أزمة كبيرة سبّبتها تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، بشان الحوثيين والسعودية والإمارات، كان قد قالها قبل توليه منصبه بفترة قصيرة، ولكن هذه التصريحات ليست الوحيدة الصادمة للرجل، فالإعلامي الشهير ذو الطلة الوسيمة والصوت الجهور، له تصريحات غريبة لم يكتفِ فيها بدعم بشار الأسد، بل هاجم الإعلام وتمنّى حدوث انقلاب في لبنان.
وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا مقطع فيديو لمشاركة جورج قرداحي ضيفاً في برنامج "برلمان الشباب"، بينما يجيب عن أسئلة تطرح عليه.
وقال قرداحي في معرض إجاباته إن "الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم أمام عدوان خارجي".
وعندما سئل عما إذا كان يعتقد أن ما تفعله السعودية والإمارات هو اعتداء على اليمن قال "إن هناك اعتداء بالتأكيد، وإن الحرب في اليمن حرب عبثية يجب أن تتوقف".
أزمة تهدد لبنان
ورغم أن الحلقة التي ورد فيها كانت في شهر أغسطس/آب، قبل أن يتولى جورج قرداحي وزارة الإعلام في لبنان، ولكنها تسببت في أزمة جديدة في العلاقات بين لبنان ودول الخليج، لاسيما السعودية والإمارات، وخاصة أنها سبقتها إساءة مماثلة من قبل وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، المحسوب على الرئيس ميشال عون، عندما هاجم المحلل السياسي السعودي سلمان الأنصاري ووصفه بأنه "من أهل البدو".
استدعت وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني في الرياض وسلمته مذكرة احتجاج رسمية على تصريحات جورج قرداحي، التي وصفتها بالمسيئة تجاه المملكة ودول "تحالف دعم الشرعية في اليمن".
كما استدعت الإمارات السفير اللبناني لديها على خلفية تصريحات قرداحي، الأربعاء، معتبرة إياها "مهاترات" تنم عن ابتعاد لبنان بشكل متزايد عن الدول العربية.
وفي بيان لمجلس التعاون الخليجي، عبر نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام، الأربعاء 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن رفضه التام لتصريحات جورج قرداحي حول حرب اليمن، مطالباً إياه بالاعتذار.
أما على الجانب الرسمي اللبناني فقد أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بياناً تقول فيه إن الكلام "الشخصي" الذي صدر عن وزير الإعلام جورج قرداحي قبل تعيينه وزيراً "لا يعكس موقف الحكومة اللبنانية الذي عبّر عنه رئيسها في البيان الصادر بالأمس، ولا بيانها الوزاري الذي يتمسك بروابط الأخوة مع الأشقاء العرب".
وأصدر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بياناً يقول فيه إن كلام قرداحي، الذي صدر قبل انضمامه للحكومة، "كلام مرفوض ولا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقاً، خاصة فيما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب، وتحديداً الأشقاء في المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي".
وقالت صحيفة عكاظ السعودية، الأربعاء 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إن إدارة مجموعة MBC السعودية قد قررت إغلاق جميع مكاتبها في لبنان بشكل نهائي وانتقالها بكامل معداتها إلى الرياض، وذلك على خلفية تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي.
ويأتي ذلك في ظل أزمة مالية غير مسبوقة يتعرض لها لبنان أدت إلى إفلاس قطاعه المصرفي وانهيار عملته، وهو في أمس الحاجة للمساعدات الخارجية في مقدمتها المساعدات الخليجية ولاسيما السعودية
"من طينة أخرى".. جورج قرداحي معجب ببشار الأسد ونصر الله
ولكن ليس هذا التصريح الوحيد المثير للجدل الذي يصدر من جورج قرداحي، وتبدو أغلب تصريحات الرجل المثيرة للجدل نتاج ارتباطه بسوريا وحزب الله، بما في ذلك تأييد الحوثيين المدعومين من إيران، كما تكشف تصريحاته عن عداء للديمقراطية والربيع العربي وإعجاب الاستبداد لدرجة تأييد الدعوة لانقلاب عسكرية في بلاده، ونشر له أيضاً مواقف تمتدح الإسلام وهو المسيحي الذي يفاحر بهويته المارونية.
وتمتع جورج قرداحي بشعبية هائلة، منذ أن بدأ يقدم برنامجه الشهير من سيربح المليون على قناة MBC السعودية، والذي تراجعت مشاهدته كثيراً في سنواته الأخيرة، قبل أن تقرر القناة وقفه بسبب تصريحاته المؤيدة لبشار الأسد، في بداية الثورة السورية في أغسطس/آب 2011
وأفاد تقرير نشر آنذاك لقناة العربية، التابعة لمجموعة MBC، أن قرداحي كان قد أعلن خلال مؤتمر في دمشق، في يوليو/تموز 2011، أن موجة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد هي "مؤامرة خارجية"، وأن "الربيع العربي" قد "نشر الفوضى في أنحاء العالم العربي"، فأدرج اسمه على "لوائح العار" التي يتم تناقلها عبر الإنترنت، والتي تتضمن أسماء ممثلين وشخصيات إعلامية تدعم الأنظمة العربية.
ولكن الرجل لم يتوقف عن هذا التأييد لبشار الأسد رغم توالي جرائمه، ففي ديسمبر/كانون الأول 2018، تجدد الجدول حول جورج قرداحي، بعد اختياره الرئيس السوري بشار الأسد شخصية العام على المستوى العربي، بالإضافة إلى اختيار الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، كشخصية العام في لبنان "بلا منازع".
