جاء تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية للسماح بوجود الجيش المصري في رفح ليمثل أول إجراء من نوعه منذ توقيع الاتفاقية عام 1979، فما هي أسباب هذا التعديل، وما هي تفاصيله وكيف كان الوضع في سيناء قبل التعديل؟
قالت مصر وإسرائيل إنهما اتفقتا على زيادة عدد القوات الحدودية المصرية في رفح وهي جزء مضطرب من شبه جزيرة سيناء، حيث تقاتل مصر مسلحي داعش منذ سنوات.
وتضم منطقة رفح المعبر بين مصر وقطاع غزة الذي تحكمه حماس.
وتمت الموافقة على التعديل من قبل مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني، برئاسة رئيس الوزراء نفتالي بينيت.
وبحسب بيان للمتحدث باسم الجيش المصري، فإنه بموجب التعديل، الذي تم التوصل له في اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة بين مصر وإسرائيل، ستتم زيادة عدد قوات حرس الحدود المصرية وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح بشمال سيناء، في حين قال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إنه "تمت المصادقة على هذا التعديل من قبل المستوى السياسي".
وقال الجيش المصري إن لجنة عسكرية مشتركة مع إسرائيل اتفقت على تعديل اتفاق أمني بين البلدين، يسمح للقاهرة بزيادة عدد وقدرات حرس الحدود في مدينة رفح.
ولم يذكر الجيشان تفاصيل إضافية أو عدد القوات المصرية التي ستضاف.
يأتي هذا الإعلان بعد سنوات من التنسيق بين مصر وإسرائيل لاحتواء التهديد المشترك الذي تشكله الجماعات المتشددة العاملة في سيناء. ويُعتقد أن الإسرائيليين وافقوا على كل طلب تقدمت به مصر لجلب قوات إضافية إلى المنطقة، طالما أن جميع العمليات كانت منسقة بشكل وثيق.
وتفرض كل من إسرائيل ومصر حصاراً صارماً على المنطقة وقطاع غزة الذي تحكمه حماس، وكثيراً ما يتهم الطرفان الحركة وغيرها من حركات المقاومة بتهريب السلاح عبر المنطقة، فيما تقول الحركات الفلسطينية إنها مضطرة لفعل ذلك بسبب الحصار الخانق المفروض حولها.
وقال الجيش المصري في بيان له أيضاً إن هذا التطور "يأتي في إطار اتفاق دولي لتعزيز دعائم الأمن وفق المستجدات والمتغيرات".
وأضاف أنه في ضوء الجهود المصرية للحفاظ على الأمن القومي المصري واستمرار جهود القوات المسلحة في ضبط وتأمين الحدود في الاتجاه الشمالي الشرقي.
ووقع على اتفاقيات كامب ديفيد الرئيس المصري آنذاك أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 سبتمبر/أيلول 1978، أدت هذه الاتفاقيات إلى معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر في عام 1979 والتي تعد أول معاهدة سلام توقعها إسرائيل مع دولة عربية.
تعاون أمني مكثف
في الأشهر الأخيرة، أصبح التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر علنياً بشكل متزايد، واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الإسرائيلي في شرم الشيخ، وسط حديث عن وساطة إسرائيلية لتعزيز موقف مصر لدى الإدارة الأمريكية الجديدة.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس المخابرات المصرية عباس كامل التقى بينيت في إسرائيل ومن المتوقع أن يزوره مرة أخرى في الأسابيع المقبلة.
وكثيراً ما تلعب مصر دور الوساطة بين إسرائيل وحماس، في مايو/أيار، بعد حرب استمرت 11 يوماً بين الاثنتين، ساعدت مصر في التوسط لوقف إطلاق النار بشكل غير رسمي.
كيف كان الوضع قبل تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية؟
تحدد معاهدة السلام التي تم توقيعها في عام 1979، عدد وتسليح القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء.
وقُسمت سيناء وفقاً للمعاهدة إلى ثلاث مناطق، هي:
المنطقة (أ): تبدأ من قناة السويس بعرض 58 كم وبطول سيناء من البحر المتوسط شمالاً إلى خليج السويس جنوباً، وفيها يسمح لمصر بفرقة مشاة واحدة (ثلاثة ألوية مشاة ميكانيكية)، ولواء مدرع واحد، و7 كتائب مدفعية ميدانية (126 مدفعاً ميدانياً)، و7 كتائب مدفعية مضادة للطائرات (126 مدفعاً مضاداً للطائرات عيار 37 مم)، ودبابات يصل عددها إلى 230 دبابة، إلى جانب 480 مركبة أفراد مدرعة من كافة الأنواع.
