خرج اللقاء الأول بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ دون بيان مشترك، فمن منهما حقق أهدافه من القمة الافتراضية التي استمرت أكثر من 3 ساعات؟ ملف تايوان قد يحمل الإجابة.
وكان كثير من المراقبين يأملون في أن تكون القمة الأولى بين الصين وأمريكا، حتى وإن كانت افتراضية وليست وجهاً لوجه، بداية لتخفيف التوتر بين القوتين الأكبر على الساحة الدولية حالياً، حتى لا تتحول المنافسة بينهما إلى صراع مفتوح.
ولم يصدر بيان رسمي مشترك بعد انتهاء القمة، التي جرت صباح الثلاثاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني بتوقيت بكين، كما لم يصدر أي من الجانبين بيانات رسمية بشأن أجندة الملفات التي ناقشها بايدن وشي طوال 3 ساعات و24 دقيقة استغرقها اللقاء الأول بينهما، بصفتهما زعيمين لبلديهما.
ماذا ناقش شي وبايدن؟
في بداية لقائهما الافتراضي، حضر عدد من الصحفيين الدقائق الأولى التي تبادل خلالها الزعيمان عبارات الترحيب الحارة، وأعرب الرئيس الصيني عن سعادته بلقاء "الصديق القديم" بايدن.
ومن جانبه، قال بايدن: "ربما ينبغي عليَّ أن أبدأ حديثي بطريقة رسمية، وذلك رغم أننا لم نكن أبداً نتعامل مع بعضنا البعض بهذه الطريقة الرسمية"، وفقاً لما نقلته رويترز. وأضاف الرئيس الأمريكي: "دائماً ما كنا نتواصل معاً بصدق وصراحة متناهية. ولم نترك بعضنا البعض وأحدنا يتساءل ما الذي يفكر فيه الآخر؟".
كان بايدن وشي قد التقيا معاً مرات عديدة عندما كان الأول نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما وكان الثاني أيضاً يشغل منصب الرجل الثاني في الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، وبالتالي خيمت أجواء المجاملات بينهما على بداية اللقاء.
ثم غادر الصحفيون قاعتي الاجتماع في بكين وواشنطن وبدأت المحادثات الرسمية بين الزعيمين وكبار المسؤولين في الإدارتين، وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات وانتهاء القمة الافتراضية، أصدر البيت الأبيض بياناً حول ما تمت مناقشته والأمر نفسه حدث في بكين.
ونبدأ من واشنطن حيث قال البيت الأبيض في بيان إن بايدن وشي تحدثا بشأن ممارسات الصين في التبت وهونغ كونغ وشينجيانغ، من بين أمور أخرى خلال قمتهما عن بُعد، وذكر مسؤولون أمريكيون أن بايدن تحدث مع شي عن ممارسات الصين فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وتناول الرئيسان أيضاً كوريا الشمالية وأفغانستان وإيران وأسواق الطاقة العالمية والتجارة والمنافسة والمناخ والقضايا العسكرية وجائحة كورونا ومجالات أخرى محل خلاف، بحسب رويترز.
أما في بكين، فتصدرت قضية تايوان تحديداً البيانات الرسمية والتغطية الإعلامية لقمة شي وبايدن، وهي القضية الأساسية التي يمكن القول إنها تمثل حجر الزاوية في طبيعة التنافس بين واشنطن وبكين وما إذا كان يمكن أن تتحول لصراع مفتوح بينهما.
لماذا يهتم العالم بقمة الصين وأمريكا؟
قبل الدخول إلى ما رشح في أعقاب القمة الافتراضية بين الصين وأمريكا، من المهم التوقف عند المتابعة الإعلامية الواسعة عالمياً لذلك اللقاء، وهو ما يعكس مدى أهمية العلاقات بين بكين وواشنطن بالنسبة لباقي دول العالم. فالولايات المتحدة والصين تمثلان الاقتصادين الأكبر عالمياً، كما أنهما مسؤولان معاً عن أكثر من 40% من الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن التغير المناخي وتداعياته الكارثية حول العالم.
وفي هذا السياق، يجمع المحللون والمراقبون على أن طبيعة العلاقات بين واشنطن وبكين لها تداعيات تتأثر بها جميع دول العالم. وهذا ما عبر عنه بايدن بقوله خلال اللقاء إنه على الدولتين مسؤولية ضمان أن المنافسة "لن تضل طريقها لتتحول إلى صراع مفتوح".
بينما قال شي إن هناك حاجة لدى الدولتين لتحسين "الاتصال" ومواجهة التحديات "معا"، وأضاف أن العلاقات الأمريكية الصينية الجيدة تُعد ضرورة لمواجهة التحديات العالمية مثل التغير المناخي وكوفيد 19، وفقاً لوسائل إعلام حكومية في الصين.
وأكد الرئيسان على مسؤوليتهما تجاه العالم لتجنب الصراع، إذ قال بايدن في بداية المحادثات "يبدو لي أن مسؤوليتنا كزعيمين للصين والولايات المتحدة هي ضمان ألا تنحرف المنافسة بين بلدينا إلى مسار الصراع، سواء بقصد أو عن غير قصد… مجرد منافسة بسيطة ونزيهة".
وفي حديثه المترجم، قال شي "باعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم وعضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تحتاج كل من الصين والولايات المتحدة إلى زيادة التواصل والتعاون".
