حين ظهرت مقاتلتا Su-27 Flanker وMiG-29 Fulcrum الروسيتان في المشهد في الثمانينيات، مثَّلتا قفزة جيلية كبيرة في التكنولوجيا مقارنةً بالمقاتلات السوفيتية الأسبق. وكانت هاتان المقاتلتان أفضل الطائرات الحربية لدى الجيش السوفييتي. ورغم انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي ذاته، لا يزال حلف الناتو يحسب حساباً كبيراً لهاتين الطائرتين، فيما مثَّلت الصواريخ التي حملتاها أيضاً قفزة جيلية بحد ذاتها.
في الواقع، تقول مجلة The National Interest الأمريكية إن صاروخ R-73 جو-جو قصير المدى وصاروخ R-27 جو-جو متوسط المدى، واللذين استُخدِما لأول مرة مع هاتين المقاتلتين، لا يزالان في الخدمة الروسية حتى اليوم. لكنَّ تصميم صاروخ R-27 على وجه الخصوص برهن أنَّه قادر جداً على التكيف ومقاوم للاستبدال بالتصميمات الأكثر حداثة. لكن لماذا عمَّر التصميم طويلاً بهذا الشكل؟ ولماذا لا يزال يستخدم حتى الآن ويخشاه الناتو؟
صواريخ قوية ومعمّرة لا تزال تستخدم في طائرات سو-27 وميغ-29
في عام 1974 وافقت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي على بدء العمل على مقاتلات الجيل الرابع، ميغ-29 و سو-27. ونتيجة لهذا، بدأ مكتب "فيمبل" لتصميم الصواريخ العمل على صاروخ R-27.
تقول تقول مجلة The National Interest إن التصور كان في البداية هو أنَّه سيكون هناك نوعان من الصاروخ في الخدمة، نسخة أخف باسم K-27A لطائرات MiG-29 ذات مدى أقصر، ونسخة أثقل باسم K-27B لطائرات Su-27 ذات مدى أطول. ولهذا صُمِّم نظام دفع الصاروخ ليكون معيارياً.
وبسبب الميل السوفييتي لتطوير نسخ من الصاروخ ذات نظام توجيه بالرادار وأخرى بالتتبُّع باستخدام الأشعة تحت الحمراء، صُمِّم صاروخ R-27 أيضاً بمُتتبِّع معياري. وستتضح فائدة ذلك لاحقاً مع تصنيع طرازات مختلفة من صاروخ R-27 بأدوات تتبُّع مختلفة.
كان مثيراً للاهتمام أيضاً أنَّ مصممي صاروخ R-27 اعتقدوا أنَّه حتى مع التحسينات المُدخَلة على التكنولوجيا السوفييتية، ستبقى قوة الرادار والمُتتبِّع الراداري المحتمَلين لصاروخ R-27 أقل في القوة والحساسية من الطائرات الغربية. ولمواجهة هذا، حسَّن المصممون السوفييت نظام "إقفال الرادار بعد الإطلاق" في الصاروخ. فأُضِيفَ إلى النظام إمكانية أن تصدر الطائرة تصحيحاً للمسار عبر رابط بيانات لا سلكي مع الصاروخ.
تواصلت الاختبارات حتى الثمانينيات، واختُتِمَت الاختبارات الرسمية في عام 1984. وجرى اعتماد صاروخ K-27 أخيراً في عام 1987 باسم R-27R وR-27T، بحيث تكون النسخة R هي الصاروخ المُوجَّه بالرادار شبه النشط والنسخة T هي الصاروخ ذو المُتتبِّع الحراري.
في غضون ذلك، جرى تغيير اسم الصاروخ "الثقيل" K-27B المُصمَّم أصلاً لطائرات Su-27 إلى "K-27E"، ويرمز حرف E إلى امتلاك الصاروخ طاقة أكبر (مدى أطول).
اعتُمِدَت اختبارات الصاروخ K-27E أخيراً عام 1990 باسم R-27ER وR-27ET، وحصل مصممو الصاروخ على جائزة رسمية في عام 1991.
