يبدو أن شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب أكبر مما ظنّ خصومه، وهذا ما أظهرته أكبر انتخابات تشهدها أمريكا بعد عام على رحيله، فهل يفقد جو بايدن وحزبه الأغلبية البرلمانية ثم الرئاسة سريعاً؟
بعد مرور العام الأول من رئاسة بايدن تعرض حزبه الديمقراطي إلى هزائم انتخابية لم تكن متوقعة، في أول اختبار انتخابي كبير في عدد من الولايات، فيما يعتبر استطلاعاً عملياً للرأي حول شعبية بايدن في مواجهة شعبية ترامب والجمهوريين.
وشهد عدد من الولايات الأمريكية انتخابات على مقعد حاكم الولاية وعمدة المقاطعة، كان أبرزها في فيرجينيا، فيما يعرف بالثلاثاء الكبير، وهي أكبر عملية انتخابية في البلاد منذ انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وقبل عام من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ.
ماذا تعني خسارة سباق حاكم فيرجينيا تحديداً؟
تنافس الديمقراطي تيري ماكوليف والجمهوري غلين يونغكين على منصب حاكم ولاية فيرجينيا، الواقعة في شرق البلاد، والتي فاز الديمقراطيون في جميع الانتخابات فيها (رئاسية وبرلمانية) على مدى السنوات الثماني الماضية، وفاز فيها بايدن على ترامب في الانتخابات الأخيرة بفارق 10 نقاط كاملة.
ونظراً لأهمية هذه الانتخابات، فإن بايدن حضر فيها مرتين بنفسه للدعاية لصالح أحد رموز الحزب الديمقراطي في الولاية ماكوليف (حاكم الولاية السابق والطامح إلى فترة ثانية غير متتالية)، في مواجهة يونغكين، المرشح الجمهوري عديم الخبرة السياسية ورجل الأعمال البالغ من العمر 55 عاماً.
وكان من المتوقع أن يحقق ماكوليف فوزاً مريحاً في سباق حاكم فيرجينيا، لكن النتائج الأولية التي ظهرت في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، 3 نوفمبر/تشرين الثاني، حملت أخباراً سارة ليونغكين والجمهوريين ولترامب بطبيعة الحال، إذ فاز المرشّح الجمهوري، وفق تقديرات شبكات التلفزيون الأمريكية، وأظهر فرز أكثر من 95% من الأصوات، تقدُّم يونغكين بـ2.7 نقطة.
وقال يونغكين أمام مناصريه خلال الليل "لقد فزنا"، واصفاً ما حصل بأنه "لحظة حاسمة ستُغير مسار" فرجينيا بعد سيطرة الديمقراطيين عليها مدة ثماني سنوات.
وفي تحليل لشبكة CNN، المعروف عنها الميل للديمقراطيين، وصفت الشبكة سباق حاكم ولاية فيرجينيا بأنه استفتاء على رئاسة بايدن، بعد عام من الانتخابات التي فاز بها في فيرجينيا بفارق أكثر من 10% عن ترامب، وقال تحليل الشبكة إن يونغكين لم يفز فقط في فيرجينيا، بل أظهر للجمهوريين في باقي الولايات كيف يفوزون.
وكان بايدن قد قال قبل إغلاق مراكز الاقتراع، من غلاسكو، حيث يشارك في مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب 26)، "سنفوز" في هذا الاقتراع "رغم النتائج المتقاربة"، تعليقاً على سؤال حول رأيه في سباق فيرجينيا الانتخابي.
لكن مع وصول طائرة الرئيس الأمريكي إلى واشنطن في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، وجد الأخبار السيئة في انتظاره، إذ كانت هذه الانتخابات تعتبر مقياساً للدعم الذي تحظى به سياساته، رغم أنه رفض، في حديثه مع الصحفيين، تقديم الأمور على هذا النحو.
الجمهوريون يحققون انتصارات انتخابية كبيرة
اللافت هنا هو التقدم الكبير الذي كان ماكوليف يتمتع به حتى أسابيع قليلة مضت، وقدرة يونغكين الجمهوري على تقليص الفارق في زمن قياسي، وهو ما يوفر للجمهوريين استراتيجية في مسعاهم لتحقيق الغالبية مجدداً في الكونغرس، حيث يحظى الديمقراطيون راهناً بغالبية ضيقة، من خلال انتخابات منتصف الولاية، في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.
ويتمسك الديمقراطيون بأمل الفوز في سباق يبدو أنه بات محسوماً، إذ قال ماكوليف مساء الثلاثاء "سنستمر في احتساب بطاقات الاقتراع لأن كل أبناء فيرجينيا يستحقون أن يحتسب صوتهم"، مضيفاً أن "المعركة مستمرة".
ماكوليف، الذي تلقى دعم أبرز شخصيات الحزب الديمقراطي خلال الحملة، وعلى رأسهم بايدن ونائبته كامالا هاريس، ركز في الأمتار الأخيرة من الحملة على تحذير ناخبيه، خصوصاً في المدن، من فوز جمهوري سيؤدي برأيه "إلى أربع سنوات من نظريات المؤامرة والسياسة المتطرفة"، في هجوم مستتر على ترامب.
لكن كاثرين خيمينيز، المسؤولة المحلية للحزب الجمهوري في فالز تشرش في شمال الولاية، قالت لوكالة فرانس برس إن خصوم يونغكين حاولوا تقديمه على أنه "شخص ينبغي كرهه".
أما يونغكين فقد راهن على شعبية دونالد ترامب، الذي دعمه بشكل واضح، دون أن يتبنى حاكم الولاية الفائز أكثر مواقف الرئيس الأمريكي السابق تطرفاً حتى لا يبعد المعتدلين والمستقلين.