أبرز ملفات الخلاف بين الصين وأمريكا
بعيداً عن قضية تايوان، يمثل أصل فيروس كورونا أحد أبرز الملفات الساخنة التي تسببت في توتير العلاقات بين الصين وأمريكا العام الماضي خلال رئاسة دونالد ترامب والعام الجاري مع تولي جو بايدن المسؤولية.
واشنطن، من جانبها، تتهم بكين بالتستر على منشأ الفيروس الذي تفشى حول العالم منذ أواخر عام 2019 وتسبب في إصابة نحو 255 مليون شخص فقد منهم أكثر من 5.1 مليون حياتهم، وتتبنى إدارة بايدن نظرية تسرب الفيروس في معمل مدينة ووهان الصينية. بينما ترفض بكين تلك الاتهامات وتقول إن الفيروس منشأه أحد معامل الفيروسات التابع للجيش الأمريكي.
لكن يبدو أن ملف منشأ فيروس كورونا لم يكن حاضراً على أجندة لقاء بايدن وشي، من خلال ما ذكرته وسائل الإعلام الأمريكية والصينية عقب نهاية القمة، وأيضا من خلال البيان الرسمي الصادر عن البيت الأبيض بشأن ما تمت مناقشته. ويعتبر غياب هذا الملف انتصاراً للدبلوماسية الصينية، بحسب كثير من المحللين.
أما الملف الثاني الذي تمت مناقشته بين بايدن وشي، دون أن نعرف إذا ما كان هناك أي اختراق قد حدث فيه أم لا، فهو يتعلق بحملة القمع الممنهج التي تنتهجها الصين بحق مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ، بحسب بيان البيت الأبيض.
وبحسب كثير من الحقوقيين والقانونيين الغربيين والأمريكيين، ترقى الممارسات القمعية التي تنتهجها الصين بحق مسلمي الإيغور إلى "الإبادة الجماعية". وكان موقع Responsible Statecraft الأمريكي قد نشر تقريراً بعنوان: "بايدن لا يمكنه تجاهل "الإبادة الجماعية" للإيغور في شينجيانغ"، رصد ما يتعرض له الإيغور من ممارسات قمعية ترقى للإبادة الجماعية، وكيف يمكن لإدارة بايدن التعامل مع تلك الكارثة دون الدخول في صدام مع الصين.
لكن منذ تولي بايدن منصبه وحتى قمته الافتراضية مع شي، يكاد يكون ملف الإيغور غائباً عن اهتمامات الإدارة الأمريكية وأصبحت الإشارة له تتم من خلال الحديث العام عن حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، قال البيت الأبيض في بيانه عقب القمة الافتراضية: "أثار الرئيس بايدن قلقاً إزاء ممارسات جمهورية الصين الشعبية في شينجيانغ والتبت وهونغ كونغ، وكذلك حقوق الإنسان على نطاق أوسع".
ماذا عن تايوان إذن؟
ربما يكون ملف تايوان بالتحديد هو المؤشر الذي يمكن من خلاله الحكم على نتيجة تلك القمة الافتراضية بين بايدن وشي بشأن من منهما حقق أهدافه أكثر من الآخر، في ظل الاستعدادات الصينية المكثفة مؤخراً لإعادة ضم الجزيرة، والرفض الأمريكي لأي تغيير في الوضع الراهن.
كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصر على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر. ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول، إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
فماذا قال شي وبايدن فيما يتعلق بقضية تايوان إذن؟ قال شي لبايدن إن بلاده ستضطر لاتخاذ "تدابير حازمة" إذا تجاوزت القوى المؤيدة لاستقلال تايوان "الخط الأحمر"، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الصينية الرسمية.
ونقلت وكالة أنباء شينخوا عن الرئيس الصيني قوله "تتحلى الصين بالصبر وتسعى لإعادة وحدة سلمية بكل إخلاص ودأب، لكن إذا أقدم المؤيدون لانفصال تايوان على استفزازات أو تجاوزوا الخط الأحمر، فسنضطر لاتخاذ إجراءات حاسمة".
أما بايدن فقد أشار إلى أن الولايات المتحدة تبقى وفيّة لسياسة "الصين الواحدة" مؤكداً أنه "يعارض بشدة" كل محاولة "أحادية لتغيير الوضع الراهن أو الإخلال بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان"، وفق ما جاء في بيان البيت الأبيض الذي نُشر بعد القمة الافتراضية.
قراءة ما بين السطور في تلك البيانات، إضافة إلى تغطية وسائل الإعلام الصينية والأمريكية لما دار بشأن تايوان، تشير إلى أن رسالة شي كانت واضحة وحازمة حول توجه بكين نحو ضم تايوان بالقوة إذا لزم الأمر، بينما التزم بايدن سياسة "الغموض الاستراتيجي"، بمعنى أنه لم يؤكد أو ينفي احتمال تدخل واشنطن عسكريا للدفاع عن الجزيرة حال غزتها الصين.
وفي هذا السياق يرى البعض أن شي حقق أهدافه من اللقاء الأول مع بايدن، بينما يرى فريق آخر أن القمة الافتراضية التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات لم يحقق خلال طرف اختراقاً على حساب الطرف الآخر، وأن العلاقات بين البلدين لا تزال على توترها كما كانت قبل اللقاء.