ثورة الصواريخ الموجهة
خلال دورة التطوير الطويلة للصاروخ R-27، تم الإدراك أنَّ الصواريخ ذات التوجيه الراداري شبه النشط (وهو التوجيه الذي يتتبَّع فيه الصاروخ الهدف بناءً على إشارة رادارية تُصدرها الطائرة المُطلِقة) التي كانت هذه الصواريخ تعتمد عليها قد تتقادم. فأُجريَت دراسات لتطوير نسخ من الصاروخ تكون ذات نظام توجيه راداري نشط. وتملك صواريخ التوجيه الراداري النشط راداراً صغيراً في المُتتبِّع الموجود بها، وهو ما يسمح للصاروخ بالتتبُّع الذاتي للهدف بدلاً من الاعتماد على طائرة خارجية.
سُميَت هذه النسخة R-27EA. وقد وُضِعَت مخططاتها في عام 1983، وخضعت أيضاً للتطوير خلال الثمانينيات، لكنَّ صعوبات إنشاء الرادار الصغير في المُتتبِّع أخَّر عملية التطوير. وبات مصير المشروع غير مؤكد، لكنَّ معظم المصادر تقول إنَّ التطوير الرئيسي توقَّف عام 1989 تقريباً بغرض التركيز على صاروخ R-77 بدلاً منه، ولو أنَّ العمل قد يكون استمر سراً.
وعموماً، تتمثل الميزة الرئيسية لسلسلة صواريخ R-27 في مدى الطرازات ER، الذي يُقَال إنَّه يبلغ حوالي 130 كيلومترات. ويُعَد هذا أطول بكثير من أي طراز من طرازات الصاروخ AIM-7 Sparrow، الذي يُمثِّل أقرب صاروخ مكافئ لدى حلف شمال الأطلسي "الناتو". المشكلة الرئيسية بخصوص الصاروخ R-27 هي أنَّ دورة التطوير الطويلة للصاروخ سمحت للصواريخ الأمريكية بتجاوزه.
ومثال ذلك ميزة تصحيح المسار بعد الإطلاق عبر رابط البيانات في صاروخ R-27. ففي حين صُمِّمَ الصاروخ لأول مرة بهذه الميزة في السبعينيات، لم يدخل الصاروخ النهائي الخدمة إلا بحلول عام 1987. وبحلول ذلك الوقت، كان المهندسون الأمريكيون قد أضافوا تدريجياً تحديثات لصاروخهم الذي كان موجوداً فعلاً AIM-7، بما في ذلك إضافة نفس الميزة في صاروخ AIM-7P Block II، والذي جرى اعتماده أيضاً في عام 1987.
سلاح الجو الروسي لا يزال يواصل استخدام هذا الصاروخ حتى اليوم
وفي الغالب ساهمت الطبيعة الضعيفة لأسطح التحكم أيضاً في قرار وقف تطوير الصاروخ بصورة أكبر. فصاروخ الجيل التالي المُوجَّه بالرادار النشط والذي كان مُصمَّماً لتسليح سلاح الجو السوفيتي، صاروخ R-77، تميَّز بزعانف شبكية عند مؤخرة الصاروخ من أجل منحه قدرة أفضل على المناورة. وبما أنَّ صاروخ R-27 لن يبلغ الأداء الديناميكي الهوائي لصاروخ R-77 أبداً، ففي الغالب تقرَّر أنَّ بذل مزيد من الجهد لمنح الصاروخ قدرة التوجيه الراداري النشط سيكون إهداراً للجهد.
يمكن من نواحٍ عدة اعتبار صاروخ R-27ER "النزع الأخير" للصواريخ ذات التوجيه الراداري شبه النشط. فقد صُمِّمَ ليكون واحداً من أكثر الصواريخ تطوراً من نوعه بمدى طويل وقدرة على تصحيح المسار بعد الإطلاق، لكن بحلول وقت دخوله الخدمة، كانت فئته قد قاربت على التقادم. إذ أدخلت أمريكا أول صاروخ موجه بالرادار النشط في عام 1991، صاروخ AIM-120 AMRAAM، أي بعد عام واحد فقط من دخول صاروخ R-27ER الخدمة.
وفي الغالب يواصل سلاح الجو الروسي استخدام الصاروخ لأنَّ مداه الطويل يتفوق على معظم منافسي روسيا الأصغر الذين من المستبعد أن يستخدموا صواريخ التوجيه الراداري النشط. لكن مثلما رأينا في سوريا، حين يُشكِّل سلاح جو ند أو شبه ند خطراً، ستتراجع صواريخ R-27 لصالح صواريخ R-77.