وصل التطبيع بين المغرب وإسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة، بعد توقيع الطرفين لأول مرة يوم الأربعاء، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، على مذكرة تفاهم دفاعي هي الأولى من نوعها بين تل أبيب ودولة عربية، تمهد الطريق لتعاون عسكري مشترك بينهما وصفقات أسلحة مختلفة، فما تفاصيل هذا الاتفاق؟
1- لماذا تعتبر هذه الزيارة هامّة وغير مسبوقة بالنسبة للتطبيع المغربي الإسرائيلي؟
في زيارة هي الأولى من نوعها لوزير "دفاع" إسرائيلي للمغرب، وصل بيني غانتس وزير جيش الاحتلال إلى الرباط، الأربعاء، حيث التقى نظيره المغربي عبد اللطيف لوديي، المكلف بإدارة الدفاع الوطني، ووقع الوزيران "مذكرة تفاهم دفاعية"، تعتبر الأولى من نوعها لإسرائيل مع دولة عربية، حتى بالنسبة لتلك الدول الخمس التي سبقت الرباط في التطبيع.
واحتفى وزير حرب الاحتلال بهذه الزيارة، ونشر تغريدة على حسابه في موقع تويتر قائلاً: "بدأنا الزيارة المهمة للمغرب بزيارة ضريح محمد الخامس في الرباط، وضعت إكليلاً من الزهور وكتبت في سجل الزوار، سنعمل جميعاً معاً من أجل مستقبل أفضل ومن أجل الشراكة والسلام بين الدول والشعوب".
تقول الصحافة الإسرائيلية إن هذه الاتفاقية تمهّد الطريق للمبيعات العسكرية والتعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل، بعد أن رفع البلدان مستوى علاقاتهما الدبلوماسية في العام الماضي. وسبق أن استقبل المغرب مستشاراً للأمن الإسرائيلي ووزير خارجية تل أبيب منذ استئناف العلاقات بين البلدين، العام الماضي، لكنها المرة الأولى التي يقوم فيها وزير دفاع إسرائيلي بزيارة رسمية إلى المملكة.
بالإضافة إلى رحلة غانتس كانت هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها جنود من الجيش الإسرائيلي المغرب بالزي العسكري، كما تقول صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، حيث كان في الوفد ثلاثة ضباط في الجيش الإسرائيلي من مكتب الوزير غانتس، اثنان منهم من أصل مغربي، كما تقول الصحيفة.
2- ما أهداف الزيارة الإسرائيلية؟
تهدف هذه الزيارة إلى "وضع حجر الأساس لإقامة علاقات أمنية مستقبلية بين المغرب وإسرائيل"، بحسب ما أوضح مسؤول إسرائيلي لفرانس برس، والذي أضاف: "كان لدينا بعض التعاون، لكننا سوف نعطيه طابعاً رسمياً الآن. إنه إعلان علني عن الشراكة بيننا".
وخلال الاجتماع بين وزيري الدفاع، أكد غانتس على "أهمية تعزيز التعاون الثنائي في ضوء التهديدات المتنامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأعرب عن أمله في أن يكون هناك المزيد من الدول التي ستوقع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل".
تأتي الزيارة بعد ثلاثة أشهر على إعلان المغرب وإسرائيل الاتفاق على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بينهما من مكتبي اتصال إلى سفارتين. كما تأتي بعد مرور عام على توقيع الرباط وتل أبيب اتفاق تطبيع برعاية أمريكية، في 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أصبحت بموجبه المغرب سادس دولة عربية تطبع مع إسرائيل.
لكن قبل ذلك، كان الطرفان قد أقاما علاقات دبلوماسية إثر توقيع اتفاقات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، قبل أن تقطعها الرباط بسبب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
3- ما الاتفاقيات الدفاعية والأمنية التي تم توقيعها بين المغرب وإسرائيل؟
بحسب ما أوردت الصحافة العبرية، فقد وقع وزير الحرب بيني غانتس مع نظيره المغربي عبد اللطيف لوديي على اتفاقيات عدة، في المجالات الأمنية والاستخباراتية، تقضي بعقد صفقات أمنية وبيع معدات أمنية وعسكرية وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة "لإسرائيل" والمغرب.
وتقول صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، إنه "مع توقيع مذكرة التفاهم هذه يمكن لوزارتي الدفاع والجيش في البلدين التعاون بسهولة وبشكل أكبر مع بعضهما البعض وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بينما في الماضي كان هذا التواصل ممكناً فقط من خلال أجهزة المخابرات الخاصة بكل منهما".
