فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على السودان بعد انقلاب الجيش والإطاحة بالحكومة المدنية برئاسة حمدوك، فما سيناريوهات نجاح تلك العقوبات في إعادة المسار الديمقراطي؟
كان السودانيون والعالم قد استيقظوا، الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على حملة اعتقالات، شملت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدداً من وزرائه ومستشاريه وقادة قوى "إعلان الحرية والتغيير"، المكون المدني في السلطة الانتقالية في البلاد، ثم ألقى البرهان بياناً في اليوم نفسه، أعلن خلاله جملة قرارات أنهت عملياً الشراكة بين العسكر والمدنيين في البلاد.
كما قرر البرهان إقالة حكومة حمدوك ومديري الولايات في السودان، وحل مجلس السيادة، وألغى قرار حل المجلس العسكري، وجمّد عدداً من مواد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، بمثابة دستور للفترة الانتقالية في البلاد، وانفرد البرهان وزملاؤه في المجلس العسكري بالسلطة في البلاد.
وعقب الإطاحة بحكومة حمدوك من جانب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، جمَّدت الولايات المتحدة مساعدات بقيمة 700 مليون دولار وطالبت بإعادة الحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون. وعلَّق الاتحاد الإفريقي أيضاً عضوية السودان بالاتحاد، وأوقف البنك الدولي منح تنمية بقيمة ملياري دولار للبلاد.
وطُرِحَ في وقتٍ سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مشروع قانون في الكونغرس الأمريكي يدين الانقلاب ويدعو وزير الخارجية الأمريكي لـ"التحديد الفوري لقادة الانقلاب، والمتواطئين معهم، ومُمكِّنيهم من أجل النظر في استهدافهم بعقوبات موجهة".
العقوبات.. من يدفع فاتورتها؟
نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً عنوانه "هل يمكن أن تحول العقوبات السودان إلى ليبيا أو يمن جديد؟"، رصد آراء مختلف التوجهات بشأن سلاح العقوبات وما قد يعنيه بالنسبة للسودان والسودانيين.
إذ تنقسم الأحزاب السياسية والنقابات والنشطاء السودانيون حول الإجراءات العقابية التي فرضها المجتمع الدولي على السودان عقب الانقلاب، لاسيما حول ما إن كان ينبغي فرض المزيد من العقوبات على قادة الجيش الذين قادوا الانقلاب أم لا.
وينظر بعض أولئك المعارضين للانقلاب إلى هذه الخطوات باعتبارها ضغوطاً يمكن أن تساهم في هزيمة الجنرالات، في حين يستعد آخرون لقبولها ببعض الشروط. ونظر قسم أخير إلى العقوبات بارتياب، معتبرين إياها تدخلاً خارجياً في شؤون البلاد.
وحذَّر بعض المحللين من أنَّ مثل هذه الخطوات من جانب المجتمع الدولي قد تؤدي إلى عدم استقرار في البلاد، على غرار العراق وليبيا واليمن وبلدان أخرى، وتترك السودان تحت رحمة اللاعبين الإقليميين والدوليين. ويخشى كثيرون من أنَّ المواطنين السودانيين العاديين وليس قادة الجيش هم مَن سيعانون من جراء العقوبات.
ومن بين أولئك الذين يرحبون بالتدخل الغربي "قوى الحرية والتغيير"، التي ساعدت في قيادة الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس الذي حكم طويلاً، عمر البشير، في أبريل/نيسان 2019.
فشدد الواثق البرير، القيادي بقوى الحرية والتغيير، على أنَّ القوى تدعم بقوة الضغوط الخارجية على الجيش، باعتبار ذلك أحد الأدوات الرئيسية لإنهاء الانقلاب.
ماذا عن موقف قوى "الحرية والتغيير"؟
صرَّح قيادي آخر بقوى الحرية والتغيير، الذي يرغب في عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye البريطاني: "نحن على اتصال كامل مع مؤسسات دولية مختلفة، إلى جانب هيئات حكومية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الكونغرس. لذا نحن على علم بالتحرك الأمريكي للاعتراف بحكومة حمدوك والوقوف ضد أي حكومة يختارها الحاكم العسكري عبد الفتاح البرهان".
وقال المصدر أيضاً إنَّ قوى الحرية والتغيير ترغب في الحصول على تطمينات بأنَّ أي اعتراف بحكومة حمدوك على حساب قادة الانقلاب سيأتي مصحوباً بضمانات من السعودية والإمارات ومصر بعدم دعم الجيش. وأضاف: "نحن حريصون على عدم تكرار سيناريوهات انعدام استقرار البلاد، كما في ليبيا أو اليمن، حيث توجد في كلٍّ منهما حكومتان يمكن أن تقسما البلد نفسه".
أما وليد علي، المتحدث باسم "تجمع المهنيين السودانيين"، الذي ساعد أيضاً في قيادة الحركة الاحتجاجية في 2019، فقد صرح للموقع البريطاني قائلاً: "إنَّنا في الحقيقة لا نعترف بالجيش أو قوى الحرية والتغيير، وليس لنا شأن بما يُسمَّى المجتمع الدولي".
وأضاف: "يعتمد تجمع المهنيين السودانيين على الشعب السوداني فقط، ويتمسك بمطالب الثورة، وليس بمطالب المجتمع الدولي، سواء كانت مطالب الولايات المتحدة أو غيرها".
في غضون ذلك، صرَّح عضوٌ بارز بالحزب الشيوعي، والذي طلب هو الآخر عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye، بأنَّ أي تدخل دولي في البلاد مرفوض، وأنَّ الحزب سيحشد الشعب للوقوف ضده.
