يبدو أزمة الشركات الصينية العقارية مرشحة للتدهور، والوصول إلى انهيار عقاري قد يكون أسوأ من الانهيار المالي المالي والعقاري الأمريكي عام 2008، وذلك جراء تعثر شرك إيفرغراند العقارية الصينية.
وتنامت شركات التطوير العقاري في الصين بسرعة فائقة خلال العقد الماضي، مستندةً في ذلك إلى دعم بمبالغ ضخمة من أموال القروض. ومع أن السلطات شرعت في كبح جماح تلك الشركات بفرض قيود صارمة على الاقتراض، فإن التخلص من إدمان الديون ليس بالأمر السهل.
تراجع كبير
وتراجعت أسعار المساكن الجديدة في الصين لأول مرة منذ ست سنوات وانخفضت المبيعات بنسبة 16.9% في سبتمبر/أيلول على أساس سنوي، حيث واجهت مجموعة "إيفرغراند غروب"، ثاني أكبر شركة تطوير عقاري بالبلاد، أزمة ديون، مما أدى إلى تباطؤ القطاع العقاري في أرجاء البلاد.
وتراجعت مبيعات كبرى شركات التطوير العقاري في الصين خلال الشهر الماضي مع تفاقم أزمة مجموعة إيفرغراند الصينية، ما يفرض مزيداً من الضغوط على حكومة بكين للحيلولة دون انهيار مجموعة العقارات العملاقة.
وذكرت شركة "تشاينا ريال استيت إنفورميشن كورب" للاستشارات العقارية أن مبيعات أكبر مئة شركة تطوير عقاري في الصين تراجعت بنسبة 36% إلى 759.6 مليار يوان (118 مليار دولار) في سبتمبر/أيلول الماضي مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، ما يعكس تراجع حركة السوق التي بدأت في يوليو/تموز الماضي.
وأضافت الشركة في تقريرها الذي أوردته وكالة بلومبرغ أن أكثر من تسعين شركة تطوير عقاري شهدت تراجعاً في مبيعاتها مقارنة بالعام الماضي، فيما سجلت 60% من هذه الشركات تراجعاً تزيد نسبته عن 30%.
وتعدُّ شركة "إيفرغراند" إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في الصين، لكنها في الوقت نفسه من بين أكثر الشركات مديونية في العالم، إذ تبلغ ديونها أكثر من 300 مليار دولار. وتعاني الشركة تحت وطأة الديون المتراكمة عليها وقد فشلت مؤخراً في سداد العديد من أقساط السندات الخارجية.
قبل انتهاء فترة السماح البالغة 30 يوماً، أرسلت شركة إيفرغراند 83.5 مليون دولار يوم الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول من الأقساط المستحقة على سنداتها الخارجية بالدولار. لكنها مع ذلك لا تزال مقبلةً على مزيد من المواعيد النهائية للاستحقاقات فيما يتعلق بمدفوعات الديون الفائتة، وفي انتظارها استحقاق آخر بمبلغ 45.2 مليون دولار من الفوائد في وقت لاحق من شهر أكتوبر/تشرين الأول. وإذا عجزت الشركة عن الوفاء بهذا الاستحقاق، تكون في وضع التخلف عن السداد رسمياً.
الأسوأ من ذلك أن أزمة إيفرغراند بدأت تنتشر بالفعل إلى مطورين آخرين وتهدد بزعزعة قطاع العقارات في الصين، وهو قطاع يقول الاقتصاديون إنه يشكل نحو 30% من اقتصاد البلاد.
تقرير لموقع Business Insider الأمريكي عرض أبرز الشركات الصينية العقارية المتعثرة
أبرز الشركات الصينية العقارية المتعثرة
شركة "فانتازيا" Fantasia
ربما كانت التخلف عن السداد الأكثر إثارة للقلق حتى الآن هو الذي تواجهه شركة التطوير العقاري متوسطة الحجم "فانتازيا" Fantasia. ففي وقت سابق من هذا الشهر، عجزت الشركة عن سداد أقساط بقيمة 206 ملايين دولار كانت مستحقة السداد في 4 أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لإحدى الوثائق.
وقال كريغ بوثام، كبير الخبراء في شؤون الاقتصاد الصيني في شركة Pantheon Macroeconomics، إن تعثر الشركة عن السداد أثار حالة من القلق، لأن الشركة كانت طمأنت المستثمرين قبل أسبوعين فقط بأنها لا تعاني مشكلة سيولة.
وأشار بوثام إلى أن "عديداً من شركات التطوير العقاري الصينية الكبرى في مواقف أكثر هشاشة مما قد تدل عليه ميزانياتهم العمومية".
شركة "فانتازيا" أصغر من شركة "إيفرغراند"، فقد بلغت إيراداتها 2.76 مليار دولار في عام 2019، في حين بلغت إيرادات شركة "إيفرغراند" نحو 69.15 مليار دولار، وفقاً لتقارير صادرة عن وكالة Bloomberg.
