الإعلان المفاجئ بين الصين وأمريكا عن اتفاق لإنقاذ مؤتمر المناخ يمثل خبراً ساراً بلا شك، لكن هل تتخذ بكين وواشنطن خطوات جادة لتخفيض الانبعاثات الكربونية أم أن الأمر لا يعدو كونه مناورة سياسية تهدف إلى تخفيف التوتر بينهما؟
ومع قرب انتهاء مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو (كوب 26)، المستمر منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، عبَّر كثير من نشطاء البيئة وخبراء المناخ عن خيبة الأمل فيما يتعلق بما يمكن أن يخرج به التجمع الضخم، رغم وصفه بأنه "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ الأرض من التداعيات الكارثية للتغير المناخي قبل فوات الأوان.
وانطلقت القمة التي تستضيفها المملكة المتحدة منذ الإثنين 1 نوفمبر/تشرين الأول، بمشاركة ممثلين لـ200 دولة، والهدف الأساسي لها هو الحفاظ على الهدف الذي تم الاتفاق عليه في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وهو عدم زيادة درجة حرارة الأرض على 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050.
الاتفاق الصيني الأمريكي
المقصود بمصطلح التغير المناخي هو التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مُسببةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها؛ مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار: نقص الغذاء.
وكان بوريس جونسون، رئيس وزراء بريطانيا، قد وصف قمة الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي (COP26) بأنها تمثل "نقطة تحوُّل للبشرية". كما وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، العام الجاري، بأنه يمثل "جرس إنذار" للبشرية قبل أن يفوت أوان إنقاذ الكوكب من تداعيات التغير المناخي.
والأربعاء 10 نوفمبر/تشرين الثاني، كشفت الولايات المتحدة والصين النقاب عن اتفاق لزيادة التعاون بينهما؛ لعلاج آثار التغير المناخي، بما يشمل خفض انبعاثات الميثان، والتخلص التدريجي من استهلاك الفحم، وحماية الغابات.
وأعلن عن الاتفاق الإطاري كلٌّ من جون كيري المبعوث الأمريكي المعنيّ بملف المناخ ونظيره الصيني تشي جين هوا، بعد أن كان رئيس مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ قد أقر بأن الالتزامات التي أعلنتها الدول حتى الآن في المحادثات بشأن المناخ لن تفعل الكثير لترويض ظاهرة الاحتباس الحراري، ودعاهم إلى العمل على توقيع اتفاق طموح خلال اليومين المتبقيَين من المحادثات.
وقال كيري في مؤتمر صحفي: "أظهرنا معاً دعمنا لنجاح قمة (كوب 26)، بما يشمل بعض البنود المحددة التي من شأنها تعزيز الطموحات، لكن اسمحوا لي بأن أوضح أن هذا الإعلان خطوة يمكننا البناء عليها من أجل سد الفجوة… كل خطوة مُهمةٌ الآن، ونحن أمامنا طريق طويل".
وأضاف، بحسب رويترز: "لذلك يجب علينا التحرك بشكل أسرع وخفض انبعاثات الميثان أيضاً بشكل أسرع، وعلينا الاستمرار في رفع سقف الطموحات، والأهم من ذلك كله، علينا اتخاذ إجراءات من أجل الحفاظ على هدف (الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض) عند 1.5 درجة مئوية".
ومن جانبه قال كبير المفاوضين في الوفد الصيني إلى مؤتمر المناخ، إن بكين ملتزمة بتحسين التعاون مع واشنطن في مجال العمل لمواجهة تغير المناخ. وقال تشي جين هوا للصحفيين في المؤتمر، متحدثاً عبر مترجم، إن الصين ستعزز أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات، وتعتزم تطوير خطة وطنية بشأن الميثان.
وأضاف: "سيعمل الجانبان معاً ومع أطراف أخرى لضمان نجاح مؤتمر كوب 26 وتسهيل التوصل إلى نتيجة تكون طموحة ومتوازنة في الوقت نفسه".
ماذا يعني ذلك للتغير المناخي؟
بعد أن أصبحت صور الفيضانات والحرائق تتصدر عناوين الصحف حول العالم، سارع خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة بإصدار توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب، وهي التوقعات التي مثَّلت "جرس إنذار للجميع"، بحسب وصف ألوك شارما الوزير البريطاني ورئيس مؤتمر المناخ في غلاسكو.
سيل الكوارث المناخية في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية مروراً بموجات القيظ في كندا، كان السببَ في تسريع قيام العلماء بالكشف عن التقييمات الجديدة والتوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات المحيطات وحتى اشتداد الظواهر المناخية القصوى.
