يتنامى الخوف داخل المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية من عودة العمليات الفدائية المسلحة في الضفة الغربية والقدس في ظل ضعف السلطة الفلسطينية المستمر، وذلك بُعيد العملية المسلحة التي نفذها الشيخ فادي أبو شخيدم يوم الأحد 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في قلب البلدة القديمة، والتي أوقعت قتيلاً وعدداً من الجرحى في صفوف قوات الاحتلال، ووصفها قادة الجيش بـ"الخطيرة وغير المسبوقة" منذ سنوات.
إسرائيل تزعم تفكيك خلايا خطيرة لحماس بالضفة الغربية
بعد عملية القدس بيوم واحد، كشف جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" أنه اعتقل وبالتنسيق مع قوات جيش الاحتلال والشرطة، خلايا تابعة لحركة حماس في الضفة الغربية، زاعماً أن الخلايا التي ضمت أكثر من 50 شخصاً، خططت لتنفيذ عمليات مسلحة وحتى تفجيرية خطيرة داخل إسرائيل.
ووفقاً للمزاعم التي أوردها "الشاباك" في بيانه لوسائل الإعلام يوم الإثنين، فإن الحديث يدور عما وصفه بـ"بنية تحتية إرهابية كبيرة تابعة لحماس في الضفة الغربية قادها صالح العاروري خططت لتنفيذ عمليات داخل إسرائيل".
زعم البيان أن من أدار عملية التجنيد والتمويل هما صالح العاروي نائب رئيس الحركة، وزكريا نجيب من القدس وأحد منفذي عملية أسر الجندي نحشون فاكسمان قبل 27 عاماً، ولهذه الغاية تم تجنيد نشطاء في حماس من الخليل وجنين ورام الله، وكان أحد النشطاء المركزيين الذين بادروا لتشكيل الخلايا حجازي القواسمي من الخليل، والذي سبق وتعرض للاعتقال مرات عديدة.
من جانبه، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيانه لوسائل الإعلام، إن "قواته وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية المختلفة، نشطت خلال الأسابيع الأخيرة ضد خلايا تابعة لحركة حماس بالضفة الغربية". وأوضح أنه "خلال المداهمات والاقتحامات تم تفكيك الخلايا التي تضم أكثر من 50 شخصاً، وكذلك إفشال محاولات حماس لتأسيس بنى تحتية مسلحة في مناطق الضفة الغربية".
ووفقاً لمزاعم المتحدث العسكري للاحتلال، فإن قوات الأمن قامت على مدى الأشهر الأخيرة، بالتحقيقات والتعقب والاعتقالات، وتفكيك الخلايا التي خططت لتنفيذ عمليات في الضفة والقدس.
ما الذي يقلق إسرائيل في الضفة؟
حول ذلك، يقول عاموس هرئيل الصحفي بـ"هآرتس" الإسرائيلية إن تل أبيب قلقة من مُستوى تعقيد شبكة حماس في الضفة الغربية، مُقابل ضعف السلطة الفلسطينية، مضيفاً قدرة حماس على إنشاء خلايا محلية فرعية في الضفة، تمهيداً لسلسلة هجمات، كانت ستجعل من الصعب على السلطة الفلسطينية السيطرة على مدن الضفة مما سيجعل العلاقات بينها وبين إسرائيل أكثر صعوبة.
وأردف الصحفي الإسرائيلي أن استعداد النشطاء للقتال وكذلك الأسلحة التي بحوزتهم، تشير إلى أنه لولا موجة الاعتقالات، لكانت حماس ستشن سلسلة من هجمات إطلاق النار على "المدنيين الإسرائيليين وجنود الجيش" على طرق الضفة الغربية، مما سيزيد من توتر وخطورة الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية.
بحسب هرئيل، فإن إسرائيل كانت منزعجة من عدم استعداد السلطة الفلسطينية لمواجهة حماس في الأشهر الأخيرة، وفي أعقاب جنازة حاشدة لم تشهد الضفة مثلها منذ سنوات أقيمت في جنين الأسبوع الماضي لوصفي قبها، الوزير السابق والقيادي في حماس توفي جراء كورونا، غضب عباس من رؤساء الأجهزة الأمنية في المدينة وأقالهم، وطُلب ممن جاءوا مكانهم العمل ضد المسلحين في مخيم جنين، والذين ينتمون لحماس والجهاد. وحتى الآن، أجرت السلطة الفلسطينية تحقيقات أولية في هذا الشأن، لكن في إسرائيل، يأملون أن تظهر السلطة في القريب العاجل مزيداً من الحزم في الضفة.
أزمة السلطة الفلسطينية الداخلية تقلق إسرائيل وأمريكا
وتشكل أزمة احتمال رحيل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المريض والطاعن في السن، دون اختيار خليفة له حتى الآن، مشكلة ترهق كلاً من تل أبيب وواشنطن.
