التجربة الصاروخية الروسية لتدمير قمر صناعي وقبلها بأشهر أثار صاروخ الصين التائه فزعاً حول العالم، وتكرر مصطلح الحطام الفضائي وتهديده للمدار الأرضي المنخفض، فما قصة الخردة التي تدور بسرعات هائلة في الفضاء، وكيف تؤثر على حياتنا؟
ففي مايو/أيار الماضي، ظل العالم يتابع بقلق أنباء صاروخ صيني وُصِفَ بأنه تائه وتعرضت بكين لانتقادات حادة بسبب الصاروخ الذي قيل إنها فقدت السيطرة عليه ويخشى من سقوطه في مناطق مأهولة عند عودته للأرض، لكن الصاروخ تحطم لدى دخوله الغلاف الجوي وسقط الحطام في المحيط الهادئ.
ومساء الاثنين 15 نوفمبر/تشرين الثاني، تعرضت روسيا لانتقادات حادة من جانب الولايات المتحدة بسبب قيام موسكو بإجراء تجربة صاروخية لتدمير قمر صناعي نتج عنها حطام عرَّض المحطة الفضائية الدولية للخطر، وردت روسيا باتهام أمريكا بتزييف الحقائق، كون التجربة الصاروخية الروسية لم تكن الأولى من نوعها بل سبقتها إليها واشنطن وبكين ونيودلهي أيضاً.
الغضب والتنديد بالتجربة الصاروخية الروسية سببهما الحطام الذي نتج عن تدمير القمر الصناعي الروسي وتسبب في حالة من الذعر أجبرت رواد محطة الفضاء الدولية على الاختباء داخل كبسولات هي بمثابة قوارب إنقاذ في حالة الطوارئ، فماذا يمكن أن يسببه الحطام في الفضاء؟ ولماذا تزايد الحديث عن تلك الخردة مؤخراً؟
ما هو الحطام الفضائي، وما حجمه؟
منذ بدأ عصر الفضاء عام 1957 وحتى اليوم، تم إطلاق آلاف الصواريخ والسفن الفضائية والأقمار الصناعية إلى الفضاء، وفي البداية لم يكن أحد من العاملين في مجال الفضاء يُلقي بالاً لمصير قمر صناعي أو لصاروخ يحمل سفينة فضائية بعد أن يؤدي الغرض منه، ويظل يدور حول الأرض في مسافة تمتد لارتفاع 2000 كم فوق الغلاف الجوي، وهو ما يُعرف بالمدار المنخفض للفضاء حول الأرض.
وتُقدر وكالة الفضاء الأوروبية وجود أكثر من 900 ألف جسم يزيد حجمه عن سنتيمتر واحد تدور حالياً حول الأرض دون هدف، وهذه الحقيقة تمثل خطراً جسيماً على البعثات الفضائية والأقمار الصناعية النشطة، بحسب تحذير أصدرته الأمم المتحدة مؤخراً.
ويتكون الحطام الفضائي أو الخردة الفضائية من مركبات إطلاق مهملة أو أجزاء من مركبة فضائية تسبح في الفضاء على بُعد مئات الأميال فوق الأرض، مما يعرضها لخطر الاصطدام بأقمار صناعية أو محطة فضائية، بحسب تقرير لرويترز.
وبشكل أكثر تفصيلاً، يتشكل الحطام الفضائي من بقايا الأقمار الصناعية وهي أجزاء تنتج عن التصادم والالتحام مع السفن الفضائية أو المحطات الأكبر، وبقايا الصواريخ وهي الأجزاء الناجمة عن مراحل الانفصال الصاروخي خلال إطلاق مهمات فضائية، والثالث هي بقايا متعلقة بالمهام الفضائية مثل الأدوات والمسامير والكابلات والكاميرات وغيرها، بحسب تقرير لموقع Iberdrola المتخصص في الطاقة.
ويمكن أن يحدث الحطام أيضاً بسبب انفجار في الفضاء أو عندما تُجري الدول تجارب صاروخية لتدمير أقمارها الصناعية بالصواريخ، وبخلاف روسيا، أسقطت الصين والولايات المتحدة والهند أقماراً صناعية خاصة بها، مما تسبب في حطام فضائي.
وتُقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن وزن الكتلة الإجمالية لجميع الأجسام الفضائية الموجودة في مدار حول الأرض يتجاوز 9600 طن. وقال هولجر كراج، رئيس مكتب برنامج سلامة الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، لرويترز، إنه في غضون بضعة عقود، إذا استمر تراكم الحطام الفضائي، فقد تصبح بعض مناطق الفضاء غير صالحة للاستعمال.
ولأن الحطام الفضائي يدور حول الأرض بسرعات هائلة تبلغ نحو 25265 كيلومتراً في الساعة في مدار أرضي منخفض فقد يتسبب ذلك في أضرار كبيرة لقمر صناعي أو مركبة فضائية في حالة حدوث تصادم.
وقال البروفيسور هيو لويس، رئيس مجموعة أبحاث الملاحة الفضائية بجامعة ساوثهامبتون، في مقابلة مع رويترز، إن "كل قمر صناعي يدخل المدار قد يصبح حطاماً فضائياً".
كما تتعقب الحكومة الأمريكية نحو 23000 قطعة من الحطام يزيد حجمها عن حجم الكرة التي تستخدم في لعبة السوفتبول أو الكرة اللينة تدور حول الأرض. ويوجد نصف مليون قطعة من الحطام يزيد حجمها عن سنتيمتر واحد و100 مليون قطعة من الحطام حجمها نحو ملليمتر واحد أو أكبر. ويدور الحطام، خاصة بالقرب من محطة الفضاء الدولية، حول الأرض من 15 إلى 16 مرة في اليوم، مما يزيد من خطر الاصطدام.