مجموعة "سينيك" القابضة Sinic Holdings
أفاد تقرير لشركة Pantheon Macroeconomics للاستشارات الاقتصادية بأن شركة "سينيك" Sinic تخلفت عن سداد أقساط سندات ودفعات فوائد بقيمة 250 مليون دولار يوم الإثنين 18 أكتوبر/تشرين الأول. وهي شركة تطوير عقاري أخرى من الشركات متوسطة الحجم بإيرادات بلغت 3.91 مليار دولار في عام 2019.
أدت الأزمة المرتبطة بشركة "إيفرغراند" إلى تباطؤ المبيعات في قطاع العقارات ورفع تكاليف الاقتراض، وهو ما زاد الضغط على المطورين الأصغر حجماً مثل شركة "سينيك".
يُذكر أن العائد على سندات الدولار الصينية مرتفعة المخاطر -التي تعد مصدر تمويل كبيراً للمطورين- ارتفع إلى 20% في وقت سابق من هذا الشهر.
وقد خفضت وكالة "فيتش" Fitch للتصنيف الائتماني تصنيف شركة "سينيك" إلى "تعثُّر مقيَّد" يوم الخميس 21 أكتوبر/تشرين الأول.
شركة China Properties
تعد شركة "عقارات الصين" China Properties أصغر بكثير من شركة "سينيك"، لكنها أيضاً في مأزق. فقد أعلنت في 15 أكتوبر/تشرين الأول أنها تخلفت عن سداد أقساط بقيمة 226 مليون دولار، بحسب بيان في بورصة هونغ كونغ.
شركة "موديرن لاند" Modern Land
طلبت شركة "موديرن لاند" Modern Land في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول تأجيل أقساط مستحقة بقيمة 250 مليون دولار لمدة 3 أشهر إلى يناير/كانون الثاني 2022، قائلةً إنها تريد اتخاذ تدابير "لتجنب أي تعثر محتمل في السداد".
ومع ذلك، ألغت شركة التطوير متوسطة الحجم، المالكة لأكثر من 200 شقة ومكتب تابع في جميع أنحاء الصين، تلك الخطط في وقت متأخر من يوم الأربعاء 20 أكتوبر/تشرين الأول. وقالت إنها تواجه مشكلة في السيولة وتسعى لتوظيف مستشارين ماليين.
وأعلن رئيس مجلس إدارة الشركة ومديرها إنهم سيضخون نحو 123 مليون دولار في الشركة.
"شينيوان" العقارية Xinyuan Real Estate
أدى الضغط على شركة "شينيوان" Xinyuan العقارية إلى مقايضتها مبلغ 208 ملايين دولار من السندات الدولارية بديون مستحقة في غضون عامين، في تبادل متعثر للديون.
مجموعة "غرينلاند" القابضة Greenland Holding
خفَّضت وكالة S&P Global Ratings تصنيف شركة "غرينلاند" Greenland في وقت سابق من هذا الشهر، وهي شركة تطوير عقاري ضخمة بلغت إيراداتها نحو 61.98 مليار دولار في عام 2019. وبلغ تصنيف الشركة " B+"، ما يعني أنها قادرة على سداد ديونها حالياً، لكنها معرضة للتأثر بتداعيات أي صدمة أخرى.
تعاني "غرينلاند" في ظل الارتفاع الراهن في تكاليف الاقتراض خلال أزمة "إيفرغراند"، لا سيما بعد أن أصبح المستثمرون أقل إقبالاً على إقراض الشركات العقارية.
وقالت وكالة S&P إن "السيولة المتوفرة لدى الشركة قد تستمر في النضوب خلال الـ12 شهراً القادمة بسبب ضعف المبيعات وتراجع التحصيل النقدي".
تأثير الأزمة على الاقتصاد الصيني
لا تتسم الصين بالهشاشة المالية التي تعانيها الدول الرأسمالية، فهي تستطيع توجيه بنوكها الحكومية لاستمرار إقراض الشركات، ولكن ثروة الطبقة الوسطى لديها وسياسة الاستقرار والنمو طويل الأجل تعتمد جميعها بشكل أكبر على العقارات.
فالمواطنون الصينيون يعتمدون على نحو استثنائي على العقارات، إذ يبلغ معدل الملكية 90%، وتشير تقديرات إلى أن الصينيين الذين يعيشون في مناطق حضرية يملكون أكثر عن 70% من ثروتهم الخالصة في صورة عقارات.
وإذا تراجعت أسعار الأراضي داخل الصين، فإن جموع السكان ستتعرض لأضرار مالية هائلة، كما تعتمد الحكومة المركزية والحكومات المحلية على بيع الأراضي كمصدر للدخل، وذلك يجعل تأثير أي انهيار عقاري أكثر خطورة على الاقتصاد الصيني مما حدث من قبل مع أمريكا في عام 2008 وفي اليابان في التسعينيات.
ويقول نوح سميث إنه من شأن حدوث انهيار بقطاع العقارات يستمر لمدى طويل، تقليص قدرة الصين على الاستجابة لصدمات الاقتصاد الكلي بدرجة كبيرة.
ويرى أنه لا بد أن أي شركة تستثمر في الصين، أو تكسب قوتها من التصدير إلى الصين، يخالجها توتر بالغ بشأن التداعيات المحتملة من أزمة "إيفرغراند".