مدن ستغرق، وقرى بدأت تحترق، وسماوات مسممة، وبلدان لن تصبح صالحة للسكن، ليست هذه مشاهد من فيلم خيال علمي كئيب، ولكنها مخاطر حقيقية تهدد مئات الملايين جراء الكوارث المناخية في الشرق الأوسط، التي أصبح وقوعها أقرب مما يظن أغلب سكانه، بل بعض هذه الكوارث وقع بالفعل، وتسبب في سقوط ضحايا.
ومع الاهتمام العالمي بمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي لعام 2021 -المعروف اختصاراً بـCOP26- الذي يُعقد نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، بمدينة غلاسكو الاسكتلندية، فإنه يبدو أنه لا يلقى نفس الاهتمام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، رغم أنها قد تكون الأكثر تأثراً في العالم بالتغيرات المناخية.
إذ يتهدد سكانها خطر مروع، من حرائق الغابات المفزعة في الجزائر، والفيضانات المدمرة في تركيا، إلى التلوث السام في لبنان وإيران، والجفاف المنتشر في العراق وسوريا، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وقال جوس ليليفيلد، الخبير في مناخ الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط في معهد ماكس بلانك، إن الشرق الأوسط قد تجاوز الاتحاد الأوروبي في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، موضحاً أنه "يتأثر بشدة بشكل خاص" بالتغير المناخي.
ويشعر الخبراء بالقلق بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المنطقة، حيث أصبحت أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية.
تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني عرض سلسلة من الكوارث التي تهدد منطقة الشرق الأوسط جراء التغيرات المناخية، التي بدأ بعضها بالفعل في الحدوث، وكيف يمكن أن تؤدي هذه الكوارث إلى اختفاء مدن أو جعل بلدان غير صالحة للسكنى.
أخطر الكوارث المناخية في الشرق الأوسط.. بعضها بدأ بالفعل
1- بعض من أكبر وأعرق مدن المنطقة مهددة بالغرق
أشار أحد التقارير إلى أن المدن الساحلية في مصر والعراق قد تغمرها المياه بحلول عام 2050، نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر.
وضاعفت الأبحاث التي أجرتها منظمة Climate Central الإخبارية الأمريكية غير الربحية التقديرات الأولية لتأثر دول العالم بارتفاع منسوب مياه البحر والفيضانات الساحلية ثلاث مرات.
وتشير بيانات المنظمة إلى أن البصرة، ثاني أكبر مدن العراق، قد تتعرض للغرق جزئياً نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، الأمر الذي قد يؤدي إلى نزوح الآلاف من منازلهم.
وتظهر الأبحاث أيضاً أن مدينة الإسكندرية المصرية قد تغرق، وهو ما يُضاعف المخاوف من أن أجزاء من المدينة قد تغرق بالفعل بسبب ارتفاع منسوب المياه.
2- بلدان لن تصبح صالحة للسكنى بسبب ارتفاع درجات الحرارة
سجلت أربع دول في الشرق الأوسط درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية، في يونيو/حزيران عام 2021.
حيث شهدت هذه الدول الأربع، سلطنة عمان وإيران والكويت والإمارات، درجات حرارة وافقت أو فاقت أعلى الأرقام المسجلة.
وأشارت دراسات إلى أن هذه الحرارة الشديدة تزداد وتيرتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وعام 2020، أشارت دراسة نُشرت في دورية Science Advances إلى أن أجزاء من الشرق الأوسط، وخاصة الخليج، قد تصبح غير صالحة لسكنى البشر إذا استمرت هذه الارتفاعات الحالية في درجات الحرارة.
جوس ليليفيلد، الخبير في مناخ الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط في معهد ماكس بلانك: "إذا لم يتغير شيء فقد تتعرض المدن في الشرق الأوسط لدرجات حرارة تصل إلى 60 درجة مئوية في المستقبل، وهو ما سيكون خطيراً بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى مكيفات الهواء".
3- ملايين العرب يواجهون الجفاف
لفتت منظمات إغاثية في أغسطس/آب عام 2021، إلى أن الجفاف يعرض حياة أكثر من 12 مليون شخص في العراق وسوريا للخطر.
ونبّهت 13 منظمة إغاثية في بيان مشترك إلى خطر حدوث "كارثة" في ظل ارتفاع درجات الحرارة والانخفاض القياسي في هطول الأمطار والجفاف الذي قد يطول مياه الشرب ومياه الري والكهرباء حين تجف مياه السدود.
ووفقاً للأمم المتحدة، تواجه سوريا أسوأ موجة جفاف في تاريخها منذ 70 عاماً، فيما يواجه العراق ثاني أشد موسم جفاف منذ 40 عاماً، نتيجة انخفاض معدل هطول الأمطار.
