لا تزال فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران ترفض نتائج الانتخابات في العراق، فهل يمكن أن تعتبر الولايات المتحدة مقتدى الصدر، الفائزة كتلته، حليفاً لها؟
ومنذ إعلان المفوضية العليا للانتخابات نتائج الانتخابات المبكرة، التي أجريت الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كانت خسارة الأحزاب والكتل السياسية التابعة لفصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران، مقابل فوز كتلة "سائرون" التابعة لتيار مقتدى الصدر بالمركز الأول، العنوان الأبرز للمرحلة السياسية في العراق.
وفي ظل الصراع بين طهران وواشنطن في المنطقة، وتحديداً على الأراضي العراقية، تباينت التحليلات وردود الأفعال على نتائج تلك الانتخابات من منظور ذلك الصراع.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية تحليلاً عنوانه "لوقف إيران عند حدِّها.. الولايات المتحدة بحاجةٍ إلى رجل دين عراقي يحاربها"، ركز على سيناريوهات تشكيل الحكومة المقبلة وما إذا كان يمكن اعتبار "مقتدى الصدر" أقرب إلى واشنطن منه إلى طهران، رغم كونه أبرز المناهضين للاحتلال الأمريكي من قبل.
رفض نتائج الانتخابات
وتتواصل حالياً محاولات أنصار قوى سياسية أبرزها الحشد الشعبي لرفض نتيجة الانتخابات، حيث منعت قوات الأمن العراقية اليوم الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول، المئات من أنصار تلك القوى من التقدم نحو مداخل "المنطقة الخضراء" المحصنة أمنياً وسط العاصمة بغداد.
وقال مصدر أمني، لمراسل الأناضول، إن "المئات من المتظاهرين حاولوا التقدم باتجاه بوابات المنطقة الخضراء، لكن الحاجز الأمني الأول منع المتظاهرين من التقدم". وأضاف المصدر، الذي طلب حجب هويته كونه غير مخول بالتصريح للإعلام، أن "قوات الأمن أبلغت المتظاهرين بأنها لن تسمح لهم بأي حال بالتجاوز للوصول إلى المنطقة الخضراء".
وأوضح أن "قوات الأمن طلبت من المتظاهرين الحفاظ على سلمية الاحتجاجات، وعدم الدخول في مشاكل معها"، لافتاً إلى "وصول تعزيزات عسكرية كبيرة إلى مداخل المنطقة الخضراء".
كان هؤلاء المتظاهرون يعتصمون في ساحة "جسر الطابقين" وسط بغداد، منذ الثلاثاء الماضي، وتحركوا مساء السبت باتجاه مداخل "المنطقة الخضراء"، وفق مراسل الأناضول. و"المنطقة الخضراء" شديدة التحصين وتضم مقرات الحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية الأجنبية وكذلك بعثة الأمم المتحدة "يونامي" التي تلقت تهديدات بالعنف من قبل أنصار القوى والأطراف الرافضة لنتائج الانتخابات.
وحذرت قوى شيعية بينها فصائل متنفذة، الأسبوع الماضي، من أن المضي بهذه النتائج "يهدد السلم الأهلي في البلاد"؛ ما أثار مخاوف من احتمال اندلاع اقتتال داخلي في البلاد. ويعد تحالف "الفتح" وهو مظلة سياسية لفصائل شيعية مسلحة أبرز الخاسرين في الانتخابات الأخيرة بحصوله على 16 مقعداً، بعد أن حل ثانياً برصيد 48 مقعداً في انتخابات 2018.
معركة اختيار رئيس الحكومة
بعد أسبوعين من الانتخابات العامة، يحتاج العراق بشدة إلى معجزة، أو على الأقل عصا سحرية من شأنها تعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة بعد أن ذهب حوالي 40% من الناخبين المؤهَّلين إلى صناديق الاقتراع. ومن الواضح أيضاً أن الكتل الشيعية ستحصل على الوزارات المهمة مثل الدفاع والنفط والخزانة والشؤون الخارجية، لكن الأمر قد يستغرق شهوراً من الزمن لترتيب الوزارات في الحكومة، بحسب هآرتس.
