مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في غلاسكو، تستمر معاناة مصر -أكبر دولة بالشرق الأوسط من حيث تعداد السكان- من آثار تلك التغييرات على إنتاج القمح العالمي.
إذ تسبَّب نقص المخزون المعروض وزيادة الطلب العالمي في ارتفاع أسعار القمح إلى أعلى مستوياتها بالأسواق العالمية منذ عام 2012. وما زاد الطين بلّة أنّ روسيا، أحد أهم الموردين إلى مصر، فرضت ضرائب جديدة على صادرات القمح. ويأتي ذلك في أعقاب موسم حصاد ضعيف خلال فصل الربيع، ليحمل أنباءً سيئة للغاية لمصر، أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم.
كيف تتضرر مصر بشدة من ارتفاع أسعار القمح؟
في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، حجزت الهيئة العامة للسلع التموينية 180 ألف طن من القمح الروسي المطحون مقابل 332.55 دولاراً للطن. وهو سعرٌ أغلى بخمسة دولارات مما كانت تدفعه الهيئة لموردي القمح الرئيسيين، روسيا ورومانيا وأوكرانيا، قبل أسبوعٍ واحد فقط. كما أنّ أحدث سعرٍ للطن يُعتبر أغلى بنحو 80 دولاراً مما توقعته الحكومة في موازنتها للسنة المالية 2020-2021.
ويقول محللون لموقع Middle East Eye البريطاني، إن هذه الفجوة الكبيرة بين المتوقع والواقع تعكس التحديات التي يفرضها تغيّر المناخ على قدرة البلدان على تأمين احتياجاتها الغذائية.
حيث قال محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة المصرية، لـMiddle East Eye البريطاني: "تسبّب تغيّر المناخ في خسائر فادحة للإنتاج الزراعي، ليس هنا فقط، بل في جميع أنحاء العالم. ويجب أن يتحرّك العالم؛ من أجل الحيلولة دون أن تلقي ظاهرة التغيّر المناخي بظلالٍ أكبر على مستقبلنا".
"الأضرار على مصر من سيئ لأسوأ"
إذا استوردت مصر هذا العام كمية القمح نفسها التي استوردتها العام الماضي، فسترتفع قيمة فاتورة استيراد القمح بنحو مليار دولار. كما ستتفاقم الأضرار المالية على البلاد في حال ارتفع سعر القمح أكثر خلال الأسابيع المقبلة، خاصةً مع التوقعات المتشائمة حول الإنتاج العالمي وزيادة الطلب.
حيث تسبّبت ظاهرة الاحترار العالمي في دمارٍ هائل للإنتاج الزراعي الخاص بالمحاصيل المهمة، مثل المانجو والزيتون. كذلك يُهدّد ارتفاع درجات حرارة الأرض بإغراق بعض الأراضي المنخفضة في مصر بالقرب من ساحل البحر المتوسط الشمالي.
وهذا السيناريو قد يعني فقدان مصر أكثر أراضيها الزراعية خصوبة، خاصةً في دلتا النيل، وربما يتسبّب في نزوح عددٍ كبير من سكان الدلتا. وقد استشهد بعض الحاضرين في مؤتمر غلاسكو بمصر وهم يدقون نواقيس الخطر بشأن أضرار تغيّر المناخ على المناطق الساحلية.
وفي الوقت ذاته تسعى مصر إلى تخفيف آثار ارتفاع أسعار القمح العالمية. إذ تضمنت التدابير تشجيع المزارعين المحليين على زراعة مزيد من القمح، بعد أن رفعت الحكومة السعر الذي تدفعه للمزارعين المحليين مقابل حبوب القمح بنسبة 20% في الموسم الجديد.
استهلاكٌ مرتفع للخبز في مصر
زرعت مصر نحو 3.63 مليون فدان بالقمح في عام 2020، بينما بلغ حجم إنتاج القمح المحلي 8.9 مليون طنٍ العام الماضي. لكن هذا الإنتاج لا يُغطّي سوى أقل من 50% من الاستهلاك السنوي في البلاد، مما يُجبر مصر على الاعتماد بشدة على الواردات.
