ضمن مساعيها للاعتماد على نفسها وتقليل استيراد الأسلحة من الخارج، أعلنت السعودية في وقت سابق من العام الجاري، خططاً لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعة الأسلحة محلياً، مع الوصول في عام 2030 لهدف إنفاق نحو 50% من ميزانيتها العسكرية على المصادر المحلية.
السعودية.. أكبر ميزانيات الدفاع في العالم
يعتبر مصنع الإلكترونيات الدفاعية، الذي يأتي في طليعة خطط ولي العهد محمد بن سلمان لتحديث اقتصاد الدولة الخليجية، أحدث استثمارات صندوق الثروة السيادية، إذ تُعتبر "شركة الإلكترونيات المتقدمة"، التي يُنتج مصنعها في الرياض أجزاء القنابل والطائرات المُسيّرة، بمثابة درة التاج وسط الصناعات العسكرية الناشئة في السعودية بحسب مسؤولي المملكة. وقد اشترتها العام الماضي الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي)، التي تأسست قبل أربع سنوات بواسطة صندوق الاستثمارات العامة من أجل توطين الإنتاج الدفاعي في البلاد.
تقول صحيفة Financial Times البريطانية إن السعودية تتميز بواحدةٍ من أكبر ميزانيات الدفاع في العالم؛ حيث أنفقت المملكة 57 مليار دولار على حماية البلاد العام الماضي، وفقاً لمعهد أبحاث Stockholm International Peace Research Institute. وتأتي شركة الإلكترونيات المتقدمة في صميم خطتها لزيادة الإنتاج المحلي حتى يشغل 50% من إجمالي الإنفاق الدفاعي للبلاد خلال 10 سنوات. وكان الإنتاج المحلي لا يُشكّل سوى 3% فقط من إجمالي الإنفاق الدفاعي عام 2017، حين تأسّست شركة سامي.
ويتماشى هذا المشروع مع خطة رؤية السعودية 2030 التي وضعها الأمير محمد لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، وهو مشروعٌ طموح، لكن المحللين قالوا إنّه من الخطأ تجاهله.
إذ قال فرانسيس توسا، المستشار الدفاعي ومحرر Defence Analysis: "انظر إلى كم المال الذي ينفقه السعوديون على الأسلحة.. وميزانيةٌ بهذا الحجم يمكن أن تشتري لك صناعةً بالكامل إن أردت. وسوف يحصلون على تلك القدرات بكل تأكيد".
السعودية تسعى للاعتماد على ذاتها عسكرياً.. فهل تستطيع؟
تعكس الخطة رغبة السعودية في الاعتماد على نفسها؛ حيث تخوض الرياض حرباً في اليمن، وتتعرض منشآتها النفطية وبنيتها التحتية لهجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ من الحوثيين المدعومين من إيران، كما أن مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة، أكبر داعميها، تُواجه معارضةً داخل واشنطن عادةً. وهناك مقترحان داخل الكونغرس حالياً لمنع صفقة بيع صواريخ جو-جو إلى السعودية بقيمة 650 مليون دولار.
بينا قال وليد أبو خالد، الرئيس التنفيذي لشركة سامي، خلال مقابلةٍ مع صحيفة Financial Times البريطانية: "هناك حاجةٌ قوية لتعزيز القدرات الدفاعية والاكتفاء الذاتي وتقوية الأنظمة الدفاعية داخل منطقتنا، وخاصةً داخل السعودية. ولهذا أرى زيادةً في ميزانيات الدفاع الضخمة. وتُعتبر السيادة من الأسباب الرئيسية لتأسيس سامي، إذ نريد تحقيق الاكتفاء الذاتي. وتشمل الأسباب الأخرى الوقت الذي يستغرقه إصلاح أو صيانة منتجٍ ما، وانتظار وصول قطع الغيار التي قد تستغرق عامين".