ويتوقَّع السياسيون العراقيون عدم تشكيل الحكومة هذا العام. والواقعيون منهم يقولون إن مارس/آذار سيكون موعداً معقولاً لحسم محادثات الائتلاف، بينما يعتقد آخرون أن البرلمان لن يكون قادراً على الموافقة على مجلس الوزراء إلا في الصيف المقبل.
وحتى ذلك الحين، ستدير الدولة حكومة تصريف أعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، الذي عُيِّنَ بعد سقوط الحكومة السابقة في أعقاب المظاهرات الضخمة والاشتباكات العنيفة العام الماضي.
وكما في الانتخابات السابقة في 2018، كان الفائز الأكبر هو رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي فازت كتلته بـ73 مقعداً في البرلمان البالغ عدد مقاعده 329 مقعداً. ومن بعده في الترتيب، جاءت كتلةٌ برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بـ34 مقعداً، تليها كتلة فتح التي تشارك فيها الميليشيات الموالية لإيران. تعرَّضَت هذه الكتلة لضربةٍ قاسية عندما فازت بـ16 مقعداً فقط، مقارنةً بـ48 مقعداً في 2018. وحصل المُرشَّحون المستقلون على 40 مقعداً بفضل قانون الانتخابات الجديدة.
هل نتائج الانتخابات هزيمة لإيران؟
فُسِّرَت هذه النتائج على نطاقٍ واسعٍ بأنها هزيمةٌ لإيران، التي كان من المُتوقَّع أن تتقلَّص مكانتها في العراق بشكلٍ كبير. وهذا التفسير مبني على افتراض أن الصدر، المعروف بمواقفه المناهضة لإيران وأمريكا، هم من سيتوِّج رئيس الوزراء المقبل ويفرض تشكيل الحكومة. وقد أعلن الصدر بالفعل أن رئيس الوزراء المقبل سيكون من اختياره، لكن لتحقيق رؤيته لا يزال بحاجةٍ إلى تحالفٍ قوي.
يتمثَّل الخلاف الرئيسي الآن فيمن الذي سيُختار لتشكيل الحكومة: الحزب أو الكتلة التي فازت بأكبر عددٍ من الأصوات أم القائد الذي يمكنه تشكيل أكبر ائتلاف. يصرُّ الصدر على أن الحزب الأكبر، وهو حزبه، يجب أن يعيِّن رئيس الوزراء، بينما يقول المنافسون إن الكتلة الأكبر يجب أن تكون هي التي تعيِّنه.
ليس الصدر، البالغ من العمر 47 عاماً، وهو من عائلةٍ دينية ذات امتيازات، رجل دين كبير بما يكفي لإصدار قراراتٍ مُلزِمة. لكنه زعيمٌ يتمتَّع بكاريزما قام خلال العقدين الماضيين، منذ غزو العراق، بتعبئة ملايين العراقيين، مِمَّا سَمَحَ له بتشكيل ميليشيا المهدي التي قاتلت بلا هوادة ضد الاحتلال الأمريكي. ويمكن لمقاتلي الميليشيا حشد مئات الآلاف من أتباعها في الشوارع. ولدى الصدر أيضاً يدٌ في كلِّ وزارة، وأتباعه قضاةٌ ومديرو مشاريع ومسؤولون في شركاتٍ نفطية ومحاضرون جامعيون ومسؤولون تنفيذيون في البنوك.
إنه في الأساس العدو الأكبر للميليشيات الشيعية وتدخُّل إيران في العراق. وقال بعد الانتخابات إنه "من الآن فصاعداً، يجب أن تكون الأسلحة حصراً في يد الحكومة. سيُحظَر استخدام الأسلحة خارج الحكومة. حان الوقت ليعيش الناس في سلامٍ دون احتلال وإرهاب وميليشيات واختطاف وخوف".