ويرجع هذا الاعتماد إلى الطلب المحلي الكبير على الخبز، الذي يُعتبر جزءاً لا يتجزأ من غذاء المصريين لمئات السنين. ويُطلق المصريون على الخبز اسم "العيش"، أي "الحياة" باللغة العربية.
كما تُعاني مصر من محدودية قدرتها على زيادة إنتاج القمح، ويُعتبر نقص المياه من العوامل المسببة لذلك.
وفي محاولةٍ لمواجهة نقص المياه، تدرس مراكز الأبحاث القومية سلالات قمح مقاومة للجفاف وأقل استهلاكاً للمياه من الأنواع التقليدية.
كما تدرس الحكومة أيضاً خفض الدعم على الخبز بزيادة سعره على المشتركين في منظومة التموين الوطنية، حيث خصّصت الحكومة 3.3 مليار دولار من موازنة 2021-2022 لدعم الخبز، بزيادة نحو 300 مليون دولار عن العام الماضي.
وتضم منظومة التموين الوطنية أكثر من 88% من سكان مصر، البالغ تعدادهم 102 مليون نسمة. وفي حال خفض الدعم، ستكون هذه أول زيادة رسمية على أسعار الخبز منذ عام 1977. وهناك مخاوف من أن خطوةً مثل هذه قد تُؤجّج الغضب في الشارع المصري، خاصةً مع ارتفاع أسعار السلع الأخرى -وبالتحديد المواد الغذائية- في مختلف الأسواق المحلية.
إذ قال محمد العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" غير الحكومية، للموقع البريطاني: "ستواجه الحكومة خطراً كبيراً في حال قرّرت رفع أسعار الخبز. ومن المحتمل أن يتسبّب الغضب العام حينها في تهديد أمن الدولة".
عقود تحوُّط لاستيراد القمح
في الشهر الماضي، اضطرت مصر إلى إلغاء مناقصة القمح للمرة الرابعة في العام الجاري، بسبب ارتفاع الأسعار.
ولتجنُّب تعطيل الإمداد من الأسواق العالمية، قررت القاهرة التعاون مع بنك استثمار دولي من أجل توقيع عقود تحوُّط لاستيراد القمح. إذ قال وزير التموين الأسبوع الماضي، إنّ هذه العقود سوف تحمي مصر من تقلبات الأسعار العالمية مستقبلاً.
في حين أفاد عبد المنعم خليل، المسؤول البارز بوزارة التموين، لموقع Middle East Eye: "ستحمينا هذه العقود من أي ارتفاعات حادة في أسعار هذه السلع. لا يمكن أن يتوقع أحدٌ أسعار الأسواق العالمية، ومن هنا تنبع أهمية هذه العقود".
وهناك مخاوف من أن يُؤدي استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية المتوقع، إلى جانب بعض تدابير الحكومة المذكورة أعلاه وانخفاض العرض وارتفاع الطلب، إلى فتح الباب على مصراعيه أمام موجة تضخّم جديدة.
إذ كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات التضخم في البلاد خلال الأشهر الماضية، حيث ارتفع معدل التضخم الرئيسي إلى 6.6% خلال شهر سبتمبر/أيلول، وهو أعلى معدل منذ 20 شهراً، مقارنةً بـ5.7% في أغسطس/آب، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كما قفزت أسعار بعض السلع في السوق المحلي بنسبةٍ تجاوزت 50%. وقد أدت المخاوف من فرض زيادات جديدة إلى إثارة الدعوات التي تُطالب السلطات بحماية ملايين المصريين المهددين من موجة تضخّم جديدة. إذ قال العسقلاني: "يجب على الحكومة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الفقراء، عن طريق توسيع شبكات الحماية الاجتماعية لهم".