بعد غياب لفترة حساسة عن المشهد السياسي عاد الفريق أول السوداني محمد حمدان قائد قوات الدعم السريع في السودان، إلى العلن لإلقاء كلمة أكد فيها دعمه للانقلاب العسكري بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
ولم يسبق أن تحدث حميدتي، علناً عن الانقلاب حتى مساء يوم الأحد 7 نوفمبر/تشرين الثاني. وقال في الخطاب الذي نُشر على صفحته على فيسبوك إن البرهان جاء "لتصحيح مسار ثورة الشعب والمحافظة على أمن واستقرار البلاد".
يقول أحد المحللين المقيمين في الخرطوم، فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لموقع Middle East Eye إن حميدتي بدا وكأنه ينقل خطاباً ضد إرادته، وإنه يرى أنه لم يكن ينوي الظهور علناً. وقال المحلل: "لكنه على ما يبدو أُجبر- ربما من البرهان- على التحدث علانية بسبب موقف الانقلاب الضعيف".
وقال المحلل لموقع Middle East Eye: "هو ليس ضد الانقلاب لكنه ضد توقيت الإعلان عن دعمه. فهو شديد الحذر مع صورته العامة، لكن يبدو أن البرهان ضغط عليه لتسجيل هذا المقطع".
ولكن رغم مشاركة حميدتي في اجتماعات مع مبعوثين دوليين وأطراف معنية أخرى، فهو نفسه التزم الصمت. وقال محللون لموقع Middle East Eye إنه كان يمارس لعبة الانتظار، تماماً مثلما فعل خلال ثورة 2019 التي أطاحت البشير.
إذ كان حميدتي وقوات الدعم السريع التابعة له يؤدون دور الحراس الشخصيين للبشير وشخصيات بارزة في حزبه، المؤتمر الوطني، حتى أصبح جلياً أنه لا يوجد خيار آخر سوى عزل الرجل الذي حكم السودان لثلاثة عقود.
زعيم حرب سابقاً، ومستخدم معتمد للشبكات الاجتماعية حالياً
لفت ظهور قنوات حميدتي على الشبكات الاجتماعية في مقطع الخطاب الذي بُث مساء يوم الأحد الانتباه. فصحيح أن القائد العسكري لديه صفحة على فيسبوك منذ أبريل/نيسان عام 2020، ولكن أصبح لديه الآن حساب موثق على إنستغرام، وحساب على تويتر وقناة على يوتيوب.
وطلب موقع Middle East Eye من فيسبوك تأكيد موعد اعتماد حساب حميدتي على إنستغرام.
ومنذ بدأ الانقلاب، انتشرت شائعات عن العلاقة بين البرهان وحميدتي. يقول باتريك سميث، محرر موقع Africa Confidential، لموقع Middle East Eye إن "هذه العلاقة غريبة. فهما خائنان لبعضهما".
وقال: "المصريون يفضلون البرهان لأنه تدرب في القاهرة. أما محارب الصحراء الثري القاسي، حميدتي، فهو أكثر ميلاً للسعودية والإمارات. فقد سلم المرتزقة لحرب اليمن، وجنى من ذلك أموالاً كثيرة".
الإفراج عن رجل أعمال البشير
في حين أن حميدتي والبرهان قد لا يتفقان شخصياً أبداً، إلا أنهما- في الوقت الحالي- مرتبطان بزواج مصلحة.
إذ تعهدت الحكومة السودانية بإرسال البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ومحاكمته على فظائع دارفور في الماضي، وكذلك على مذبحة 3 يونيو/حزيران عام 2019 في الخرطوم، التي كانت قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي الجاني الرئيسي فيها.
ومن الطبيعي أن تضع هذه التعهدات القادة العسكريين تحت ضغط كبير، فقد يفصح البشير عن أسماء بعينها في محكمة لاهاي.
والسيطرة على ثروة السودان في خطر أيضاً. فوفقاً لما أورده موقع Africa Confidential، تمكنت لجنة "تفكيك نظام الثلاثين من يونيو/حزيران 1989 واسترداد الأموال العامة" المكونة من 18 عضواً من استرداد ما يربو عن مليار دولار لوزارة المالية.
ومن الواضح أن الجيش لا يرغب في استمرار ذلك. فقد أفرج عن عبد الباسط حمزة، رجل الأعمال الذي كان يدير
بعضاً من أكبر شركات حزب المؤتمر الوطني، ويُعتقد أن قادة الانقلاب يريدون أن يستمر هذا الوضع.