ولم يكن يقصد ميليشياته بالطبع، لكن الصدر غيَّر لهجته عدة مرات خلال مسيرته السياسية. من عام 2006 إلى 2008، تعاوَنَ مع إيران في الحملة ضد الولايات المتحدة، وهاجم مقاتلوه الجنود والأهداف الأمريكية، وكذلك الجنود السنَّة، وأصبحوا الفرع التنفيذي لإيران في العراق. لكن عندما بدأت إيران في أخذ رجاله لتشكيل ميليشياتٍ جديدة تتنافس على السيطرة على الشوارع، عمل ضد النشطاء الإيرانيين في البلاد.
الصدر وتغيير التحالفات
وفي عام 2018، غيَّرَ مساره مرةً أخرى عندما تعاوَنَ مع زعيم الميليشيات الشيعية لإرغام رئيس الوزراء آنذاك، عادل عبد المهدي، على الاستقالة. وفي المظاهرات الجماهيرية عام 2019، قال إنه يدعم مطالب الشعب، وأرسل أنصاره للانضمام إلى المتظاهرين، ونصب خياماً في الاحتجاج، وزوَّد المتظاهرين بالطعام والإمدادات الطبية. لكن المتظاهرين، ومعظمهم من شباب الطبقة الوسطى، تشكَّكوا فيه. أقاموا معسكراتٍ احتجاجية منفصلة، ولم يسمحوا لأتباع الصدر بالانضمام إليهم.
لكن بحلول نهاية العام، غيَّر الصدر موقفه مرةً أخرى، وبعد لقاءٍ مع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني الذي اغتيل على يد الأمريكيين في يناير/كانون الثاني 2020، بدأ الصدر مهاجمة المتظاهرين. هاجمت قواته خيام المتظاهرين واشتبكوا معهم، مِمَّا أسفر عن إصابة المئات وقتل الكثيرين.
لكن استعراض العنف من جانب الصدر لم يفِده. ورغم رغبة إيران في إبقاء عادل عبد المهدي في السلطة، فقد أُطيحَ منها. والآن، يتحدَّث الصدر علناً مرةً أخرى عن التدخُّل الإيراني والميليشيات الشيعية. وعلى حدِّ تعبيره، "يجوز لأيِّ دولةٍ أن تفتح سفارةً في العراق طالما أنها لا تتدخَّل في الشؤون الداخلية للدولة". أي أنه حتى الولايات المتحدة يمكن أن يكون لها بعثة هناك، رغم أن الصدر يمنع رجاله من لقاء الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين.
ومع ذلك، من السابق لأوانه استنتاج أن فوز الصدر في الانتخابات سيمنحه القوة التي يسعى إليها. يتفاوض نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، زعيم حزب الدعوة ورئيس ائتلاف دولة القانون، بالفعل مع شركاءٍ محتملين لتشكيل تحالفٍ يقوده. يُعَدُّ المالكي سياسياً موالياً لإيران، ومن المُحتَمَل أن ينضم إليه قادة الميليشيات الشيعية والمستقلون الشيعة كجزءٍ من استراتيجيته لتوحيد جميع الفصائل الشيعية في كتلةٍ واحدة، باستثناء الصدر.
ويعترض الصدر على فكرة الوحدة الشيعية التي تروِّج لها إيران، لأن ذلك قد يقوِّض سلطته ونفوذه، وكلاهما يعتمد أيضاً على كياناتٍ غير شيعية مثل فصيل بارزاني في كردستان العراق، وجزء من القيادة السنيَّة. يمكن لهذه الكتل والائتلافات أن تتفكَّك وتندمج في مجموعاتٍ مختلفة في المحادثات لتشكيل حكومة وتعيين رئيس وزراء.