أصبح اسم زكريا بطرس الأكثر بحثاً خلال اليومين الماضيين، بعد انتشار مقطع فيديو للقس المصري يسب فيه نبي الإسلام ويسخر من المسلمين، فمن هو الكاهن السابق الذي تبرأت منه الكنيسة؟
وكان القس السابق في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية قد أثار غضباً كبيراً في البلاد، بعدما صدرت عنه تصريحات مسيئة للإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ما أدى إلى انتشار دعوات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي لمعاقبته، بينما أصدرت الكنيسة المصرية بياناً تبرأت فيه من الكاهن المثير للجدل.
وكان نشطاء قد تداولوا مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي لزكريا بطرس، تضمن إساءات للإسلام وللنبي محمد، وقال النشطاء إن المقطع يعود إلى سنوات، لكن خلال ساعات قليلة تصدر وسما "إلا رسول الله" و"عاقبوا زكريا بطرس" تريند تويتر في مصر.
الكنيسة تتبرأ من الكاهن المثير للجدل
وأصدرت الكنيسة المصرية بياناً مساء السبت 13 نوفمبر/تشرين الثاني، تبرأت فيه من زكريا بطرس، وقالت فيه إن علاقة الكاهن السابق بها قد انقطعت منذ أكثر من 18 عاماً.
وبحسب بيان الكنيسة، كان زكريا بطرس "كاهناً بمصر، وقدّم تعليماً لا يتوافق مع العقيدة الأرثوذكسية، وتم وقفه لمدة، ثم تم نقله لأستراليا بعد اعتذار، ثم إلى المملكة المتحدة، وعاد يقدم تعليماً غير أرثوذكسي أيضاً، واجتهدت الكنيسة في تقويم فكره".
وأشارت الكنيسة إلى أن بطرس "قدّم طلباً لتسوية معاشه من العمل في الكهنوت، وتم قبوله في 11 يناير (كانون الثاني) 2003″، وتابعت أن الكاهن "منذ وقتها لم يعد تابعاً للكنيسة المصرية الأرثوذكسية أو يمارس فيها أي عمل من قريب أو بعيد".
وأضاف البيان أن بطرس "ذهب بعدها إلى الولايات المتحدة، واستضاف البعض اجتماعاته في بيوت وفنادق، وحذرت إيبارشية لوس أنجلوس شعبها من استضافته وقتها".
مَن هو زكريا بطرس إذن؟
يبلغ زكريا بطرس من العمر 87 عاماً، فهو من مواليد عام 1934 في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة، مجاورة للإسكندرية. وتخرج في كلية الآداب. وتم ترسميه كقس في شبين الكوم ثم نقلته الكنيسة إلى طنطا، وأعادته إلى كنيسة مار مرقص في القاهرة.
وبسبب آرائه وتصريحاته المثيرة للجدل، ليس فقط بسبب هجومه على الإسلام ولكن أيضاً بسبب أسلوبه "غير المرضي" بحسب وصف البابا شنودة رأس الكنيسة المصرية الراحل، نقلته الكنيسة عام 1992 إلى أستراليا للعمل ككاهن في فرع الكنيسة المصرية هناك.
ومنذ بداية عمله في الكنيسة، اتبع بطرس أسلوباً عدائياً أدى إلى خلق مناخ من السخط العام لم يكن قاصراً على المسلمين، بل حذر كثير من القساوسة من أن الكاهن يبحث عن الشهرة وأن مشاكله لا تتعلق فقط بالهجوم على الدين الإسلامي، وإنما ترتبط أيضاً بمفاهيمه ومعتقداته الخاصة بالمسيحية نفسها.
وركز البابا شنودة على مفهوم الخلاص الذي يروج له زكريا بطرس واعتقاد الأخير أن الخلاص يأتي في لحظة وترويجه لذلك، وهو مفهوم خاطئ. وتطرق بيان الكنيسة الصادر أمس السبت لتلك النقطة بالقول إن إن بطرس "يقدم تعليماً لا يتوافق مع العقيدة الأرثوذكسية وتم وقفه لمدة، ثم تم نقله لأستراليا بعد اعتذار، ثم إلى المملكة المتحدة، وعاد يقدم تعليماً غير أرثوذكسي أيضاً، واجتهدت الكنيسة في تقويم فكره".
وبالعودة إلى مسيرته المهنية ككاهن في الكنيسة المصرية، أعادته الكنيسة إلى القاهرة بعد فترة من وجوده في أستراليا، ثم أوقفته فترة عن العمل، وبعدها تم إرساله إلى برايتون في إنجلترا، قبل أن تنتهي علاقته بالكنيسة المصرية تماماً بتقديمه تسوية معاشه وقبولها منذ مطلع 2003.