كيف يؤثر الحطام الفضائي على حياتنا؟
في ظل هذا الفضاء المزدحم بالحطام، جاء تدمير القمر الصناعي كوزموس 1408 الذي أطلقه الاتحاد السوفييتي بغرض التجسس عام 1982 وكان وزنه أكثر من ألفي كيلوغرام، ليخلف كمية كبيرة من الحطام الفضائي.
وقالت قيادة الفضاء الأمريكية في بيان إن الاختبار خلَّف أكثر من 1500 قطعة من "الحطام المداري المُتابع" وإن من المرجح أن يخلف مئات الآلاف من الشظايا الأصغر. وصدر توجيه لطاقم المحطة الفضائية للاحتماء في كبسولاتهم الراسية بسفينة الفضاء لمدة ساعتين بعد الاختبار لاحتمال أن يحتاجوا إلى الرحيل بسبب اصطدام مع الحطام.
وقال كراج لرويترز: "وقع الحدث على ارتفاع 80 كيلومتراً بالضبط من ارتفاع المحطة الفضائية… وبالتالي تزداد المخاطرة بالنسبة للمحطة الفضائية، بل ربما تتضاعف بالمقارنة بما كان من قبل".
وفي حين أنه من غير المرجح أن يؤثر الحطام الفضائي على ارتياد الفضاء فإنه سيؤدي إلى مشاكل كبيرة للرحلات الفضائية حول الأرض. وسيكون الخطر أكبر على الأجسام الفضائية التي تتخذ مداراً على ارتفاع حوالي ألف كيلومتر من الأرض.
وهذه الأجسام الفضائية بالأساس هي الأقمار الصناعية التي تستخدم في الاتصالات وعمل تطبيقات تحديد المواقع الجغرافية والأماكن GPS، إضافة إلى الأقمار الصناعية الخاصة برصد حالة الطقس والتغيرات المناخية بشكل عام. وفي ظل تحول التغير المناخي إلى الخطر الأكبر الذي يتهدد الحياة على الأرض، يصبح دور تلك الأقمار الخاصة بالمناخ حيوياً أكثر من أي وقت مضى، بحسب الخبراء.
وقال كراج: "سنظل قادرين على السفر إلى المريخ؛ لأننا سنمر بسرعة كبيرة من هذه المنطقة التي بها المشكلة"، مضيفاً: "لكنك إذا أردت العمل والبقاء لسنوات في هذه المنطقة التي بها المشكلة، فإن ذلك ربما لم يعد ممكناً بعد الآن ولعقود مقبلة".
هل يمكن التخلص من الحطام الفضائي؟
الحطام الفضائي لا يمثل خطراً على السفر في الفضاء أو على الأقمار الصناعية التي باتت ضرورية للحياة على الأرض وحسب، بل أصبح يتسبب في زيادة تكلفة شركات تشغيل الأقمار الصناعية.
وقدّر مشغّلو الأقمار الصناعية في المدار الثابت بالنسبة للأرض أن تدابير الحماية والتخفيف تمثل ما يتراوح بين 5 و10% تقريباً من تكاليف المهمة، في حين أنه بالنسبة لمدارات الأرض المنخفضة تكون التكلفة أعلى، وفقاً لدراسة أجرتها منظمة التعاون والتنمية.
وتطرح هذه الحقائق سؤالاً بديهياً يتعلق بما إذا كان الوقت قد حان لأن تعمل الدول على إيجاد وسيلة للتخلص من الحطام الفضائي؟ وعن هذا الأمر تقول وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إن الحطام الموجود في المدارات التي تقل عن ارتفاع 600 كيلومتر سيعود إلى الأرض في غضون عدة سنوات، لكن الحطام الموجود فوق 1000 كيلومتر سيستمر في الدوران حول الأرض لمدة قرن أو أكثر.
وقال لويس: "إذا أردنا محاولة حل مشكلة الحطام الفضائي، فعلينا أن نبدأ في إزالة هذا النوع من الأجسام". ومؤخراً دخلت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية ووكالة الفضاء الأوروبية في شراكة مع شركتين ناشئتين للمساعدة في إزالة الحطام الفضائي.
وبينما أطلقت الوكالة اليابانية مشروعاً كشفيّاً مدته ستة أشهر مع أستروسكيل لأول مهمة لإزالة الحطام في العالم، تعمل الوكالة الأوروبية مع شركة كلير سبيس السويسرية الناشئة على إطلاق مهمة في عام 2025.
وبحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي عنوانه "مشكلة الحطام الفضائي تزداد خطورة"، تسعى هيئات حكومية وشركات خاصة حالياً لتطوير تقنية لإزالة الخردة الفضائية، كشبكات يمكنها الإمساك بالخردة وتوجيهها نحو الغلاف الجوي للأرض حتى تحترق وتتحلل.
لكنْ هناك قلق من أن تستخدم الحكومات تلك التقنية في استهداف وتدمير الأقمار الصناعية التابعة لدول أخرى. وفي الوقت نفسه، من النادر أن يكون هناك بند خاص بإزالة الخردة الفضائية عند تجهيز ميزانية إحدى المهمات في الفضاء، وهذا عنصر آخر يجعل هناك تردداً في التعامل مع مشكلة الخردة الفضائية.
وقال أخيل راو، خبير اقتصادي في ميدلبيري، للموقع الأمريكي إن مشكلة الحطام الفضائي تشبه "إلى حد كبير مشكلة التغير المناخي التي يعاني منها العالم حالياً. فقد عانينا من مشاكل الصيد البحري غير المسؤول ثم مشاكل التلوث في الغلاف الجوي، ثم مشكلة ثقب الأوزون".