ولتحقيق ذلك، تُريد "سامي" من شركات الأسلحة نقل خطوط إنتاجها وصيانتها إلى المملكة؛ حيث يقول أبو خالد: "جميع شركائي يعلمون أن الأيام الخوالي قد ولّت، حين كان صُناع المعدات الأصلية يأتون لتوقيع العقود قبل تسليم الشحنات من الخارج بالكامل. هذا لن يحدث بعد الآن. وبهذا نُجبر الأطراف الفاعلة على التفكير بشكلٍ مختلف. إذ سيتعيّن عليهم التفكير في العمل مع سامي أو شريك محلي سعودي آخر للحصول على العقود. ويُمكن لصناع المعدات الأصلية أن يبنوا مصانعهم داخل المملكة الآن".
وتتطلع شركة سامي بالفعل إلى تجميع مروحيات بلاك هوك من شركة Lockheed Martin داخل المملكة بعمالةٍ محلية، إلى جانب تجميع مركبات مدرعة بالتعاون مع شركةٍ إماراتية. كما تضم الشركة أقساماً للملاحة الجوية، والأنظمة الدفاعية، والصواريخ. وتُجري محادثات مع شركات أخرى أيضاً.
إذ قال أبو خالد: "تستغرق الشركات والدول الأخرى ما يتراوح بين 30 و50 عاماً لفعل ذلك، لذا فمن المستحيل إنجاز المشروع بالكامل محلياً. وعليك في هذه الحالة النظر إلى الخارج ومحاولة الاستحواذ على الشركات".
كما أردف أنّ أولويات الشركة تتضمن تصميم نظام دفاعي بالطائرات المسيّرة. حيث اتُّهِمَت إيران بالتخطيط لهجومٍ بالطائرات المسيّرة والصواريخ عام 2019، مما أدى إلى تعطيل اثنتين من منشآت النفط السعودية وإيقاف نحو 5% من إنتاج النفط العالمي.
الدول الغربية لا تستطيع وقف بيع الأسلحة للسعودية بسهولة
رغم ذلك، فقد تأخرت شركة سامي في دخول عالم الإنتاج العسكري المحلي في المنطقة، رغم أنّها قد بدأت تصنيع أول طائراتها المسيّرة للاستطلاع. حيث تُنتج جارتها الإمارات بالفعل طائرات مسيّرة للاستطلاع ومركبات قتالية مدرعة شاركت في المعارك بشكلٍ مؤقت داخل اليمن وليبيا. بينما تُنتِج إسرائيل مجموعةً من أكثر الأسلحة تقدماً في العالم، رغم أن ميزانيتها الدفاعية أقل من نصف ميزانية المملكة. كما تمتلك إيران، خصمها الإقليمي الرئيسي، صناعة أسلحة محلية تتطور بشكلٍ متزايد.
وبفضل إنفاق المملكة الهائل على الأسلحة؛ سيكون من الصعب على صناعات الدفاع الأجنبية تجاهل السوق السعودي الضخم بحسب تشارلز فورستر، كبير محللي صناعات الشرق الأوسط في شركة Janes Information Services. إذ قال فورستر: "السعودية أكبر بكثير من أن يستطيعوا تجاهلها، وهناك بعض الدول والشركات التي بدأت تُدرك أنّ عليها اللحاق بالركب لأنّها فوّتت الكثير خلال السنوات القليلة الماضية".
وفي الوقت الحالي، تحوّلت المنشأة الواقعة في الرياض إلى استعراضٍ للإصلاحات الكبيرة التي تكتسح المملكة مؤخراً، ومنها سياسة "سعودة" القوى العاملة التي كانت تعتمد بشكلٍ تقليدي على الأجانب، بالإضافة إلى إدخال المرأة في مكان العمل.
وتستعرض شركة الإلكترونيات المتقدمة بعض منتجاتها في بهو الشركة، مثل: لوحات دارات مقاتلات إف-15 أمريكية الصنع، وأجهزة الراديو العسكرية، والصاروخ العمودي الموجه بالليزر الذي تصنع الشركة مكوناته.
وقد أشارت الشابة السعودية، التي قادت فريق الصحيفة البريطانية في جولةٍ حول المصنع، إلى أنّ السعوديين يُشكلون 80% من القوة العاملة في المصنع. وداخل أحد الممرات، توقفت عند صورةٍ جماعية قديمة لموظفي الشركة- وجميعهم من الرجال-، ثم قالت إنّ عليها تحديث تلك الصورة الآن قبل أن تُواصل الجولة.