التواجد في الولايات المتحدة
ومنذ ذلك الوقت، يقيم زكريا بطرس على الأراضي الأمريكية، حيث "يستضيف البعض اجتماعاته في بيوت وفنادق"، بحسب بيان الكنيسة، الذي أضاف أن "إيبارشية لوس أنجلوس قد حذرت شعبها من استضافته وقتها".
وكان بطرس يبث منهجه المتسم بالعنف والهجوم الشرس على الدين الإسلامي عبر برنامج تليفزيوني، يروج فيه الأكاذيب والتضليل عن الإسلام مثيراً الغضب والاستنكار من جانب المسلمين والمسيحيين أيضاً، إذ يمثل المسيحيون ما بين 10 و15% من سكان مصر البالغ نحو 105 ملايين نسمة، بحسب تقديرات الكنيسة المصرية.
وتعددت الأزمات التي تسبب فيها زكريا بطرس على مدار سنوات تواجده في مصر وحتى بعد أن غادرها، فتم تقديم عدد كبير من الدعاوى القضائية بحقه وتعددت مطالبات تجريده من الجنسية المصرية ومحاكمته بتهمة إثارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين.
وفي الولايات المتحدة، أنشأ زكريا بطرس قناة تليفزيونية يبث من خلالها سمومه المرفوضة وغير الأخلاقية، من وجهة نظر المبادئ الإسلامية والمسيحية معاً. وكان قد ظهر لأول مرة عبر قناة فضائية تبشيرية اسمها الحياة تتبنى نهجاً معادياً للإسلام.
وبعد أن أوقفت منظمة "جويس ماير" التبشيرية برنامجه على تلك القناة، افتتح الكاهن المثير للفتنة عام 2001 قناة خاصة به سماها "الفادي"، كانت تبث برامجها في أمريكا والشرق الأوسط.
باحث عن الشهرة ومنبوذ مسيحياً وإسلامياً
يصف كثير من رجال الدين المسيحي زكريا بطرس بأنه "باحث عن الشهرة" أكثر منه رجل دين، ويدللون على ذلك بتكرار الكاهن "المشلوح" -أي الذي قطعت الكنيسة صلتها به تماماً بعد سنوات من محاولات تقييه دون جدوى- الهجوم على الإسلام واستفزاز المسلمين بالتهكم على النبي محمد، حتى يظل بطرس في دائرة الضوء.
وانقسم رجال الدين الإسلامي في مصر، منذ ظهور زكريا بطرس، إلى فريقين فيما يخص أسلوب التعامل معه ومع أكاذيبه وتهجمه على الإسلام، الفريق الأول وهو الأكبر عدداً يرى تجاهل ذلك "الباحث عن الشهرة" وعدم الالتفات له من الأساس، بينما قام فريق آخر بالرد على أكاذيبه ودعاه بعضهم لمناظرات علنية.
وكان زكريا بطرس يرفض المناظرات ويتحجج بأسباب "أمنية"، مواصلاً أسلوبه في التهكم والهجوم على الإسلام والمسلمين، مثيراً الغضب والفتنة بين الحين والآخر.
وفي هذا السياق تأتي موجة الغضب الأخيرة التي اندلعت على منصات التواصل الاجتماعي وتناولتها وسائل الإعلام المحلية خلال الساعات الأخيرة، بعد أن انتشر على منصات التواصل مقطع فيديو للقس المشلوح تضمّن إساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا يظهر تاريخ مقطع الفيديو، لكن نشطاء قالوا إنه يعود لسنوات مضت، وأدى انتشاره الآن إلى موجة غضب عارمة وتصدّر هاشتاج إلا رسول الله و"عاقبوا زكريا بطرس" صدارة ترندات تويتر في مصر حتى صباح اليوم الأحد 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وترجع بداية ظهور هاشتاج (وسم) إلا رسول الله إلى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، رداً على تصريحات إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي وقتها دفاعاً عن إعادة نشر الرسوم المسيئة لنبي الإسلام، وهي التصريحات التي أدت إلى غضب المسلمين حول العالم ووضعت الرئيس الفرنسي في أزمة عنيفة.
وكان وسم إلا رسول الله وقتها قد احتل صدارة تريند تويتر عالمياً لعدة أيام متتالية، وانتشرت أيضاً دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية، مما أجبر ماكرون على الاعتذار عن تصريحاته ومحاولة تبريرها في سياق حرية التعبير عن الرأي.
وعاد الوسم إلا رسول الله مقروناً بوسم عاقبوا زكريا بطرس إلى الواجهة مرة أخرى قبل ساعات، ثم بيان الكنيسة المصرية الذي تبرأت فيه من الكاهن السابق لديها، بينما شارك كثير من المسيحيين في حملة الهجوم على الكاهن المقيم في الولايات المتحدة وطالبوا أيضاً بمعاقبته.