت والنحاس الذي تمتلكه. لكن الشركة نفت ارتكاب أي خطأ، وتساءلت عمّا إذا كانت هناك جهود منظمة لتقويضها.
شركة تضم بعضويتها نجل بايدن يسَّرت شراء الصينيين منجماً عملاقاً
كان Tenke Fungurume، أحد أكبر مناجم الكوبالت في العالم، تحت سيطرة الشركة الأمريكية Freeport-McMoRan. ثم بيع في عام 2016 في سلسلة من المعاملات بقيمة 3.8 مليار دولار إلى China Molybdenum، وذلك بمساعدة شركة الأسهم الخاصة الصينية التي اشترت حصة مالك أقلية في أسهم المنجم.
وكان هانتر بايدن، نجل الرئيس الأمريكي، أحد أعضاء مجلس الإدارة المؤسسين لشركة الأسهم الخاصة. وبحسب الوثائق المالية الصينية، فإنَّ شركة في واشنطن، كان يسيطر عليها هانتر بايدن، مازالت مساهمة في الشركة. وقال كريس كلارك، محامي بايدن، إنَّ موكله "لم تعد لديه أي مصلحة، مباشرة أو غير مباشرة" في الشركات الصينية أو الشركة في واشنطن. وتُظهِر السجلات المالية من الصين أنه لم يعد عضواً في مجلس إدارة الشركة الصينية.
وقال تقرير الصحيفة الأمريكية إنه بالسؤال عمّا إذا كان الرئيس جو بايدن قد أُبلِغ بعلاقة نجله بالصفقة، قال متحدث باسم البيت الأبيض: "لا".
الصين زادت المعروض العالمي من الكوبالت، لكن العمال يشكون من السلامة المهنية
ساعدت زيادة التعدين وتنقية الكوبالت من الشركات الصينية في تلبية الطلب المتزايد بجميع أنحاء العالم. لكن ما لا يقل عن عشرة موظفين أو مقاولين في منجم Tenke Fungurume قالوا لصحيفة The New York Times، إنَّ الملكية الصينية أدت إلى انخفاض حاد في السلامة المهنية وزيادة في الإصابات، ولم تُبلّغ الإدارة بكثير من تلك الحوادث.
من جانبها، قالت الشركة إنَّ الشكاوى ربما تكون ملفَّقة، وإنها قد زادت بالفعل مستوى السلامة.
بينما يتجه العالم نحو مستقبل يركز على السيارات الكهربائية، تجاهد الولايات المتحدة للحاق بالركب، على الرغم من أنَّ الكونغرس وإدارة بايدن يتخذ كلاهما الآن الخطوات الأولى في هذا الصدد. فقد أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعاً، في يوم الجمعة 19 نوفمبر/تشرين الثاني، سيوفر أكثر من نصف تريليون دولار لتحويل الاقتصاد الأمريكي من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
ويتوقع عاموس هوشستين، كبير مستشاري وزارة الخارجية لأمن الطاقة العالمي، أنَّ الوصول إلى الألواح الشمسية وبطاريات المركبات الكهربائية سيحدد أمن الطاقة في المستقبل.
وقال: "من الضروري للأمن القومي أن تضمن الولايات المتحدة عدم تكرار نقاط ضعف القرن العشرين في القرن الحادي والعشرين".