4- الفيضانات تُدمر السواحل
دمرت الفيضانات المفاجئة في أوائل أغسطس/آب عام 2021، ساحل البحر الأسود في تركيا، وتسببت في مقتل العشرات. وجاء هذا الدمار في الوقت الذي كانت فيه الدولة المتضررة تسعى للسيطرة على مئات حرائق الغابات على طول ساحلها الجنوبي الخلاب.
وضربت الفيضانات تركيا في الأسبوع نفسه، الذي قالت فيه لجنة تابعة للأمم المتحدة إن الاحتباس الحراري يقترب بشكل خطير من الخروج عن السيطرة، وإن الطقس المتطرف سيزداد حدة.
5- التلوث يسمم سماوات المدن
أجبر غطاء من الضباب السام الذي ظل فوق إيران لمدة أيام، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، السلطات على إغلاق المدارس والجامعات وتوجيه الأوامر للناس بالبقاء في منازلهم.
وكان لارتفاعات موسمية مماثلة في مستويات التلوث تأثيرات مميتة، إذ قُدِّر أنَّ أكثر من 400 شخص توفوا في عام 2016، في غضون أقل من شهر خلال فترة تلوث شديد.
ووفقاً لتقرير صدر عن البنك الدولي في عام 2018، ينجم معظم تلوث المدينة عن المركبات الثقيلة والدراجات النارية ومصافي التكرير ومحطات الطاقة.
6- البحيرات تجف وتتحول إلى صحاري
تتقلص البحيرات في مختلف أرجاء الشرق الأوسط بسبب التبخر السطحي وسوء التخطيط البيئي، بما في ذلك تغيير مسار المياه من الأنهار المتدفقة.
وقد تقلَّص معظم بحيرة أوروميا في إيران، والتي كانت في السابق أكبر بحيرات الشرق الأوسط، لتصبح ما لا يتعدى كونه سهلاً ملحياً، وباتت بحيرة "بحر الملح" (بحيرة الرزازة) في العراق، والتي كانت تجتذب آلاف الناس في رحلات يومية، الآن تشبه الأرض الصحراوية.
7- السياحة تقضي على الشعاب المرجانية
يضر الاكتظاظ ببعض الحيود المرجانية في البحر الأحمر والخليج العربي، في ظل معاناة المنطقة من أجل الموازنة بين السياحة والحفاظ على البيئة.
ويُعَد واقي الشمس أحد التهديدات، الذي يؤثر سلباً على البيئة المائية، ووجدت سينزيا كورينالديزي، أستاذة علم البيئة بجامعة بوليتكنيكا ديلي ماركي الإيطالية، والتي شاركت في عام 2018 في تأليف ورقة بحثية عن واقي الشمس والشعاب المرجانية في المالديف، أنَّ جزيئات أكسيد الزنك النانوية المستخدمة في كثير من الأحيان في واقيات الشمس تتسبب في البهتان الشديد والسريع لألوان الشعاب المرجانية"، حتى ولو بكميات ضئيلة.
8- الحرب الأهلية السورية تُلوث البحر المتوسط
حوَّل عقد من الصراع في سوريا سواحلها إلى مبعث قلق بيئي رئيس، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها منظمة PAX، وهي منظمة هولندية لبناء السلام، في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقالت المنظمة إنَّ حالات التسرب من الناقلات الراسية وخطوط الأنابيب تحت المياه وأنظمة الصرف الصحي قد حوَّلت الساحل السوري إلى "بؤرة تلوث رئيسية مرتبطة بالصراع".
ويعاني البحر المتوسط بالفعل من التلوث، لكنَّ تقرير المنظمة وجد أنَّ عقداً من الصراع في سوريا قد خلق مخاوف بيئية رئيسية جديدة بطول ساحل البلاد.
9- الأمطار الغزيرة تهدد المنازل التاريخية في صنعاء
أسفرت شهور من الأمطار الغزيرة في اليمن عن مقتل أكثر من 100 شخص، ووضعت العديد من المباني في مدينة صنعاء القديمة المُدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي على حافة الانهيار، في أغسطس/آب 2021.
وأضرَّت الأمطار المستمرة، التي بدأت في أبريل/نيسان، بمئات المنازل، بما في ذلك الكثير من البيوت الطينية في مدينة صنعاء القديمة، التي بُنيَت قبل القرن الحادي عشر، وتشتهر بواجهاتها المزخرفة.
وحذّرت منظمة اليونسكو من أنَّ الضرر يهدد حياة سكان المراكز التاريخية في مختلف أنحاء اليمن.
10- مربو الماشية يفقدون قطعانهم جراء الجفاف
شهد المزارعون الأكراد العراقيون في عام 2021 واحداً من أشد التراجعات في معدلات هطول الأمطار، التي يمكنهم تذكرها، الأمر الذي فاقم سنوات من الجفاف.