وتقول إنيا كريفين، مديرة البرنامج الإسرائيلي في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" بواشنطن، إنه يجب على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الضغط على عباس لوضع خليفة له وإلا سنكون أمام أزمة لا يمكن التنبؤ بها بالضفة الغربية.
وتضيف كريفين في مقالة لها بمجلة National Interest الأمريكية، أن عباس مدخن شره وسيبلغ من العمر ستة وثمانين عاماً هذا الشهر، وتظهر استطلاعات الرأي أن حوالي ثلاثة أرباع الفلسطينيين يعتقدون أن على عباس التنحي، وهو الناجي من سرطان البروستاتا ويعاني من مرض في القلب ويشاع أنه يعاني من سرطان المعدة.
قبل فترة وجيزة من دخوله المستشفى في 2018، راجع عباس عملية خلافة السلطة الفلسطينية لإبقاء السلطة بعيدة عن أيدي حركة حماس. وبلغت التغييرات نهاية المطاف حول القانون الأساسي الفلسطيني، وهو أقرب شيء تملكه السلطة الفلسطينية إلى الدستور. ونص القانون الأساسي في صيغته الأصلية على أنه إذا استقال عباس أو توفي في منصبه، فإن قيادة الحكومة ستنتقل إلى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو منصب يشغله الآن نائب من حماس – لمدة تصل إلى ستين يوماً حتى يمكن إجراء انتخابات جديدة.
ومن خلال تركيز عباس للسلطة الاستبدادية في يديه على مدار سنوات، زاد رئيس السلطة من مخاطر حدوث أزمة إذا أصبح عاجزًا فجأة. علاوة على ذلك، لم يعد عباس خليفة له في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية أو حركة فتح التابعة له. هناك عدد قليل من المرشحين المحتملين. لكن عباس لم يرفع أحداً منهم، مما أفسح المجال لصراع قبيح على السلطة عند رحيله، كما تقول كريفين.
تضيف الكاتبة أنه "في ظل احتمال غياب زعيم من هذا القبيل، فمن الممكن أن حماس ستطلق حملة عنيفة للسيطرة على الضفة الغربية كما فعلت في قطاع غزة في عام 2007. ومع ذلك، حتى لو كانت هناك انتخابات مبكرة، فإن تفشي الفساد وسوء المعاملة في عهد عباس خلقت وضعاً من المرجح أن تصل فيه حماس إلى السلطة من خلال الانتخابات. وبحسب استطلاعات الرأي عقدت قبل شهرين، فإنه إذا جرت الانتخابات فإن حماس ستكتسحها مرة أخرى".
"انتفاضة أخرى قادمة في الطريق"
في السياق، حذر مسؤول أمني سابق في إسرائيل من اندلاع انتفاضة جديدة بسبب القدس، حسبما ذكرت صحيفة معاريف العبرية يوم الإثنين، حيث اعتبر العميد نيتسان نوريئيل، الرئيس السابق لهيئة مكافحة الإرهاب، صباح الإثنين، أن شروط الانتفاضة الجديدة في الأراضي الفلسطينية قد نضجت، والتي تشير إليها أحداث العنف في القدس في الأيام الأخيرة، بما في ذلك هجوم إطلاق النار الذي قتل الجندي آدم كاي، ومخاوف من فقدان السيطرة على الوضع الأمني في القدس والمستوطنات في الضفة الغربية في ظل ضعف السلطة الفلسطينية.
وقال نوريئيل في برنامج "غادي نيس" في إذاعة "هتسفون" العبرية: "في رأيي، قائمة العناصر التي يمكن أن تقودنا إلى سلسلة من الأحداث التي قد يطلق عليها فيما بعد انتفاضة، أصبحت ناضجة، فهناك توتر كبير للغاية في الأجواء، وهناك أسباب عديدة، معظمها يتعلق بالأسباب الدينية والسياسية، ولكن بالتأكيد جميع العناصر موجودة، وهناك تحدٍّ أمني كبير للغاية في كيفية الاستعداد لهذه الظواهر ومحاولة إحباطها دون دفع الثمن".
وحول اقتراح إعادة البوابات الإلكترونية إلى المناطق الخطرة في القدس، رد خبير الإرهاب الإسرائيلي، إن حل البوابات الإلكترونية يهدف إلى منع إدخال الأسلحة إلى المسجد الأقصى، ولا يمكنه منع إدخال الأسلحة إلى مدينة القدس، مضيفاً: "أعتقد أننا يجب أن نبحث عن حل.. لا توجد وسيلة فعالة لمنع وجود أسلحة في الأيدي المعادية لنا سواء كانت إجرامية أو إرهابية".