وقال قرداحي في ذلك الوقت في برنامج بثته قناة المنار التابعة لحزب الله: "على الصعيد العربي أنا أقول ودون أي تردد واللي بحب يسمع يسمع، رجل العام هو الرئيس بشار الأسد، لأنه بصموده على هالحرب الكونية اللي صارت على سوريا من 2001 إلى اليوم أثبت أنه رجل من طينة أخرى".
وتابع قائلاً: "هذا هو الواقع، لولا صمود هذا الرجل لراحت سوريا ورحنا احنا كمان في لبنان، وكان راح الأردن، ويمكن راحت الخليج.. لبنانياً يبقى السيد حسن نصرالله طبعاً ما في منازع.."، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.
ثم تراجع جورج قرداحي لاحقاً عن تصريحاته، قائلاً: "هناك أناس كثيرون فهموا موقفه تجاه سوريا بطريقة خاطئة"، مشدداً أنه "لم يؤيد بشار الأسد ولا نظامه، لكنه أعلن تأييده لسوريا بالكامل".
وأضاف "قرداحي" في تصريحات خاصة لصحيفة "المصري اليوم": "توقعت ماذا سيفعل الربيع العربي في العالم العربي، لذلك لم أطلق على الأحداث اسم الربيع العربي، لكنني وصفته بأنه (ما يسمى الربيع العربي)، لأن إطلاق هذا الاسم عليه يعتبر تزويراً".
كما قال في تصريحات أخرى إن علاقته مع دول الخليج "رجعت لطبيعتها"، مضيفاً أن السعودية دعته لزيارتها مرتين، وتم تكريمه في الرياض خلال السنة الفائتة، و"تفهموا موقفي الذي لم يكن معادياً لدول الخليج وإنما كنت متضامناً مع الشعب السوري وسوريا التي نحبّها ونقدرها ونعرف ما تأثير أزماتها على لبنان في حال حدوث حرب أهلية".
وزير الأسد الذي تلقى مكافأته عبر لبنان
ويصف البعض قرداحي بأنه وزير الأسد في الحكومة اللبنانية، حسبما ورد في تقرير لموقع المدن اللبناني.
إذ يقول التقرير صحيح أن قرداحي سُمّيَ وزيراً من حصة تيار "المردة"، ولكن بالنظر إلى أن أدبيات الرجل لم تكن متماهية تماماً مع "المردة"، باستثناء تلاقيهما على دعم الأسد، فإن هذا قد يعني أن موقفه الداعم للرئيس السوري بشار الأسد، أهّله لموقعه، وأنه يُكافأ على موقفه الداعم لدمشق في هذه الحكومة.
وقد يكون ذلك قد تم عبر ضغط من الأسد على تيار المردة، وهو التيار المعروف عنه أنه أقرب تيار مسيحي لبناني لنظام الأسد، لدرجة أن ابن زعيم التيار سليمان فرنجية سمى ابنه باسل على اسم شقيق بشار باسل الأسد.
يتمنى انقلاباً عسكرياً في بلاده
ولكن كان هناك تصريح لا يقل غرابة صدر عن جورج قرداحي، نشره أيضاً برنامج برلمان الشعب في موقعه الإلكتروني وفي "يوتيوب".
فرداً على سؤال: "هل تتمنون حصول انقلاب عسكري في لبنان؟"، قال جورج قرداحي: "يا ريت"، مطالباً بانقلاب عسكري مؤقت، لمدة خمس سنوات لتنظيم الأمور والدفاع عن حقوق الناس.
وذكرت جريدة النهار اللبنانية أن كلام قرداحي يعود إلى 5 أغسطس/آب 2021، ضمن حلقة من برنامج "برلمان شعب"، أي قبل نحو شهر من تشكيل حكومة في لبنان برئاسة نجيب ميقاتي، وتعيين قرداحي وزيراً للإعلام فيها.
يريد ضرب مذيعة مصرية بالجزمة، وتقييد الإعلام
وقبل ذلك قال قرادحي عن الإعلامية المصرية ريهام سعيد: "إنها تستحق أن تضرب بالجزمة بسبب ما قالته عن السيدات السمينات"، وبرر كلامه بأن ما قاله يعبر عن قناعته وتربيته وحسه الإنساني، لافتاً إلى أن العبارة التي وردت على لسانه بشأن ضربها بالجزمة كانت من قبيل الهزار؛ لأنها عبارة تستخدم في لبنان بشكل هزلي وليس بشكل جدي.
وبينما يبرر قرداحي تصريحاته الصادمة تارة بأنها هزار وتارة بأنها ليست تأييداً للأسد، بل لسوريا، وتارة ثالثة بأنه قبل توليه منصبه الرسمي، فالواقع أنه واصل تصريحاته المثيرة للجدل حتى بعد توليه المنصب.
ففور توليه وزارة الإعلام اللبنانية قال قرداحي: "أريد من وسائل الإعلام أن تمتنع عن استضافة السياسيين والمحللين الذين يبشروننا دائماً بالجحيم"، دون تسميتهم.
وأضاف: "بعض الجهابذة والمحللين الذين ظهروا عبر شاشات وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين، وحللوا تشكيل الحكومة والمحاصصة، فليسمحوا لنا بالعمل وليهدأوا قليلاً".
ومضى قائلاً: "لبنان كما وصفها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأنها كطائرة تهبط اضطرارياً"، واصفاً بعض التعليقات على تشكيل الحكومة الجديدة بـ"المخزية والمعيبة".