وقال المصدر: "الحزب الشيوعي معارض للانقلاب العسكري، وطالب أنصاره بالوقوف ضده، لكنَّنا نعطي الأولوية لسيادة بلدنا أكثر من أي شيءٍ آخر. المجتمع الدولي لن يغير الوضع على الأرض أو توازن القوى".
ماذا عن موقف قادة الانقلاب؟
رفض الجيش السوداني، على نحو غير مفاجئ، أي نوع من التدخل الأجنبي، قائلاً إنَّه يريد التوافق مع العالم، لكنَّه حريص على "تصحيح مسار" الانتقال الديمقراطي.
فصرَّح مصدر عسكري، طلب عدم الكشف عن هويته، لموقع Middle East Eye: "نحن مؤيدون للتعاون المتكافئ مع العالم، وكل أصدقائنا في المنطقة، لكنَّنا لا نقبل التدخل الأجنبي الذي يحاول فرض أي شيء علينا".
وقال كاميرون هدسون، الدبلوماسي الأمريكي السابق والزميل الحالي بمركز أبحاث "المجلس الأطلسي"، للموقع، إنَّه يعتقد أنَّ العقوبات الأمريكية لن تؤثر سلباً على المواطنين السودانيين.
وأضاف: "العقوبات الأمريكية الموجهة ستُفرَض فقط على الجنرالات الأفراد وشركات معينة مملوكة للجيش. والهدف هو تسليط ضغط موجه على الجيش وفرض تكلفة عالية على (جنرالاته) شخصياً لقاء تصرفاتهم، وليس على الشعب السوداني".
وتابع: "يريد المجتمع الدولي تجنُّب نتيجة عنيفة أكثر من أي شيءٍ آخر، لكنَّني أخشى من أنَّ ما سنكون على استعداد للقبول به أقل بكثير مما يطالب به الشعب السوداني. وفي نهاية المطاف، إذا لم يكن الشعب راضياً بأي صفقة تُبرَم، فإنَّها ستكون صفقة غير مستدامة في النهاية. ولا يسعنا تحمُّل مواصلة تأجيل هذه الأسئلة الكبرى حول دور الجيش في البلاد".
سيناريو ليبيا واليمن
حذَّر خالد التيجاني النور، وهو محلل سياسي سوداني، أيضاً من أنَّه في حين قد يفرض دعم الغرب لحمدوك ضغوطاً على الجيش، فإنَّه قد يضع السودان أيضاً على الطريق نحو ذلك النوع من الانقسامات وعدم الاستقرار الذي يمكن رؤيته في ليبيا واليمن.
وصرَّح النور للموقع البريطاني بأنَّ السودان كان بالفعل في حالة هشة، وأنَّ الانقلاب قد عقَّد الوضع أكثر، ورأى أنَّه في حين يعارض غالبية الشعب السوداني الانقلاب، فإنَّ فتح الباب أمام التدخل الخارجي قد يكون له تأثير سلبي على البلاد.
وأضاف: "المجتمع الدولي دائماً يمنح الأولوية للأمن على حساب العدالة أو الديمقراطية في البلدان الهشة مثل السودان، لذا يجب ألا نكون معتمدين على أي أحد سوى أنفسنا. علينا أن نفهم لعبة السياسة الدولية، وكيف تتحرك المصالح طوال الوقت".
وتابع: "من ثَمَّ، فإنَّ دينامية السياسة الدولية هي دعم حكومة حمدوك الآن، لكنَّ ذلك لن يستمر إلى الأبد، خصوصاً في ظل محاولة البرهان التعامل مع مخاوف ومصالح الغرب في السودان، مثل التطبيع مع إسرائيل، وتنفيذ سياسات اقتصادية إلى جانب تطمينات أخرى".
يعتقد خالد سعد، وهو محلل سياسي سوداني آخر، هو أيضاً أنَّه في حين ستساعد الضغوط الدولية في عزلة الحكام العسكريين، فإنَّها ستدفع السودان أيضاً للعودة للخضوع إلى النفوذ الإقليمي والدولي.
وقال سعد لموقع Middle East Eye: "نعلم أنَّ السودان كان يحاول على مدار العامين الماضيين الخروج من موقع الخضوع لمحاور النفوذ الإقليمية والدولية، لكنَّ هذا الانقلاب سيعيدنا إلى هناك مجدداً".
وأضاف: "سيؤدي تدخل الغرب إلى تدخلات من روسيا والصين القريبتين من الجيش، لذا سيؤثر هذا السباق على البلد بصورة خطيرة أيضاً. ولا تنسوا أيضاً تأثير دول الجوار التي يستخدمها الغرب للحفاظ على نفوذه في البلد. علينا أن نتعامل مع صراع المصالح هذا بحكمة كي نعيد الديمقراطية إلى بلدنا دون فقدان سيادتنا الوطنية".
واختتم هدسون بالقول إنَّه في حين قد يؤدي التراجع عن الانقلاب في تخفيف بعض الضغوط السياسية، فإنَّه لن يحل المشكلات الأساسية التي كانت تُقوِّض عملية الانتقال.
وقال: "هناك سعي لمحاولة التراجع عن هذا الانقلاب وإعادة عملية الانتقال إلى المسار الذي كانت عليه، لكنَّ هذا يتجاهل حقيقة أنَّ الانقلاب كان مجرد عَرَض لمشكلات أخرى أكثر جوهرية في عملية الانتقال".