وقال رمضان غالب خورشيد، وهو مزارع في قرية خويلين بمنطقة سانجوا: "أضر ذلك بشكل خطير بأرزاقنا، التي تعتمد على الزراعة وتربية الأغنام والماشية. إنَّنا نفتقر إلى ما يكفي من المراعي لتربية قطعاننا".
ويُعَد العراق من بين البلدان الأكثر عرضة للتغير المناخي. ويقع إقليم كردستان ضمن منطقة البحر المتوسط المناخية، ووفقاً لتحليل صادر عن معهد ماساتشوستس للتقنية في عام 2020، تأثر حوض البحر المتوسط بالفعل على نطاق واسع بالاحترار العالمي، ويمكن أن يتراجع هطول الأمطار الموسمية بواقع 40% على مدار العقود الثلاثة المقبلة.
11- الأسماك السامة تطفو على البحيرات
ظهر 40 طناً على الأقل من الأسماك النافقة على ضفاف إحدى البحيرات على نهر الليطاني اللبناني في عام 2021، في كارثة عُزي السبب فيها إلى تلوث المياه.
جمع المتطوعون الأسماك النافقة المتعفنة قرب بحيرة القرعون، حيث كانت أكوام القمامة تطفو بالقرب من الأسماك المتحللة في المياه التي كانت قذرة بالفعل.
وحذرت هيئة النهر من أنَّ السمك سام ويحمل فيروساً.
ثم حلَّت أكبر كوارث المنطقة.. حرائق الغابات
لم يكن الشرق الأوسط، الذي يُعَد واحداً من أكثر مناطق العالم جفافاً، غريباً على حرائق الغابات تاريخياً.
لكن في عام 2021، أدَّت الحرارة الشديدة إلى احتراق مساحة شاسعة من المنطقة تمتد من الجزائر في الغرب مروراً بتركيا ولبنان وسوريا في الشرق.
وتوجد خلف كل كارثة الكثير من القصص الفردية للأرواح التي فُقِدَت والمناطق التي دُمِّرَت.
12- الجزائر: حرائق نهاية العالم
لقي عشرات الأشخاص، بما في ذلك جنود، حتفهم في أغسطس/آب 2021، خلال حرائق "نهاية العالم" التي اجتاحت شمال وشرق الجزائر.
قال الخبراء إنَّ الحرارة والجفاف والرياح ساهمت في الانتشار الكبير لألسنة اللهب، على نحوٍ مشابه للحرائق التي وقعت في بلدان متوسطية أخرى.
وجرى تداول القصص المأساوية على شبكة الإنترنت، كانت إحداها لفتاتين صغيرتين عُثِرَ على جثتيهما المحترقتين متعلقتين بأمهما، وكانت أخرى لفلاح شاب كان قد تزوج حديثاً واختنق حين حاول فتح باب قن الدجاج خاصته كي يسمح للطيور بالهرب.
13- تركيا: النيران تدمر مئة قرية
كانت غولسوم، التي تتكئ بظهرها على الحائط، تحدق بذهول في قريتها المدمرة كالملر. وقالت: "خسرنا كل شيء، منزلنا، وماشيتنا، وأثاثنا، ولدينا الآن رأس ماعز واحد لا يمكنه الرؤية بوضوح بسبب الرماد وتعرَّض شعره للحرق الجزئي".
تقع القرية على بُعد 15 كيلومتراً فقط من منطقة مانافغات بولاية أنطاليا، وهي وجهة سياحية شهيرة. وتحولت في أغسطس/آب 2021 إلى خراب، وهي واحدة من بين أكثر من 100 قرية في أنحاء تركيا دُمِّرَت خلال ذلك الشهر بفعل حرائق الغابات.
ويحذر الخبراء من أنَّ التغير المناخي في بلدان مثل تركيا يزيد من وتيرة وشدة حرائق الغابات.
14- لبنان: الحرائق أصبحت متكررة
عاثت حرائق الغابات فساداً في أرجاء لبنان، في يوليو/تموز 2021، حين استمرت درجات الحرارة القياسية في الصيف في اجتياح المنطقة. ووفقاً لسلطات الدفاع المدني، كان من بين الضحايا صبي يبلغ من العمر 15 عاماً، كان قد "أسرع إلى المنطقة للمساعدة في إخماد النيران".
واجتاحت مئات الحرائق خلال العامين الماضيين أرجاء لبنان والمناطق الساحلية المرتفعة في سوريا خلال موجات الحرارة في الصيف، ما أجبر مئات الأشخاص على إخلاء منازلهم.
وبعيداً عن حرائق الغابات، تسببت الحرارة الحارقة في انقطاعات للكهرباء والمياه، ويقول المحللون البيئيون إنَّ حالات الطقس المتطرف يُرجَّح أن تصبح أكثر شيوعاً ف+ي ظل استمرار تأثير الاحترار العالمي.