ولا تتجاوز القوات المتواجدة في المنطقة "أ" 22 ألف فرد.
المنطقة (ب): عرضها 109 كم الواقعة شرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع أسلحة خفيفة.
المنطقة "ج": هي المنطقة المحاذية للحدود مع إسرائيل وقطاع غزة، تعد من أهم وأشد المناطق خطورة والتي يطلق عليها منطقة "الكونتيلا"، وتضم الشريط الحدودي كله، ومدينة الشيخ زويد بالإضافة لهضاب منطقة وسط سيناء ومدن طابا وشرم الشيخ.
وفيها تتمركز قوات الأمم المتحدة والشرطة المدنية المصرية فقط، مع تسلح الشرطة بالأسلحة الخفيفة فقط.
وتقع منطقة رفح التي يشملها التعديل الجديد ضمن المنطقة "ج"، التي نصت الاتفاقية على تواجد قوات شرطية فقط بها، إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وتحظر الاتفاقية على الجانب المصري إدخال الطائرات والأسلحة الثقيلة إلى المنطقة "ج" المجاورة للحدود مع إسرائيل وتنص على ألّا يزيد عدد الجنود المصريين المنتشرين على 750 جندياً، إلا أن أحد بنود الاتفاقية يسمح بأن "تقام ترتيبات أمن متفق عليها بناء على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما، بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة". وسبق أن وافقت تل أبيب منذ أعوام على زيادة عدد القوات المصرية في سيناء في إطار الحملة العسكرية للقاهرة ضد "التنظيمات الإرهابية".
المنطقة "د": التواجد الإسرائيلي في المنطقة "د" داخل الحدود الإسرائيلية يتمثل في قوة إسرائيلية محدودة من 4 كتائب مشاة فقط، بالإضافة إلى مراقبي الأمم المتحدة، حسبما ورد في تقرير موقع بلومبيرغ الشرق.
كيف سيكون الوضع بعد التعديل؟
لم يذكر الجيشان، كيف سيكون الوضع بعد تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وعدد القوات التي ستتم إضافتها أو نوعية الأسلحة، ولم يرصد "عربي بوست" أي مصادر إعلامية ذات مصداقية تحدثت عن أعداد الجنود المصريين بعد التعديل وطبيعة تسليحهم.
واستبعد الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية طارق فهمي أن تعلن مصر وإسرائيل، أعداد القوات وإمكانياتها بعد الزيادة.
ولكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ذكر في تدوينة على حسابه في "تويتر"، أمس الأول الأحد أن "تعديل اتفاقية السلام المصرية والإسرائيلية ينظم وجود قوات حرس في منطقة رفح لصالح تعزيز وجود الجيش المصري الأمني في هذه المنطقة".
وهذا يشير إلى أن القوات التي ستضاف ستكون عسكرية تابعة للجيش وليس الشرطة كما كان الأمر سابقاً، ولكنه يلمح إلى أنها قوات خفيفة من خلال إطلاقه لفظ عليها والتأكيد على أنه سيتم تعزيز الوجود الأمني للجيش العسكري، فلم يقل عسكرياً أو قوات.
ويقول الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية طارق فهمي في مقال بموقع "إندبندنت عربية":"استراتيجياً فمن المحتمل أن تطرح الحكومة الإسرائيلية مستقبل ملف القوات متعددة الجنسيات في سيناء، وإعادة تحديد مهامها بعد أن نجحت مصر في فرض استقرارها وسيادتها بفضل استمرار عمليات الجيش المصري، والتي لن تتوقف بل ستكثف في سيناء ومناطق التماس الاستراتيجية المجاورة، وستدعم التعاون الأمني والاستخباراتي، وهو أمر يجري منذ سنوات طويلة بمقتضى نصوص معاهدة السلام، وسيؤدي إلى تعزيز دور حكومة بينيت/لبيد ودورها سياسياً وشعبياً، وكذلك سيكون لأي تطورات في العلاقات بين مصر وإسرائيل تبعاتها السياسية على الجانب الإقليمي عموماً، والدول التي أبرمت اتفاقات سلام مع إسرائيل، ومع الجانب الفلسطيني أيضاً.