وقال مسؤول بوزارة "الدفاع" الإسرائيلية للصحيفة: "إنه بينما تحافظ إسرائيل على علاقات أمنية وثيقة مع الأردن ومصر، والتي لديها معهما أيضاً اتفاقيات سلام، إلا أنها لا تملك مذكرات تفاهم دفاعية معهم، ما يجعل هذه المذكرة مع المغرب غير مسبوقة".
وأضاف المسؤول الإسرائيلي: "لقد وقعنا للتو اتفاقية للتعاون العسكري مع الأمة المغربية. هذا حدث مهم للغاية سيسمح لنا بالدخول في مشاريع مشتركة والسماح للصادرات الإسرائيلية الدفاعية بالوصول إلى المغرب بكل سهولة".
في سبتمبر/أيلول الماضي، نقلت صحيفة "إسبانيول" عن مجلة "أفريكا إنتليجنس" الفرنسية، المتخصصة في المعلومات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية للدول الإفريقية، أن المغرب وإسرائيل يعملان لأول مرة على تطوير مشروع لتصنيع طائرات "الكاميكاز" بدون طيار في المغرب.
وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت المديرية الوطنية الإسرائيلية للفضاء الإلكتروني أن رئيسها التنفيذي، ييغال أونا، وقع اتفاقية تعاون مع السلطات المغربية من شأنها مساعدة الشركات الإسرائيلية على بيع المعرفة والتكنولوجيا للرباط.
كان ذلك أول اتفاق للدفاع الإلكتروني بين الطرفين منذ استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما العام الماضي، حيث "يسمح الاتفاق للإسرائيليين بإنتاج طائرات بدون طيار في المغرب بكميات كبيرة وبأسعار منافسة، والتموقع في أسواق التصدير بشكل جيد"، بحسب ما نقلت الصحيفة الإسبانية.
4- ما الذي تمثله هذه الزيارة بالنسبة لأزمة المغرب مع الجزائر؟
كجزء من اتفاق التطبيع الذي وقعه المغرب وإسرائيل العام الماضي، اعترفت واشنطن بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، الأمر الذي أثار غضب وحفيظة الجارة الجزائر، والتي تدعم الصحراويين وجبهة البوليساريو دبلوماسياً وعسكرياً، وتدعو إلى منحهم الحق في تقرير مصيرهم بإقامة دول مستقلة.
وأدى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب ودولة الاحتلال، مقابل اعتراف واشنطن بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء، إلى تصعيد التوترات بين الجزائر والرباط، حيث نددت الجزائر بـ"الاتفاقيات الهادفة إلى زعزعة استقرارها"، حيث اعتبرت الاتفاق "تهديداً أمنياً مباشراً لها".
ارتفع منسوب التوتر أكثر بين البلدين بعد أن كشفت تقارير أن المخابرات المغربية كانت تتجسس عبر برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي على 6 آلاف رقم هاتف جزائري، من بينها هواتف لمسؤولين سياسيين وعسكريين كبار.
ومؤخراً، وصلت الأزمة بين الجزائر والمغرب إلى حد القطيعة، وذلك بعد تصريحات لوزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، خلال زيارته للمغرب، في شهر أغسطس/آب الماضي، والتي قال فيها إن "دولته تبدي مخاوف من الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، وتقاربها مع إيران والحملة الناجحة للدبلوماسية الجزائرية ضد الاعتراف بدولة الاحتلال كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي".
وردت الجزائر على الوزير الإسرائيلي بالقول إن "المملكة المغربية جعلت من ترابها الوطني قاعدة خلفية ورأس حربة لتخطيط وتنظيم ودعم سلسلة من الاعتداءات الخطيرة والممنهجة ضد الجزائر".
حول ذلك، تقول الصحافة الإسرائيلية، إن زيارة وزير الحرب الإسرائيلي غانتس -الذي يمكن لمكتبه الموافقة على بيع الأسلحة وأنظمة الدفاع الإسرائيلية المتطورة للرباط- من المرجح أن تكون بمثابة إشارة قوة وتهديد لجارتها الجزائر، التي قطعت العلاقات معها مؤخراً بشكل كامل.
ومع انخراط المغرب بالمزيد من العلاقات مع إسرائيل، وخاصة الدفاعية، تزداد توجسات الجزائر من "مخططات تستهدف إنهاكها من خلال العبث بأمنها وجرها إلى معسكر التطبيع والتخلي عن دعم القضية الفلسطينية والتخلي عن ملف الصحراء الغربية"، وهو ما يعني بالمحصلة أن إصلاح العلاقات بينها وبين الرباط أصبح أبعد من أن يتحقق قريباً.