تبدو سياسات بايدن تجاه فلسطين واحدة من الإشكاليات التي تواجه ادعاء الديمقراطيين بأنهم يسعون إلى سياسة خارجية تقوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي.
فلقد بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن ومساعدوه، بعد فترة قصيرة من توليه المنصب، في إثارة نقطة جديدة في نقاشهم عن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، في إطار مساعيهم لإعادة التوازن إلى السياسة الأمريكية التي أمال ترامب كفّتها لصالح إسرائيل، حسبما ورد في تقرير لمجلة Politico الأمريكية.
وكثيراً ما نسمع العبارة: "الإسرائيليون والفلسطينيون يستحقون المساواة في الحرية والكرامة والأمن والازدهار".
سياسات بايدن تجاه فلسطين يتجاذبها اتجاهان، الأول الاتجاه التقليدي المحابي لإسرائيل بشكل كامل، والاتجاه الثاني ظهر داخل اليسار الديمقراطي، الذي بات ينظر للقضية الفلسطينية من منظور رفض التمييز واللامساواة.
جاء التحول الأول والأكثر وضوحاً داخل الكونغرس، حيث انتقدت المزيد من الأصوات (التقدمية في غالبها) انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، إلى جانب دور الحكومة الأمريكية في إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه بعد أن شبّهته جماعات حقوق الإنسان وكبار الزعماء -مثل الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا- بنظام الفصل العنصري (أبارتهايد).
ويرى مراقبو السياسة الأمريكية في هذا الصدد يرون أنّ هناك كلمةً واحدة تقلق إسرائيل في سياسات بايدن تجاه فلسطين، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Atlantic الأمريكية.
إذ قال مارتين إنديك، الزميل البارز في Council on Foreign Relations والسفير الأمريكي السابق إلى إسرائيل ومبعوث باراك أوباما للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية بين عامي 2013 و2014: "فجأة، ومن العدم، بدأت كلمة (متساوية) تظهر في خطاب الرئيس بايدن ووزير خارجيته. وهذا أمرٌ جديدٌ كلياً".
ولكن في الأسابيع الأخيرة، أدت مجموعة من الإجراءات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين إلى تفاقم التوترات مع إدارة بايدن، واختبرت مدى جدية الرئيس الأمريكي إزاء احترام حقوق الجميع في هذا الصراع، وفقاً لمجلة Politico الأمريكية.
سياسات بايدن تجاه فلسطين تصطدم بإرث ترامب المنحاز
والسياسات المؤيدة لإسرائيل التي تبنَّتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حدت من حرية بايدن في التصرف في بعض الحالات.
وكان من ضمن هذه الإجراءات الإسرائيلية وصم العديد من المنظمات المطالبة بحقوق الفلسطينيين بـ"الإرهابية" ورفض خطط بايدن لإعادة فتح قنصلية في القدس تتعاون مع الفلسطينيين. والعنف المتجدد من المستوطنين الإسرائيليين، فضلاً عن خطط الإسرائيليين لبناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية زاد من استياء فريق بايدن. على أن الولايات المتحدة تزعج إسرائيل بفرض عقوبات على الشركة الإسرائيلية صاحبة البرامج التي تتجسس على المعارضين وغيرهم، ومن ضمنهم الفلسطينيون.
على أن المسؤولين الإسرائيليين لا يتقبلون ذلك، ويتعللون بالضرورات الأمنية والسيادة، رغم تأكيدهم أن الولايات المتحدة تظل أهم حلفائهم. ويصفون الكثير من الانتقادات الموجهة لإسرائيل بغير المنصفة.
وقالت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، إيليت شكد، العضوة البارزة في المعسكر اليميني الإسرائيلي وتحالفه الجديد، لمجلة Politico أثناء زيارتها لواشنطن هذا الأسبوع: "على الإدارة الأمريكية أن تحترم حكومة إسرائيل. لدينا حاجات ولدينا سياسة. توجد بعض القضايا التي لا نتفق مع الإدارة عليها. وفي العائلة الواحدة لا نتفق دوماً على كل شيء. هذا معلوم لدى الجميع".
وعلناً، تحاول إدارة بايدن أيضاً تأكيد الإيجابيات. فهذا الأسبوع، زارت السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إسرائيل والضفة الغربية، وتعهدت بأن تلتزم إدارة بايدن بـ"تعزيز جميع جوانب الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل". وأكدت أيضاً دعم بايدن لاتفاقات إبراهام التي أبرمتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية.
وسراً، يقول المسؤولون الأمريكيون إنه من الضروري أن يتقبل قادة إسرائيل أن إدارة بايدن لن تنحاز إليهم دون تردد على الدوام كما كانت تفعل إدارة ترامب.
يقول مسؤول أمريكي مطلع: "يفهم الإسرائيليون أنهم بحاجة لعلاقة طبيعية أكثر معنا تخالف تلك التي كانت قائمة في السنوات القليلة الماضية، والإدارة سترحب بذلك بطبيعة الحال. وأفضل طريقة لفعل ذلك هي تجنب الإجراءات التي تذكي الخلافات مثل المستوطنات الجديدة، وفعل ما هو ضروري لتحسين حياة الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية".
البعض يتحدث عن مسار جديد للسلام
المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون، ومن ضمنهم المشرّعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يرغبون في إثراء ما يعتبرونه "الإنجاز الوحيد في عهد ترامب": اتفاقات إبراهام.
وهذه الاتفاقات، التي ساهم في إبرامها جزئياً صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، أدت إلى تنمية العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وغيرها بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
ولكن هذه الاتفاقات وصفقة القرن التي سبقتها، قوبلت بانتقادات واسعة في العالمين العربي والإسلامي وفي فلسطين حتى المجتمع الدولي؛ لأنها تجاهلت مرجعيات السلام المعروفة، وفعلياً تؤدي إلى ترسيخ الاحتلال ومحاولة منح المستوطنات والتهويد في القدس شرعية سياسية، إضافة إلى منح إسرائيل ما تريد من تطبيع عربي دون أن تقدم أي تنازلات في القضية الفلسطينية في المقابل.
ولكن إسرائيل تريد من بايدن تشجيع الدول العربية على التطبيع دون مقابل
وقد تحدثت إيليت بابتهاج عن هذه العلاقات المزدهرة، وإن أقرت بأن الانقلاب الأخير في السودان خلق حالة من الضبابية في مستقبل هذا الاتفاق.
وقالت إيليت إنه يتعين على إدارة بايدن "تشجيع" دول أخرى على الانضمام لهذه الاتفاقيات. وقالت: "كل دولة تنضم إلى هذه الاتفاقيات تريد شيئاً من الولايات المتحدة بالتأكيد. ولو أن الإدارة ترغب في الاستثمار فيها، فيمكنها زيادتها بدرجة كبيرة". وقادة إسرائيل يرغبون في إقامة علاقات رسمية على وجه الخصوص مع الدولة ذات الثقل في المنطقة، السعودية.
وهذه الاتفاقات أشعرت الفلسطينيين بأن هذه الدول العربية التي طالما اعتبرتها حليفتها قد خانتها. لكن البعض في الولايات المتحدة يقولون إن على إدارة بايدن استغلال هذه الاتفاقات لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يقول السيناتور الديمقراطي، تيم كين من ولاية فرجينيا، إنه يتواصل مع البيت الأبيض لمناقشة هذه الفكرة تحديداً.
وقال: "كان هذا أحد الأسباب التي دفعتني لتأييد اتفاقيات إبراهام بقوة. رأيت أنها ممتازة؛ لأنها قد تتيح فرصاً في محادثات السلام لم تكن موجودة من قبل".