مرت الشركة التي كانت تُعرف سابقاً باسم فيسبوك بفترة عصيبة مؤخراً بدأت بتسريبات وثائق فيسبوك، ثم وصلت إلى خضوع الشركة لجلسة استماع عسيرة في الكونغرس، ولكن الشركة تتطلع إلى عالم ميتافيرس الخيالي لعبور محنتها الحالية عبر إعادة تسمية نفسها باسم "ميتا".
ووثائق فيسبوك، هي عبارة عن مجموعة تقارير نشرتها صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية بناءً على مجموعة وثائق داخلية سربتها فرانسيس هوغن، الموظفة السابقة في الشركة.
وازدادت حدة الأزمة بعد أن شاركت فرانسيس الوثائق مع مجموعة أكبر من الصحف، التي نشرت عدداً هائلاً من التقارير التي توضح كيف أن فيسبوك رفضت تغيير سياساتها رغم علمها بأن منصاتها تؤجج العنف في العالم الحقيقي وتفاقم مشكلات الصحة النفسية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ولكن ما الذي تعنيه وثائق فيسبوك بالفعل لمستقبل الشركة؟ ينقسم الخبراء حول إن كانت هذه التقارير ستقضي على شركة ميتا، أو إن كانت الشركة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار أكبر من أن تفشل.
هل تؤدي وثائق فيسبوك إلى تقييد ممارسات الشركة؟
كشفت الوثائق التي سربتها فرانسيس مدى ما تسمح به شركة فيسبوك من السياسات والممارسات التجارية المؤذية، وأثارت غضب الكونغرس وجماعات حقوق الإنسان والجمهور.
ورغم أن هذا الكشف قد جدَّد المطالبات بإصدار تشريع يقيد الشركة، فإن تمريره على أرض الواقع قصة أخرى، وفقاً لما يقوله مات شيتينهيلم، المحلل في مؤسسة Bloomberg Intelligence.
وقال: "من السهل على المشرعين عقد جلسات استماع للفيسبوك، وقلب الطاولة وإبداء استيائهم من مشكلات الشركة، ولكن من الصعب جداً تمرير قانون يصلحها".
ورغم تنامي الإجماع على ضرورة تنفيذ إصلاح شامل، لم تنفذ أي محاولات جدية لتقييد هذه الإمبراطورية الضخمة.
وأضاف شيتينهيلم: "من وجهة نظري، شهادة فرانسيس هوغن ستؤدي بالتأكيد إلى مزيد من جلسات الاستماع والعناوين الهجومية. وهذا قد يقرّب الكونغرس من التوصل إلى إجماع عام 2022 بخصوص بعض أنواع التشريعات، ولكن ربما ليس بخصوص الإجراءات الأكثر تقييداً".
وعدد من القوانين قيد النظر قد يساهم في تقييد الشركة. فمشروع قانون قدمته السناتورة آمي كلوبوشار والسناتور تشاك غراسلي هذا الشهر سيجعل ممارسة شركات التكنولوجيا لسياسة "تفضيل الذات" غير قانوني.
بعبارة أخرى، تغليب منتجات وخدمات منصاتها على مثيلاتها في المنصات المنافسة. ويواجه فيسبوك أيضاً دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار من ائتلاف من المدعين العموميين وكذلك لجنة التجارة الفيدرالية، وهي وكالة أمريكية مكلفة بالحفاظ على سلامة المنافسة والتجارة في الأسواق.
وتجري مناقشة مشروع قانون آخر لتحديث قانون حماية خصوصية الأطفال والمراهقين على الإنترنت (Coppa) لمنع شركات التكنولوجيا من جمع بيانات المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً دون موافقة صريحة، وإلزام الشركات بحذف البيانات إذا طلب منها ذلك.
تعرف الأخطاء ولكن تتجاهلها
على أن المشكلة الجوهرية التي كشفتها وثائق فيسبوك هي أن فيسبوك غالباً ما تجري بحثاً داخلياً بنفسها في مشكلات المنصة، ثم تتركها. ومثال على ذلك، أثبت الباحثون أن إنستغرام له تأثيرات خبيثة على الفتيات المراهقات، ويسبب لهن مشكلات نفسية مثل فقدان الشهية، لكن الشركة تغاضت عن هذه النتائج ولم تغير سياساتها.
والقانون الذي قدمه أعضاء مجلس النواب الأمريكي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون يرغب في معالجة هذه المخاوف من خلال مطالبة المنصات بتسليم المزيد من البيانات إلى باحثين مستقلين سينشرون بعد ذلك تقارير عن الطريقة التي تؤثر بها على المستخدمين.
يقول إيفان غرير، نائب مدير منظمة Fight For the Future غير الربحية للحقوق الرقمية، إن هذه الإجراءات لا تكفي لمعالجة المشكلات المركزية لقوة فيسبوك الهائلة.
وقال: "من الضروري أن يأخذ المشرّعون هذا الأمر على محمل الجد. ولا بد أن يمضوا قدماً في مشروع قانون حقيقي للخصوصية يضرب في صميم نموذج تجارة الفيسبوك الذي تحركه المراقبة".
دعاوى تعويض قضائية بمليارات الدولارات
ويواجه فيسبوك أيضاً عدداً من الدعاوى القضائية الجماعية المحتملة، سواء من مساهمين يزعمون أنه ضللهم ورفع سعر سهم الشركة، أو من مستخدمين زعموا أنه تم جمع بياناتهم القياسية الحيوية دون إذنهم.
وقال شيتنهيلم: "هذه الدعاوى ستستغرق سنوات، وفيسبوك سيستعين بعدد من الدفاعات. ولكن يتعين على الشركة أن تأخذها على محمل الجد: فالتعويضات قد تصل إلى مليارات الدولارات".
هل سيتنحى زوكربيرغ؟
يشير التاريخ إلى أنه يُستبعد أن يدفع زوكربيرغ ثمن هذه التجاوزات، حسب وصف تقرير صحيفة The Guardian.
والمطالبات بإقالته قد تتصاعد، لكنها ليست المرة الأولى التي يُستهدف فيها زوكربيرغ. فعام 2019، طالب عدد من المستثمرين الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك بالتنحي عن منصب رئيس الشركة بعد عام من المشكلات، التي كان من بينها فضيحة Cambridge Analytica التي اُستغلت فيها بيانات ملايين المستخدمين للتلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ويبدو أن فيسبوك يتبع استراتيجيته المعتادة، الإنكار والمضي قدماً. فقد التزمت قيادته الصمت إلى حد كبير، وأنكرت وثائق فيسبوك باعتبارها "محاولة ممنهجة" لتشويه سمعة الشركة، وأرسلت مسؤولاً تنفيذياً محدوداً للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي عن تأثيرات منصات الشركة على الأطفال.
ولكن حتى لو كان مستبعداً أن تتحمل الشركة نفسها المسؤولية، فمن الواضح أن فيسبوك قد تواجه معارضة أشد قسوة في محكمة الرأي العام.
وقد أقرت في تقارير الأرباح الأخيرة بأنها تخسر المستخدمين المراهقين بأعداد كبيرة. وقد قاطعها المعلنون في الماضي. وفي الأثناء، يقول بعض المستخدمين إنهم يعتزمون التوقف عن استخدام المنصة. ورغم أن أحدث تقرير أرباح للشركة يشير إلى أن المنصة لا تزال تتمتع بقاعدة مستخدمين واسعة، فهذه الكشوفات الأخيرة قد لا تفعل ما هو أكثر من تسريع التغيير في مجرى الأمور.
ومع تجلي التداعيات القانونية المحتملة لهذه الوثائق، يقول الخبراء إن الضرر الذي يلحق بالمجتمع الدولي أصبح أكيداً. ويلفتون إلى أنه لا ينبغي السماح للشركة بالفرار إلى ميتافيرس ببساطة.
تقول جيسيكا جي جونزاليس، المدير التنفيذي المشارك لمنظمة Free Press Action غير الربحية: "مارك زوكربيرغ وقف عدة مرات أمام الكونغرس ولم يتغير شيء. وقد حان الوقت لاتخاذ إجراء فوري لمحاسبة الشركة على الأضرار الكثيرة التي ألحقتها بديمقراطيتنا".
هل تنجح محاولة تغيير اسم فيسبوك إلى ميتا؟
يقول تقرير لموقع arabhardware إنه عندما تكون أي شركة تواجه مشكلات خارجية، غالباً ما يقترح المستشارون تغيير الموضوع لصرف الانتباه عن المشكلات والأخطاء، وعادة ما تكون هذه الخطوة هي الملاذ الأخير، ولهذا يعمل فيسبوك على بناء الـ"ميتافيرس" metaverse وهو مصطلح صاغه روائي الخيال العلمي نيل ستيفنسون في روايته الشهير تحطم الثلج، في إشارة إلى عالم افتراضي يهرب الناس إليه من عالم واقعي بائس، وتوظف الشبكة الاجتماعية العملاقة أكثر من عشرة آلاف شخص لتحويل هذا الحلم إلى حقيقة على الإنترنت، حيث يمكن للناس التواصل وممارسة الألعاب والعمل وأي شيء آخر لأنه عالم موازٍ لعالمنا الحقيقي.
