بعد شهور من المفاوضات، سينقل أولاف شولتز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، البلاد إلى حقبة ما بعد المستشارة أنجيلا ميركل، حيث سيقود حزب شولز ائتلافاً مع حزبين آخرين حققا مكاسب في انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، وهما حزبا الخضر والليبرالي.
ويكتب ذلك النهاية لسيطرة حكومة المحافظين بزعامة ميركل بعد 16 عاماً في الحكم، ويؤذن أيضاً لحقبة جديدة في علاقات ألمانيا بأوروبا والعالم. وإليك ما تحتاج لمعرفته حول شولتز البالغ من العمر 63 عاماً، وتصوره لقيادة "ألمانيا الجديدة" في هذا التقرير.
من هو أولاف شولتز مستشار ألمانيا التالي بعد ميركل؟
وُلد أولاف شولتز في مدينة أوسنابروك في 14 يونيو/حزيران 1958، ويعتبر اشتراكياً منذ أن كان طفلاً، فقد انضم إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في سن 17، وهو يميل أكثر إلى الأفكار اليسارية للحزب.
أصبح محامياً متخصصاً في قانون العمل وانتخب نائباً في عام 1998. وخلال ولايته كأمين عام للحزب (2002-2004) توجب على شولتز أن يشرح كل يوم أمام الكاميرات تفاصيل الإصلاحات الليبرالية غير الشعبية للمستشار غيرهارد شرودر الذي سبق ميركل.
وبعد سلسلة من الإخفاقات الانتخابية، تخلى شولتز عن منصب الأمين العام للحزب عام 2004. وفي 2007 تسلم وزارة العمل. وكانت تربطه علاقة قائمة على الثقة مع ميركل التي دعمته علناً عام 2017 بعد الاحتجاجات العنيفة في قمة مجموعة العشرين في هامبورغ.
يذكر أن شولتز يحمل لقب "شولتزومات" بين الألمانيين، بسبب ملامحه الصارمة وخطبه التي يلقيها بنبرة آلية. لكن ربما كان ذلك مفيداً له مع وجود ناخبين لا يزالون مرتبطين بميركل كما تقول صحيفة washingtonpost الأمريكية، إذ اشتهرت ميركل بالكاد بالخطب الحماسية. وعلى الرغم من كونه من حزب مختلف، فقد نصب شولتز نفسه خلال الحملة الانتخابية كخليفة طبيعي لميركل.
حياته السياسية وعمله مع ميركل
كان حزب شولتز هو الشريك الأصغر لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في حكومة ميركل المنتهية ولايتها، وهي المرة الثالثة التي ينضم فيها الاشتراكيون الديمقراطيون إلى منافسهم التقليدي في ائتلاف. كان ذلك موقفاً اتخذه الحزب الاشتراكي الديمقراطي على مضض، لكنه مكّن شولز من رفع صورته على المستوى الوطني.
كوزير للمالية ونائب المستشار في حكومة ميركل أثناء الوباء، بنى شولتز سمعة طيبة على أنه يتمتع بقيادة ثابتة خلال الأزمة، كما أنه أشرف على توزيع مليارات اليورو للإغاثة من فيروس كورونا والمساعدات الطارئة لضحايا الفيضانات المميتة بالصيف الماضي في غرب ألمانيا.
ويقول فرانك ستاوس، المستشار السياسي الذي عمل مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لـ"واشنطن بوست": "من الواضح أن ميركل تركت تأثيراً كبيراً على الثقافة السياسية لألمانيا من خلال أسلوبها في الحكم". وأضاف ستاوس أن "شولتز ليس استنساخاً لميركل".
وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد فاز في انتخابات 26 سبتمبر/أيلول، متقدماً على التحالف الديمقراطي المسيحي برئاسة ميركل، الذي شهد أسوأ نتيجة له في الانتخابات على الإطلاق. أما الخضر فقد حققوا أفضل نتيجة لهم على الإطلاق تحت قيادة مرشحتهم أنالينا بيربوك.
تعرّضه للفضائح السياسية
تعرضت حياة شولتز السياسية للفضائح، وذلك عندما كان عمدة هامبورغ، حيث واجه انتقادات حادة بسبب تعامله مع قمة مجموعة العشرين في عام 2017، إذ انحدر الحدث إلى أعمال عنف واسعة النطاق بين المتظاهرين والشرطة الألمانية.
كما تم استجواب شولز في تحقيق حول ما إذا كان قد تصرف للتأثير على السلطات الضريبية نيابة عن بنك هامبورغ في وسط فضيحة الاحتيال "cum-ex"، التي حرمت الدولة الألمانية من عائدات بمليارات اليورو، ونفى ارتكاب أي مخالفات ولم تظهر ضده أدلة ملموسة.
وفي وقت سابق من هذا العام، استجوب مجلس النواب الألماني شولتز في قضية غسيل أموال بدعوة من نواب معارضين، وتكهنت وسائل إعلام محلية بأن هذه الفضيحة أدت إلى إرباك داخل حزبه الاشتراكي الديمقراطي -يسار الوسط- الذي فاز بالانتخابات لاحقاً، حيث اتهم شولتز بالتقصير كوزير في أداء واجباته الرقابية في سلسلة من الفضائح المالية الأخيرة.
ورفض شولتز هذا الاتهام بشدة، قائلاً إنه أدخل سلسلة من الإصلاحات لمكافحة غسيل الأموال والاحتيال في الشركات. كما تعرض شولتز لانتقادات سابقاً لفشل وزارته في التحرك بعد ظهور إشارات تنذر بوجود مشاكل في شركة المدفوعات المالية "وايركارد" التي انهارت العام الماضي بعد الإقرار بوجود فجوة مالية في حساباتها تصل إلى 1,9 مليار يورو.
وفي سبتمبر/أيلول، أُجبر شولز على العودة إلى برلين من مسار الحملة الانتخابية للإجابة عن أسئلة لدى اللجنة المالية البرلمانية، حيث تم استدعاؤه للتحقيق بعد أن أمر المدعي العام بتفتيش وزارة المالية في إطار تحقيق بمزاعم "إعاقة سير العدالة" في وحدة مكافحة غسل الأموال التابعة لها.
ما البرنامج السياسي والاقتصادي للمستشار الألماني الجديد؟
يعتبر شولتز موالياً للقطاعات الصناعية الكبرى، وقد وصل إلى اتفاق يرأس بموجبه ائتلافاً من ثلاثة أحزاب بخطط واسعة لتحويل البلاد إلى الاقتصاد الذي يراعي الأبعاد البيئية.
تشكل حماية المناخ جانباً كبيراً من الاتفاق الائتلافي، إذ تهدف الأحزاب إلى إنهاء استخدام الفحم الحجري بحلول 2030، أي قبل ثماني سنوات من الموعد المقرر لذلك.
كما أنها ستسعى إلى استخدام 2% من الأراضي الألمانية لتوليد طاقة الرياح والتركيز على الطاقة القائمة على الهيدروجين أيضاً. وتريد الأحزاب أن يكون مصدر 80% من الكهرباء من الطاقة المتجددة، وأن تكون هناك 15 مليون سيارة كهربائية على شوارع ألمانيا بحلول عام 2030.
هناك خطط أيضاً لدى شولتز لتشريع بيع الحشيش في محلات مرخصة، مع وجود ضوابط حول جودة وتوزيع المادة المخدرة.
وقال شولتز، في مؤتمر صحفي الثلاثاء إن "سيادة أوروبا هي حجر الأساس في سياستنا الخارجية". وأكد على صداقة ألمانيا مع فرنسا والشراكة مع الولايات المتحدة.
كما تحدث شولتز عن الجرأة في تحقيق تقدم كبير في ائتلاف "على قدم المساواة". كما أشار إلى أن القواعد الأوسع للأحزاب الثلاثة لا يزال يتعين عليها أن توافق على ما يوصف بائتلاف "الإشارة الضوئية"، بسبب ألوان الأحزاب الأحمر والأصفر والأخضر.
وأعلن المستشار الجديد عن تشكيل فريق دائم في ديوان المستشارية لإدارة أزمة كورونا ومكافحة تطورها المأساوي. وأوضح أن الحكومة الجديدة ستعمل على تشكيل هذا الفريق. واتفق الائتلاف الحكومي الجديد على تخصيص مليار يورو لمكافأة أطقم الرعاية الطبية عن الأعباء الخاصة التي تتحملها هذه الأطقم في ظل أزمة كورونا.
ويعتبر الاقتصاد الألماني أكبر اقتصاد في أوروبا، وبالتالي فإن القرارات التي تُتخذ من قبل الحكومة الجديدة في البلاد سيكون لها تأثير كبير على جيرانها.
وترحل ميركل تاركة خلفها فراغاً كبيراً، بعد أن أبحرت بألمانيا وأوروبا وسط أمواج أزمات كثيرة، إذ اعتبرت أنها "بطلة للديمقراطية الليبرالية". لكن منتقديها يقولون إنها تمكنت من إدارة المشكلات بدلاً من حلها وتركت لمن يخلفها قرارات صعبة على جبهات كثيرة.
ويواجه الائتلاف الجديد بقيادة شولتز تحديات فورية وسط أسوأ تفشٍّ لكوفيد-19 ومعاناة أوروبا من تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأزمة الحدود مع بيلاروسيا بسبب وجود آلاف المهاجرين غير النظاميين.