وفي انتخابات نائب الحاكم في نفس الولاية تبدو وينسوم سيرز مرشحة الحزب الجمهوري، وهي أمريكية سوداء، في طريقها للفوز أيضاً لتكون أول امرأة من الأقليات تتولى هذا المنصب.
كما يتقدم الجمهوري جاك تشيتاريلي في انتخابات حاكم ولاية نيوجيرسي على ما أظهرت النتائج الجزئية، بنقطتين على الديمقراطي فيل مورفي، المرشح لولاية ثانية.
شبح ترامب يخيّم على السياسة الأمريكية
وربما يكون العنصر الذي ركز عليه المحللون والمراقبون لتلك الانتخابات، والذي يرونه العنصر الحاسم في الانتصارات التي حققها المرشحون الجمهوريون في فيرجينيا ونيوجيرسي وغيرهما من الولايات والمقاطعات، هو دونالد ترامب نفسه، الذي يبدو أن شعبيته قد ازدادت بشكل لافت خلال العام الأول من مغادرته للبيت الأبيض مهزوماً أمام بايدن.
ونشر موقع Vox الإخباري الأمريكي تحليلاً لتلك الانتخابات، واصفاً إياها بأنها "مؤشر شؤم" على الديمقراطيين، أن يأخذوه مأخذ الجد، إذا ما أرادوا الحفاظ على أغلبيتهم البسيطة في الكونغرس خلال انتخابات التجديد النصفي، العام المقبل، وتفادي عودة ترامب للبيت الأبيض عام 2024.
وبحسب تحليل الموقع الإخباري، يرتكب الديمقراطيون خطأً كبيراً إذا ما تجاهلوا خسارة فيرجينيا واعتبروها حدثاً فردياً سببه ضعف أداء ماكلويف أو كون، السباق تركز حول قضايا محلية تخص الولاية فقط. صحيح أن قضايا تلك الانتخابات ربما تكون أخذت طابعاً محلياً، لكن بعضها، مثل الاقتصاد وطريقة التعامل مع جائحة كورونا، ملفات تهم البلاد ككل وموجودة في جميع الولايات.
أما CNN، فقد رأت في تحليلها أن أسباب الهزيمة التي أحاقت بالديمقراطيين متعددة، أبرزها سوء تقدير قيادات الحزب "للحالة المزاجية العامة" في البلاد، في إشارة إلى الانقسام الحزبي وتبني نظريات سرقة بايدن الانتخابات الماضية من ترامب، والتي يروج لها ترامب والجمهوريون دون دليل على صحتها.
وبينما الحزب الديمقراطي منقسم على نفسه بشأن الأجندة التشريعية لبايدن وأجندة الإنفاق على البنية التحتية والقضايا الاجتماعية، يركز الجمهوريون على قضايا محددة تشغل بال الناخبين بشكل أكثر إلحاحاً، مثل تباطؤ تعافي الاقتصاد وارتفاع أسعار الغاز وأسعار الخضراوات وارتفاع معدلات الجريمة وحقوق الوالدين في التأثير على المناهج التي يدرسها أبناؤهم في المدارس العامة.
ورغم أن أغلب القضايا التي يركز الجمهوريون عليها نابعة من طول أمد جائحة كورونا، فإن إعلان الرئيس بايدن في يوليو/تموز الماضي، أن الجائحة قد انتهت، وعودة موجة جديدة من كورونا لتعصف بالبلاد، قد أدى إلى تراجع شعبيته بصورة لافتة، بحسب تحليل CNN.
الانسحاب "المهين" من أفغانستان
بالإضافة إلى تلك القضايا المتعلقة بالاقتصاد وجائحة كورونا، هناك أيضاً الانسحاب من أفغانستان، في أغسطس/آب الماضي، بعد 20 عاماً من حرب كارثية لم تحقق شيئاً من أهدافها، وهو الانسحاب الذي جاء فوضوياً ومهيناً، بحسب وصف ترامب نفسه، ما أدى لتراجع أكثر في شعبية بايدن وصبّ في صالح ترامب بشكل مباشر، بحسب أغلب المحللين.
فالديمقراطيون كانوا يوجهون انتقادات عنيفة للرئيس السابق ترامب، ويصفونه بأنه عنيد ومتقلب المزاج، ويتخذ قرارات "كارثية"، لكن الانسحاب من أفغانستان وإصرار بايدن على تجاهل نصائح فريق الأمن القومي كشف أن الرئيس الديمقراطي بايدن أكثر عناداً من سلفه.
وأعاد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان ترامب للأضواء مرة أخرى بقوة، لدرجة أن استطلاعات رأي كثيرة أظهرت أن الرئيس السابق يتقدم على خليفته في البيت الأبيض، بمعنى أنه لو أقيمت الانتخابات اليوم لفاز ترامب على بايدن.
لكن بايدن وقادة الحزب الديمقراطي أصروا على تجاهل تلك الإشارات خلال الشهرين الماضيين، لتأتي نتائج انتخابات الثلاثاء بمثابة الصدمة لهم، فلم يكن أحد يتوقع ما حدث في فيرجينيا تحديداً، ما يعني أن شعبية ترامب ليست مجرد دعاية يرددها أنصاره المؤمنون بالترامبية وما تمثله.
وعلى الرغم من أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لا تزال على بعد عام كامل، فإن بايدن والديمقراطيون مطالبون ببذل جهود ضخمة لاستعادة ثقة الناخبين إذا ما أرادوا الحفاظ على أغلبيتهم البسيطة في المجلسين، وإلا فإن فوز الجمهوريين بتلك الانتخابات سيصبح أمراً واقعاً، ومعه تزداد فرص عودة ترامب إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة.