تتباين مواقف حكومات الدول العربية من عودة سوريا لجامعة الدول العربية بعد تجميد عضويتها عام 2011، إثر قمع نظامها الحاكم للاحتجاجات السلمية بصورة دموية.
ومؤخراً، شهد الشرق الأوسط تحولاً تُعيد من خلاله دول عربية حليفة لواشنطن، العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بإحياء الروابط الاقتصادية والدبلوماسية، وصلت هذه التغيرات إلى أوجها عندما زار وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد دمشق والتقى بشار الأسد، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
ويبدو أن بعض القادة العرب بدأوا تقبُّل حقيقة استمرار قبضة الأسد القوية على السلطة في بلاده، متذرعين بنتائج الانتخابات التي شهدتها سوريا في مايو/أيار الماضي، والتي أسفرت عن تمديد رئاسة الأسد المستمرة منذ عقدين.
وتأمل بعض الدول التي أعادت علاقاتها مع دمشق أو تعتزم ذلك، أن يساهم هذا الأمر بـ"تحجيم جزئي" للنفوذ الإيراني في سوريا، ومنع المزيد من التدخلات الإقليمية والدولية عبر حضور عربي واسع، فيما يرى رافضون أن الرهان على عودة سوريا إلى محيطها العربي وابتعادها عن إيران، غير واقعي في ظل نجاح إيران في بناء أسس نفوذ اقتصادي وعسكري واجتماعي راسخ في سوريا.
هذا الحضور العربي يريد أن يتولى دون قيود قانونية ملف إعادة الإعمار وبناء علاقات اقتصادية تستفيد منها تلك الدول الخليجية، الغنية تحديداً، ودول أخرى مثل الأردن والعراق ولبنان بإعادة حركة التجارة المتبادلة مع سوريا.
وأدى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بما صاحبه من فوضى، إلى تعزيز اعتقاد بين القادة العرب بأنهم بحاجة لرسم مسارهم بأنفسهم. ومع توقع نهج تميل فيه واشنطن إلى الوقوف على الحياد، لانشغالها الآن بالتحدي الذي تمثله الصين أصبحت أولويات القادة العرب تحفز خطواتهم، وعلى رأسها كيفية إصلاح اقتصادهم الذي كبَّلته سنوات الصراع وجائحة كوفيد-19.
المؤيدون والرافضون لعودة سوريا إلى الجامعة العربية
1- الدول المؤيدة لعودة سوريا
- الجزائر: في 10 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، إنه "حان وقت عودة سوريا للجامعة العربية لكن دون التدخل في شؤونها الداخلية"، وأضاف لعمامرة أن بلاده، التي ستحتضن قمة جامعة الدول العربية القادمة، تبحث عن توافُق عربي لضمان عودة سوريا إلى الجامعة، معرباً عن ترحيب بلاده بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي لدمشق ولقائه بشار الأسد.
يُذكر أن الموقف الجزائري بشأن عضوية سوريا في الجامعة العربية ليس بجديد؛ إذ كانت الدولةَ الوحيدةَ رفقة العراق، التي تحفَّظت على قرار تجميد العضوية، كما لم تغلق سفارتها في دمشق طوال سنوات الأزمة هناك.
- العراق: يؤيد العراق منذ سنوات الحرب الأهلية السورية، ضرورةَ عودة دمشق للجامعة العربية. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أكد وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين أن بلاده تعمل من أجل عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة العربية.
- مصر: سبق لمصر أن أكدت أنها ليس لديها أي شروط لعودة سوريا للجامعة العربية، وذلك وفق تصريحات سابقة لوزير الخارجية سامح شكري. وفي مارس/آذار الماضي، قال شكري إن "عودة سوريا إلى الحاضنة العربية أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي".
- لبنان: تعد بيروت من أبرز المؤيدين لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وكانت من الرافضين لتجميد عضويتها فيها أكثر من مرة.
2- دول عربية طبّعت العلاقات مع النظام السوري دون موقف عودته للجامعة
- الإمارات: أعادت أبوظبي فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وفي عام 2020 اتصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لأول مرة ببشار الأسد وأكد على "ضرورة وقوف بلاده إلى جانب دمشق في محنتها".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، زار وزیر خارجية الإمارات عبد الله بن زاید دمشق، والتقى الأسد، وشدّد على "دعم الإمارات لجهود الاستقرار في سوريا"، معتبراً أن ما حصل فيها "أثر على كل الدول العربية".
- الأردن: شهدت العلاقات بين عمّان ودمشق تذبذباً كبيراً خلال سنوات الحرب، لكن خلال السنوات الأخيرة بدأت العلاقة تتجه نحو فتح الحدود والمعابر التجارية بين الطرفين، وتسارع التطبيع بين اتصال هاتفي بين العاهل الأردني والأسد، وحدوث زيارات رفيعة المستوى بين الطرفين، خلال العام 2021.
- البحرين: في ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلنت المنامة مواصلة عمل سفارتها في دمشق، واستمرار الرحلات الجوية المتبادلة بين الطرفين، مؤكدة في أكثر من مناسبة على أن قرار إعادة سوريا إلى جامعة الدول "يجب أن يُتخذ في الجامعة على أعلى مستوى".
- موريتانيا: لأول مرة منذ عام 2011، عينت نواكشوط سفيراً لها في دمشق في عام 2020، دون إبداء موقف واضح من عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
- سلطنة عُمان: كانت السلطنة من الدول العربية والخليجية السباقة إلى تسريع التطبيع مع نظام الأسد، حيث أعادت، في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2020، سفيرها إلى دمشق. وحافظت مسقط على علاقتها بالنظام السوري خلال الثورة، وأبقت على سفارتها مفتوحة في دمشق رغم تخفيض تمثيلها الدبلوماسي عام 2012.
3- دول عربية رافضة لعودة دمشق للجامعة العربية
- السعودية: صرّح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بأن الرياض لا تفكر في التعامل مع رئيس النظام السوري الأسد في الوقت الحالي. وأضاف بن فرحان في مقابلة مع "CNBC" الأمريكية، أن بلاده تدعم العملية السياسية في جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بين النظام السوري والمعارضة.
وجاءت هذه التصريحات، في ظل تقارير إعلامية، تفيد بأن الرياض أعادت في مايو/أيار الماضي، فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي خالد الحميدان، إلى دمشق ولقائه الأسد، دون تأكيد أو نفي سعودي.
- قطر: في مارس/آذار الماضي، أعلن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن "أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة". وشدد آل ثاني آنذاك، على "وحدة الأراضي السورية والتوافق على رفض الحل العسكري للأزمة".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعرب الوزير القطري عن أمله في إحجام دول أخرى عن اتخاذ المزيد من الخطوات للتقارب مع نظام الأسد، فيما تثار تساؤلات بشأن أسماء الدول الأخرى التي قد تحذو حذو الدوحة، التي دعمت قديماً المعارضة المسلحة في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ نحو عقد.
4- دول عربية لم تعلن مواقفها
- حتى الآن، لم تعلن دول المغرب وليبيا والسودان وجيبوتي واليمن وجزر القمر والكويت وفلسطين والصومال موقفاً واضحاً إزاء النظام السوري أو عودته إلى جامعة الدول العربية. لكن في تونس هناك حراك كبير لإعادة العلاقات مع دمشق، ففي أغسطس/آب 2021، حث "الاتحاد العام التونسي للشغل" (أكبر المنظمات النقابية) الرئيس قيس سعيّد، على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، لكن دون تجاوب رسمي واضح.