عمد الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى الاستعانة بمسؤولين سابقين من عهد الرئيس المعزول عمر البشير، لشغل مناصب في الجهاز الإداري للدولة، فيما يراه معارضون علامة على أنهم يسعون لتعزيز سيطرتهم على البلاد بعد الاستئثار بالسلطة في انقلاب.
ويقول محللون إن القائد العسكري، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي لا يملك قاعدة سياسية، لجأ إلى تحالف قائم على المصلحة مع شخصيات ساعد في إبعادها عن السلطة عند الإطاحة بالبشير في 2019.
وتشير هذه التحركات إلى أن البرهان يسعى لإحكام قبضة المؤسسة العسكرية على السلطة، متجاهلاً الدعوات التي أطلقها قطاع كبير من المجتمع الدولي للعودة إلى ترتيب اقتسام السلطة بين المدنيين والعسكريين، الذي كان من شأنه أن يؤدي إلى إجراء انتخابات في العام 2023.
ولم يتسن الاتصال بمستشار البرهان الإعلامي للتعليق.
ونفى مصدر رفيع، مازال يعمل في الحكومة، أن من تم تعيينهم مؤخراً من "فلول" حكم البشير، وقال إن ترشيحاتهم تمت وفق الإجراءات الإدارية المعتادة.
هل هم من بقايا النظام السابق؟
ومع ذلك فإن التعيينات المعلنة لمسؤولين سابقين كبار من عهد البشير منذ الانقلاب شملت هويدا الكريم، وكيلة وزارة العدل، وعلي الصادق، وكيل وزارة الخارجية، ومحمود الحوري، وكيل وزارة التربية والتعليم.
وقال الصادق لرويترز إنه تولى منصبه من منطلق الأقدمية.
وقال لرويترز "لست منتسباً لأي نظام سابق، وأنا أؤدي عملي كموظف عمومي".
ولم يتسن الاتصال بهويدا الكريم ومحمود الحوري.
وتم أيضاً تعيين مسؤولين في مناصب عليا في بنوك الدولة ووسائل الإعلام والحكومة الإقليمية في ولاية الخرطوم وولايات أخرى.
ويقول معارضون إن البرهان ربما يشدد المعارضة الشعبية لاستيلاء الجيش على السلطة، ويضيق بذلك المساحة المتاحة للمصالحة بتعيين مسؤولين سابقين من عهد البشير، الذي ارتبط في أذهان الكثيرين من السودانيين بسنوات العزلة والعقوبات الأمريكية.
وفي الوقت نفسه يقول موظفون حكوميون وجماعات سياسية إنه يجري عزل موظفين عموميين، تم تعيينهم في مناصبهم في ظل تحالف قوى الحرية والتغيير المدني، الذي كان يتقاسم السلطة مع الجيش قبل الانقلاب، أو تكليفهم بمهام أخرى.
ويرى كثير من السودانيين أن تغيير المتخصصين غير السياسيين كان من المكاسب الملموسة القليلة التي تحققت في الفترة الانتقالية.
اعتقالات
في علامة على الخلاف المتنامي بسبب التعيينات تم القبض على العشرات في اعتصام لمعارضة تسليم مناصب لمسؤولين عينهم الجيش في مبنى وزارة التعليم بولاية الخرطوم، يوم الأحد، وذلك حسب ما أعلنته لجنة المعلمين.
وفي بيان صدر يوم الأربعاء، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، رفض مسؤولو الصحة في ولاية الخرطوم عزلهم من مناصبهم وتعيين من وصفوهم بأنهم استسلموا للجيش وخانوا العهد وتبرأوا من الثورة.
ومما استهدفه الانقلاب أيضاً لجنة شُكلت لتفكيك حكم البشير، بوضع اليد على أصول، وإبعاد الموالين له من المناصب العامة.
وقد تم القبض على عدد من كبار أعضاء اللجنة، وأعلن البرهان مساء يوم الثلاثاء تشكيل لجنة لمراجعة عمل هذه اللجنة.
وفي الوقت نفسه ظهر على قنوات تلفزيونية طوفان من "المحللين الاستراتيجيين" الذين يدافعون عن الانقلاب، وبعضهم من الأنصار المعروفين لحزب البشير، حزب المؤتمر الوطني الذي تم حله.
