في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات بالحرب بشأن برنامج إيران النووي، من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، تنعقد المقارنات بين الأسلحة لدى كل طرف، فهل تستطيع صواريخ كورنت الروسية هزيمة حاملة طائرات أمريكية؟
إذ ذكرت تقارير إسرائيلية، الثلاثاء 26 أكتوبر/تشرين الأول، أن تل أبيب تعد بالفعل خططاً لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، في حال عدم توصل المفاوضات الجارية حالياً إلى اتفاق بشأن الاتفاق النووي.
كما أشارت تقارير أخرى، مصدرها إسرائيل أيضاً، إلى أن إيران تسعى إلى نصب صواريخ أرض-جو في سوريا ولبنان والعراق، تهدف إلى اعتراض الغارات الجوية الإسرائيلية المحتملة.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة The National Interest الأمريكية مقارنةً بين أحد الأسلحة الإيرانية في مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية، بعنوان "هل تستطيع صواريخ كورنت الروسية هزيمة حاملات الطائرات الأمريكية؟"، رصد مميزات الصواريخ ومدى قدرتها على إلحاق أضرار مؤثرة في حاملات الطائرات.
ما هو صاروخ كورنت الروسي؟
صواريخ كورنت الروسية هي بالأساس سلاح مضاد للدبابات، وقالت تقارير إيرانية مؤخراً إن سلاح البحرية الإيرانية تمكّن من نصب منصات إطلاق صواريخ كورنت على القوارب السريعة لاستخدامها في استهداف حاملات الطائرات الأمريكية.
مارك لانغفان، رئيس منظمة Americans for a Safe Israel (أمريكيون من أجل إسرائيل الآمنة)، قام بعمل دراسة عنوانها "هل تستطيع صواريخ كورنت الموجهة المضادة للدبابات (ATGM) مهاجمة حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس ابراهام لينكون، وهي حاملة طائرات فئة نيمتز؟"، ركز خلالها على استخدام تحليل لقدرات صواريخ كورنت والقدرات الدفاعية لحاملة الطائرات المذكورة. وتوصل تحليل لانغفان إلى استنتاج مفاده أن صواريخ كورنت تشكل تهديداً حقيقياً على حاملة الطائرات.
لكن تقرير المجلة الأمريكية، الذي أعده تشارلي جاو الخبير في الشؤون العسكرية، رفض النتيجة التي توصل إليها لانغفان في تحليله، وذلك لعدد من الأسباب تتعلق بطبيعة المواجهة المتخيلة بين صواريخ كورنت وحاملة الطائرات كما رسمها لانغفان، إضافة إلى عوامل أخرى يرى تقرير المجلة الأمريكية أن صاحب الدراسة أغفلها.
إذ يرى تشارلز جاو أن الدراسة التي أجراها لانغفان أخطأت في تفسير عديد من الجوانب المتعلقة بصواريخ كورنت، وتجاهلت العديد من الجوانب المرتبطة بالحروب البحرية.
أولاً، يحلل لانغفان الهجوم على الحاملة في الفراغ، بمعنى صواريخ كورنت منطلقة نحو حاملة الطائرات مباشرة، لكن في حالة انتشار عسكري حول شواطئ إيران سوف تكون حاملة الطائرات مدعمة بمجموعة من المدمرات والسفن الدورية الأصغر. فضلاً عن أن السفن الدورية من فئة الإعصار Cyclone-class تحديداً مصممة لتُوكَل إليها مهمات في مياه الخليج.
مدى قدرة الصواريخ على استهداف حاملة الطائرات
وتعد هذه السفن هي السلاح الأمثل للتصدي للقوارب الصغيرة التي قد تحمل صواريخ كورنت لإطلاقها عبر مدافع أوتوماتيكية مزدوجة مقاس 25 ملم. كذلك تُزود سفن Cyclones بصواريخ غريفين، التي تكون مثالية للاستخدام ضد القوارب الصغيرة وتستطيع تعقبها من مسافة تصل إلى 8 كيلومترات. تمتلك الحاملة أيضاً جناحها العسكري الخاص، الذي يمكن استخدامه للهجوم على السفن الصغيرة قبل أن تدخل حتى في محيط الاشتباك.
حتى إذا نظرنا إلى اشتباك بين صواريخ كورنت وبين حاملة الطائرات في الفراغ، سنجد أن صواريخ كورنت تواجه مشكلات رئيسية، بحسب تقرير مجلة ناشيونال إنترست.
يقول لانغفان إن صواريخ كورنت تعد من الصواريخ التي تعتمد على تقنية "أطلق وانس" التي تتيح إطلاق الصاروخ على الهدف دون الحاجة إلى دقة التصويب، لكن هذه المعلومة ليست صحيحة؛ نظراً إلى أن جميع بدائل الصاروخ لا تثبِّت أداة تعقب يمكن استخدامها لتعقب الهدف بصورة مستقلة. بل تعتمد جميعها على شعاع ليزر يأتي من موقع الإطلاق من أجل إرشادها إلى الهدف.