لكن على الرغم من خطورة الأمر وتأثيره على أغلب دول العالم، حذَّر كثير من الخبراء من أن الأجواء المصاحبة لانعقاد مؤتمر غلاسكو لا تدعو إلى التفاؤل بأن يتحقق الهدف المرجو، وذلك على خلفية عدد من المؤشرات، أبرزها غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والحالة السياسية العامة المتسمة بالاستقطاب، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط ومطالبة الرئيس الأمريكي الدول المنتجة بزيادة الإنتاج لمواجهة الطلب المتزايد.
وكانت مجلة Politico الأمريكية قد رصدت تلك الأجواء، في تقرير لها بعنوان "لماذا لن تنقذ قمة المناخ COP26 كوكب الأرض؟"، وخلص التقرير إلى أن قمة غلاسكو للمناخ على الأرجح ستفشل في تحقيق الهدف الذي تنعقد لتحقيقه، على الرغم من أن قادة العالم على الأرجح لن يعترفوا بهذا الفشل بعد ختام القمة خلال أسبوعين.
وبالفعل غاب شي عن القمة، ووجَّه إليه الرئيسُ الأمريكي اللوم، معتبراً غيابه "خطأً كبيراً"، لكن ما اتفق عليه بايدن وباقي قادة مجموعة العشرين في روما، قبل توجههم إلى غلاسكو، أصاب خبراء المناخ بالإحباط، إذ لا يبدو أن هدف 1.5 درجة مئوية يمكن أن يتحقق؛ بل إن جونسون نفسه حذَّر من أن مدناً -منها مدينة الإسكندرية المصرية- قد تختفي من على الخريطة بفعل التغير المناخي.
وعود متكررة بتخفيض الانبعاثات الكربونية
تعتبر الصين الدولةَ الأولى عالمياً من حيث الانبعاثات الكربونية المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، تليها الولايات المتحدة في المرتبة الثانية. ويمثل البلدانِ معاً نحو 40% من إجمالي التلوث بالكربون الذي يؤدي إلى التغير المناخي وتوابعه الكارثية على الطقس حول العالم، ويليهما الاتحاد الأوروبي ثم الهند وروسيا.
ورغم الوعود المتكررة من جانب بكين وواشنطن، وغيرهما من الدول الكبرى، بالعمل على تخفيض تلك الانبعاثات الكربونية وغيرها مثل غاز الميثان، فإن تلك الدول الصناعية لا تلتزم بتطبيق تلك الوعود في نهاية المطاف، لأسباب متنوعة، أبرزها التنافس الاقتصادي والاعتماد على الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم أيضاً، إلى جانب التعقيدات السياسية التي يخشاها قادة تلك الدول وأبرزها الصدام مع الشركات الكبرى.
وقالت جنيفيف مارسيل، مديرة إجراءات سياسة المناخ الأمريكية في منظمة الصندوق العالمي للطبيعة، إن الإعلان (الصيني-الأمريكي) قدَّم "أملاً جديداً" بأن يتم تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة عالمياً عن 1.5 درجة مئوية، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
لكنها أضافت قائلة: "علينا أن نكون واضحين حيال كل ماهو لا يزال مطلوباً إذا ما أرادت الدولتان الإيفاء بالالتزامات المتعلقة بالخفض الضروري للانبعاثات خلال السنوات التسع القادمة".
وحذَّرت جينيفر مورغان، المديرة التنفيذية لمنظمة "غرينبيس" العالمية، من أنه يتعيّن على الصين والولايات المتحدة إظهار التزام أكبر بالوصول إلى الأهداف المناخية.
وقال رئيس الوزراء الأسترالي السابق كيفين رود، الذي يرأس الجمعية الآسيوية التي تعمل على الاتفاقيات العالمية حول التغير المناخي، لـ"بي بي سي"، إن الاتفاقية "ليست من الاتفاقيات التي ستغير قواعد اللعبة" لكنها خطوة كبيرة إلى الأمام.
وأضاف: "إن الحالة الجيوسياسية الراهنة بين الصين والولايات المتحدة تعتبر سيئة، ومن ثم فإن حقيقة أن بإمكانك انتزاع هذه الاتفاقية بين واشنطن وبكين في هذا الوقت تعتبر مهمة".
الاتفاق الإطاري بين بكين وواشنطن يمثل خطوة جيدة إلى الأمام إذاً، لكن يخشى كثير من المحللين وخبراء المناخ أن يكون الإعلان خطوة سياسية بالأساس تهدف إلى تقليل الضغوط عن إدارتي البلدين الأكبر، دون أن تؤدي بالفعل إلى اتفاقيات ملزمة في إطار الهدف الأهم وهو الابتعاد عن موارد الطاقة الملوثة قبل فوات الأوان.