يرى معجبو الـ"ميتافيرس" أن هذا العالم الافتراضي الشبيه بالواقع هو المرحلة التالية من تطوير الإنترنت.
وقال مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، إن الشركة ستحاول الانتقال من كونها شركة وسائط اجتماعية إلى شركة ميتافيرس في السنوات الخمس المقبلة.
وبالنسبة لعلامة تجارية مثل فيسبوك التي شابتها هذه المخاوف لسنوات، قد تكون إعادة التسمية فرصة من أجل التغلب على بعض الأضرار التي لحقت بسمعتها. بعد كل شيء، لن تكون أول شركة تقوم بتغيير الاسم لبدء صفحة جديدة، لكن الخبراء يقولون إن فيسبوك سيتعين عليه القيام بأكثر من مجرد تغيير اسمه لاستعادة ثقة المستخدم.
ويرى الخبراء أنه لا يوجد اسم سيعيد تأهيل السلوك الذي أظهروه حتى الآن، لأن الأمر أشبه كما لو قامت الشبكة الاجتماعية بدفن رأسها في الرمال مثل النعام عندما تكون في ورطة وتتمنى أن ينسى الجميع ما فعلته من مشكلات كبيرة.
وفقاً للتقارير، سيعكس الاسم الجديد لفيسبوك تركيزها على بناء الـ"ميتافيرس" والعالم الافتراضي؛ حيث يقول زوكربيرغ إنه سيوحد منتجات الشركة المختلفة وخدماتها خارج وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المتوقع أن تسير الشبكة الاجتماعية على غرار ما فعلته جوجل عندما أطلقت الشركة الأم ألفابت والتي تضم كافة كياناتها المختلفة، لذا يخطط زوكربيرغ لإنشاء عالم ميتافيرس والذي سوف يستخدم أجهزة استشعار وكاميرات وميكروفونات مضمنة لـ"تغذية البيانات في نظام مركزي" مما سيساعد الشركة على تقديم توصيات مخصصة للمستخدمين حول مواضيع مثل ما يجب شراؤه أو قراءته، حيث يريد مارك أن يأخذ ديناميكية التوجيه الخوارزمي من هواتفنا وخارج أجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا وأن يبني هذا النظام في حياتنا ووعينا، لذا أصبحت نظاراتنا هي الشاشات وأيادينا أصبحت الماوس.
ونظراً لاهتمام زوكربيرغ بالعالم الافتراضي أو الميتافيرس، قرر مؤسس فيسبوك تغيير اسم الشركة إلى ميتا Meta أملاً منه في أن تبدأ شركته حقبة جديدة وصفحة بيضاء مع المستخدمين و Meta سوف تكون الشركة الأم للكيانات الأخرى مثل الشبكة الاجتماعية فيسبوك وواتساب وإنستغرام وباقي المنتجات والخدمات الأخرى.
تاريخياً، تمكَّن عدد قليل جداً من العلامات التجارية الكبرى تغيير الاسم ونجحت الخطوة، أصبحت شركة السيارات اليابانية داتسون شركة نيسان في عام 1981، وأصبحت شركة الاستشارات أندرسن باسم أكسنتشر في عام 2001 أما مجموعة لاكي جولد ستار فتم اختصارها للعلامة الشهيرة LG والتي تعني "لحياة أفضل".
ولكن شركات فيليب موريس، كبرى شركات بيع التبغ وأكثرها ربحية في العالم فغيرت اسمها إلى مجموعة ألتريا في عام 2003 من أجل تحسين صورتها وتشتيت الانتباه عن ماضيها الأكثر قتامة، ولكن لم يفلح الأمر، كما حاولت شركة بريتيش بتروليوم تطبيق نفس الاستراتيجية في أواخر التسعينيات تحت اسم BP Amoco ولاحقاً BP، في محاولة لتحسين صورتها البيئية لكن كانت الخطوة مجرد هباء منثور.
يقول تقرير موقع arabhardware "في الغالب لا تفلح خطوة إعادة التسمية، حيث إن التغيير المفاجئ في الاسم بعد فضيحة كبرى من المحتمل أن يدفع الناس إلى الاعتقاد بأن الشركة تعترف بارتكاب مخالفات بدلاً من بدء صفحة جديدة، ولهذا قد لا تبدو تلك الخطوة هي الأفضل للشبكة الاجتماعية، ويرى الخبراء أن أفضل استراتيجية لشركة مثل فيسبوك والتي أصبحت على مفترق طرق، هي الاعتراف بالفشل وإعادة تصميم علامتها التجارية باستخدام اسم موجود".