وقد انزعجت الفصائل المدنية المصممة على إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب.
وفي بيان يحث على المقاومة السلمية للانقلاب، أكد المكتب السياسي لحزب الأمة القومي السوداني "موقف الحزب الرافض لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، ومقاومته بكل السبل السلمية".
كما قال المكتب السياسي إنه يرفض "كل القرارات الصادرة عن قائد الانقلاب، والخاصة بفصل قيادات الخدمة المدنية غير الموالية للانقلاب واستبدالهم بكوادر المؤتمر الوطني المندحر".
واتهمت شبكة الصحفيين السودانيين الجيش باستخدام شخصيات من حزب المؤتمر الوطني في تطهير الموظفين العموميين الذين عينتهم الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالبشير، والتضييق على اللجان النقابية وقيادات حملة العصيان المدني المناهضة للانقلاب.
وقد واصل حزب المؤتمر الوطني إصدار البيانات قبل وقوع الانقلاب رغم حله، غير أنه لم يصدر أي تعليق علني على الانقلاب.
حركة الاحتجاج
أوقف الانقلاب العمل باتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، الذي تم التوصل إليه في 2019، بعد إطاحة الجيش بالبشير في أعقاب احتجاجات شعبية استمرت شهوراً. وقاد البرهان المجلس الحاكم المشترك بين الطرفين، غير أنه كان من المقرر أن يسلم القيادة لشخصية مدنية قبل انتخابات 2023.
وبعد اعتقال شخصيات مدنية رفيعة ووضع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قيد الإقامة الجبرية، في 25 أكتوبر/تشرين الأول، قال البرهان إنه سيعلن تشكيل حكومة من المتخصصين، لكنه لم يفعل ذلك حتى الآن. وتعثرت جهود شاركت فيها الأمم المتحدة لتأمين الإفراج عن الساسة والعودة إلى اتفاق تقاسم السلطة.
وقال المحلل السوداني مجدي الجزولي إن البرهان استغل الوقت في تعيين الموالين للجيش والدولة، في مناصب تمثل مفاصل مهمة في السيطرة على البنية التحتية والبنوك والتجارة.
وأضاف أنه "يفعل ما يفعله كل حاكم من فرز للجهاز الإداري والعثور على الموالين له. وهو يخلق أمراً واقعاً قبل (تشكيل) مجلس الوزراء".
وقد قال البرهان إنه حل الأجهزة الانتقالية للحيلولة دون تسبب التنازع بين الفصائل السياسية المعارضة للجيش في زعزعة استقرار البلاد. وهو يقول إنه ملتزم بالانتقال الديمقراطي، وإن الانتخابات ستجرى في 2023.
وتطالب حركة الاحتجاج الجيش بالانسحاب من المسرح السياسي بالكامل. وكانت الحركة هي التي قادت المظاهرات المناهضة للبشير وحشدت الجماهير مرة أخرى في الفترة التي سبقت الانقلاب، في 25 أكتوبر/تشرين الأول.
ورغم أن قطع خدمات الإنترنت أعاق حملة العصيان المدني يومي الأحد والإثنين الماضيين فقد خرج مئات الآلاف في مظاهرات شعبية؛ احتجاجاً على الجيش، ومن المقرر تنظيم مسيرة مليونية أخرى، يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
كما يواجه البرهان الأزمة الاقتصادية التي كانت سبباً في الانتفاضة على البشير واستمرت حتى الإطاحة به. فقد توقفت المساعدات التي كانت قد بدأت تتدفق من الغرب لمساعدة السودان في الانتقال السياسي، كما تم تقديم مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي، يدعو إلى فرض عقوبات على قيادات الانقلاب.
وأي تحالف قوي بين البرهان وفصائل تابعة للنظام السابق قد يواجه موقفاً عسيراً بسبب استياء هذه الفصائل من دور البرهان كقائد للجيش في الإطاحة بالبشير عام 2019.
وتربط البرهان علاقات وثيقة بالإمارات العربية المتحدة والسعودية وكذلك مصر.
لكن مصادر دبلوماسية قالت إن هذه القوى الإقليمية، التي بذلت جهوداً كبيرة لمحاصرة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين، ستعترض على أي تحالف بين البرهان وحلفاء البشير الإسلاميين.