بعض منصات الإطلاق، مثلما هو الحال مع صواريخ كورنت المثبتة فوق المركبات المدرعة، تمتلك القدرة على التعقب الأوتوماتيكي للهدف عن طريق منصة الإطلاق، لكن هكذا منصات إطلاق تكون ثقيلة، ومن ثم فإن تثبيت إحدى هذه المنصات فوق قارب خشبي صغير قد يكون غير عملي على الإطلاق.
وبافتراض استخدام منصة إطلاق اعتيادية ذات حامل ثلاثي، فإن شن هجوم بصواريخ كورنت لا يزال مسألة غير عملية. إذ إن الحامل الثلاثي الاعتيادي يكون غير مستقر؛ نظراً إلى أنه يُستهدَف استخدامه فوق أرض مستقرة جافة. ويمكن لتثبيت منصة الإطلاق فوق قارب أن يجعلها تتحرك في كل اتجاه بسبب حركة القارب، وهو ما تستحيل معه دقة التصويب من أي مدى.
ماذا إن أصاب الصاروخ حاملة الطائرات فعلاً؟
فماذاً إذا أُطلق صاروخ، وتعقب الهدف (حاملة الطائرات) بدقة بطريقة ما؟ لا يزال الأثر غير كبير. إذ تُسلَّح حاملات الطائرات بوفرةٍ من صواريخ وأنظمة الدفاع الذاتي، مثل منظومة فالانكس الصاروخية (CIWS) أو صاروخ آر آي إم-116 ذي الهيكل الدوار.
صحيحٌ أن المستشعرات في هذه الأجهزة تكون مثالية عند تعقب الصواريخ المضادة للسفن ذات الحجم الأكبر، لكنها على الأرجح لن تجد مشكلةً في تعقب صواريخ كورنت ذات الحجم الأصغر. والسرعة الأبطأ نسبياً التي تنطلق بها صواريخ كورنت قد تعطي هذه المنظومات مساحة كبيرة للاشتباك قبل أن يصيب الصاروخ حاملة الطائرات.
ولكن ماذا إذا أصاب صاروخ كورنت حاملة الطائرات؟ مرة أخرى، ليس الأثر كبيراً. تركز دراسة لانغفان على قدرة صاروخ كورنت على اختراق الصلب. صحيحٌ أن الرأس الحربي لصاروخ كورنت قادر بكل سهولة على هزيمة هيكل حاملة الطائرات، لكن الانفجار الضعيف للمعدن المنصهر الذي تتسبب فيه الرؤوس الحربية شديدة الانفجار المضادة للدبابات التي يحملها صاروخ كورنت، لن تؤدي على الأرجح إلى ضرر كبير، بحسب تقرير جاو.
تعتمد صواريخ كورنت الموجهة المضادة للدبابات على انفجار المعدن الذي يصيب طاقم الدبابة أو يسبب اشتعالاً ما يؤدي إلى إخراجها من الخدمة. والسبب أن طاقم الدبابة والذخيرة والوقود يكونون جميعهم متكومين نسبياً في مكان واحد داخل الدبابة.
لكن هذا ليس هو الحال في أي سفينة. لن يتسبب صاروخ كورنت الذي يصيب حاملة الطائرات إلا في إصابة الأشخاص القريبين للغاية من موقع الانفجار، هذا إن قُتل أحدٌ من الأساس.
وبعد الاختراق، لن يترك الصاروخ إلا ثقباً صغيراً في الهيكل (يكون في العموم أصغر من قطر الصاروخ نفسه). إضافة إلى أن فِرق السيطرة على الأضرار في السفينة تكون مدربة على التعامل مع حجم الدمار الأشد من هذا بكثير، وسوف يجسد سد الثقب الذي أحدثه صاروخ كورنت مجرد وقت تسلية بالنسبة لهم.
من المعروف أن غالبية الصواريخ المضادة للسفن تكون لديها رؤوس حربية ضخمة تستهدف تحطيم هيكل السفينة والدخول بعمق داخلها قبل أن تنفجر مسببةً دماراً هائلاً. وفي المقابل، تتفجر صواريخ كورنت عند الهيكل نفسه ما سيسبب على الأرجح حجم دمار بسيطاً بالنسبة للأماكن ذات الأهمية بالسفينة.
لم يذكر لانغفان النسخة الفراغية من صاروخ كورنت، التي تملك قدرة تفجيرية هائلة. ومع أن هذه حقيقة، لكن النسخة الفراغية لديها قدرات اختراق ضعيفة للغاية. وليس من المرجح أن يتمكن أي صاروخ كورنت فراغي من اختراق هيكل السفينة، وإن كان من المحتمل أن يترك تجويفاً كبيراً أو تشظياً على الجانب الآخر.
الخلاصة هنا هي أن حاملات الطائرات تواجه قائمة طويلة من التهديدات في العصر الحديث، لكن البحرية الأمريكية قضت نصف القرن الماضي في التفكير بطرق لهزيمة التهديدات التي تواجهها. ولذا فإن صواريخ كورنت المثبتة في القوارب تشكل أخفّ مخاوف حاملات الطائرات.