أسباب تعديل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية
رغم أن المنطقة فعلياً على حدود قطاع غزة التي تسيطر عليها، حماس، ولكن أغلب التحليلات المقدمة من محللين مصريين، ركزت على أن الهدف تعزيز قدرات الجيش المصري في مواجهة داعش، ولم تشر إلى أي محاولة لتعزيز الحصار على غزة ومنع تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية، في وقت تتوسط فيه مصر بين حماس وإسرائيل للوصول لحل لمسألة إعمار غزة ورفع الحصار وتبادل الأسرى.
كان وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، قد أكد في تصريحات صحافية عام 2012، أنه "لا يوجد أدنى احتمال بأن توافق إسرائيل على تعديل اتفاقية السلام مع مصر"، وذلك حينما كان يشغل حقيبة الخارجية.
"التعديل على اتفاقية السلام بين البلدين، يتيح نشر مزيد من القوات العسكرية، يبقى ضرورياً ومهماً في إطار مكافحة الإرهاب والتطرف، وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، والحؤول دون تحوّلها إلى مرتع للإرهابيين"، حسبما نقل موقع "إندبندنت عربية" عن مراقبين مصريين.
ويقول اللواء عادل العمدة، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة: "مع التقدم الذي أحرزته القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء في إطار حربها ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة، كان من الضروري تعديل بعض بنود اتفاقية السلام لأنه ليس من المعقول أن تظل المنطقة (ج) في سيناء منزوعة السلاح، ومن مصلحة إسرائيل ضمان أمنها على حدودها الجنوبية وتطهير شبه جزيرة سيناء من الإرهاب، فالخطر الإرهابي لا يستهدف مصر فقط".
ويقول طارق فهمي إن هذا التعديل "هذا التعديل يغلق الباب أمام العديد من الانتقادات التي اتهمت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بأنها أتت بالجيش المصري إلى الحدود، في إشارة إلى تتالي زيادة أعداد الجيش المصري في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وما تلاها واستجابة حكومة بنيامين نتنياهو للطلب المصري، خصوصاً أن عدد القوات المصرية وفق المعاهدة كان 750 جندياً، وكانت قوات شرطة ومجهزة بسلاح خفيف، وقد يسمح الأمر بإقامة تحصينات عسكرية ومنع تهريب الأسلحة وتسلل عناصر إرهابية من مصر إلى قطاع غزة والعكس.
وقال فهمي إن تعديل الاتفاقية يؤكد أن علاقات القاهرة وتل أبيب "تمر بمرحلة جديدة من التفاهم والتعاون على المستويات السياسية والاستراتيجية"، لافتاً إلى أن هناك جهوداً إسرائيلية حالياً لتوسيع اتفاقية "الكويز" للتعاون الاقتصادي بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة.
الخبير العسكري اللواء نصر سالم، اعتبر في تصريحات لموقع "بلومبيرغ الشرق"، أن التعديل الجديد يضع إطاراً دائماً لزيادة القوات، بعد الزيادات المؤقتة في السنوات الماضية، والتي ارتبطت بتطورات الحالة الأمنية، مؤكداً أن ذلك سيؤدي لضبط الحدود وإحكام السيطرة الأمنية، و"هو ما سيعود بالنفع على مصر وإسرائيل في جهود مكافحة الإرهاب"، طالما هناك "حسن نوايا" من البلدين.
وأشار القائد العسكري السابق في الجيش المصري إلى أن "عدم حدوث ما يتخوف منه الجانب الإسرائيلي" طيلة سنوات من التواجد العسكري المصري المكثف، أدى إلى توافق القاهرة وتل أبيب على تعديل الاتفاقية الأمنية وزيادة قوات حرس الحدود، لافتاً إلى أنه من مصلحة مصر ضبط الأمن في كلا الاتجاهين، طالما هناك اتفاقية سلام، مشدداً على أن زيادة القوات المصرية "لن يؤثر بالسلب على إسرائيل، وإنما سيضبط الحالة الأمنية".