وكان حمزة أول رجل من رجال البشير تقضي محكمة سودانية بحبسه، حيث أدانته في أبريل/نيسان بغسل الأموال وتمويل الإرهاب والاتجار بالعملة الأجنبية والإثراء غير المشروع والمشبوه.
وفي الوقت نفسه، أُلقي القبض على نائب مدير بنك السودان المركزي، فاروق كمبريسي، بزعم رفضه التوقيع على تحويل أموال لشركة مملوكة للجيش.
ويشير كلا التطورين إلى أن الجيش يعيد تأكيد سلطته بعد تعثر الانقلاب في أعقاب الاحتجاجات التي شهدتها البلاد. ولكن رغم خروج حميدتي من الظل، فولاؤه للبرهان والشكل الحالي الذي يتخذه الانقلاب هشّان فيما يبدو.
حميدتي مع البرهان أم حمدوك؟
خلال التوتر الذي سبق الإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك واعتقال رئيسها، كان حميدتي طرفاً رئيسياً في الأزمة ويقف إلى جانب البرهان في مواجهة القوى المدنية، وكان لافتاً في هذا الصدد تهديده بأنه إذا كانت القوى المدنية تلوح بالشارع، فإنهم المكون العسكري في الحكم الانتقالي لديه شارعه الذي يستطيع تحريكه، كما أن حميدتي قال إنه لن يتم تسليم السلطة والمخابرات إلا لرئيس منتخب.
وأمام جمع من الناس مؤخراً، اتهم حميدتي السياسيين بالطمع في "الكراسي" أو السلطة – بخلاف الجنود أمثاله ممن لا يهمهم سوى الشعب والوطن.
وعلى إثر تلويح حميدتي، خرج متظاهرون داعمون للجيش داعين إلى حكومة جديدة ومطالبين بقيادة الجيش للفترة الانتقالية، قبل أن يتم اعتقال حمدوك وحل حكومته.
وحذفت شركة فيسبوك الأسبوع الماضي أكثر من 700 حساب على علاقة بقوات الدعم السريع، ويُشتبه في بثها أخباراً كاذبة عن السودان.
ولكن اللافت أنه عشية الإطاحة بحكومة حمدوك، شدد حميدتي على دعم عملية الانتقال الديمقراطي وصولاً للانتخابات العامة في البلاد، حيث أكد في لقاء مع المبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان، الأحد، أي قبل يوم واحد من الانقلاب، على ضرورة تنفيذ اتفاقية السلام، والحرص على الوثيقة الدستورية.
طبيعة العلاقة بين البرهان وحميدتي.. تحالف أم تنافس؟
العلاقة بين البرهان وحميدتي مركبة، حيث تعود إلى فترة قبل عزل البشير، إذ يقول المنتصر أحمد، وهو ناشط سوداني، لموقع DW العربي إنها علاقة ترجع إلى فترة تأسيس "الجنجويد" عام 2003، ونمت بعدها علاقة "تحكمها المصالح المشتركة والتاريخ الدموي".
واستطاع الرجلان القادمان من ذوي الخلفيات المختلفة تماماً الإطاحة بطابور طويل من الجنرالات الأعلى رتبة ومقاماً في مقدمتهم وزير الدفاع السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير عوض بن عوف، الذي أشرف على عزل البشير، ومن الواضح أن البرهان وحميدتي استغلا علاقتهما الإقليمية وقلق القوى الثورية السودانية، من الضباط الإسلاميين للوصول للسلطة.
وبعد ذلك بدت تصريحات حميدتي دوماً مكملة ومؤيدة لتصريحات البرهان، ولكن هناك حديث عن خلافات مستترة بين الرجلين وصلت إلى قيام الجيش وقوات الدعم السريع، بعمليات تحصين متبادلة لمواقعهما خوفاً من أي مواجهة محتملة.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن حميدتي والبرهان كان لهما تحالف ضعيف وخصومة محتدمة في المجلس العسكري.
ويتمتع البرهان بعلاقات وثيقة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حين أن حميدتي يتمتع بعلاقات أوثق مع المسؤولين في الإمارات والسعودية – وجميع الدول ذات المصالح الخاصة في السودان.
وأفادت تقارير سابقة بأن حميدتي يشعر بأن الإمارات قد ابتعدت عنه، وبدأ يبحث عن علاقات مع قطر وتركيا بعيداً عن الإمارات، كما بدأ يغازل الإسلاميين، والآن صمته قد يكون محاولة أيضاً لمغازلة الثوار، إضافة إلى تحالفه مع متمردي دارفور السابقين.